الملخص
يُرفَعُ السِّتار على «عارف» الذي تجسَّسَ في الفصل الأوَّل على
عبَّاد ومريم ونسيم، ويظهر أنَّه عالِمٌ بما يُجريه عبَّاد من
الدسائس، وأنه سيُبلغ كل ما ينوي عليه هو ورفقاؤه إلى طارق،
انتقامًا من عبَّاد الذي طالما أضرَّه، وخدمةً للإسلام. ثمَّ
يختفِي ويحضر عبَّاد ونسيم، ويدبِّران دسيسةً لإرجاع الجنود، وبعد
ذلك يخرج نسيم ويُرسل مريم فيخبرها عبَّاد بما اتَّفَقَ عليه مع
نسيم، فتُسَرُّ لذلك وتأخذ عبَّادًا وتخرج.
عارف
:
ما أحسنَ الانتقام من اللئام، لا سيما إذا كان فيه خدمة
للإسلام، الانتقام الانتقام! لا يقومُ به إلَّا كل قادر
عزيز، ولا يحجم عنه إلَّا كلُّ عاجزٍ ضعيف. نعم نعم، قد
جاءت الفُرصة يا عبَّاد لإيقاعك في جهنم العذاب، أما كفاك
ظُلمك وعدوانك على الأفراد، وسجنك لهذا يومًا وطردك لذاك
آخر، حتَّى قُمتَ اليوم إجابةً لداعي هواك الفاسد تقصد
بالدولة الخراب، وتريدُ لجنودها الخذلان، والله لأُرِينَّك
من العذابِ أشكالًا وألوانًا، وأجعلنَّكَ عِبرةً للنَّاس
إنسانًا إنسانًا، وهكذا يلقى كل خائن يريد بنا ضيرًا. الآن
يأتي عبَّاد ونسيم ويدبران ما يدبِّران، وأنا هنا أختفي
لأسمع ما يقولان، وهما لا يعلمان، ومتى وقفتُ على حقيقة
أسرارهما وكُنه نواياهما، وتمَّ ذلك عندي، رفعتُ لطارق به
تقريرًا، واللهُ لا يُفلِحُ كَيدَ المُفسدين (ثم يختفي وبعد قليل من اختفائه يأتي
عبَّاد وبصحبته نسيم).
نسيم – عبَّاد
:
لعلَّكَ تكون عملتَ لنا عملًا سارًّا.
عبَّاد – نسيم
:
إني وحقِّكَ بذلتُ أقصى جُهدي في منع وُقوع الحرب فلم
يقبل الأمير، بل دعا إليه طارقًا ورؤساء فرقه وقِسمًا من
جنوده، وأمرهم بالاستعداد للسفر، وهم سيسافرون بعد أيَّامٍ
قلائل.
نسيم – عبَّاد
:
كيف ذلك؟ وما العمل؟
عبَّاد – نسيم
:
إني والله في غاية الحيرة!
نسيم – عبَّاد
:
لا بدَّ لنا من تدبير أمرٍ، وإلَّا ضاعَ أملنا وعُدنا
إلى بلادنا خائبين دُونَ أن نَبلُغَ مرادًا.
عبَّاد – نسيم
:
حقيقة يا نسيم إننا لنعمل حيلة لمنع الحرب، إذا انتصر
طارق على لذريق وقومه وانتهى الأمر.
نسيم – عبَّاد
:
إني أرى أننا ندسُّ للأميرِ سُمًّا في الأكل فيموت،
وبذلك يكونُ لك أن تدعو طارقًا وجنوده ليعودوا؛ لأنَّكَ
تكونُ وقتئذٍ صاحب الأمر والنهي.
عبَّاد – نسيم
:
لا لا. إن هذا الرأي ضعيف؛ لأنَّ سمَّ الأمير صعب
المنال، وربَّمَا ينكشف السِّر وتُعلم حقيقة الأمر، وموت
الأمير فجأة ليس بالأمر اليسير، فضلًا عن أنَّ طارقًا لا
يُطيعُ أمري مُطلقًا لما بيننا من الخلافِ القديم.
نسيم
:
كيف لا يُطيعُ أمركَ، وأنت تكونُ عندئذٍ صاحب
الشأن.
عبَّاد
:
أنا واثق بأنه لا يطيع، وإذا سُئِلَ عن ذلك احتجَّ
بانتظارِ أوامر الخليفة.
نسيم
:
إذا كان الأمر كذلك فلنرسل لطارق من يسُمُّه ليموت، ومتى
مات تذهب ريح الجنود ويفشل أمرهم ويضطروا للعودة.
عبَّاد
:
وهذا أيضًا رأيٌ ضعيفٌ.
نسيم
:
إذن فماذا ترى أنت؟
عبَّاد
:
إني أرى أننا نأتي بجنديٍّ، ونكتب له رسالة ننسبها إلى
السيد محمود رئيس الفرقة الأولى، ونقول فيها إن طارقًا
مات، والحزن مُستَولٍ على قلوبِ الجنود، والأوفق إرجاعهم.
ويُقَدِّمها للأمير ويخبره بأنه آتٍ بها من قِبل الرئيس
محمود، وعندئذٍ أُشيرُ على الأمير برجوع الجند، فيضطر
لقبول المشورة، ويأمر برجوعهم، وبذلك تُرفَعُ
الحرب.
نسيم
:
إذا رجع الجند، ورأَى الأمير أنَّ طارقًا حيٌّ وليسَ
بمَيِّتٍ، ماذا يكون؟
عبَّاد
:
لا شيء يكون، إننا بعد عمل الحيلة نقتُلُ الجندي ونُخفي
جثته، فإن سأل الأمير عنه نقول: مات، وبذلك لا تُعلَمُ
الحقيقة.
نسيم
:
لله درَّك يا عبَّاد! إن هذا الرأي لأصوبُ ما
يُرى.
عبَّاد
:
الحمد لله على ذلك.
نسيم
:
يلزمني الآن أن أذهب إلى السيدة مريم لأخبرها بهذا
الاتفاق.
عبَّاد
:
لا لا. إن شئت فأرسلها إليَّ ولا تخبرها أنت.
نسيم
:
الأمر أمرك (ويخرج).
(يتمشَّى عبَّاد ويقول):
حُكمُ الهوى في البرايا لا مردَّ
له
فلا يُخالفه إلَّا أخو
اللمم
قد كنت قبل الهوى أرضى بما
رضيت
به المكارم من مجدٍ ومن
شمم
اليوم أرضى بما يرضى الغرامُ
به
من ذِلَّةٍ أبعدتني عن ذوي
الهمم
والله لولا الهوى في النَّاس ما
عشقت
نفسي تقهقُر أهل الفضل
والكرم
لكن حكم الهوى يقضي عليَّ بأن
أخون سادة هذا العصر في
الأُمَمِ
(بعد ذلك تدخل عليه مريم.)
مريم
:
ماذا عملت يا حبيبي عبَّاد؟
عبَّاد
:
عملتُ كلَّ شيءٍ يُرضيك يا سيدتي.
مريم
:
عجِّل بالله عليك وأخبرني، فإني بشوقٍ مزيدٍ لسماع ما
عملت.
عبَّاد
:
كل ما جرى أني لم أنجح في طلبي عند الأمير، وعن قريبٍ
سيُسافر الجيش.
مريم
:
سيُسافر الجيش!
عبَّاد
:
نعم، سيُسافر، ولكنه سيعود عمَّا قليل.
مريم
:
كيف ذلك؟ أخبرني بكلِّ سرعةٍ بالله عليك.
عبَّاد
:
اعلمي يا حبيبتي أنَّه لمَّا خاب مسعاي لدى الأمير
اجتمعتُ قبل حضورك بزمنٍ قليل مع نسيم ودبَّرنا حيلة، يا
لها من حيلة!
مريم
:
ما هذه الحيلة؟
عبَّاد
:
افتكر نسيم أن نسُمَّ الأمير أو نسُمَّ طارقًا، إلَّا
أنِّي رأيتُ أنَّ الخطر حليفُ الفكرتين، فاستصوبت أن نأتي
بجنديٍّ، ونكتب له رسالة وننسبها إلى الرئيس محمود، ونقولُ
فيها: إن طارقًا مات، ولا بُدَّ من إرجاع الجنود؛ لأن
الحُزنَ مُستَولٍ على قلوبهم. وعندما يقدمها ذلك الجندي
للأمير أُشيرُ عليه بإرجاع الجنود، فيضطر لإرجاعهم، وهنالك
نقتلُ الجندي حتَّى إذا عادَ الجيش، ورأى الأميرُ أنَّ
طارقًا حي، وسألَنا عن الجندي نقول: إنه مات. وبذلك لا
يُعلَمُ للأمرِ سِرٌّ.
مريم
:
لله هذه الحيلة! ولله عبَّاد! لقد اطمأنَّ الآن خاطري
على وطني، وارتاح ضميري لهذه المكيدة الجليلة، إلَّا أنِّي
أرى أنَّه من الواجب عليَّ أن أنبِّهك لأمرٍ مهمٍّ للغاية،
وهو أنَّ ذلك الجندي يكون من البربر الحديثي العهد
بالإسلام؛ لأنِّي أظنُّ أنَّ العرب لا يجسُرُ أحدٌ منهم
على خيانة بلاده لهذه الدرجة.
عبَّاد
:
حقيقةً إن العرب لا يجسُرُ أحدٌ منهم على القيام بهذه
المكيدة؛ لأنهم اشتهروا بين سائر الأمم بشدَّةِ حرصهم على
مصالح بلادهم، وعظيم إخلاصهم لأوطانهم، فضلًا عن أنَّ
العرب أهل ذكاءٍ وحذقٍ شديدين، فإذا كلَّفنا أحدهم بهذا
العمل لا شكَّ أنه يفهم من أوَّلِ لحظةٍ أننا سنقتله بعد
قيامه بمأموريته، بخلافِ البربر، فإنهم أقل من أجلاف العرب
نفسًا، وأعظم شراهة وأكبر غباوة، ومن السهل على الإنسانِ
أن يستخدمهم في مثل هذه الأمور.
مريم
:
الحمد لله على هذا التوفيق، هيا بنا يا حبيبي نخرج من
هذا المكان الآن؛ لِئلَّا يطلع أحدٌ على سِرِّنا.
عبَّاد
:
هيا بنا …
(يخرجان وينزل الستار.)