الحُكم

إذا وصفت الحكومة التي نص عليها القرآن بصفة من صفات الحكومة العصرية فهي الحكومة الديمقراطية في أصلحِ أوضاعها؛ لأنها حكومة الشورى والمساواة ومنع «السيطرة الفردية».

وجملة ما يقال: إنها هي الحكومة لمصلحة المحكومين، لا لمصلحة الحاكمين، يطاع الحاكم ما أطاع الله؛ فإن لم يطعه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فكل أركان (حكم الأمة للأمة) قائمة في هذه الحكومة القرآنية.

ولكن لا يفهم من هذا بداهة أن الأمر فيها لكثرة العدد، أو للطبقة الكثيرة من بين سائر الطبقات.

لأن القرآن الكريم قد تكررت فيه الآيات التي تنص على أن الرأي والفضل والذمة والعلم ليست من صفات أكثر الناس على التعميم، وهذه أمثلة من تلك الآيات تتكرر أحيانًا بلفظها، وأحيانًا بمعناها في مواضعَ شتى من السور التي تصف الناس عامة كما تصفهم بعد البعثة المحمدية.

ولكن الذين يعلمون منهم أحق بالطاعة من الذين لا يعلمون.

ولهذا كانت أمانة الحكم في الأمة مقرونة بأمانة مثلها لا تقل عنها شأنًا، ولا يستقيم أمر الأمم بغيرها؛ وهي أمانة الدعوة والإرشاد.

فالحاكمون والمحكومون جميعًا متعاونون في أمانة الحكم وأمانة الإصلاح: كل بما يستطيع، وكل بما يصلح له، وما يصلح عليه، ولا حق في الطغيان لفرد جبار، ولا جماعة كثيرة العدد، بل الحق كله للجماعة كلها، بين التشاور والتعاون، والتنبيه والإرشاد والاسترشاد.

وما من جماعة بشرية تتم فيها أمانة الشورى، وأمانة الإصلاح، وأمانة التعاون ثم يعروها انحلال، أو يخشى عليها من فساد.

•••

ويلحق بقواعد الحكم قواعد توزيع الثروة، وهي في القرآن تمنع الإسراف وتمنع الحرمان.

والمحرومون العاجزون عن العمل محسوب لهم حسابهم في الثروة العامة، فريضة لازمة لا تبرعًا يختاره من يختار.

وقلما تمتحن أمة بالبلاء في نظامها، وقواعد حكمها إلا من قبيل هاتين الآفتين: أموال مخزونة لا تنفق في وجوهها، وفقراء محرومين لا يفتح لهم باب العمل، ولا باب الإحسان.

وكلتا الآفتين ممنوعة متقاة في حكومة القرآن.