سلسلة الأغاني الغزلية القديمة
(١) مقدمة
إن الأغاني الغزلية الساذجة التي نسمعها من أفواه الفلاحين في أيامنا هذه قد يجوز أنها كانت موجودة من أزمان سحيقة، ولكن ما لدينا هنا من الشعر الغزلي يختلف اختلافًا بيِّنًا عن تلك؛ إذ إن نظرة عابرة إليه كافية لأن تُرِيَنَا أن الشاعر لم يحاول التعبير عن شعوره وعواطفه ببساطة كما قد يخطر بالبال؛ وذلك لأنه لم يصل إلى مرتبة الشعراء الموهوبين من طراز جيته وشكسبير وابن الرومي والبحتري وغيرهم، وهاك مثالًا يفسِّر لنا ذلك بأغنية منفردة:
ومن الممكن أن يعتبر الإنسان هذه أغنية قائمة بذاتها، ولكن إذا تأمل المرء في ذلك بعض الشيء وجد أن الهدف الذي يرمي إليه الشاعر لا وجود له، وهو تلاقي الحبيبين واجتماعهما، فإما أن تكون هذه الأغنية لم تتم بعد، وإما أن تكون جزءًا من مجموعة كاملة، والرأي الأخير هو الصواب؛ فإن الجزء المكمل يأتي بعد ذلك، وهو:
ولا شك في أنه ليس لدينا أغنية منفردة بذاتها، بل لدينا سلسلة متصلة الحلقات.
والأغاني ليست مجرد إظهار العواطف التي تختلج في النفس، بل يعمد فيها مؤلفها إلى إظهار الخطة التي قد رسمها لنفسه في الكتابة، فالعاطفة التي أبرزها لنا الشاعر هنا ليس فيها أي شك، ولكن نجد بالإضافة إليها أن الشاعر قد صاغ أفكاره بالطريقة التي تبرزها في صورة فنية ليتذوقها السامع الذي يحس بالجمال ويقدره. وحقيقة الأمر أن ما لدينا هنا هو كتاب أغانٍ في موضوع واحد هو الحب وما يوحي به.
وقد بقي لنا من الأغاني الغزلية التي من هذا النوع خمس مجاميع يرجع عهدها جميعها إلى عصر الدولة الحديثة، أما أغاني العصور التي قبلها فلم يصلنا منها شيء حتى الآن.
ولا شك في أن العصر الذي تنتسب إليه هذه القصائد الغزلية يعد العصر الذهبي لهذا النوع من الشعر الغنائي؛ فكلها ذات نزعة واحدة متشابهة، فمعظمها أغانٍ قصيرة لا يشوبها جمود في التركيب، بل هي محادثات بسيطة يتناوب الكلام فيها المحبوب والمحب. والظاهر أن كل أغنية كانت مصحوبة بالضرب على آلة موسيقية كما توحي إلينا به النسخة الخطية التي بين أيدينا، وربما كان ذلك السبب في أن الأغنية منها لا تكاد تكون لها علاقة بالتي سبقتها، فهي في ذلك تشبه مجموعة أغانٍ متنوعة كالتي نراها كثيرًا في عصرنا. ويتناول هذا الشعر غير الحب وصف التمتع بالطبيعة وأشجارها وأزهارها، وجمال الماء والطيور، وصور الطبيعة البريئة، كما يستخلص الإنسان كثيرًا من المتعة من هذه الأغاني.
وإذا فحصنا نغمة هذه الأغاني وجدنا أنها غاية في التحشُّم إذا وازنَّاها بغيرها من الأغاني الشرقية، وإن كان الإنسان لا يمكنه أن يتجنب الريبة فيما يختبئ وراء كثير من تعابيرها البارزة التي تظهر فيها تورية قُصد إخفاؤها؛ وذلك للتسرية عن السامعين. وسيلاحظ كل قارئ أن هذه الأغاني تشبه كثيرًا نشيد الأناشيد في التوراة، وأن بها خاصية تبدو كثيرًا في الأدب العربي؛ وهي نداء الحبيب باستعمال لفظ الأخ أو الأخت.
على أننا عندما نقرأ في سياحة «ونآمون» أن أمير جبيل (١١٠٠ق.م) قد استخلص لنفسه مغنية مصرية، نستطيع أن نتخيل جيدًا الطريق التي أخذ الشعر الغزلي يدخل منها في أرض «كنعان».
وقبل أن نبتدئ في درس هذه المجاميع الغزلية، سنذكر هنا مقطوعة غاية في الرقة لا يسع الإنسان الإغضاء عن تدوينها هنا، فقد كتبت على ظهر بردية تحتوي على كل أنواع التعابير المنمقة من إنشاء المدارس (ورقة أنستاسي)، وقد دوَّنها كاتبها على عَجَل بخط سريع:
فهكذا يجب أن تكمل القافية.
والآن سنحلل كل مجموعة من المجاميع الخمس التي وصلت إلينا ليفهم القارئ ما يرمي إليه الشاعر ثم نورد النص. وقد اخترنا هذه الطريقة هنا لأن كثيرًا من المتن مهشم وغامض.
(٢) المجموعة الأولى١
نجد في هذه المجموعة أن العذراء تذوب شوقًا لرؤية حبيبها، وهي تتخيله ذاهبًا معها إلى البركة لتريه جمال جسمها وتناسُق أعضائها. ثم نرى الشاب المحبوب في طريقه لمقابلتها وقد كان لزامًا عليه أن يعبر مجرى ماءً اعترضه في طريقه إليها. ولكن الحب جعله يحتقر كل المخاطر فيعبره بكل شجاعة وإقدام، ثم توافيه حبيبته إليه فيتلاقيان تظللهما سعادة الحب والشباب، غير أن تلك السعادة كانت مع الأسف قصيرة الأمد، وعند الفراق يوصي الحبيب بها خادمتها فيقول لها: يجب أن تُلبسيها أفخر أنواع الملابس من الكتان، ويجب أن تزيني مأواها وتجعليه جميلًا ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. وإنه لمحزون القلب عندما يجبر على الفراق ثانية مما أوحى إلى ذلك المحب المدله أن يقول: أليس في الإمكان أن أكون دائمًا بجوارك، وليتني كنت خادمك؛ حتى لا أفارقك لحظة عين، وليتني غاسل ملابسك حتى أنعم بعبيرك وأنتشي بأريجك الذكي، وليتني كنت خاتمك الذي في أصبعك فأكون إذن موضع لمس يدك وقريبًا منك ولو كنت شيئًا جامدًا لا حياة فيه.
فمن ذا الذي لا يقرأ بين تلك السطور معانيَ سامية؟ ومن ذا الذي لا يحس العلاقة التي تربط هذه المقطوعات المنفردة وما توحي به هذه القطع الثمينة من الأدب؟
حقًّا إن هذه المعاني ليست متعددة النواحي ولا عميقة الغور كما نقرأ لفحول شعراء العالم، ولكنه على كل حال شعر غزلي آية في الإتقان وحسن التشبيه؛ مما يدعو إلى الدهشة، وبخاصة أنه من إنتاج ذلك الزمن القديم.
المتن
وإذا قبلتها وشفتاها مفتوحتان سعدت من جعة …
لماذا لم أكن خادمتها التي تقعد عند قدميها فأستطيع أن أرى لون أعضائها.
آه ليتني كنت خادمتها فكنتُ أتمتع بمشاهدة لون أعضائها.
آه ليتني غاسل الملابس … في شهر واحد … كنت أتمنى أن العطر الذي في ملابسها …
آه ليتني الخاتم الذي في «أصبعها»!
(٣) المجموعة الثانية
هذه المجموعة من الشعر الغزلي قد وضعت في صيغة محاورة، فنشاهد فيها أن العذراء وحيدة، وأن المحب بعيد عنها، فتصف لنا في حزن واكتئاب كيف أن المحب كان جالسًا بجوارها، وأنه لم يكد يسلِّم حتى ودع، وكيف أنها تحاول أن تحظى بلقائه ثانية، وعندما غالبها الشوق واستحوذ على عقلها صاحت قائلة: إن حبي لك قد تغلغل في قلبي مثل … فأسرع لترى حبيبتك مثل …
وكذلك نشاهد الشاب وحيدًا وهو يتحرق شوقًا إلى رؤية من أوقعته في أحبولتها.
وبعد ذلك نرى العذراء تسبغ على حبها صورة جديدة؛ فهي تعلم أنه يعيش من أجلها حزين القلب مكتئب النفس فتذهب إليه طائعة مختارة، ثم نجدها لا تريد أن تفارق حبيبها ولو ذاقت من أجله أشد العذاب.
ثم يقول لنا الحبيب المدلَّه إنه قد أزمع السفر إلى «منف»؛ ليرى مالكة لُبِّه، وقد كانت مجرد فكرة الذهاب إلى جوارها أنه رأى الكون وما فيه مضيئًا أمامه، ولكن سرعان ما مرَّ بفكره خاطر مفاجئ يوحي إليه بأنها قد لا تأتي إليه، فماذا هو صانع إذن؟ وكان جوابه على ذلك أنه سيأوي إلى بيته طريح الفراش متمارضًا. فيأتي لعيادته الجيران والأطباء فيعجزون عن شفائه.
ولكن إذا جاءت حبيبته معهم سرى البرء إلى بدنه، ودبَّت العافية في أعضائه؛ فخجل الأطباء من أنفسهم.
لأنها هي التي تعرف موطن الداء.
ثم بعد ذلك نراه يمرُّ على باب الحبيبة من غير حاجة؛ لعله يراها، وبابها مفتوح على مصراعيه، فتأتي حبيبة قلبه مسرعة وتؤنِّب الحارس على تركه الباب مفتوحًا، فيقول الحبيب:
آه ليتني كنت «البواب»
حتى تؤنبني
وعندئذ أتمكن من سماع صوتها وهي غَضْبَى
وأكون «أمامها» كالطفل أرتعد فَرَقًا.
ويتلو ذلك أن العذراء تزمع الرحيل إلى المكان الذي سافر إليه حبيب قلبها، وهذا المكان هو «منف»، والظاهر أن هذا اليوم الذي وصلت فيه كان يوم عيد الاحتفال بفتح الخليج؛ فتزيِّن نفسها وتبتهج روحها، ويخيَّل إليها أنها ستكون ملكة مصر عندما تكون بين أحضان الحبيب.
المتن٨
[العذراء تتكلم]:
… لهو إذا أحببت أن تلامس فخذي فإن ثديي … لك.
أتريد أن تبتعد عني لأنك تفكر في الأكل؟
هل أنت رجل بطنة؟ هل تريد أن تنصرف لتكسو نفسك؟
ولكن إني أملك ملاءة. هل تريد أن تنصرف لأنك عطشان؟
خذ إذن ثديي؛ وارشف ما يفيض منه. ما أجمل اليوم الذي فيه …
[الشاب يتكلم]: … الأخت حقل (؟) فيه أزهار البشنين، وصدرها فيه تفاح الحب وذراعاها … وحاجبها كأحبولة الطيور المصنوعة من خشب «المرو» وأنا الإوزة التي وقعت في الأحبولة بالدودة.
[الشاب يتكلم]:
وسأرقد في بيتي وأتمارض بسبب الأذى الذي «حاق بي»، وسيزورني جيراني، فإذا جاءت حبيبتي معهم فإنها ستجعل الأطباء في خجل لأنها ستعرف موطن الداء.
إن طريق قصر أختي يقع في وسط بيتها وأبوابها مفتوحة على مصراعيها … وحبيبتي تخرج غضبَى من «البواب». آه ليتني كنت «البواب» حتى تؤنبني، وحينئذ أتمكن من سماع صوتها وهي غضبى، وأكون كالطفل أرتعد فَرَقًا منها.
[العذراء تتكلم]:
(٤) المجموعة الثالثة (العذراء في الريف)
عنوان هذه الأغنية هو: «الأغاني الجميلة العذبة التي تذيعها أختك حبيبة قلبك الآيبة من المرعى». وأول ما نلاحظ في هذه الأغاني أن العذراء تتكلم وحدها، وأن بعض الأغاني مرتبط ببعض إلى حد ما. هذا إلى أن صيد الطيور المذكور في هذا الشعر لم يكن على نطاق واسع لعدم اهتمام المصريين بالانتفاع بها ماديًّا، بل كان المقصود بصيدها هنا مجرد التسلية؛ ولذلك كانت تستعمل لهذا الغرض أحبولة صغيرة.
والظاهر أن هذه الأغاني تمثل أمامنا دراما صغيرة، فالعذراء تخرج من بيتها إلى الحقول لتصطاد طيورًا، ولكنها لا تفعل لأنها لا تفكر إلا في حبيبها، وترى أمامها الفطائر الشهية، ولكنها لا تعرف لها طعمًا، وكل ما تصبو إليه أن تذوق حلاوة قبلة طاهرة من الحبيب؛ لذلك تقول:
ثم تقول إن حبيبها إذا غاب عنها كانت في عداد الأموات؛ لأنه هو العافية عندها والحياة. ثم يذهب بها خيالها إلى أنها قد التقت به، وأنه قد طلع عليهما الصبح والطيور تغرد قائلة: أيها النائمون هُبُّوا، فتعود على الطير باللائمة؛ لأنه أنذرها بفراق حبيبها، فتصرفه ثم تنعم بصحبة من تحب.
وبعد ذلك ينتقل خيال الشاعر إلى ناحية أخرى من نواحي تخيُّلات المحبين، فيصور لنا المحبوبة تُطِلُّ من باب بيتها الخارجي، وتتوهَّم أنها ترى الحبيب مقبلًا عليها، وأنها تسمع صوته، غير أنها تعود مكلومة الفؤاد؛ لأن أملها أصبح سرابًا، فلم يأت حبيبها، فترسل إليه رسولًا. وفي خاتمة المطاف نراها تعبِّر عن شعورها وما تكنُّه من عاطفة مليئة بالذكريات والتلهُّف، فتقول: إن قلبي يستعيد ذكرى حبك، وإني آتية إليك على عجل باحثة عنك، ولم أكن قد فرغت بعد من التزين لمقابلتك.
المتن
وإن رغبتي فيك هي لأجل أن نطلق سراحها سويًّا. أنا وأنت وحدنا حتى تسمع صوت طيري المضمَّخ بالمر!
ما أحلى ذلك لو كنت هنا معي حينما أنصب أُحبولتي! وإنه لحسن جدًّا أن يذهب الإنسان إلى المرعى حيث المحبوب.
إن الإوزة تطير وتحط … وكثير من الطيور تحوم حولي، ومع ذلك فإني لا أُعِيرها التفاتة؛ لأنه لدى حبيبي وحدي والذي هو ملكي وحدي. إن قلبي وقلبك على أوثق ما يكون من الوفاق، ولن أذهب بعيدًا عن جمالك.
يا أجمل الناس، إن أمنيتي هي أن أحبك كقعيدة بيتك، وأن تطوي ذراعي على ذراعك … وإذا لم يكن أخي الأكبر معي الليلة فإن مثلي سيكون كمثل من طواه القبر. ألست أنت العافية والحياة؟
إن صوت عصفور الجنة يتكلم قائلًا: إن الأرض منيرة، ما طريقك؟ (أي يجب أن تذهب الآن). آه. لا أيها الطائر، إنك لتسبب لي الأوجاع (؟). لقد وجدت أخي في سريره؛ فقلبي إذن فرح …
وهو يقول لي: «لن أبتعد عنك كثيرًا، بل يدي في يدك، وسأروح وأغدو، وسأكون معك في كل مكان ممتع.» وهو يضعني على رأس العذارى، ولم يجعل قلبي يتوجَّع.
إني أصوب نظري إلى الباب الخارجي وأنظر. إن أخي آتٍ إليَّ، وعيناي تتجهان نحو الطريق وأذناي تسمعان … إني أجعل حب أخي همي الوحيد. ومن أجل ذلك لا يهدأ قلبي.
(٥) المجموعة الرابعة (مناجاة الأزهار المختلفة الأنواع في الحديقة)
نجد في هذه الأغاني أن العذراء تنظر إلى أزهار الحديقة، وربما كانت تنسق منها تاجًا، وفي كل زهرة تفكر في حبيبها، ويلاحظ كما هي عادة الكتَّاب المصريين، أن كل أغنية تبتدئ باسم زهرة، وكل أول بيت يحتوي على كلمة فيها تورية باسم الزهرة.
ما ألذ ساعتي! وليت ساعة واحدة تصير لي خالدة حينما أنام معك؛ لأنك قد أنعشت قلبي عندما كان في الليل (؟).
إني حبيبتك الأولى، وإني لك كجنينة قد غرست فيها الأزهار وكل أنواع العشب العطر.
وإن المجرى الذي حفرته يدك فيها لجميل عندما يهبُّ نسيم الشمال البارد، وإنه المكان الجميل الذي أتنزه فيه ويدك على يدي وجسمي مبتهج وقلبي مفعم بالسرور؛ لتنزُّهنا سويًّا. وإنه لشراب لذيذ أن أسمع صوتك، وإني أحيا لأني أسمعه، وإذا رأيتك كان ذلك أحلى لي من الطعام والشراب.
ويوجد فيها أزهار «زايت». إني آخذ إكليلك المنسق من الزهر عندما تأتي نشوانَ وتنام على سريرك. وإني أدلِّك قدميك …
(٦) المجموعة الخامسة (أشجار الحديقة تدعو المحبين للتمتع٢٦ بوقت سعيد)
هذه المجموعة لا تمتاز بشيء جديد عما سبق إلا بسموِّها في الخيال وحسن التعبير. فالأشجار تتكلم مع العذراء في حديقتها، وتدعوها إلى وليمة تحت ظلالها الظليلة، ويحتمل أن المحبوبة قد خاطبت هذه الأشجار في أول هذه الأغنية، وهو الجزء المفقود منها؛ وذلك لأن إحدى هذه الأشجار تشكو من أنها لم تعتبر أولى أشجار الجنينة.
المتن
فإذا حدث ذلك ثانية فلن ألزم الصمت عنها بعد، بل سأفضحهما (المحبين) حتى تُرى الخطيئة ويعاقب المحبوب، وحتى لا يمكنها … أن تضفر أغصانها بالبشنين والأزهار والبراعيم. والمسوح… والجعة من كل نوع. ليتها تجعلك تمضي اليوم في سرور. والخيمة المصنوعة من الغاب تكون مأوًى. انظر لقد خرج حقًّا. تعالَ حتى نداعبه، وليته يمضي كل اليوم …
لقد وُجدت للسرور … لإنسان لا يشرب: بحياتي أيها المحبوب … مُرْ بإحضاري إلى حضرتك.
وإنها تضع خلسة خطابًا في يد العذراء الصغيرة بنت بستانيِّها الأول، وتأمرها الإسراع به إلى المحبوب: تعال وأمضِ الوقت مع عذرائك؛ فإن الجنينة في يومها «مزهرة نضرة»، وفيها مظلات ومأوًى لأجلك، والبستانيون سيفرحون ويبتهجون برؤيتك، فأرسل عبيدك قبلك مُجهزين بأوانيهم. وإن الإنسان لينتشي عندما يسرع للقائك قبل أن يثمل بالخمر فعلًا. «ولكن» الخدم يأتون من قبلك حاملين أوانيهم وقد أحضروا جعة من كل نوع، وجميع أصناف الخبز المخلوط، وكثيرًا من فاكهة الأمس وفاكهة اليوم، وكل أصناف الفاكهة اللذيذة.
تعالَ لنمضي اليوم في سرور، وكذا في الغد وبعد الغد ثلاثة أيام معددوات جالسًا في ظلي.
إن حبيبها يجلس على يمينها وهي تُسكِره مستجيبة كل ما يطلب منها، والوليمة قد اختل عقد نظامها بالسكر، ولكنها لم تغادر حبيبها.
… منشورة تحتي في حين أن المحبوبة تتنزَّه. غير أني حازمة فلا أتحدَّث عما أرى، ولن أفوه بكلمة.