دراما التتويج
ونشاهد في المنظرين التاليين (٣-٤) تقديم ضحية للملك، وهو ثور يذبح ثم يقطع قطعًا ليقدم وجبة. والمعنى هنا رمزي؛ أي إن الثور هو الإله «ست» الذي قتل أخاه «أوزير».
وفي المنظرين الخامس والسادس يطحن الشعير ثم يقدم منه كعك للملك.
وفي المنظر السابع نشاهد تجهيز سفينتين لأولاد الملك. وفي المنظر الثامن نشاهد شارات الملك الخاصة بحور (أي الملك الجديد) تستخرج من محرابه، ثم يجهز موكب يمر به الملك في الجبل (أي الجبانة)، وفي المنظر التاسع نشاهد درس الشعير بوساطة البهائم وحمله إلى المخازن. وهذا المنظر رمزي يقصد به أن حور بدرس الشعير يمزق أوصال عدو والده «ست» انتقامًا له. وفي المنظرين العاشر والحادي عشر نشاهد زيادة الاهتمام بإعداد سفينة الملك وسفينتي أولاده، وذلك بوضع أشياء وأوانٍ خاصة بتطهير الملك وأولاده.
وفي المنظر الثاني عشر والخامس عشر وما بينهما نشاهد صورًا تحتوي على صب الماء وتقديم رأسي حيوانين (رأس ثور ورأس إوزة) للإله المحلي، ثم يأمر بإقامة العمود المقدس بوساطة الأولاد الملكيين. وهذا رمز إلى أن «حور» قد أمر أولاده أن يجعلوا الإله «ست» تحت «أوزير» وعندئذ يشد العمود بحبل ويقام، ويفسر هذا بقتل «ست»، ثم يأمر «حور» أولاده بأن يتركوه موثوقًا وأن يطرحوه أرضًا.
أما المنظر السادس عشر فنشاهد فيه أولاد الملك ينزلون في سفينتيهما، ثم يتكلم «حور» عن أولاده مع «ست» الذي يمثل هنا بالسفينة قائلًا له: «احملني أنت يا من حملت والدي على ظهرك.» (أي إنه متغلب عليه) أما المنظر السابع عشر فنشاهد فيه تقديم الخبز والجعة للإله «حور» الأعمى رب «ليتوبوليس» (أوسيم الحالية) (وهي البلدة التي انتقم فيها «حور» من قتلة والده ثم دفنه فيها) وبذلك أعيد له نظره.
وفي المنظر الثاني والعشرين نشاهد أولاد الملك يقدمون له الخمر، وهذا رمز إلى تقديم عين «حور» إليه بعد أن اقتلعها «ست» الشرير. وفي المنظرين الثالث والعشرين والرابع والعشرين يقدم للملك حلي من حجر الدم والقاشاني، وهذه يرمز بها إلى إرجاع عين «حور» إليه ثانية. وفي المنظر الخامس والعشرين يقدم ساقي الملك له وجبة، وهذا رمز للإله «تحوت» عندما قدم عين «حور» إليه بعد أن اقتلعها «ست». ولذلك يقول «تحوت» في هذا المنظر للإله «حور»: «إني أقدم لك عينك لتفرح بها.» فتقديم العين إلى «حور» هو تقديم الوجبة. وفي المنظر السادس والعشرين نشاهد كهنة خاصة يلتفون حول علمي «حور»، وهما اللذان يرمز بهما إلى سلطان الملك على الوجهين القبلي والبحري أو غرب الدلتا وشرقيها، وكذلك يرمز بهما إلى عيني «حور».
وفي المنظرين الأخيرين — وهما اللذان لا يظهر فيهما الملك وبهما تنتهي الدراما — نشاهد أنه يحضر إلى الملك المتوفى كل معدات التطهير، وبخاصة النطرون الذي كان يستعمل لهذا الغرض، وتوضع في المحراب المقدس، وهو المكان الذي يثوي فيه آخر مطاف له في عالم الدنيا؛ وأعني بذلك هرمه الذي يدفن فيه.
تحليل دراما التتويج «وثيقة الرمسيوم»
لا بد أن القارئ قد لاحظ من المختصر الذي أوردناه هنا عن «دراما التتويج» أو «ورقة الرمسيوم» — كما يسميها العلماء — أنها تحتوي على الشعائر الدينية التي كانت تمثل عند تتويج ملك جديد. والظاهر أن هذه الدراما ليست وليدة عهد الدولة الوسطى، بل ربما تشاطر الملكية المصرية عمرها، ويمكننا أن نرجع بعهد تأليفها دون مبالغة إلى الألف الثالثة قبل الميلاد.
والنسخة التي في أيدينا — كما ذَكَرْتُ — يرجع عهدها إلى الملك «سنوسرت الأول» الذي تولى عرش البلاد في باكورة الألف الثانية قبل الميلاد. ويظن البعض أن هذه الدراما ليست من الأدب الراقي من جهة التعبير. والواقع أن هذا المؤلف كان يمثل في ظاهره تتويج الملك «سنوسرت الأول» وباطنه تمثيل أسطورة «حور وأوزير»؛ إذ كان له صبغة تمثيلية وشعيرة دينية ولون سحري، وهذه التمثيلية كما بَيَّنَّا تقع في ستة وأربعين منظرًا. ومن يطلع على المتن الأصلي يرَ أن كل منظر من مناظره قد يدخل في تمثيله أشخاص كالكهنة والموظفين وأقارب الملك، وحيوانات كالثيران والماعز، وكذلك يدخل في تمثيله أشياء جامدة كالأعمدة المقدسة والأشجار والنباتات والخبز والحلي … إلخ.
على أن الأساس النفعي — وإن شئت فقل الغرض السحري — من هذه الدراما ظاهر جدًّا؛ إذ كان الغرض من هذا الاحتفال هو تثبيت تتويج الفرعون، وأن يصبح حظه كحظ أولئك الملوك الذين تربعوا على عرش مصر في العهود الخرافية، وأعني بذلك أن يؤحد الملك المتوفى بالإله «أوزير»، وأن يؤحد ابنه «حور» الذي تغلب على «ست» بالملك الشاب الذي تربع على عرش المُلك؛ أي إن «أمنمحات الأول» يصبح مثل الإله «أوزير» الذي حكم مصر في العصور الخرافية بعد موته، وأن يخلفه ابنه «سنوسرت الأول» كما خلف «حور» والده «أوزير».
وترتيب متن الدراما نفسه يوضح لنا الصيغ التي كتبت بها. فنجد أن كل منظر فيها يفتتح بالتعبير التالي: «حدث أنه»، ثم تأتي بعد ذلك حركة أو عمل يمثله أمام الملك أحد الممثلين كاهنًا كان أو موظفًا، وغالبًا ما يعبر عن هذا الممثل بالمبني للمجهول، فيقال مثلًا: «لقد حُمِلَ»، أو «لقد عُمِلَ» … إلخ. وعلى أثر ذلك مباشرةً يأتي التفسير الرمزي لهذا الحادث مستمَدًّا من خرافة عينيْ «حور»، وهما في الواقع تمثِّلان الشمس والقمر؛ وذلك أن الإله «ست» الذي يمثل دائمًا بأنه هو الإله المعادي قد حرم الإله «حور» عينيه، وهما مصدر قواه العقلية والجسمية. غير أن عيني حور قد ردتا إليه ثانية، ويرجع الفضل في ذلك إلى تدخل الإله «تحوت» وأولاد «حور» وآلهة آخرين، هذا فضلًا عن أن الإله «ست» قد أصبح لا حول له ولا قوة.
وهذه القصة الخرافية كان من الممكن أن تكون «دراما» بالمعنى الذي نفهمه نحن الآن، غير أن جهلنا بالمتن الذي في أيدينا يجعلنا نفقد بعض الخيوط التي تربط بعض أجزاء هذه الخرافة ببعض.
ويرجع السبب في ذلك لسيادة كل من الدور الرمزي ودور الشعيرة الدينية في التمثيلية؛ مما يصعب فهمه علينا. ولكن المصريين الأقدمين أنفسهم كانوا متفقهين في الشعائر الدينية والأساطير القومية؛ ولذلك كان من السهل عليهم أن يتذوقوا حلاوة هاتين الناحيتين من الدراما التي بين أيدينا، ويبرز ذلك لنا جليًّا عندما نشاهد في المتن أنه بعد وصف الحادث الخاص بالشعيرة الدينية، وتفسير معناه الخرافي، يضع أمامنا المتن مضمون الحوار الذي فاهت به الآلهة في المنظر؛ فنقرأ في رأس السطر المكتوب عموديًّا اسمي الإلهين اللذين يتحاوران سويًّا، ثم يتلو ذلك جملة قصيرة تعبر عن الغرض من الخطبة التي ألقيت، وغالبًا ما تحتوي هذه الجملة على تورية لاسم الشيء الذي يقدمه أحد الممثلين للملك، وهذا النوع من الكناية كان محببًا عند المصريين.
وقد عني مؤلف هذه الدراما تسهيلًا لتحديد المعنى المقصود من هذه المحاورات بأن يضع في نهاية كل حديث اسم الشيء الذي أشار إليه فيه، ثم المعنى الرمزي الذي يلبسه هذا الشيء في الخرافة، وكان يضاف كذلك في بعض الأحيان بيانات خاصة بالممثلين والحركات التي كانوا يقومون بها، والمكان المثالي الذي كانت تحدث فيه الخرافة. وأخيرًا نجد أنه قد خُصِّص في أسفل المتن جزء معين يحتوي على رسوم مختصرة تفسر لنا في كل حالة أهم صورة يمتاز بها المنظر الذي يُمثَّل. ومن ذلك يتضح أنه من العسير علينا أن نقدر هذه الدراما حق قدرها؛ إذ لم نلاحظ ما فيها من امتزاج مستمر بين الشعائر الدينية والحوادث الخرافية؛ إذ من الواجب على القارئ الحديث أن يحل المعادلة بين ما هو ممثل وبين ما هو مرموز له؛ فمن جهة يرى الإنسان أن الاحتفالات القائمة كانت لتتويج الملك، ولكن في الوقت نفسه من جهة أخرى نشاهد أنه يمثل أمامنا بعض حوادث منفصلة خاصة بالأشياء الباطنة التي تمثل دور «حور» الذي استرد عينيه ثانية.
ولما كان طرفا المعادلة غير معلومين لنا إلا بحالة ناقصة جدًّا فمن البديهي إذن أنه ستبقى أمامنا معانٍ كثيرة وتفاصيل عدة غامضة أو غير مفهومة، حتى لِأَعلَمِ الناس بأسرار اللغة المصرية القديمة. ولا أدلَّ على ذلك من الشرح الذي وضعه الأستاذ «زيتة» لهذه الدراما! إذ نجده يزخر بعلامات الاستفهام الدالة على عدم فهم ما يقصده المؤلف المصري القديم في كثير من التعابير. على أننا إذا أردنا أن نحكم بوجهة نظرنا على هذا الإنتاج الدراماتيكي من الناحية الأدبية؛ فإنه يكون حكمًا قاسيًا؛ إذ إن قيمته من هذه الناحية تقل عن المرتبة الوسطى؛ وذلك بالطبع لقصور معرفتنا بأسرار اللغة المصرية القديمة.
والظاهر من فحصنا أن المصري لم يكن يقصد بهذا الإنتاج أن يؤثر في نفس القارئ، ويجعله يشعر بناحية من نواحي الجمال الفني الذي نفهمه نحن الآن. ولكن الشيء الذي كان يستولي على مشاعره عند كتابة هذه الدراما، هو أن يحتفل بطريقة إيحائية حية بتخليد الأساطير العظيمة التي كانت تُعدُّ الأساس لاعتقاداته الدينية، وأن يضمن فَلَاح ذلك بنوع من السحر الإيحائي للمَلِك الذي يقام له هذا الاحتفال.
وهذه الناحية تظهر بوجه خاص في «وثيقة الرمسيوم» التي تتشابه في كثير من النقط مع شعيرة فتح الفم التي يرجع عهدها إلى الدولة القديمة، وقد وصل إلينا منها رواية موضحة بالصور. غير أن الفرق بين تمثيليتنا وبين الاحتفال بفتح الفم ينحصر في أن الاحتفال بالشعائر الدينية يحتلُّ المكان الأول، أما في الدراما فإن الأساطير لها المكانة الأولى في المناظر التي تمثل فيها.
وأهم ما يوجه من نقد في نظرنا لهذه الدرامات الناشئة أنها خالية من الكتابات الإنشائية بالمعنى الذي نفهمه نحن الآن؛ فلا نجد على ما يظهر لنا إلا عدة مناظر متعاقبة وخطبًا قصيرة قد وضعت متلاصقة بطريقة مفككة، وغالبًا ما نجد الدور الواحد لإله بعينه يقوم بتمثيله في الأسطورة ممثلون مختلفون، ومن ناحية أخرى نشاهد أن ممثلًا واحدًا قد يقوم بتمثيل أدوار متنوِّعة مختلفة جدًّا، وكذلك نجد من الصعب علينا أن نتتبع بطريقة متصلة سير حوادث الخرافة التي اتُّخِذت قاعدة للدراما؛ مما يجعلنا نعتقد هنا أن المصريين كانوا لا يهتمون كثيرًا بتتابع الحوادث حسب تواريخها. ويدل ذلك على ما نشاهده في كتبهم المقدسة الأخرى؛ إذ نجد في كثير من الأحوال أن العنصر الخرافي قد كُرِّر، كما نشاهد أحيانًا أن ترتيب الحوادث قد عُكس بدون سبب ظاهر يدعو إلى ذلك، وهنا نجد كذلك أن كلًّا من الغرضين الديني والسحري يتغلب على كل اهتمام بالإنشاء الأدبي.
ويظهر في فحص هذه الدراما أن وحدة المكان لم تكن مرعية في تمثيلها كما نشاهد ذلك في الباطنيات (تمثيليات القرون الوسطى)، ومدلول الرسوم في «ورقة الرمسيوم» يُفهمنا أن هذه التمثيليات لم تكن تمثَّل في أبهاء المعبد وحسب، بل كذلك في المحاريب التابعة له، والتي قد يكون بعضها أحيانًا بعيدًا عن البعض الآخر. ويمكننا أن نعطي مثالًا لذلك معبد «الكرنك» ومعبد «الأقصر»، فكان الممثِّلون ينتقلون من منظر إلى آخر أحيانًا بصفة جدية، وأحيانًا بصورة نظرية، وقد ذكر لنا كذلك سياحات في سفن، وهذه تدل على أن أهم الحوادث في الخرافة كانت تمثل في أمهات المدن المصرية المقدسة.
ومما لا ريب فيه أن هذه التمثيليات الباطنية لم يكن مقدَّرًا لها أن تمثَّل أمام جمهور من المتفرِّجين الذين لا حقَّ لهم في دخول الأجزاء الخاصة في المعبد. ونجد البرهان الكافي لذلك في الاحتفالات التي أظهرنا صيغتها الدينية. ومع أنه لم يكن مسموحًا لعامة الشعب أن يشتركوا في التمثيل الذي كان يقام داخل المعبد، فإن ذلك لا يعني أن هذه التمثيليات كان لها صبغة سرية أصلية، وأنه كان من حق المتفقهين فقط أن يعرفوا هذه الأسرار. والواقع أننا من هذه الناحية لا زلنا نضلُّ الطريق بما أكده لنا الإغريق الذين قد أدخلوا في احتفالاتهم الخاصة في عصر أخذ نجم مصر فيه يأفُل عناصرَ غير مفهومة من الشعائر والأساطير المصرية.
وبرغم ما نجده من النقائص الواضحة في هذه التآليف الدراماتيكية، فإنها قد أدت الغرضين الديني النفعي والسحري، وهما اللذان وضعت من أجلهما. وإذا كنا نرى أن موضوع هذه الدراما قد ألف بصورة منقوصة، وأن أجزاءها غير مرتبطة، فما ذلك إلا لأنها كانت تمثل في بلد كل متعلميه يعرفون جميع الحوادث الخرافية التي كانت تمثل فيه، ويعرفون كذلك كل الروايات المتناقضة التي كانت تروى بها هذه الأساطير. من أجل هذا كانت تبدو لهم كاملة منسجمة حسب المذهب الذي تروى به.
ومهما تكن قيمة هذه الدراما التي بحثناها هنا من الوجهة الأدبية؛ فإن هناك شيئًا يلفت أنظارنا، وهو نفس وجود هذه الدراما في ذلك العصر السحيق؛ فإنه كما اتضح لنا نجد أن المصريين كانوا يمثلونها منذ أقدم عهودهم، وبقيت مستمرة خلال عهود مدنياتهم حتى النهاية.
وقبل أن نترك موضوع هذه الدراما نريد أن نضع أمام القارئ بعض مناظر منها ليطبقها على الشرح الذي أوردناه. وسنبتدئ بمنظر استدعاء عظماء الوجه القبلي والبحري في حفلة التتويج.
المنظر الثلاثون (صورة ١٩)٦
استدعاء عظماء الوجهين القبلي والبحري
وتفسير هذا المنظر أن المرتل يخبرنا أولًا أن الملك يطلب عظماء الوجهين القبلي والبحري، وكان منذ الدولة القديمة يحكم البلاد مجلس مكون من عشرة عظماء لحكم الوجه القبلي ومثلهم للوجه البحري؛ هذا من جهة الواقع.
أما من جهة الأساطير فإن هؤلاء كانوا يمثلون أولاد الإله «حور» وأتباع الإله «ست»، وأن الإله «تحوت» الذي كان يلعب هنا دور المرتل قد ناداهم (أي الآلهة) ليقوموا بخدمة «حور» الذي جمع في يده حكم البلاد كلها، وذلك بأمر من الإله «جب» الذي أعطى «حور» ملك مصر بعد موت والده «أوزير».
ثم بعد ذلك نرى «جب» يخاطب «أولاد حور» و«أتباع ست»، ويرمز بهم لعظماء البلاد في الوجهين القبلي والبحري؛ لأن «حور» كان في بادئ الأمر يحكم الوجه البحري و«ست» يحكم الوجه القبلي، ثم بعد ذلك أعطى «حور» الملك كله، فيقول لهم: «قوموا بخدمة حور.» ثم يلتفت إلى «حور» قائلًا: «أنت سيدهم.» ثم بعد ذلك يأتي في المتن تعليمات مسرحية، فنقرأ خدمة الآلهة ثم «حور»؛ أي إن المطلوب هنا هو خدمة الإله «حور» ملكهم، ثم بعد ذلك يأتي في فاصل خاص إحضار عظماء الوجهين القبلي والبحري، وهم الذين يقومون بخدمة الملك، وهم المرموز لهم في الخرافة بالآلهة.
المنظر الحادي والثلاثون (صورة ٢٠)
استحضار الأشياء اللازمة لتتويج الملك
وتفسير هذا المنظر أن الملك بعد أن استدعى عظماء الوجهين القبلي والبحري لحضور حفلة التتويج أخذ الكاهن المرتل يعدِّد لنا أنواع مواد الزينة التي كان لا بد أن يقدمها للملك ليتجمل بها في حفلة التتويج، ثم يقول لنا ما كان يقابل ذلك في أسطورة «حور وأوزير». فالمرتل هو الإله «تحوت» الذي تكلم مع «حور» (أي الملك)، وما كلمه عنه هو عينه. وسنرى في الحوار التالي أن عين «حور» هي المواد التي كان يتجمل بها الملك. فعندما يتكلم «تحوت» نعلم أن مرتل الملك هو الذي يتكلم، وأنه يكلم الملك الذي يعبر عنه في الأسطورة «بحور»، فعندما يقول «تحوت» «لحور»: أقدم لك عينك في وجهك، فإنما ذلك يرمز به إلى الكحل الأخضر. وهكذا، فإن كل المواد التي يتجمل بها الملك أو يتعطر بها أو يستعملها كدواء هي رمز لعين «حور». أما قوله: ثبت التاج بواسطة حارس الريشة الطويلة، فيشير إلى موظف قديم كان يتولى وضع الريشة على رأس الملك، وكانت تقوم مقام التاج قبل استعماله.
المنظر الثاني والثلاثون
توزيع أنصاف الرُّغفان على عظماء الوجهين القبلي
والبحري
وتفسير هذا المنظر هو: يتكلم المرتل أولًا عن الجزء الواقعي؛ وهو تقديم أنصاف الرُّغفان لعظماء البلاد. والظاهر أن أنصاف الرغفان المشار إليها هنا كانت نوعًا من الفطير له قيمة عظيمة في المائدة. والذين يقدم لهم هذا اللون من الطعام هم الذين كانوا يحتفلون بتتويج الملك؛ مما يجعل الكلام متصلًا بالمنظر السابق. ثم ينتقل المرتل إلى الإشارة للجزء الذي يقابل ذلك في أسطورة «حور»، فيقول: إن معنى ذلك أن «حور» قد استرد عينه وأعاد للآلهة رءوسهم.
وتفسير ذلك في الأسطورة أن استرداد عين «حور» يشير إلى الخرافة القائلة إن «ست» عدو «حور» قد أخذ عينه وقطعها إلى قطع، ثم أعادها الإله «تحوت» وكملها بعد أن جمع أجزاءها ثانية، فالأجزاء التي تتألف منها العين هنا هي أنصاف الرغفان، وإعادة رءوس الآلهة لها هو تركيب أجزاء العين وضم بعضها إلى بعض لتصبح كلمة. والآلهة الذين يشار إليهم هنا بقطع رءوسهم هم الذين وقعوا في حومة الوغى من أتباع «حور» و«ست» أثناء شجارهم؛ ولذلك يقول «حور» للإله «تحوت» الذي جمع أجزاء العين: ليعطَوْا رءوسهم.
ثم يفسر المتن ذلك بإعطاء عظماء الوجه القبلي والوجه البحري أنصاف الرغفان. ونرى بعد ذلك أن الإله «تحوت» يخاطب أولاد «حور» وأتباع «ست»، وذلك يقابل في الواقع عظماء الوجهين القبلي والبحري، راجيًا «جب» إله الأرض وجدَّ «حور» أن يعيد إليهم رءوسهم، ثم يفسر إعطاء الرءوس بوجبة ملكية؛ أي طعام مائدة الملك. ثم نشاهد بعد ذلك أن المتن يحدِّد لنا المكان الذي تقدم فيه هذه الوجبة، وهي مقاطعة تحوت (إيبيس)؛ أي المقاطعة الخامسة عشرة.
بعد ذلك يخاطب حور (أي الملك) أولاد «حور» وأتباع «ست» (أي عظماء الوجهين): «لأعطَ عيني حتى أتمتع بهما.» يقصد بذلك الملك أنه يريد أن يشارك عظماءه في هذه الوجبة. ثم نرى التفسير: عين = الوجبة. وخلاصة القول هنا أن المعادلة هنا تنحصر بين الحقيقة الواقعة والخرافة، فتذكر الحقيقة أولًا، ثم يتلوها الشعيرة في خرافة عين «حور».
المنظر الثالث والثلاثون
إحضار ميدعة بردية (مريلة)
وتفسير هذا المنظر هو: قد أحضر للملك «سنوسرت الأول» ميدعة مصنوعة من البردي بوساطة الكاهن المرتل. وهذه الميدعة كانت لباس الحزن، فارتداء الملك هذا الملبس يدل على أنه قد لبس الحداد على والده ولن يخلعه حتى يوارَى جثمان والد قبره. ولذلك كان يرمز بهذه الميدعة في الأساطير إلى أن حور قد ضم والده، وضمُّ والده هو لبس الحداد عليه الذي يتمثل في الميدعة. ولذلك نرى هنا «حور» يخاطب جده «جب»، وهو الأرض التي ستواري جثمان والده، قائلًا له: إني ضممت والدي هذا المتعب (المتوفى) إلى أن يعود ثانية صحيح الجسم. ويقصد بذلك: إني قد لبست الحداد على والدي المتوفى، ولن أخلعه حتى يوارَى قبره. ويقصد بعبارة «حتى يصبح معافى» أن يعود إلى الحياة ثانية في عالم الآخرة، كما كان الاعتقاد عند المصريين؛ وذلك أن كل ملك يتوفى سيعود ثانية إلى الحياة في عالم الآخرة، كما حدث مع «أوزير» والد «حور».
ونجد في النهاية أنه قد ذكرت بلدة «بوتو»، والمقصود بها هنا المكان الذي حدثت فيه هذه الشعيرة في أسطورة «حور» و«أوزير».
الفصل الرابع والثلاثون
إحضار الخبز والجعة
هذا المنظر يمثل بكاء حور وحزنه على والده. فإحضار جعة «سرمت» المرة المذاق عبَّر عنها المرتل بأنها دموع حور التي سكها على والده، ثم نعى حور والده إلى «جب» قائلًا: إن أعداء والده قد وضعوه تحت الأرض؛ أي قتلوه، ثم عبر عن ذلك في الخرافة «بخبزأح»؛ أي إن أوزير أصبح في الخرافة هو «خبزأح»، وذلك يشابه ما قيل: إن المسيح في الشعائر النصرانية «هو الخبز»، ويلاحظ أن في عبارة «وضع تحت الأرض» وخبز «أح» تورية.
وبعد ذلك نجد حور يخاطب «جب»: لقد جعلوه مبكيًّا عليه، والتي بكته هي إزيس، وُعبر عنها بأنها جعة «سرمت». والخلاصة أن ما كان يقدمه الملك قربانًا لوالده في احتفال الدفن كان يمثِّل الدموع، وهي جعة سرمت المرة المذاق، ثم قتله وهو خبز «أح»، والدموع هنا التي كان يسكبها حور ويعبر عنها أيضًا بإزيس.