المقدمة
الحمد لله الذي ضرب الأمثال للنَّاس، وجعلها تذكرة لقومٍ يعقلُونَ، وصلاةً وسلامًا على سيدنا محمد نبي الحقِّ الصادق الوعد الأمين، وعلى أصحابه وأحبابه مصابيح الهداية المرشدين، وبعد.
فلمَّا كانت حاجة الشعوب إلى التأليف والتصنيف تختلفُ باختلاف الزمان والمكان، وكان أجدَر المُؤلَّفَات بالنظر ما يهدي الأمَّة منها إلى طُرُق الخير والرَّشَاد، ويبعدها عن سبيل الغيِّ والفسادِ، عنَّ لي أن أكتُبَ روايةً أُظهر لقومي فيها دسائس الدُّخلاءِ على الأمم الذين يتردَّون بردائها، ويتخاطبون بلغتها، ويُخالطونها مخالطتها لبعضها، فيكونون كالسُّمِّ في الدَّسم، بُغيةً منهم في إسقاطها من أوجِ مجدها إلى حضيضِ ذُلِّهَا، شارحًا غير ذلك فضائل الأمَّة العربيَّة وأخلاقها الكاملة وعظيم تمسُّكها بالمكارم، ممَّا جعلها في حصنٍ حصينٍ من شرورِ الدُّخلاء ومكايد الأعداء الألدَّاء، وقد اخترتُ من الموضوعات التاريخية موضوع فتح الأندلس؛ لأنه من أجلِّ الفتوحات الإسلامية التي فازَ المسلمون فيها فوزًا مُبينًا، وقد أحطت في هذا الموضوع الحقيقة بالخيال غرضًا بإظهارِ المقصود بكامل مظهره.
وإني فيما أتيتُ لستُ بالأوَّل، بل إن كثيرًا من كُتَّابِ العربِ الأقدمين والغربيين والأمريكانيين المُعاصرين اختطُّوا هذه الخُطَّة إِرشادًا لأممهم، فكتبوا القصص والحكايات، وألَّفوا الروايات من تشخيصية وغير تشخيصية، وصارَ لها من التأثيرِ في النفوس والمنزلة في القلوب ما جعل النَّاس يختطفونها اختطافًا، ويطلبونَ تشخيصها المرَّة بعد المرَّة، حتى ليُشاهد المقيم، وكذلك السائح في أوروبا أو في أمريكا عدَّة من روايات بلَغ تشخيصها فوق الألف والألفي مرَّة، وهذا عندهم ليسَ بمُستغرَبٍ، لكثرةِ وقوعه بينهم وتواتره من شهرٍ إلى شهرٍ ومن عامٍ إلى عام.
فهذه يا أفاضلَ الكُتَّاب وأماجدَ القرَّاء روايتي التي كتبتها بإحساسي الصَّادق، أقدِّمها لكم مطبوعة، ولم أرَ أن أقدمها مُشخَّصَة إلَّا بعد قراءتِكم لها واستحسانكم لمبدئها وغايتها، وإني أرجو كلَّ مَن طالعها ورأى فيها مَحلًّا للانتقادِ يُرشدني إليه تعضيدًا للأدب ونُصرة للعلم والتأليف.