الملخَّص
يُرفَعُ السِّتَار عن الأمير موسى بن نصير أمير المغرب
بالقيروان، وعلى يمينه وزيره الأوَّل عبَّاد، وعلى يساره وزيره
الثاني حبيب، والجنودُ مُصطفَّة تدعو له بالظفر والنصر، فيسعى لديه
عبَّاد في منعِ وقوع الحرب فيأبى، ويدعو إليه طارقًا ورؤساء فرقه،
وقسمًا من جنوده، فيأمره بالاستعداد للسفر، فيجيبه لذلك طارق،
وتنشد الجنود نشيدًا حماسيًّا يُجيبهم عليه موسى، وبذلك ينتهي
الفصل.
(متكلم – مخاطب)
الجنود لموسى
:
عِش بالهنا ممتَّعًا
يا أيُّها الشَّهمُ
الرشيد
وارفع منارَ بلادنا
بالعزم والحزم المجيد
وابلُغ مُناك بعزمة
تأوي إلى رأيٍ سديد
واهلك عداتك إنهم
للملك أوَّل من يبيد
انصر بسيفك ديننا
في ظلِّ مولانا الوليد
أبقاكَ ربُّ العرش في
عزٍّ وإسعادٍ مديد
وأَطالَ عمرك بالغًا
في كلِّ وقتٍ ما تُريد
موسى – عبَّاد
:
هل أجابت الخلافة العُظمى والإمامة الكُبرى على خطابنا
المتعلِّق بمُحاربة لذريق يا عبَّاد.
عبَّاد – موسى
:
نعم يا مولاي، قد أجابت.
موسى – عبَّاد
:
بمَ أجابت.
عبَّاد – موسى
:
أجابت بتفويضِ الأمر إلى نظركم السَّامي.
عبَّاد – موسى
:
إذن لنا أن نوقع الحرب أو نرفعها.
عبَّاد – موسى
:
نعم يا مولاي.
موسى – عبَّاد
:
وماذا ترى أنت، من الصواب إيقاعها أو رفعها؟
عبَّاد – موسى
:
إني أرى أنَّ رفعها هو الصواب؛ لأننا لسنا واثقين من
أنَّ أقواتنا أوفر من أقوات العدوِّ، وأنَّ جُندنا أشدُّ
من جنده، فضلًا على أنَّ الحرب عندئذٍ لا تكونُ بيننا وبين
القوطيين (سكان الأندلس) فقط، بل تكونُ بيننا وبين كلِّ
الإفرنج؛ لأنَّ غير القوط منهم لا يرضى بوقوف القوط أمامنا
وانهزامهم لنا، لا بدَّ من أن يمدَّ لهم يدَ المساعَدة
حتَّى ينصرهم علينا.
موسى – حبيب
:
وأنت ماذا ترى يا حبيب؟
حبيب – موسى
:
إني أرى أنَّ رفع الحرب خطأٌ محضٌ؛ لأنَّ فتح الأندلس
الآن يعدُّ فُرصة عُظمى لإعلاءِ كلمة الله، ومهما تكن قوة
الإفرنج في الحرب وثبات جأشهم في القتال، فإن جنودنا
بإخلاصهم لدينهم وقوَّة حزمهم وعظيم عزمهم وقويم اتحادهم
مع بعضهم لا بدَّ أن ينالوا الفوز والنصر.
موسى – مُلتَفِتًا إلى عبَّاد
:
هذا هو الحقُّ الوضَّاحُ يا عبَّاد، إنه لا يليقُ بنا أن
نرفع الحرب بعدما وعدنا يليان بفتح الأندلس وتخليصِ البلاد
من أيدي الطَّاغية «لذريق» الذي عمَّ فساده وكثُرَ فِسقه
واعتسافه، كيف لا؟! وإنا لو لم نرفعْه قالت النَّاسُ: إننا
كالأطفالِ لا نثبُت عند رأيٍ ولا نقف عند مرام. الأجدر بك
يا عبَّاد أن تعدل عن رأيك وأن تتبع القائل:
لا تكن كالشَّرار يعلو ويهوي
ويزيل الغبار منه اللهيبا
بل تثبَّت إن شئت درْك المعالي
واجعل الحزم صاحبًا
وحبيبا
عبَّاد – موسى
:
إني لم أقُل برأيي يا مولاي إلَّا حِرصًا منِّي على حياة
جنودنا وشرف بلادنا، وسوف يعلم الأمير أنَّ رأيي صائِبٌ
متى ذهب الجيش وعادَ.
موسى – عبَّاد
:
سوفَ يذهب الجيش يا عبَّاد ويعودُ بفوزٍ مُبينٍ، قُم
وادعُ لنا القائد الهُمام طارق بن زياد ورؤساء فرقه الأربع
وقسمًا من الفرسان أتباعه حتَّى نأمره أمامهم بالاستعداد
للرحيل.
عبَّاد – موسى
:
الأمر أمرك (ويخرج).
موسى – حبيب
:
حقيقة يا سيد حبيب أنَّ فتح الأندلس الآن يُعدُّ فُرصة
عُظمى؛ لأنِّي تحققت من صدقِ يليان أمير سبتة الذي كانت
شكايته لنا من أميره لذريق أكبر دَاعٍ للسعي وراء فتح هذه
البلاد.
حبيب – موسى
:
كيف لا وأمير سبتة كله حقد على لذريق نظرًا للفظائع التي
ارتكبها هذا الأمير القوطي مع ابنته، ولا شكَّ أنَّه
سيُرشدنا إلى أسرارٍ كثيرةٍ يكونُ من ورائها النفع
العميم.
موسى
:
هذه حقيقة جليَّة.
(بعد ذلك يدخل عبَّاد وطارق ورؤساء فرقه،
وقسمٌ من جنوده، فيقومُ موسى واقفًا ويُصافح طارقًا ورؤساء
فرقه بيده ويقول مُخاطبًا طارقًا):
موسى – طارق
:
أيها البطل المقدام، تعْلم جيدًا ما كان من مُعاداة
يليان أمير سبتة لمليكه لذريق سيِّد القوطيين وصاحب ملك
الأندلس، نظرًا لكونه هَتَكَ عرض ابنته، واستحلَّ أمرًا
تُحَرِّمُهُ الشَّرائِع كلها، وتُقبِّحُهُ العوائد الحسنة
والأخلاق الفاضلة، ولا يصحُّ لأدنى الأفرادِ مقامًا أن
يأتيه لا لملكٍ كبيرٍ كلذريق، وتعلم ما كان من أنَّ يليان
استنجَدَ بنا، ودعانا لفتح الأندلس، ممَّا حملنا على
مُخاطبة أمير المؤمنين في هذا الشأن. واليوم دعوتُكَ إليَّ
لأعْلمك أنَّ أميرَ المؤمنين حفظه الله قد فوَّضَ الأمرَ
إلينا، ففضَّلنا الفتح والجهاد. ونظرًا لثقتنا بغيرتك
العربيَّة وحميتك الإسلامية ومهارتك الحربية، قد اخترناك
يا طارق قائدًا للحملة التي ستفتح الأندلس — بإذن الله.
فسُس الجنود أحسن سياسة، وعاملهم أجلَّ مُعاملة، واعدل
بينهم، واختر لهم ما تختاره لنفسك، واجعل القرآن مُرشِدك
في كلِّ الأمور، ودليلك وهدايتك في حلِّك وترحالك؛ فأحكامه
الحكيمة وأنواره السَّاطعة الباهرة تُرشِدك أنت وجندك إلى
ما فيه خير المسلمين والإسلام.
فاستعِدَّ يا طارق، وسر بعد أسبوعٍ كاملٍ مُتَّكِلًا على
الله، وتزوَّد قبل سفرك، واستكمل استعدادك حتَّى تُظهر دين
الله الحنيف في تلك البقاع وتنصر الإسلام في هذه الأصقاع،
وتُحقِّقَ قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «زُويت لي
مشارق الأرض ومغاربها، وسيبلغ ملك أُمَّتي ما زوي لي
منها.»
وإذا نلتَ المرام، وفتحت البلاد، فأمِّن النَّاس على
أموالهم وأولادهم وعوائدهم وحريتهم، شأن الكرام الفاتحين،
والمسلمين المعتصمين بحبلٍ من الدِّين متين. وأنت تدري ما
في ذلك من خير؛ إذ إن الرِّفقَ بالمغلوبِ أمضى سلاح
للمؤمنين الصادقين. وإنا لنؤمِّل فيك ما بعثنا بك إليه؛
فأنت قائدٌ ماهرٌ ورؤساءُ فِرقك كلهم بك مُقتدون، وجنودك
أبطال شجعان لا فَخَارَ لهم إلَّا نصرتهم على عدوهم، ولا
ساعِدَ لهم إلَّا سيوفهم، فاستعدَّ للسَّفر وتوكَّل على
الله (ثم يجلس).
فيجيبه طارق: أيُّها الأمير الجليل، لقد اخترتَ للحملة
التي نِيطَ بها فتح الأندلس رجلًا لا همَّ له إلَّا نُصرة
الإسلام، وإعلاء كلمة الإيمان، ولو جرَت وراء ذلك أَنهُرٌ
من الدم وبحار من ماء الجماجم، وإني والغيرة العربية
والحميَّة الإسلامية لباذِلٌ جهدي في إعلاء شأن ديني بتلك
البلاد، وقتل طاغية القوم لذريق، وتشتيت كلمة ملكه، وهدم
دعائمه وإنني أُعدُّ سعيد الحظ مُوفَّقًا للخيرِ لتكليفي
بهذه المُهمَّة التي طالما تاقت نفسي للقيام بمثلها، ولسوف
يبلغك عنِّي يا أميري وعن رؤساء فِرقي وجنودي ما يسرُّك
ويُرضي خاطرك ويُرضي أمير المؤمنين ويبهج كل فردٍ من
أفرادِ الأُمَّةِ الإسلامية، وفَّقَنا اللهُ لما فيه خير
بلادنا وسعادة أوطاننا وعز ديننا، إنه سميع مجيب!
(بعد ذلك ينشد رؤساء الفِرق
والجنود):
سيرى لذريق منَّا
قوم حربٍ وطِعَان
سَوفَ يَلقَى ما يُلاقِي
من نَكَالٍ وامتهان
سوف يلقى قوم نصر
في لظى الحرب العوان
تخطف الأرواح خطفًا
بحُسامٍ وسِنان
فهلمُّوا بابتهاجٍ
نقتل النذلَ الجبان
ونولِّي الدين ملكًا
زاهرًا مثل الجنان
(فيُجيبهم موسى واقفًا):
يا رجالي إن شكري
لا يوفِّيه الزَّمان
فلأنتم أهل فضلٍ
وكمالٍ وبيان
ولأنتم أهل رُمحٍ
وحسامٍ وسنان
فانصروا الدِّينَ بسيفٍ
ونبالٍ وطِعَان
وعلى الله فسيروا
في سلامٍ وأمان
(يخرج الأمير والكلُّ خلفه وينزل
الستار.)