الاحتمال المستبعد الثاني: للكون بداية، ونحن نعرف متى كانت
صارت فكرة أن الانفجار العظيم هو أصل الكون معروفة لدرجة أنها باتت فكرة عادية. حتى إنها كانت تُستخدم في المملكة المتحدة للإشارة إلى التحرير المفاجئ للأسواق المالية الذي حدث في عهد مارجريت تاتشر. لكن فكرة وجود بداية للكون مستبعدة كثيرًا لدرجة أن العلماء لم يتطرَّقوا إليها حتى إلا منذ مائة عام، ولم تترسَّخ إلا منذ نحو ٥٠ عامًا.
كان الكون في نظر القدماء، الذين كانوا ينظرون في سماء الليل، يبدو سرمديًّا ولا يتغيَّر. وحتى عشرينيات القرن العشرين كان يُعتقد أن ما نعرفه الآن باسم مجرة درب التبانة — وهي جزيرة تضم بضع مئات المليارات من النجوم — هو الكون بأكمله، يمكن أن تولد فيه نجوم منفردة، وتحيا وتموت، ولكن الشكل العام ظل دومًا على ما هو عليه، مثل غابة تنمو فيها الأشجار فُرادى، وتموت من دون أن يتغيَّر شيء في شكلها العام. كانت فكرة الكون الذي لا يتغيَّر مترسِّخة في الأذهان بقوة، لدرجة أن حتى ألبرت أينشتاين الذي يميل عادة إلى الخروج بأفكار جديدة، تقبَّلها دون أي اعتراض أو تردُّد. وعندما طبَّق معادلات نظريته العامة في النسبية كي يصف سلوك الكون بأكمله (في المكان والزمان)، وجد أن الرياضيات تقول إن الكون لا يمكن أن يكون ثابتًا، بل لا بد أنه يتمدَّد أو ينكمش. بدا له هذا الاحتمال مستبعدًا لدرجة أنه أضاف عاملًا إضافيًّا إلى المعادلات، أطلق عليه الثابت الكوني؛ كي يُبقي كل شيء ثابتًا على ما هو عليه.
في بداية عشرينيات القرن العشرين، أدَّت تقنيات التصوير الفوتوغرافي وأجهزة التلسكوب المطوَّرة إلى اكتشاف أن مجرة درب التبانة ليست هي الكون بأكمله، ولكنها مجرَّد جزيرة واحدة من النجوم من بين جزر أخرى متناثرة عبر أنحاء الفضاء الفسيح. ولكن في البداية، ظلَّت هذه الفكرة تبدو متناسبة مع فكرة الكون الثابت، وإن كان على نطاق أوسع. بعد ذلك، في أواخر عشرينيات القرن العشرين، اكتشف كلٌّ من جورج لوميتر وإدوين هابل (بناءً على تأثير الانزياح نحو الأحمر الشهير) أن المجرات (أو تحريًا للدقة، عناقيد المجرات) يتحرَّك بعضها بعيدًا عن بعض؛ أي إن الكون يتمدَّد. فُسر هذا الاكتشاف على أنه راجع إلى تمدُّد الفضاء، وهذا ما يتطابق تمامًا مع معادلات أينشتاين «بدون» الثابت الكوني. وفيما بعدُ وُصف إدخال ذلك الثابت بأنه «الخطأ الأفدح» في حياته المهنية. فبقدر ما بدا ذلك مستبعدًا كان الكون يتمدَّد بالفعل.
إذا تأمَّل المرء كتلة ذات حدود مادية، فسيجد جسيمات المادة تتركها باستمرار. وكي تظل الكثافة ثابتة، لا بد أن تتكوَّن جسيمات المادة باستمرار في الكتلة من الفراغ.
غير أنه انصرف إلى عمل آخر ولم ينتهِ من البحث حتى ينشره. ومِن ثَم ظل البحث مهملًا في الأرشيفات حتى عثر عليه كورماك أورايفرتاي وبريندان ماكان، بمعهد ووترفورد للتكنولوجيا، بعد ثمانية عقود بطريق المصادفة، وترجماه ونشراه بالإنجليزية في عام ٢٠١٤. لذا إذا تساءل أحد من أول شخص توصَّل إلى فكرة الحالة الثابتة/الخلق المستمر، فإن الإجابة هي أينشتاين!
دخل هذا التنبؤ في طي النسيان إلى حد بعيد في خمسينيات القرن العشرين، ولكن في أوائل ستينيات القرن نفسه؛ أي منذ أقل من ٦٠ عامًا، اكتشف كل من أرنو بنزياس وروبرت ويلسون، وكانا يعملان على تلسكوب راديوي تمتلكه مختبرات بيل — عن طريق الصدفة — أن الكون مليء ببحر من الإشعاع الميكروي تبلغ درجة حرارته نحو ٣ درجات كلفن، وتحدَّدت فيما بعدُ بمزيد من الدقة بمقدار نحو ٢٫٧ درجة كلفن. وكانت المفاجأة التي وجداها مزدوجة؛ لأنهما لم يكونا على دراية بعمل ألفر وهيرمان، فضلًا عن أن كلَيهما كانا من أنصار فكرة الحالة الثابتة. لكنهما استبعدا تلك الفكرة عن طريق الخطأ واعتبراها مستحيلة. وسرعان ما أدركا أنه لا بد أن هذا الإشعاع هو ما تنبَّأ به ألفر وهيرمان، وأن ثمة انفجارًا عظيمًا قد حدث بالفعل، على الرغم من أن العديد من علماء الفلك كانوا لا يزالون يعتبرونه مستبعدًا. إذن، «متى» وقع الانفجار العظيم؟ كم يبلغ عمر الكون؟
على مدى العقود القليلة التالية، تحدَّدت قيمة ثابت هابل بمزيد من الدقة بفضل عمليات قياس مطوَّرة قائمة على الأسلوب التقليدي، تُوجت بدراسات أُجريت باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، لتصبح ٧٢ ± ٨ (أي ما بين ٦٤ و٨٠)، وكان ذلك في عام ٢٠٠١. ولكن في الوقت نفسه، تمكَّن أسلوب مختلف تمامًا يستخدم رصد إشعاع الخلفية الكوني الميكروي من فهم وتوضيح ثابت هابل.
عندما تعرَّف علماء الفلك على إشعاع الخلفية لأول مرة وقاسُوا درجة حرارته، اكتشفوا أن درجة الحرارة واحدة في كل مكان رصدوه؛ أي إن درجة حرارة السماء واحدة في كل الاتجاهات. وهذا يتطابق مع أبسط تنبؤات الحسابات الكونية الخاصة بالانفجار العظيم، ويؤكِّد، من بين أشياء أخرى، أننا لا نعيش في مكان خاص في الكون؛ إذ إن هذا النوع من النمط (أو بالأحرى غياب النمط) من شأنه أن يبدو بالشكل نفسه من أي مكان في الكون. ولكن مع تحسُّن قياساتهم وعدم اكتشاف نمط محدَّد، بدأ هذا في إثارة هاجس مزعج من القلق في أذهان علماء الكونيات. لقد وصفت تلك الحسابات الكونية الشديدة البساطة، في الواقع، سلوك التمدُّد الموحَّد للزمكان من دون أي صعوبة. يحتوي الكون الفعلي على مجرات من النجوم، ولا بد أن هذه المجرات قد نشأت من أشكال غير منتظمة كانت موجودة منذ زمن طويل حينما كان الكون عبارة عن كرة نار ملتهبة، وكان إشعاع الخلفية أشد وأقوى بكثير. حينذاك، كانت كرة النار تحتوي على بحر من الإلكترونات والبروتونات والجسيمات المشحونة بالكهرباء التي تتفاعل مع الإشعاع الكهرومغناطيسي لكرة النار، ومِن ثَم اعتمدت درجة حرارتها في أي بقعة منها على كثافة المادة في ذلك الموقع. بعد ذلك، عندما انخفضت درجة حرارة الكون إلى بضعة آلاف درجة (أي نفس درجة حرارة سطح الشمس في الوقت الحاضر تقريبًا، ولكن في كل أرجاء الكون)، احتُجِزت البروتونات والإلكترونات في ذرات متعادلة كهربيًّا، ومِن ثَم «انفصل» الإشعاع. ظل الكون متأثرًا بتلك التقلُّبات البدائية، ولكنه لم يَعُد يتفاعل بقوة مع المادة بسبب استمرار انخفاض درجة الحرارة حتى وصلت إلى ٢٫٧ درجة كلفن.
لا بد أن تلك الأشكال غير المنتظمة الأولية تركت أثرًا على درجة الحرارة من أجزاء مختلفة في السماء، كان من الممكن اكتشافها اليوم لو توافرت أدوات ذات حساسية كافية لقياسها. ولكن كان سينبغي أن تكون «شديدة» الحساسية. ومن خلال العمل بترتيب عكسي ابتداءً من قياسات أحجام المجرات وعناقيد المجرات اليوم، تمكَّن علماء الفلك من حساب مدى التفاوت في الكون بعد الانفجار العظيم مباشرة، في وقت الانفصال. وكان هذا يعني أنهم عرفوا حجم التقلُّبات في درجة حرارة إشعاع الخلفية من مكان إلى مكان حينذاك؛ ومِن ثَم استطاعوا معاودة العمل بترتيب طبيعي مرة أخرى لحساب كم يجب أن يكون حجم الاختلافات اليوم في درجة الحرارة من جزء ما من السماء إلى آخر. وتبيَّن أنه جزء من ١٠٠ ألف. وبناءً على أن متوسط درجة الحرارة يبلغ ٢٫٧ درجة كلفن، كان هذا يعني أنه تعيَّن على الأدوات أن تكتشف تقلُّبات قدرها ٠٫٠٠٠٠٣ درجة كلفن، أي ٣٠ جزءًا من المليون من درجة.
والنتيجة هي مزيج فوضوي من الأطوال الموجية، ولكن علماء الفلك معتادون على التعامل مع مثل تلك المزائج ولديهم أداة قوية تسمَّى تحليل طيف الطاقة، يمكنها التقاط الأطوال الموجية الفردية التي تُسهم في تلك الصورة الكلية الفوضوية. يشبه ذلك تحليل الأصوات التي تصدرها فرقة سيمفونية في مزيج صوتي واحد، ثم معرفة الأصوات الفردية التي تصدر عن آلات الكمان والناي وآلات النقر وجميع الآلات الأخرى. ثمة تشبيه آخر وهو تحليل الصوت الصادر من آلة الأرغن ذات الأنابيب لمعرفة أطوال أنابيب الأرغن وغيرها من تفاصيل بنية الآلة.
أُطلق مسبار بلانك في مايو عام ٢٠٠٩. ونظرًا لحساسيته التي تفوق حساسية مسبار ويلكينسون بثلاث مرات، استطاعت الأجهزة قياس الفروق في درجات الحرارة من بقعة في السماء إلى بقعة أخرى، وكانت فروقًا بلغت نحو واحد على مليون من الدرجة، بينما كان حجم البقع التي قيست حرارتها لا تزيد على واحد على عشرين من الدرجة عرضًا. توقَّف وفكِّر في ذلك. من السهل الجدل بشأن مصطلحات مثل واحد على مليون من الدرجة. لكن في العَقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، استطاع علماء الفلك دراسة بقعة في السماء يبلغ حجمها سُدس حجم البدر الظاهر من الأرض، وتحديد درجة حرارتها بالنسبة إلى البقع المجاورة لها «بدقة تبلغ واحد على مليون من الدرجة». إن لم يتحيَّر عقلك بتلك المعلومة، فلن يُحيِّره أي شيء آخر.
يُعَد هذا أحد أعظم إنجازات العلم وأكثرها استبعادًا. فمن شأن أي عالِم من جيل سابق — فضلًا عن الشخص العادي — أن يصاب بالذهول حين يعلم أننا نعرف أن عمر الكون في حدود ١ بالمائة، وأن عمره ١٣٫٨ مليار سنة، يزيد مائة مليون أو ينقص. ولكن حتى هذه ليست نهاية القصة. فلا يزال هناك أمور أخرى جيدة.
ذكرت سابقًا أن ثمة مخاوف أُثيرت في ستينيات القرن العشرين (وحتى بعد ذلك بقليل) عندما جاءت بعض تقديرات عمر الكون أقل من تقديرات عمر بعض النجوم. لا حاجة إلى هذا القلق الآن. فبينما كان علماء الكونيات مشغولين بتنقيح تقديراتهم لعمر الكون، كان علماء الفيزياء الفلكية أيضًا مشغولين بتنقيح قياساتهم لأعمار النجوم. وجاءت النتائج مرضية للغاية.
توجد الآن عدة طرق مختلفة لقياس أعمار النجوم، ولكني سأذكر اثنتَين منها فقط بإيجاز؛ كي أُبرز مدى فهم علماء الفلك للكون في الوقت الحاضر. تعتمد الطريقة الأولى على الاكتشاف الذي تمَّ في أوائل القرن العشرين، عن مدى ارتباط درجة حرارة نجم ما (والتي ترتبط بلونه) بدرجة سطوعه. في أي مخطط بياني يُوضِّح السطوع على المحور الرأسي ودرجة الحرارة في ترتيب تنازلي من اليمين إلى اليسار على المحور الأفقي، تقع معظم النجوم على خط ممتد من أعلى اليسار (ساخن وساطع) إلى أسفل اليمين (بارد ومعتم). فالسطوع الظاهر للنجم يعتمد على بعده؛ ومِن ثَم يُحسب السطوع بناءً على الشكل الذي يظهر عليه من مسافة ٣٢٫٥ سنة ضوئية (أي ١٠ فراسخ فلكية، بالوحدات التي يفضلها علماء الفلك). وهذا بدوره يعتمد على معرفة المسافات إلى النجوم، وهذا هو السبب وراء عدم اكتشاف هذه العلاقة بعد فترة وجيزة (الطريقة التي يقيس بها علماء الفلك المسافات إلى النجوم قصة أخرى بمفردها). يطلق على التمثيل البياني اسم مخطط هرتزبرونج-راسل، نسبة إلى عالمَي الفلك اللذَين اكتشفا هذه العلاقة، كلٌّ بمفرده. ونظرًا لأن معظم النجوم الساطعة تقع أعلى اليسار متجهة إلى الخط أسفل اليمين، يطلَق على هذا المخطط النسق الأساسي. ولكن توجد أعداد أقل من النجوم تقع أسفل الخط المتجه إلى اليسار (معتمة لكن ساخنة) وفوق الخط المتجه إلى اليمين (ساطعة لكن باردة).
يعتمد موقع النجم على النسق الأساسي على كتلته فحسب. فكلما زادت كتلة النجم؛ زاد اضطراره للإسراع أكثر في حرق الوقود النووي في قلبه كي يصمد في مواجهة وزنه، ومِن ثَم يطلِق مزيدًا من الطاقة ويكون شديد السطوع. لكن عندما يستنفد الوقود النووي بداخله، تنتفخ المناطق الخارجية من النجم، ومِن ثَم تتسع المساحة التي تمر فيها الحرارة ما يجعل السطح باردًا. يتحوَّل النجم إلى جسم ضخم أحمر في أعلى اليمين من مخطط هرتزبرونج-راسل. وعندما يُستهلك كل الوقود، يتحوَّل إلى جمرة نجمية (قزم أبيض)، ومِن ثَم يتقلَّص ويظهر أسفل اليسار من المخطط. لكن النقطة الأساسية هنا أن الزمن في حياة النجم عندما يحدث هذا يعتمد على كتلته. فبالنسبة إلى مجموعة من النجوم في عمر واحد، يظل النسق الأساسي يقصر كأن الخط يُمحى بداية من أعلى اليسار. هناك تعبير خالد في هذا الإطار يقول: «النجوم الكبيرة سريعة الإيقاع وتموت صغيرة.» لقد أصبحنا نستوعب العلاقة بين الكتلة ودرجة الحرارة في نجوم النسق الأساسي جيدًا؛ لأن الشيء الذي يدعم النجم ويساعده على الصمود، أيما كان، لا بد أن ينتج الحرارة الكافية تمامًا لمنعه من السقوط. فإنتاج قدر بالغ من الحرارة من شأنه أن يتسبَّب في انفجار النجم، وإنتاج قدر ضئيل للغاية يؤدِّي إلى انكماشه. لذا توضِّح لنا النقطة التي ينتهي عندها النسق الأساسي كتلة النجوم الأقدم في تلك المجموعة، وهذا بدوره يوضِّح عمرها؛ لأننا نعرف المدة التي تستغرقها النجوم على اختلاف كتلتها لتستهلك الوقود النووي بداخلها (وهو ما يحدث بالأساس عن طريق تحويل الهيدروجين إلى هليوم).
بجمع كل هذه البيانات معًا، يتضح أنه إذا كان لدينا مجموعة من النجوم كلها في عمر واحد ويمكننا قياس المسافة إليها، بالإضافة إلى إمكانية تحديد النهاية العليا لنسقها الأساسي، إذن يمكننا معرفة عمر مجموعة النجوم. ولحسن الحظ، فإن مثل تلك المجموعات موجودة، ويطلَق عليها العناقيد النجمية الكروية. هذه العناقيد هي عبارة عن كرات من النجوم تضم مئات الآلاف من النجوم الفردية. تكوَّنت النجوم جميعًا في كل عنقود بعد الانفجار العظيم بفترة ليست ببعيدة في المناطق الخارجية لسحابة الغازات الأولية التي تكوَّنت من رحمها مجرتنا (تظهر عناقيد مماثلة حول المجرات الأخرى). ولسوء الحظ، يصعب حساب المسافات إلى تلك العناقيد إلى حدٍّ بعيد. لكن على الأقل تخبرنا الفيزياء العادية بأعمار النجوم ذات الكتل المختلفة. ومع كل الصعوبات التي ينطوي عليها الأمر، كان كل ما استطاع أن يخبرنا به علماء الفيزياء الفلكية، حتى قُبيل منتصف التسعينيات من القرن العشرين، عن أعمار العناقيد النجمية الكروية أنها لا بد أن تتراوح بين ١٢ و١٨ مليار سنة. كان هذا التخمين على الأقل يدور في نفس نطاق التقديرات الخاصة بعمر الكون، لكنها مبهمة على نحو محبط. ولكن بعد ذلك جاء القمر الصناعي هيباركوس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
أُطلق القمر الصناعي هيباركوس في عام ١٩٨٩، وأجرى قياسات دقيقة للمسافات لِمَا يقرب من ١٢٠٠٠٠ نجم باستخدام طريقة الإزاحة البصرية أو التخاطل؛ أي التحوُّل الظاهر في مواقع النجوم في السماء عند قياسها من الجوانب المقابلة لمدار الأرض. وصف فريق العمل دقة القياسات بأنها مشابهة لاستخدام تلسكوب من أعلى برج إيفل لقياس حجم كرة جولف أعلى مبنى إمباير ستيت. وبالجمع بين بيانات القمر الصناعي هيباركوس وطرق القياس الأخرى لأعمار العناقيد النجمية الكروية، توصَّل براين تشابوير وبالتعاون مع آخرين من أعضاء فريق هيباركوس، وذلك مع نهاية تسعينيات القرن العشرين، إلى أفضل تقدير لأعمار أقدم العناقيد النجمية الكروية وهو ١٢٫٦ مليار سنة قد يزيد مليار سنة أخرى أو ينقص. وتشير البيانات التي جمعها القمر الصناعي جايا، الذي أُطلق لاحقًا في أواخر عام ٢٠١٣، إلى أن العدد أعلى بقليل، لكنه يظل أقل من ١٣٫٨ مليار سنة.
على الرغم من الشكوك المتبقية في التقديرات الفيزيائية الفلكية، فإن كل شيء يتطابق مع تقدير العمر الكوني. وهذه حقيقة أكثر ترسُّخًا ممَّا قد تعتقد للوهلة الأولى. يتحدَّد العمر الكوني للكون من الفيزياء ذات النطاق الواسع (النظرية العامة للنسبية في الغالب). بينما يتحدَّد العمر الفيزيائي الفلكي للكون من الفيزياء ذات النطاق الضيق نسبيًّا لآلية عمل النجوم دون النظر إلى النظرية العامة مطلقًا. ومع ذلك، لم تتغيَّر النتائج في الطريقتَين. من الواضح أن العلم يؤتي ثماره! لقد اعتبر علماء الفيزياء أنهم يستحقون الثناء. ولكن لا يمكنهم الركون إلى أمجادهم؛ لأنه في بداية العشرينيات من القرن الحادي والعشرين، يبدو أن هناك ما يكدِّر تلك الأمجاد. هناك فرق بسيط — لكن ربما كان بالغ الأهمية — بين تقديرات قيم ثابت هابل التي وُضعت باستخدام الأساليب التقليدية والقيم التي وُضعت من خلال دراسة إشعاع الخلفية، التي يبدو أنها أكثر إثارة للقلق؛ نظرًا لانخفاض «مجالات الخطأ» في القياس التقليدي. يُصر أنصار كل طريقة قياس على أن الأرقام التي توصَّلوا إليها دقيقة. لكن في النهاية، لا تسير كل الأمور منسجمة بعضها مع بعض تمام الانسجام. وفي هذا الصدد يستخدم علماء الكونيات مصطلح «شد وجذب» لوصف المشكلة القائمة بين المعسكرَين، مفضِّلين عدم استخدام كلمة «خلاف». لكن ينبغي للفيزيائيين أن يُرحِّبوا بهذا النوع من التكدير؛ لأنه يفتح الطريق إلى اكتشافات جديدة. وربما كان له علاقة بالقصة التالية التي سأرويها.