العمر الضائع١
في يوم الثلاثاء المقبل سيحتفل المصريون بذكرى الشيخ محمد عبده في الجامعة المصرية.
وأول ما يمر بالخاطر، هو مكان الاحتفال، فقد نذكر أنهم احتفلوا بتأبين الشيخ حمزة فتح الله، في المكان الذي كان يُلقِي فيه دروسه العامة في درب الجماميز.
وليست الجامعة المصرية بالمكان الذي كان يُلقي فيه الأستاذ دروسه العامة؛ ولكنه كان يُلقي أبحاثه الممتعة في الأزهر الشريف.
فيا عجبًا! أَيَضِيقُ الأزهر على الشيخ محمد عبده في الحياة وبعد الممات؟ …
لا فرار من الحق! إن الذين فكروا في الاحتفال بذكرى الشيخ محمد عبده هم تلامذته القدماء الذين ضاق بهم الأزهر، ووسعتْهم الجامعة المصرية.
لقد تسكن النفس، ويطمئن القلب، حين نرى بأعيننا حياة هذا الرجل بعد موته! أليس هو القائل: وإن فناءً في الحق لَهُو عين البقاء؟! صدقْت أيها المصلح الجليل، فانظر بعينك الآن من عالم الأبدية؛ لترى — من جديد — أن رحمة الله قريبٌ من المحسنين! إن للمجاهدين عبرةً في حياتك الأولى والثانية، لقد مُتَّ وأنت تتسمع؛ عساك تجد منصفًا يعترف لك بجميل، فهل علمت أن الناس يعلنون عن أنفسهم بالحب لك، والاقتداء بك؟
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.
•••
في يوم الثلاثاء المقبل ستتقاطر جموعُ العلماء إلى دار الجامعة المصرية، فلنُسمعْهم هذه الكلمة؛ عساهم يَصلون إلى تلك الدار وهم خاشعون!
لقد مرت السنون على وفاة الشيخ محمد عبده، فهل قام فريق منهم فوقف وقفة المستبسل الجريء، فذاد عن المعاهد الدينية، واقتفى أثره في إصلاح الأزهر، وتعديل برامج التعليم؟
لقد عُطلت الدروس شهورًا عديدة، فهل انتفعوا بهذه العطلة فملئوا الخزائن ببدائع المؤلفات وروائع المصنفات؟ ألم يعد الأزهر كالطلل البالي؛ لأنهم استبدلوه بالأندية الخصوصية حتى عُطلت الجمعة فيه أسابيع كثيرة؟ ألم يتركوا السذاجة تَطْغَى وتستطيل حتى أعلن بعضهم في الصحف السيارة أنه سأل الشيخ بخيت عن حكم التكلُّم في السياسة؟ ألم تنطق صوامتُ الموجودات وهم لائذون بالصمت والسكوت؟
لا يُقنع الأمةَ أن ترى من بين هؤلاء الجموع خمسة أو عشرة يكتب كلٌّ منهم بضع رسائل في السنة، ثم تطوى الصحيفة ويجف المداد.
كُنَّا سمعنا أن امرأةً صالحةً وقفت في طريق الفخر الرازي، فسألها الناس أن تُفسح له الطريق، فقالت: منْ هذا الذي تحتفون به؟ فقالوا: رجلٌ عالم أقام على وجود الله ألف دليل. فقالت: وَيْحكم! هل عَمِيتم حتى تطلبوا على وجود الله ألف دليل؟! وكذلك يقتل الأزهريون وقتَهم في إثبات وجود الله — تعالى عما يصفون.
نريد أن يتغير التعليم في الأزهر والمعاهد الدينية؛ نريد أن نكون أَعِزَّة وقد صَيَّرَتْنا هذه التعاليمُ أذلاء، نريد أن نرسم الخطة لنهضة الممالك الإسلامية، حتى يُغلب الجاحدون على أمرهم فيدخلون في دين الله أفواجًا أفواجًا من حيث لا يشعرون.
نريد أن نمحو الوساوس التي دخلت في العلوم العربية وأصول الفقه وعلم التوحيد، ولا يضيرنا أن يخمل بذهاب هذه الوساوس مئاتُ المتصدِّرين في العلم والدين! فهل نحن واجدون من بين العلماء من يسمع هذه الكلمة التي اضطررنا إليها اضطرارًا، وألجأنا إليها الغيرةُ على الدين الذي مات في تأييده الآباء والأجداد؟