الشياطين فقط … هم الذين يستطيعون
عندما وصلَ الشياطين «أحمد» و«رشيد» و«عثمان» و«قيس» و«ريما» إلى المقرِّ السرِّي، بعد مغامرة «حرب المعلومات»، كان الليل قد بدأ ينتشر ظلامه حول المنطقة. كانوا يشعرون بالتعب؛ ولذلك فقد لجَئوا إلى أَسرَّتهم مباشرة. وبعد حمَّامٍ دافئٍ، استغرقوا في النوم، فهم يعرفون، كما يعرف بقية الشياطين، أن هناك اجتماعًا في الغد لمغامرةٍ جديدة.
وعندما كان الصباح، اجتمعوا في حديقة المقر، تحت شمسٍ شتوية نصف دافئة. أخذ «أحمد» يشرح لهم ما حدثَ في المغامرة، والمقر الغريب للعصابة. وقد ضحك الشياطين طويلًا، للخُدعة التي حقَّقها «أحمد» في المغامرة، عندما لبسَ هو وبقية الزملاء قناعًا واحدًا، حتى إن أحدًا لم يستطع أن يعرف الواحد من الآخر. تمامًا، كما فعل «جاك بيلي» وزملاؤه.
قالت «إلهام»: إنها خُدعة ذكية بالتأكيد. وهو نوع من الرد على العصابة. سكتت لحظة، ثم أضافت ضاحكةً: عصابة «جاك بيلي».
كانت الساعة تكاد تقترب من العاشرة، ولم يكن رقم «صفر» قد استدعاهم للاجتماع بعد. حتى إن «خالد» قال: يبدو أن المغامرة الجديدة لا تحتاج إلى السرعة. ويبدو أن في الوقت متسعًا، وإلا لكان رقم «صفر» قد استدعانا، حتى قبل أن ننام.
ابتسمت «ريما» وهي تقول: ربما تكون اتصالات الزعيم بعملائه في أنحاء العالم مستمرة، ولم تتجمَّع الصورة كلها بعد ذلك.
قال «مصباح»: أنا مع «ريما»، فهذه وجهة نظر أقرب إلى الصحة، فالمغامرة تحتاج دائمًا إلى السرعة، فقط عندما تكتمل كل عناصرها.
فجأة، صدَر صوتٌ مُتقطِّع لفَت أنظار الشياطين، فتعلَّقت أعينهم بمصدره.
بعد لحظة قال «بو عمير»: إنه التدريب.
ظهرَت الدهشة على وجوه الشياطين وقالت «زبيدة»: أي تدريب الآن؟
لكن سؤالها لم يكن نوعًا من الاعتراض، لقد كان سؤالًا فحسب … ولذلك، تحرك الشياطين بسرعة في اتجاه أرض التدريب. وعندما وصلوا إلى هناك، كان المدرب يقف مبتسمًا، وهو يقول: أظنكم اندهشتم.
قالت «زبيدة»: نعم.
قال المدرب مبتسمًا: سوف نخرج في رحلة سريعة إلى أماكن قريبة.
كانت هذه أول مرة يحدث فيها هذا النوع من التدريب. لمح المدرب ذلك، فقال: فقط، سوف نصل إلى الجبال القريبة التي تُطلُّ على البحر.
كانت المسألة تبدو غريبة نوعًا، لكنهم في النهاية لا يستطيعون إلَّا تنفيذ الأوامر. ولذلك، أسرعوا إلى مكان السيارات التي ما إن ركبوها، حتى انطلقت بهم. كان المدرب يقود طابور السيارات الطويل، خارجًا من المقر السري. وعندما أُغلقت البوابات الصخرية ذات الصوت المكتوم، كان الشياطين يقفون أمام لغزٍ لا يعرفون له تفسيرًا، فما معنى ما يحدث الآن؟
انقضَت ساعة، والسيارات تنطلق بمعدل متوسط هو مائة كيلومتر في الساعة. ورغم أن هذه سرعة عالية بالنسبة للسير العادي، إلا أنها بالنسبة للشياطين تعتبر سرعة متوسطة. كانت الجبال العالية، تظهر أمام الشياطين وكأنها سدٌّ منيعٌ، غير أنها كانت تُثير شهَّيتهم للمغامرة.
توقَّفت سيارة المدرب، فبدأَت سيارات الشياطين تقف خلفها الواحدة بعد الأخرى. إلا أن المدرب نظرَ إليهم مبتسمًا وهو يقول: أظن أننا هكذا لسنا في وضعٍ جيدٍ. هناك وضعٌ أفضل.
فهِم «أحمد» بسرعة، ماذا يقصد المدرب. أسرع يقود سيارته إلى مكانٍ أبعدَ قليلًا. في نفس الوقت فهِم بقية الشياطين … فتحركوا بسياراتهم إلى أماكنَ متفرقة.
قال «أحمد» في نفسه: إنه على صواب. فقد تتعرض لهجوم مفاجئ. وعندما تكون السيارات كلها في مكانٍ واحدٍ تكون السيطرة عليها أسرع. لكنها إذا كانت متفرقة، فهي تحتاج إلى جهدٍ مضاعَف.
ابتسم «أحمد» وهو يتذكر قاعدة قالها يومًا رقم «صفر»: لا تضع البيض كلَّه في سلة واحدة. والمعنى أنك يمكن أن تفقده جميعًا في وقتٍ واحد. لكن إذا وزَّعته فإنك سوف تفقد بعضه فقط.
عندما تم توزيع السيارات اجتمع الشياطين في شكل نصف دائرة، حيث وقف المدرب أمامهم.
أشار إلى الجبل المنتصب أمامهم وقال: مطلوبٌ منَّا الآن أن نصل إلى قمة الجبل. مع ملاحظة أنه لا توجد «مدقات» فيه توصلنا إلى هناك. وأنا لا أملك خُطَّة معينة للوصول إلى القمة.
نظر «أحمد» إلى الجبل المرتفع. لم يكن يظهر أي طريق جانبي، وهو ما يسميه المدرب «مدق»، وهو ذلك الطريق الرفيع الذي يظهر نتيجة الأقدام.
ظل «أحمد» يمسحه بعينيه من قاعدته حتى قمته، في نفس الوقت الذي كان المدرب يقول فيه: إن الجبل — كما تعرفون — يُطلُّ على البحر الذي لا يظهر أمامنا الآن؛ ولذلك فعليكم أن تتسلقوا الجبل حتى تروا البحر. وعندما نلتقي عند القمة، سوف تكون لنا مرحلة تدريبية أخرى.
تحرَّك المدرب في رشاقة، برغم كبر سنه، وبدأ في تسلُّق الجبل. كان يحمل خُطَّافَين من الصُّلب الأبيض، وكان كلٌّ من الشياطين يحمل مثلهما. وفي لمح البصر كان المدرب يتقدَّم في اتجاه القمة. ظل الشياطين يراقبونه بعض الوقت، ثم أعطى «أحمد» الإشارة، فانطلقوا إلى الجبل. كانت تجربةً مثيرة، وإن كانت ليست جديدة على الشياطين؛ فتسلُّق الأماكن المرتفعة قد سبَق وفعلوه كثيرًا.
مضَت ثلاثُ ساعات، كان الشياطين يتحركون خلالها في رشاقةٍ وخفةٍ، للوصول إلى قمة الجبل. وعندما وصل المدرب إلى هناك، ملأت وجهَه الدهشة … لقد كان خمسة من الشياطين يجلسون فوق القمة، هم «أحمد» و«خالد» و«مصباح» و«باسم» و«فهد». ضحك المدرب طويلًا قبل أن يقول: لقد تصورتُ أنني سوف أصل قبلكم.
ولم يكد يُتم جملته حتى كان بقية الشياطين قد بدءوا يتوافدون، الواحد بعد الآخر. كانت عملية مثيرة، لكنها أعجبَت الشياطين برغم صعوبتها.
فجأة قال المدرب: إننا في مكان يرتفع عن البحر بمقدار عمارة ترتفع إلى سبعة طوابق. سوف نفترض أن هناك قاربًا ينتظرنا في عُرض البحر، ونريد الوصول إليه، في نفس الوقت لا يوجد طريق للنزول.
كان الشياطين ينظرون إلى زرقة الماء، والأفق الذي يمتدُّ بلا نهاية. في نفس الوقت كان «أحمد» يفكر: إن هذا التدريب هو «بروفة» للمغامرة القادمة، فلا بدَّ أننا سوف ندخل عمليةً مماثلة.
قطع تفكيره صوت المدرب يقول: سوف نقفز من هنا.
نظر إليهم لحظةً، ثم قال: مَن سوف يبدأ؟
ابتسم الشياطين، فقال: سوف أسبقكم.
وقبل أن يُفكِّر أحدٌ منهم في كلمة، كان المدرب يجري في اتجاه البحر، ثم يقفز طائرًا في الهواء. أسرع الشياطين خلفه. شاهدوه وهو يتكوَّر حول نفسه، فيصبح مثل الكرة وهي تسقط. ظل على هذه الحالة، حتى اقترب من سطح الماء، فبسط ذراعَيه وكأنه عصفور، ثم ضمَّهما وكأنه سهم، وشقَّ سطح الماء، حتى اختفى فيه. ظل الشياطين يراقبونه، حتى ظهر على سطح الماء، فأشار إليهم.
تراجع «أحمد» قليلًا، ثم أسرع جريًا وقفز في الهواء، فاتحًا ذراعَيه، وكأنه يطير. وعندما اقترب من الماء، ضم ذراعَيه، وهو يمدهما إلى الأمام، حتى شق بهما سطح البحر، واختفى في الماء. توالى الشياطين الواحد بعد الآخر، حتى أصبحوا جميعًا حول المدرب في الماء.
قال المدرب: لقد أديتم تمرينًا ناجحًا، هيا بنا نسبح إلى الشاطئ.
وفي ضربة ذراع واحدة، كانوا يشقون ماء البحر في طريقهم إلى الشاطئ. في نفس اللحظة، كانت أشعة تتردد أمامهم في اتجاه المقر السري. وكان التردد بطريقة خاصة فهمها الشياطين.
فقال أحمد: الاجتماع بعد ساعة.
وبسرعة كان الجميع يأخذون طريقهم إلى السيارات التي انطلقت إلى المقر السري. وقبل أن تنقضيَ الساعة المحددة لبداية الاجتماع، كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى القاعة. وعندما استقروا فيها، جاءهم صوت رقم «صفر» يقول: إن التقرير الذي قدَّمه خبير التسلُّق والغطس يجعلني أسرع إليكم الآن. ففي الفترة الأخيرة، كانت المغامرات متلاحقة، حتى إنه لم يكن هناك وقت للتدريب. وتصورت أنكم فقدتم بعض لياقتكم. لكن تصوري لم يكن صحيحًا؛ فقد أثبتَ الشياطين أنهم جاهزون دائمًا، لكل الاحتمالات.
سكت رقم «صفر»، فنظر الشياطين إلى بعضهم وقالت «إلهام»: يبدو أن مغامرتنا الجديدة ستكون في الهند، وربما تسلقنا جبال «الهيمالايا».
ردَّت «زبيدة»: إن «الهيمالايا» بعيدة عن البحر، وهذا يعني أن جغرافية المغامرة ستكون في مكانٍ آخر.
ابتسم «عثمان» وهو يقول: المسألة ليست أين المغامرة، المسألة ما هي المغامرة؟
كاد «رشيد» يشترك في الحوار، لولا أن صوت أقدام رقم «صفر» قد بدأت تقترب مما جعله يصمت. ظلَّت أقدام الزعيم تقترب حتى توقَّفت. عندئذٍ قال: أهلًا بكم في اجتماعنا الجديد. وسكت لحظة، ثم قال: قد تبدو المغامرة الجديدة سهلة، خصوصًا وأنكم قمتم بمثلها من قبل. إلا أن الجديد فيها أنهما خبيران مهمان في الإلكترونيات.
سكت لحظةً، جعلت «أحمد» يبتسم، حتى إن صوت رقم «صفر» جاء يقول: إن ابتسامتك تدلُّ على أنك فهمت بسرعة طبيعة المغامرة. مع ذلك، من المهم أن تعرف التفاصيل.
ثم سكت مرة أخرى، فنظر الشياطين إلى «أحمد» فقد فهموا هم الآخرون نوعية المغامرة.
قال رقم «صفر»: لقد خطفَت عصابة «سادة العالم» اثنين من أكبر خبراء الإلكترونيات في مؤسسة «ذي فيوتشر» أو «المستقبل»، التي يمتلكها الملياردير «جاك شراير». وأنتم تعرفون أن صنعة الملياردير تعني أنه من أصحاب المليارات. كما تعرفون أيضًا أن المليار يعني ألف مليون. ولهذا فقد حدَّدت العصابة مبلغ ١٥ مليون دولار فديةً للخبيرَين.
سكت لحظة، ثم أضاف: هذه مسألة عادية، قابلتكم في مغامرات سابقة. الجديدُ في المغامَرة أن الملياردير «جاك شراير» رفَض تهديدَ العصابة، وقرَّر أن يُؤلِّف فريقًا من العسكريين القُدامى لاستردادِ الخبيرَين. إن هذا الفريق لا يَعرف إمكانياتِ عصابة «سادة العالَم» ولا قوَّتَها، ومن المؤكَّد أن هذا الفريق سوف يُقضى عليه، بجوار أن العصابة قد تَلجأ فعلًا إلى التخلُّص من الخبيرَين أيضًا، ما دام «شراير» لن يَدفع الفِدية، بل ربما يَصل أذاها إلى الملياردير نفسه.
سكت قليلًا قبل أن يُضيف: أنتم تعرفون «سادة العالم» جيدًا. وتعرفون كيف تتعاملون مع هذه العصابة الخطيرة؛ ولذلك فإن المسألة مسألةُ وقت. فالمطلوب هو إطلاقُ سراح الخبيرَين قبل أن تتحرك مجموعة «شراير». غير أن الخبيرَين موجودان الآن في أحد مراكز العصابة في «شيلي»، وبالتحديد في المركز الذي يقع في مدينة «إيكيكي». وسوف تتسلمونه بعد الاجتماع.
سكت رقم «صفر» مرة أخرى. غير أنه فجأة أضاءت لمبة حمراء، جعلت رقم «صفر» يقول: هناك تقرير جديد في الطريق.
أخذت أقدامه تبتعد، وعندما اختفت تمامًا ظهرَت الخريطة الإلكترونية أمام الشياطين، فبدءوا يجمعون معلومات الخريطة، لأنها تحدد لهم مكان المغامرة.