بداية البحث
ليلة العيد الكبير، بعد المطاردة الطويلة وقبل أن يطلع الفجر، أصابني أحدهم من الخلف. كنت أجري في الظلمة أبحث عن أمي وليس معي إلا كلبي. أصابوني بالطعنة في ظهري. استدرت وأعطيتهم وجهي فإذا بهم يتلاشَون، لا يستطيعون النظر إلى ضوء الشمس، ينامون النهار، وفي الليل ينهضون، لا يعرفون شرف المبارزة أو الحرب، وفي الظهر يضربون.
قبل أن أسقط وأنسى الحروف تساءلت: لماذا تتركون الجاني وتقتلون الضحية، ولا زلت في أول الشباب وأمي ماتت عذراء؟ قالوا: أمك ماتت مرجومة بالحجارة وأنت بنت الزنا. قلت قبل أن أنسى الحروف وأفقد الوعي: لم أكن بنت الزنا، وكانوا يُنادونني في بيت الأطفال «بنت الله»، ومهما فقدت الذاكرة لا أنسى وجه أمي، تركتني منذ ولدتني لتُحارب الأعداء، ماتت شهيدة الوطن. قالوا: لم تعرف أمك الولاء للوطن والله والإمام، وماتت كافرةً مأواها النار. قلت قبل أن يخلوَ الدم من عقلي وتضيع الذاكرة: لم تكن أمي خائنة، وهرب منها أبي قبل أن أُولَد. قالوا: ومن هو أبوك؟ قلت: إنه الإمام. قالوا: اخرسي قُطع لسانك.
قبل الموت حكموا عليها بقطع اللسان، كان الإمام يحكم بشريعة الله؛ رجم الزانية وقطع يد السارق، وقطع لسان كل من يُردد إشاعة الموت بالإشعاع وإلقاء الخمور في النهر.
ليلة العيد بعيدًا عن عيون الإمام يهبطون إلى النهر ويشربون إلى حد فقدان الوعي، ثم ينهضون وقد عاد إليهم الوعي، يندمون، يطلبون المغفرة. يعفو عنهم الإمام ليلة العيد الكبير. تُفتح أبواب السجون والمعتقَلات، يخرج منها الموتى وشهداء الحرب والإشعاع والمرجومات والمقطوعو الأيدي والأرجل من خلاف، ويأتي دورها لتخرج إلى الحرية، لكن عيون الإمام تلمحها. تجري هاربةً في الظلمة ومن خلفها كلبها، تكاد تفلت قبل طلوع الفجر لكن الطعنة تُصيبها في ظهرها. قبل أن تسقط تتساءل: لماذا تتركون الجاني وتذبحون الضحية؟! وتتلاشى الأصوات، ويصبح عقلها بلون الظلام، وذاكرتها سوداء أو بيضاء بلا حرف إلا اسم أمها.