مرة أخرى … في اتجاه «إيكيكي»
التصق الشياطين بالجدران، وأشار إليهم «أحمد» أن يتعاملوا مع الطلقات، في نفس الوقت الذي تقدم فيه إلى اتجاه الباب. وقبل أن يختفيَ داخله، كان الشياطين قد فجَّروا عدة قنابل دخانية، أحالت المكان إلى شيء غير مرئي، وأصبحت الطلقات بلا هدف. أسرعوا خلف «أحمد» إلى الداخل. فجأة، كانت مجموعة من الرجال قد ظهرت. ولم يكن استخدام المسدسات مفيدًا، فقد بدأ التلاحم بالأيدي. لمح «أحمد» بينهم «كلارك»، فأصبح هو هدفه الأول.
كان «مصباح» قد سدَّد لكمةً قوية لأول الرجال، فتراجع إلى الخلف، واصطدم بالمتقدمين. إلا أن أحدهم كان أسرع حركة، فقفز إلى الأمام، في حركة كاراتيه بارعة، وسدد قدمًا قوية إلى «فهد»، الذي تلقَّاها في اقتدار وهو يتراجع حتى يخفَّ تأثيرها.
أما «باسم» فقد ضرب أقرب الرجال إليه ضربةً عنيفة جعلته يصرخ من الألم، ويسقط وهو يتلوَّى، فيصطدم بالأقدام.
ضرب «أحمد» عملاقًا كان يهوي بقبضته فوق رأس «خالد»، الذي كان مشتبكًا مع أحدهم، فترنَّح العملاق دون أن يسقط. وقبل أن يستطيع الحركة، كان «باسم» قد عاجَله بيمين مستقيمة، جعلته يتراجع في قوة ليصطدم بالحائط.
كان «كلارك» حتى هذه اللحظة لا يزال يرقُب الموقف دون أن يشترك فيه. دار «أحمد» دورتَين متتاليتَين حول نفسه، وهو يضرب أحد أفراد العصابة، ضربتين متتاليتين. وعندما انتهى من الدورتَين كان قد أصبح وجهًا لوجه أمام «كلارك» الذي أذهلته الحركة البارعة ﻟ «أحمد» فلم يستطع الحركة. في نفس الوقت كانت يد «أحمد» قد خرجت في قوة لتسدد ضربةً قوية ﻟ «كلارك» الذي ترنَّح.
صرخ أحدهم: السيد «كلارك»!
إلا أن صرخته لم تستمر، فقد كان «باسم» أسرع إليه، فحمله بين ذراعَيه، ثم دار به دورة كاملة، جعلته يصطدم بثلاثة معًا، فيخبط الواحد منهم في الآخر، بقوة الدورة. ثم يقذف به في النهاية فوقهم، ليقع الأربعة على الأرض. كانت معركة سريعة، استطاع الشياطين أن يتفوَّقوا فيها. لكن لم تكن المعركة هي النهاية. لقد كانت هي البداية، التي بدأت بالتدريبات في المقر السري للشياطين.
وفي لحظة فكر «أحمد»: إنهم يمكن أن يخطفوا الخبيرَين لينقُلوهما بالطائرة بعيدًا عن المكان.
كان هذا احتمالًا هامًّا، لكن الموقف كان يحتاج إلى مزيد من التقدم السريع، قبل أن يفكر أحدهم في تنفيذ هذا الاحتمال. قفز «أحمد» إلى الداخل، حيث كانت مجموعة من الغرف، موزعة في شكل دائرة، حول صالة مستديرة. أسرع كل واحد من الشياطين إلى غرفة من الغرف. وكان الموقف مذهلًا. إن كل غرفة من الغرف لها باب آخر، يؤدي إلى الخارج، وكانت الأبواب مفتوحة. كان الليل الخارجي يظهر من خلال الأبواب. أسرع الشياطين بالخروج. لم يكن يظهر أحد.
قال «أحمد»: ماذا تظنون؟
رد «خالد»: لا بد أنهم في الطريق إلى الطائرة.
قال «أحمد»: لقد فكرت نفس التفكير.
إلا أن «مصباح» قال: لا بدَّ أنهم وضعوا هذا الاحتمال في تفكيرهم.
سأل «فهد»: ماذا تقصد؟
قال «مصباح»: أن يكون في تفكيرهم أننا قد نفكر في نفس الشيء؛ ولذلك فيمكن أن يختفوا في أي مكان في الجزيرة، أو قد يكون هناك مركز آخر.
مرت عدة لحظات صامتة، فكل هذه الاحتمالات يمكن أن تكون صحيحة.
قال «أحمد» بعد قليل: أقترح أن يكون أحدنا قريبًا من الطائرة، في الوقت الذي يقوم فيه الآخرون بالبحث في أرجاء الجزيرة، وهي ليست كبيرة كما ترى. صمت لحظة ثم أضاف: «خالد» يذهب إلى الطائرة، «باسم» يتجه إلى المحور «ش»، و«فهد» إلى المحور «ق»، و«مصباح» إلى المحور «ع»، وسوف أتجه أنا إلى المحور الأخير.
عندما انتهى «أحمد» من توزيع الشياطين، انتشروا بسرعة، كلٌّ في اتجاه محوره. في الوقت الذي اتجه فيه «خالد» إلى الطائرة، كان الليل يغطي الجزيرة، ولم يكن يظهر شيء نهائيًّا، اللهم إلا الأعشاب النباتية والتي يضيئها ضوء خفيف، نتيجة انعكاسات حمم البركان على سطح مياه المحيط. تقدَّم الشياطين وكانت خُطَّتهم أن يتجهوا إلى الشاطئ، ويشكلوا «كماشة» حول الجزيرة؛ لأن الاحتمال الثاني غير الطائرة هو المحيط نفسه.
دارت عملية البحث، لكنها في النهاية لم تُسفِر عن شيء. أرسل «أحمد» رسالة شفرية إلى الشياطين، حتى يستعدوا لتنفيذ خُطَّته الجديدة. إنها الخطوة الأخيرة، وإلا فإن المغامرة سوف تكون نهايتها الفشل، وتهرب العصابة بالخبيرَين.
فكَّر «أحمد» لحظة قبل أن يرسل الرسالة: هل يمكن أن تتخلص العصابة من الخبيرَين؟ لكنه استبعد هذا الاحتمال؛ لأن العصابة لن تُضحيَ بمبلغ ١٥ مليون دولار! عندما توصَّل إلى هذا الاقتناع، أرسل الرسالة للشياطين جميعًا فوق الجزيرة. كانت الرسالة الشفرية: «١ – ١٦ – ٢٨ – ٢١» وقفة «١٦ – ٢٣ – ٢١ – ٢٦» وقفة «٢٧ – ١ – ٦ – ٨ – ٢٦» وقفة «٢٢ – ١ – ١٣ – ٢٠ – ٢٦» وقفة «٢٤ – ٢٨» وقفة «١ – ١٢ – ٣ – ١٨ – ٨ – ١ – ٨» وقفة «٢٣ – ٢٨ – ١٣ – ٣ – ٢ – ١ – ٢٢». انتهى. وكانت ترجمة الرسالة: «إطلاق طلقة واحدة كاشفة، مع استعداد للاشتباك.»
انتظر لحظة ليستعد للشياطين، قبل أن يُعطيَهم إشارة البَدْء. فكر: هل يرسل رسالة إلى رقم «صفر»؟
انتظر قليلًا. كان يفكر في الرسالة. أخيرًا قرَّر أن يرسل الرسالة، قبل أن يُعطيَ للشياطين إشارةَ البَدء. لكنه قبل أن يفعل ذلك، أرسل إلى «خالد» رسالة شفرية: «٢٤ – ١» وقفة «٢٦ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٨ – ٧ – ٢ – ١ – ١٠» وقفة «١٨ – ٢٥ – ٨ – ٢٢» انتهى. وكانت ترجمة الرسالة: «ما هي الأخبار عندك؟»
جاءه الرد من «خالد»: «٢٨» وقفة «٣ – ١٢ – ٣ – ١٦ – ٢٩ – ١٨» وقفة «١ – ٢٣ – ٦ – ١٠ – ٢٢ – ٢٧» وقفة «٨ – ٢٧ – ٢٥» وقفة «١ – ٢٥» وقفة «١ – ١٤ – ٢٩ – ٢ – ٢٦ – ١». انتهى.
وكانت ترجمتها: «لا تستطيع الحركة، دون أن أصيبها.» فكر: الآن، هل يستطيع أن يرسل إلى رقم «صفر»؟ رتب الرسالة في ذهنه، ثم أرسلها. كانت الرسالة: «٢٤ – ٢٥» وقفة «١٣» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٤» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ١٦ – ٢٦» وقفة «٢٥ – ٢٩» وقفة «١ – ٧ – ٣ – ٢٠ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٦ – ٨ – ٢٠» وقفة «٥ – ١ – ١٠ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ٢ – ٦ – ٤» وقفة «٢٦ – ٢٣» وقفة «٢٦ – ٢٥ – ١ – ٢٢» وقفة «٣ – ١٨ – ٢٣ – ٢٩ – ٢٤ – ١ – ٣». انتهى.
وكانت الترجمة: «من الشياطين إلى «صفر»، النقطة «ن». اختفى الهدف. جارٍ البحث. هل هناك تعليمات؟»
جاءه الرد سريعًا: «٢٤ – ٥٢» وقفة «١٤» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٣» وقفة «١٦ – ٢٣ – ٢١ – ٢٦» وقفة «٢٢ – ١ – ١٣ – ٢٠ – ٢٦». انتهى.
وكانت الترجمة: «من «صفر» إلى الشياطين. طلقة كاشفة.»
ابتسم «أحمد»، فهذا نفسه ما فكر فيه. لحظة، ثم أرسل إلى الشياطين: «١٨ – ٨» وقفة «١ – ١٠ – ٢ – ١٨ – ٢٦» وقفة «٢ – ١٨ – ٨» وقفة «١ – ٢٣ – ١٠ – ١٢ – ١ – ٢٣ – ٢٦». انتهى.
وكانت ترجمتها: «عد أربعة بعد الرسالة.»
بدأ «أحمد» العد حسب توقيت يعرفه الشياطين، وعندما انتهى من العد «أربعة»، كانت أربع طلقات كاشفة ترتفع في الفضاء، وعندما استقرت عند آخر نقطة يمكن أن ترتفع إليها، بدأت تسقط في هدوء، وهي تُرسِل ضوءًا باهرًا، يكشف الجزيرة كلها. لكنَّ شيئًا ما لفتَ نظرَ «أحمد»؛ أن الطلقة الخامسة لم تنطلق، وكانت الطلقة الناقصة هي طلقة «خالد».
وعندما بدأت الطلقات الكاشفة المضيئة تكشف الجزيرة كلها، كانت مجموعة من الرجال تجري في اتجاه الطائرة، فأدرك «أحمد» ما حدث؛ ولذلك أسرع جريًا في اتجاه الطائرة، في نفس اللحظة التي فعل فيها الشياطين نفس الشيء.
لقد أدرك «أحمد» أن «خالد» قد وقع في أيديهم، وإلا ما تحركوا هذه الحركة. كان الرجال قد وصلوا الطائرة وركبوها، وفي دقائق كانت كافية ليقترب الشياطين من الطائرة، كانت تتحرك. أسرع «أحمد» وسدَّد طلقة إلى جناح الطائرة فأصابها في مفصل؛ ولذلك لم تستطع الاستمرار في الطيران لأكثر من مائتي متر، ثم وقفت فوق سطح الماء. أسرع «أحمد» إلى مكان «خالد»، وكان مربوطًا بالحبال. نظر إلى «أحمد» في اعتذار إلا أن «أحمد» ابتسم وهو يقول: لقد أعطيتنا فرصة رائعة.
في دقائق كانوا يقطعون المسافة سباحةً إلى حيث يقف اللنش، وفي لحظة كان اللنش يقطع الطريق إلى حيث تقف الطائرة، في الوقت الذي تجمَّع فيه أهل الجزيرة يرقُبون ما يحدث. كان ركاب الطائرة قد خرجوا منها، ونزلوا في القوارب المطاطية. أسرع «أحمد» وأطلق طلقة كاشفة فوقهم. مرت لحظات ثم أضيء سطح الماء، ولمح الشياطين بينهم «جيرار بل» و«هاري لاكس». فكر «أحمد» بسرعة: هل يمكن أن يتخلصوا من الخبيرَين الآن، انتقامًا مما حدث؟
قال في نفسه: إنه احتمال قوي.
ولذلك فقد طلب من «فهد» الذي جلس إلى عجلة القيادة أن يُسرِع إليهم قبل أن ينفذوا شيئًا، إلا أن مجموعة الرجال بدأت تستخدم المسدسات.
طلب «أحمد» من «فهد» أن يدور دورةً واسعةً حولهم، وعندما ابتعد قليلًا قال: سوف نغطس، ونذهب إليهم تحت سطح الماء، في الوقت الذي يظل «فهد» في حالة مناورة حولهم.
وفي لحظة، كانوا ينزلون من اللنش، بعد أن خفض «فهد» سرعته قليلًا، وعندما كان يدور حولهم، كان الشياطين يقطعون الطريق تحت سطح الماء، في اتجاههم، ولم تمضِ عشر دقائق حتى كانت هناك معركة أخرى.
كانت هناك ثلاثة قوارب، واحد منها يحمل الخبيرَين ومعهما رجل يُمسِك مسدسًا. كان الخبيران يقومان بالتجديف، في الوقت الذي كان القاربان الآخران يقومان بالحراسة.
اقترب «فهد» قليلًا، ثم أخذ يدور في سرعة، فيُثير أمواجًا متتالية كانت تجعلهم في حالة فزَعٍ دائم. كان «أحمد» قد اقترب من القارب الذي يحمل الخبيرَين، بينما اتجه «مصباح» و«باسم» و«خالد» إلى القاربَين الآخرَين.
أصبح «أحمد» تحت القارب بالضبط. فجأة ظهر بجواره وهو يجذب حامل المسدس، فسقط في الماء. وفي لحظة، كان قد ضربه ضربةً قوية جعلته لا يستطيع التصرُّف، بينما كان «فهد» قد اقترب باللنش منه، ليلتقطه ويلتقط الخبيرَين. في نفس الوقت كان باقي الشياطين قد اشتبكوا في معركة مائية قاسية. ضرب «باسم» أحدهم ضربة حادة، جعله يغطس في الماء، بينما كان «مصباح» قد قلب القارب في الماء، ثم تلقَّى أحد الرجال بين ذراعَيه وضربه يمينًا مستقيمة، جعلته يفقد السيطرة على نفسه. كان «فهد» و«أحمد» يجمعان الرجال بعد أن استقر الخبيران في اللنش، ولم تمضِ نصف ساعة حتى كان كل شيء قد انتهى، ووقع أفراد العصابة في أيدي الشياطين، مُكبَّلين بالحبال في قاع اللنش.
أرسل «أحمد» رسالة إلى رقم «صفر» يقول فيها: «انتهى كل شيء.»
وجاءه الرد: «أهنئكم … إنني أعرف قدرة الشياطين.»
مرت لحظة قبل أن يقول «مصباح»: أعتقد أن «إيكيكي» مدينة البراكين، تحتاجنا الآن لنساعدها.
ابتسم الشياطين بينما كان «فهد» يوجه اللنش في اتجاه مدينة «إيكيكي» … إن الشياطين يعرفون مكانهم دائمًا، فهم في خدمة أي عمل إنساني.