المغامرة … في مدينة غريبة!
كانت الخريطة تحدد موقع «شيلي». فهي تقع على المحيط الهادي وتُمثِّل شريطًا طويلًا عليه. فهي تمتد من خط عرض ١٨ إلى خط عرض ٦٠. وتقع بين خطي طول ٧٠، ٨٠. تحدها من الشرق «الأرجنتين»، ومن الجنوب الشرقي «بوليفيا»، ومن الجنوب «بيرو»، وكلها تقع في أمريكا الجنوبية. يقطعها مدار الجدي في الجنوب، حيث تقع مدينة «إيكيكي» في المنطقة الاستوائية بين خط الاستواء، ومدار الجدي.
ظهرت دائرة حمراء التفَّت حول «إيكيكي» فقالت «ريما»: إنها تقع في منطقة حارة تمامًا.
ظهر اللون البني، من الجنوب، ممتدًّا حتى الشمال يشير إلى سلسلة جبال طويلة تمتد من أول البلاد حتى آخرها، وهي سلسلة جبال «الأنديز»، وهي تقترب تمامًا من المحيط عند مدينة «إيكيكي».
علَّق «فهد» قائلًا: لهذا كانت تدريباتنا اليوم، على تسلق الجبال، والقفز والغوص والسباحة. وسكت لحظة ثم أضاف: الآن وضحت المغامرة.
كان «أحمد» يحدد أول محطة نزول للشياطين، وهو ينظر إلى الخريطة مفكرًا. كانت أمامه ثلاث محطات. إما النزول في مطار «ليما» في «بيرو» — وهو أقرب إلى مدينة «إيكيكي» — وإن كان يقع في دولة أخرى، أو مطار «سنتياجو» في «شيلي» وهو أبعد قليلًا، أو مطار «بيونس أيريس» في «الأرجنتين»، وهو يبعد نفس المسافة التي يبعدها مطار «سنتياجو» عاصمة «شيلي».
فكر «أحمد»: إن النزول في مطار «سنتياجو» يعني الانتقال عن طريق المواصلات الداخلية، دون أن تقع مشاكل المرور على الحدود بين دولة وأخرى، لكن ذلك سوف يستغرق وقتًا. والنزول في مطار «ليما» يختصر الوقت، وإن كانت مشاكل الحدود سوف تقابل الشياطين.
ظل يتأمل الخريطة الإلكترونية وهو مُستغرِق في تفكيره، وقال في نفسه: إن هناك بعض الجزر في هذه المنطقة. ويمكن النزول إلى إحداها، ثم التقدم إلى «إيكيكي». وفي هذه الحالة يكون الطريق أقصر كثيرًا. ظل يتذكر، ثم لمعت الفكرة في ذهنه، هناك مجموعة جزر «سان فيلكس». إن النزول إليها سوف يكون سهلًا، ثم الإبحار إلى «إيكيكي». وهذه الجزر تقع على مسافة أقرب إلى المدينة من «سنتياجو». ظل يقلب الأمر في ذهنه، إلا أن صوت أقدام رقم «صفر»، جعله يؤجل اتخاذ قرار في محطة النزول.
توقَّفت أقدام رقم «صفر»، ثم قال:
الآن ينبغي أن تنطلقوا وبأقصى سرعة. فقد تحركت مجموعة «شراير» العسكرية. إن هذه المجموعة سوف تقع في أيدي العصابة وببساطة؛ فهي لا تعرف أين يقع مركز العصابة في «شيلي». وحسب التقارير التي وصلت فإن العصابة حدَّدت مدينة «سنتياجو» العاصمة لتقديم الفدية. ومجموعة «شراير»، سوف تحاول عن طريق التفاهم أن تكتشف مكان الخبيرَين. وهذه طبعًا خُطة ساذَجة تمامًا. ليس هذا هو المهم، إن المهم أن هذه المجموعة سوف تقع في أيدي العصابة وفي هذه الحالة سوف تكون المغامرة أكثر تعقيدًا.
سكت قليلًا ثم قال: إن النزول في «سنتياجو» العاصمة، هو أسرع الطرق، ومنها يمكنكم التحرك مباشرة إلى «إيكيكي». صحيح أن الطريق طويل. لكن عميلنا هناك سوف يُسهِّل لكم طريقة الوصول.
صمت لحظة ثم أضاف: الآن، يمكنكم التحرك، وسوف تكون المجموعة مُكوَّنة من «أحمد»، «خالد» «مصباح»، «باسم»، «فهد». أتمنى لكم التوفيق!
انتظر الشياطين لحظة، غير أن أقدام رقم «صفر» لم تتحرك. فعرَفوا أن هناك شيئًا آخر سوف يقوله. لكن رقم «صفر» لم يتحدث مباشرة، فقد مرَّ بعض الوقت قبل أن يقول: لعل هذه أول مرة سوف ندخل فيها مغامرتَين في وقتٍ واحدٍ. فهناك مجموعة أخرى سوف تتحرك لعمليةٍ جديدة. إن تفاصيلها الكاملة لم تصل إلينا بعد. لكن عملاءنا قد أرسلوا بعض التقارير التي تحتاج منا إلى الاستعداد.
سكت رقم «صفر»، في الوقت الذي نظر فيه الشياطين إلى بعضهم. إن هذه فعلًا أول مرة يستعد فيها فريقان في وقتٍ واحد.
جاء صوت رقم «صفر» يقول: إنني أقول ذلك، حتى تُسرع مجموعة «إيكيكي» في إنهاء مغامرتها. فمَن يدري، قد تكون مغامرتنا الأخرى في حاجة إلى الشياطين جميعًا.
سكت رقم «صفر» ثم تحرَّكت قدماه، بعد أن ترك الشياطين في حالة تفكير عميق.
كانوا يفكرون: تُرى ما هي هذه المغامرة التي قد تحتاج الشياطين جميعًا؟!
عندما اختفت أقدام رقم «صفر»، وقف «أحمد» بسرعة، فتحرك الباقون. وفي لحظات، كانوا قد غادروا قاعة الاجتماعات.
في الوقت الذي اتجهت فيه مجموعة «إيكيكي» إلى تجهيز حاجيَّاتهم، كان «أحمد» قد أخذ طريقه إلى قسم المعلومات في المقر السري. كان يريد أن يعرف أكبر قدرٍ من المعلومات عن هذه المنطقة الجديدة التي سوف يرحلون إليها. فهو يعرف أنها منطقة خطرة. في قسم المعلومات، ضغط أحد الأزرار، فأُضيئت شاشة متوسطة الحجم. ضغط زرًّا آخر، فبدأَت المعلومات تظهر أمامه. جلس يقرأ حتى انتهى، وعرَف أن المنطقة التي تقع فيها «إيكيكي» منطقة براكين. وعرف أن «شيلي» كلها منطقة براكين أيضًا، لكنها في الجنوب براكين خامدة، أما في الشمال، حيث تقع مدينة «إيكيكي»، فهي منطقة براكين نشطة. وقد تعرَّضَت المنطقة لعدة زلازل، كانت نتيجتها خسائر كبيرة في الأرواح. عرف أيضًا أنها منطقة غنية بالمعادن، وخصوصًا النُّحاس، وأن المنطقة حارة، وإن كان الطقس يتنوَّع، تبعًا لقرب المكان من خط الاستواء، أو البعد عنه. كما أنه يختلف بين موقع على المحيط الهادي، أو موقع في داخل البلاد. عرف أيضًا أن «شيلي» لا يزيد عرضها على ٤٠٠ كيلومتر فقط، وهي لذلك تمتد على ساحلٍ طويل. لكن السؤال الذي تردَّد في ذهنه هو: لماذا اختارت العصابة مدينة «إيكيكي» لتكون مقرًّا لأحد مراكزها. مع أنها تقع في مكانٍ خطِر، ويمكن أن يتعرَّض لإحدى هزَّات الزلازل فينتهي؟
إلَّا أنه لم يبحث عن الإجابة مباشرة. فقد أرجأ ذلك إلى وقت آخر. وأخذ طريقه مباشرة إلى غرفته حتى يجهز حقيبته السحرية. في دقائق كان قد انتهى من تجهيز حقيبته، فأخذ طريقه إلى مكان السيارات، حيث تجتمع مجموعة الشياطين. وهناك، وجدهم داخل السيارة في انتظار وصوله. ما إن جلس حتى انطلق «مصباح» بالسيارة، في اتجاه بوابات المقر التي ما إن اقتربوا منها حتى فُتحَت، وما إن تجاوزَتها السيارة حتى أُقفلَت. كانت السيارة تنطلق في الخلاء الرحب متجهةً إلى حيث أول مطار. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف النهار بقليل، وعندما كانت الشمس تقف قريبة من الأفق، كان الشياطين يغادرونها إلى المطار.
كانت تذاكر السفر في شباك مُحدَّد لإحدى شركات الطيران التي لا يُعلن عنها، فالشياطين تأتيهم فقط تعليمات بالاتجاه إلى شركة طيران محددة، ليجدوا تذاكرهم فيها. نظر «أحمد» في تذكرة السفر، حتى يعرف موعد إقلاع الطائرة. ثم نظر في ساعة يده. كان هناك بعض الوقت. أخذ طريقه إلى حيث تباع الصحف والمجلات، فاشترى عددًا منها. وفي نفس الوقت الذي كان الشياطين يراقبون حركةَ المطار النشطة. أخذ «أحمد» يُقلِّب صفحات الجرائد.
فجأة، توقف عند تحقيقٍ صحفي يتحدث عن الإلكترونيات. جرت عيناه بسرعة، ثم توقفت عند اسمَين محدَّدَين هما: «جيرار بل» و«هاري لاكس». كان التحقيق يتحدث عنهما بإسهاب، يصفهما بأنهما من أكبر علماء الإلكترونيات في العالم. وقال التحقيق إنهما يُجريان الآن أبحاثًا هامة في هذا الميدان، داخل مؤسسة «المستقبل» التي يمتلكها الملياردير الأمريكي «جاك شراير». قال التحقيق أيضًا إنهما عادا مؤخرًا من رحلةٍ علميةٍ لهما في دول أمريكا الجنوبية.
توقف «أحمد» قليلًا عن القراءة، وشرَد مُفكِّرًا: ما المقصود بهذا الآن؟ وهل صحيح أنهما عادا إلى أمريكا؟ وهل هذه أخبار حديثة عنهما؟ … أم أن التحقيق مقصود به شيء آخر؟
قطع تفكيرَه صوتُ مذيعة المطار تعلن عن توجُّه ركاب الرحلة المتجهة إلى «سنتياجو» إلى الطائرة. نظر حوله. كان الشياطين ينظرون إليه، اتجه بسرعة إليهم، ثم أخذوا طريقهم إلى داخل المطار. في دقائق، كانوا يركبون الأوتوبيس الذي ينقُلهم إلى مكان الطائرة. ودقائق أخرى، ثم كان كلٌّ منهم في مقعده. كانوا بعيدين عن بعض، وهذه عادتهم في رحلاتهم الطويلة. وقبل أن تستعد الطائرة إلى الإقلاع، كان «أحمد» قد انتهى من قراءة بقية التحقيق الصحفي، ثم أعطى الصحيفة إلى «فهد» الذي استغرق هو الآخر في القراءة. بينما شرد «أحمد» يفكر من جديد في هذه المعلومات الجديدة.
قال في نفسه: لا بدَّ من إرسال رسالة إلى رقم «صفر» للتأكد.
قال بعد لحظة: هل تكون مجموعة العسكريين التابعة ﻟ «شراير» قد نجحت في التغلب على العصابة؟ أو أن «جاك شراير» قد دفع الفدية؟
أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهن «أحمد»، بينما كانت الطائرة قد أخذت مسارها في الفضاء.
ألقى «أحمد» نظرةً سريعةً على «فهد»، الذي كان قد انتهى من قراءة التحقيق، ثم أعطى الصحيفة ﻟ «مصباح». فتح «أحمد» حقيبته الصغيرة، ثم أخرج التقرير الذي أعدَّه قسمُ التحقيقات في المقر السري، وبدأ يقرؤه. كان التقرير عن الخبيرَين «جيرار بل» و«هاري لاكس». تحدَّث التقرير عن حياتهما، ودراستهما، وما حقَّقاه في مجال الإلكترونيات. وفي النهاية، تحدَّث عن أوصاف كلٍّ منهما:
«جيرار بل»: في الخمسين من عمره، أشقر الشعر، قوي البنيان، يلبس نظارة طبية، وإن كانت عيناه تبدوان كالصقر، فهو صاحب نظرة حادة. رفيع الشفتين، أنفه طويل نوعًا. ثم أرفق مع التقرير صورة له.
«هاري لاكس»: في الخامسة والخمسين، أصلع تمامًا، هادئ الملامح، نحيل القوام ذراعه الأيسر أقصر من ذراعه الأيمن، وهذا نتيجة تشوُّهٍ خلْقي. يجيد استخدام المسدسات، وقد نال إحدى البطولات في الرماية. متزوج وله بنتان: ماري، وآليس. ومع التقرير، كانت توجد صورة ﻟ «هاري» ومعه زوجته وابنتاه.
طوى «أحمد» التقرير، ثم وضعه في الحقيبة. وشرد، يفكر في الخبيرَين. في نفس اللحظة التي اقترب فيها «باسم»، وهو يقدم الصحيفة ﻟ «أحمد»، وقد أشار إلى خبرٍ صغيرٍ في نهاية الصفحة. كان الخبر يقول: الملياردير «جاك شراير» يُصفِّي أعماله في «شيلي»، وينقُل نشاطه إلى «بيرو».
ابتسم «أحمد»، فقد ربط بين التحقيق الصحفي، والخبر، وفهِمَ منهما الكثير.