مقدمة
النوم معجزة من معجزات العالم تتكرَّر كل يوم.
ومن أعجب الأشياء أن يرى الإنسان نفسه مضطرًّا في كل أربع وعشرين ساعة إلى الاستلقاء في وضع أفقي يَفقد فيه وعيه عن قصد وعلم في الثماني الساعات التالية … حين «يَكلُ العالمَ إلى الظلام» ورجال الأمن، ويطرح جانبًا مسئولياته، وأطماعه وهواجسه، ويَستسلِم إلى غمرة من النسيان الحسي، وهكذا نهجر مختارين العالم الذي ألفناه بما فيه من تجارب وذكريات مارسناها زهاء نصف قرن أو نحوه إلى عالم من الخيال صنعناه بأيدينا، عالم لا يُشاركنا فيه عقل آدميٌّ آخر.
للنوم عالمه الخاص، وهو برزخ بين حالتين أطلقنا عليهما خطأً اسمي الموت والحياة.
وقد يكون من الخير أن نبحثَ هنا في العوامل التي تؤدِّي إلى النوم الصحي، وأن ندرك الصلة بين النوم السويِّ والنوم الشاذِّ، وأن نتعرف منشأ الأحلام وكُنهَها، وأن نتنبأ بما سيكون للنوم من شأن عظيم في عالم الغد المُستتر.
أما الآن فإن دراسة القواعد الصحية التي ينبغي اتِّباعها لا تَلقى مِنَّا العناية الكافية، وهي لم تلقَ هذه العناية في الماضي، وإن كانت هذه القواعد لا تقلُّ شأنًا عن قواعد التهوية والتغذية.
وكان المتوحِّشون في أقدم العصور يَعتقدون أن حالة النوم تنطوي على معانٍ عظيمة سامية، شأنهم في ذلك شأن همج العصور الحاضرة، فقد وقَر في ذهن الأوَّلين أن النفس أو الرُّوح تغادر الجسم فعلًا لتضرب في أرض الأحلام، حتى إذا استيقظ النائم عادتْ مرةً أخرى إليه، ويرى الهمج الذين لا يَعرفون شيئًا عن وظائف الأعصاب أن ثمَّة تشابُهًا كبيرًا بين حالتي السبات والموت، وأن كل ما بين الاثنين من فارق أن انفصال الروح عن الجسم في حالة الموت انفصال أبديٌّ.