مهمة … في مدينة البراكين
إن ما فهِمَه «أحمد» كان يعني خُطَّة دبَّرها «جاك شراير» حتى يُعطيَ العصابةَ نوعًا من الموافقة مقدمًا على أنه سوف يدفع الفدية. ولأنه لا يستطيع أن يخاطبها مباشرة، فإنه عن طريق الصُّحف قد أرسل لها الموافقة المطلوبة. فالتحقيق يعني أهمية الخبيرَين. أما الخبر، فيعني أنهما سوف ينتقلان إلى مكان آخر، بعد إطلاق سراحهما. نظر إلى «باسم» مبتسمًا، بما يعني أنه فهِم. وأنه قد وجد الإجابات على أسئلته.
عندما انصرف «باسم» عائدًا إلى مقعده، استغرق «أحمد» في التفكير، ومرة أخرى بدأت الأسئلة تتزاحم في رأسه: لماذا لا تكون العصابة هي التي نشرَت الخبر، لتقول ﻟ «جاك شراير» إن الخبيرَين سوف يُقضى عليهما، ما لم يُسرع بدفع الفدية، وإن عملية تصفية أعماله تعني تصفية الخبيرَين.
كان السؤال محيرًا، فهو يمكن أن يكون صحيحًا؛ ولذلك أصبح في ذهن «أحمد» ضرورة أن يتحدث إلى رقم «صفر». فالمؤكد أن كل هذه المعلومات موجودة الآن في المقر السري؛ ولذلك أجلَّ التفكير مؤقتًا، لأنه لن يصل إلى إجابة قاطعة.
قُبيل منتصف الليل بقليل، كانت الطائرة تهبط في مطار «سنتياجو». ولم يُضع الشياطين وقتًا، فقد أخذوا طريقهم إلى الخارج. وهناك، كانت السيارة في انتظارهم. وعندما فتح «باسم» بابها، كان «أحمد» ينتظر بسرعة صوت عميل رقم «صفر»؛ ولذلك فقد كان هو أول الجالسين، بينما كان «مصباح» آخرهم.
عندما أغلق «مصباح» الباب، جاء صوت العميل يُرحِّب بهم، ثم قال: الاتجاه إلى النقطة «ﻫ» حيث يقع فندق «الأنديز». كل شيء جاهز للرحيل غدًا إلى «إيكيكي». أتمنى لكم إقامة هادئة!
ضبط «فهد» مؤشر البوصلة على النقطة «ﻫ» ثم تحرَّك. وخلال نصف ساعة، كانت السيارة تقف أمام فندق «الأنديز» الكبير. بسرعة، غادرها الشياطين. وخلال عشر دقائق، كانوا يعقدون اجتماعًا في غرفة «أحمد»، الذي قال: إن أسئلةً كثيرةً تتردد في ذهني، حول ما نُشر اليوم. وأظن أننا لن ننام قبل أن نعرف الإجابات الصحيحة لها.
ثم دارت مناقشة حول ما نُشر، وما فكر فيه «أحمد» وما فكر فيه الآخرون. في النهاية استقر رأيهم على إرسال رسالة إلى رقم «صفر». بدأ «أحمد» يرسل الرسالة الشفرية، وكانت كالآتي: «٢٤ – ٢٥» وقفة «١٣» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٤» وقفة «٢٤ – ١» وقفة «٢٦ – ٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٤ – ٢١ – ١٤ – ٢٧ – ٨» وقفة «٢ – ٢٤ – ١» وقفة «٢٥ – ١٣ – ١٠» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩ – ٢٧ – ٢٤» وقفة «٢٠ – ٢٩» وقفة «١٤ – ٦ – ٢٩ – ٢٠ – ٢٦» وقفة «١ – ٢٣ – ١٤ – ٢٥ – ٨ – ١ – ٢٩» انتهى.
وكانت ترجمة الرسالة: «من «ش» إلى «ص»، ما هو المقصود بما نُشر اليوم في صحيفة الصنداي؟»
لم تمضِ دقائق حتى جاءهم الرد الشفري: «٢٤ – ٢٥» وقفة «١٤» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٣ – ٢٨ – ١٣ – ٢٩» وقفة «١ – ١٢ – ٣ – ٢٤ – ١٠ – ٢٧ – ١» انتهى. وكانت ترجمتها: «من «ص» إلى «ش»، لا شيء. استمروا.»
كان رد رقم «صفر» مريحًا تمامًا للشياطين؛ ولذلك فقد تفرَّقوا إلى غُرفهم على أن يكون اللقاء غدًا في السابعة صباحًا.
غير أن ما حدث أجَّل كل شيء. ففي الساعة السادسة صباحًا، دقَّ جرس التليفون في غرفة «أحمد» الذي كان قد استيقظ فعلًا. وعندما رفع سماعة التليفون، جاءه صوت عميل رقم «صفر» يقول إن الأمور ليست على ما يرام. وإن هناك تعليمات ينبغي أن يتسلَّمها أحد من الشياطين، ثم حدَّد لهم مكان اللقاء.
وضع «أحمد» السماعة، وشرد يُفكِّر فيما قاله العميل. لكنه لم يصل إلى نتيجة ما، وبسرعة، اتصل ﺑ «خالد» وأخبره أنه سوف يخرج في مهمةٍ سريعةٍ، ثم يعود. قفز إلى خارج الغرفة، وفي دقائق كان يركب السيارة إلى النقطة التي حدَّدها العميل. وعندما وصل إلى هناك، اقتربت منه سيارة صغيرة، ثم توقفت. نزل منها شاب متوسط العمر، ثم قدم له رسالة مغلقة، وانصرف، حتى دون أن يُلقيَ عليه تحية الصباح. أخذ «أحمد» الرسالة وعاد مسرعًا إلى الفندق. وعندما دخل غرفته، كان الشياطين ينتظرونه وعلى وجوههم تساؤلات كثيرة. جلس بينهم ثم فتح الرسالة، وأخذ يقرؤها لهم بصوتٍ مسموعٍ. كانت الأنباء فعلًا غير طيبة. لقد ثار أحد البراكين في «إيكيكي»، وهذا يعني أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى هناك. فقد كان المفروض أن تُقلَّهم طائرة خاصة إلى «إيكيكي» اختصارًا للوقت. أما الآن، فإن الطيران إلى هناك، يُصبِح مغامرةً غير مأمونة … بجوار أنه سيكون ممنوعًا من قِبَل السلطات نفسها. وجلس الشياطين يفكرون في موقفهم الجديد.
قال «باسم»: يمكن أن نسافر عن طريق البر.
رد «أحمد»: المؤكد أن مدينة «إيكيكي» سوف تكون مغلقة الآن.
قال «مصباح»: إن عميل رقم «صفر» يمكن أن يجد لنا تصاريح للدخول.
لم يردَّ «أحمد» مباشرة. فقد بدأت فكرة ما تلمع في رأسه. قال بعد لحظة: إن هناك حلًّا واحدًا.
تعلقت أعين الشياطين به، وانتظروا ماذا يقول.
قال بعد لحظة: المؤكد أن هناك عمليات إغاثة الآن، لسكان المدينة. وفي هذه الحالة، هناك أمران: إما أن نكون بين المتطوعين للإنقاذ. أو أن نرحل بإحدى المواصلات التي سوف تنتقل بها فرق الإنقاذ.
ظهر الهدوء على وجه الشياطين، وقال «مصباح»: إن هذه فكرة طيبة. وينبغي الاتصال بعميل رقم «صفر» لتدبير الموقف.
أضاف «فهد»: إن هذه أيضًا فرصة طيبة بالنسبة لنا. فبين عمليات الإنقاذ، يمكن أن تتم عمليتنا بإنقاذ الخبيرَين.
أسرع «أحمد» إلى التليفون وتحدَّث إلى عميل رقم «صفر» … عن طريق الشفرة، يشرح له كل شيء. وكان جواب العميل: سوف أتصل بكم بعد نصف ساعة.
وضع «أحمد» السماعة، وهو يقول: المؤكد أن فكرتنا سوف تنجح. وسوف نكون اليوم في «إيكيكي»، بجوار أن ما حدث سوف يُعطِّل الاتفاق بين العصابة وبين «شراير». أيضًا سوف يُعطِّل مجموعة «شراير» من الوصول إلى هناك.
انقضت ربع ساعة. كانت أعين الشياطين مُعلَّقة بجهاز التليفون، في انتظار مكالمة عميل رقم «صفر». ولم يطُلِ انتظارهم، فقد رنَّ جرس التليفون، ورفع «أحمد» السماعة بسرعة.
جاء صوت العميل يقول: سوف ترحلون بعد نصف ساعة. هناك من ينتظركم في المطار.
ظهرت الفرحة على وجوه الشياطين، وفي لمح البصر، كانوا يغادرون الغرفة في طريقهم إلى السيارة، وما إن ركبوها، حتى انطلق بهم «باسم» إلى مطار «سنتياجو».
في الطريق قال «فهد»: إن هذه مفاجأة غير متوقعة.
قال «مصباح»: نرجو أن يهدأ البركان حتى نستطيع تنفيذ مهمتنا.
كانت السيارة تقطع الطريق في سرعةٍ عالية. ومن بعيد ظهَر مبنى المطار. وظل يقترب حتى توقَّفَت السيارة أمامه. وفي سرعة، غادروها إلى داخل المطار. وهناك، كانت لافتة معلقة، اتجهوا إليها مباشرة. كان مكتوبًا عليها «المتطوعون» …
تقدَّم «أحمد» إلى أحد الضباط وتحدَّث إليه، فمد الضابط يده يُحيِّي «أحمد»، ثم يُحيِّي بقية الشياطين، وفي دقائق كانوا يجلسون داخل طائرة صغيرة الحجم. كانت هناك مجموعة أخرى من المتطوعين. ولم تمضِ لحظات، حتى كانت الطائرة تأخذ طريقها إلى الفضاء، في اتجاه «إيكيكي».
بعد قليل، ظهرت جبال «الأنديز» العالية. كانت الطائرة، تطير بمحاذاة شاطئ المحيط الهادي. وفي الوقت الذي كانت جبال «الأنديز» تقع على يمينهم. ظل الشياطين يتأملون الجبال المرتفعة، كانت تبدو غامضة، بألوانها التي تتدرَّج بين البني الفاتح والغامق، حتى الأسود في الوقت الذي كانت قممها تبدو رمادية.
مضت ساعة، عندما جاء صوت مذيع الطائرة، يقول: إننا نقترب الآن من مدينة «إيكيكي» المنكوبة. ولن ننزل في مطارها، سوف ننزل خارج المدينة.
عندما انتهى المذيع من كلماته، كانت الطائرة تهبط قليلًا قليلًا … حتى استقرت في النهاية على مساحة واسعة من الأرض، كانت تبدو وكأنها مطار مهجور. نزل الركاب بسرعة، وكان «أحمد» أول الذين خرجوا. شعر بحرارة شديدة، وكأن نارًا قوية قد اشتعلَت بالقرب من وجهه فجأة. وعندما كان ينزل الدرجات توقَّف فجأة، وقد علت وجهَه الدهشة، فقد شاهد حمم البركان تتصاعد في الفضاء، وكأنها قطع من الجحيم.
كانت هذه أول مرة يرى فيها هذا المنظر الغريب.
تجمَّع المتطوعون جميعًا في شبه دائرة، حيث وقف عدد من الأطباء والضباط يُوزِّعون العمل. وكان نصيب الشياطين نصب الخيام لاستقبال المصابين. وفي دقائق، كان العمل قد بدأ. وكان الشياطين أسرع الجميع في إقامة الخيام.
فجأة علا صوت أحد الضباط: مَن يتطوع لمصاحبة الأطباء؟
وعندما انتهى نداء الضباط، كان الشياطين أول المتطوعين. وفي دقائق كانوا يركبون سيارات الإسعاف، لدخول المدينة المنكوبة.
سأل «أحمد» الضابط المصاحب لهم: هل يقع البركان بعيدًا عن المدينة؟
قال الضابط: نعم، لكن حممه تصل إليها، فهو أحد البراكين النشطة في المنطقة.
ظلت سيارات الإسعاف في طريقها تقترب من المدينة، والتي كانت تبدو واضحةً أمامهم الآن.
قال الضابط: هل يعرف أحدكم أيَّ معلومات طبية عن الحريق أو الإصابات الخفيفة؟
وفي الوقت الذي صمت فيه كثيرون، كان الشياطين يُبدون رغبتهم في المعاونة، لأن لديهم معلومات طبية لا بأس بها. توقفت السيارات، بعد أن وزع الضابط أقنعةً خاصة، تقيهم حرارة الجو وفساد الهواء. وفي دقائق كان الشياطين يواجهون أول تجربة من نوعها في حياتهم. في نفس الوقت، كانوا يعرفون أنهم قد بدءوا مغامرتهم لإنقاذ الخبيرَين: «جيرار بل» و«هاري لاكس».