الزوجة الشرعية لا تدخل الجنة
الهتاف يدوِّي في أذني، وفوق رأسي عرش السماء، وتحت قدمي عرش الأرض، وحولي الحراسة مشدَّدة. أعدائي كثيرون يتطلَّعون للعرش، وأصدقائي قليلون ينتهزون فرصة موتي. عن يميني رئيس الأمن يتربَّص بي أكثر من الأعداء، وعن يساري كاتبي الكبير. عينه اليمنى على رئيس حزب الشيطان، وعينه اليسرى على زوجتي الشرعية. وهي واقفة في شرفة الحريم من حولها الزوجات المثاليات والأمهات الشهيدات، والهتاف يدوِّي في أذنَيها وصواريخ العيد وطلقات الرصاص. ترى وجهي يسقط من فوق جسدي لكنها تظل واقفة. عينها اليمنى على العرش، وعينها اليسرى على صديق العمر.
منذ الطفولة وأنا أُضمر له الحقد. يسبقني في امتحانات آخر العام ولا تروقه إلا فتاة أحلامي. يكتب لها الشعر ورسائل الحب وأنا لا أكاد أفكُّ الخط. منحته لقب الكاتب الكبير، وصفحةً كاملة في جريدة الصباح، وصورةً داخل برواز يبتسم فيها للبنات، ومع ذلك لا يكفُّ، لا يهدأ والنار في قلبه منذ الطفولة لا تبرد، وهو واقف إلى جواري يسمع الدوي، ويرى رأسه يهبط من السماء إلى الأرض، والقيامة تقوم وهو واقفٌ ثابت في مكانه كأبي الهول، ويختفي الأصدقاء والأعداء ولا أرى إلا وجوه رجال غرباء. يقتربون مني وأنا أخفي وجهي في الأرض. لم ألتقِ بأي واحد منهم وجهًا لوجه. يعرفون وجهي من الصورة فوق طوابع البريد والدمغة. أحدهم يقلب رأسي من فوق الأرض وينظر إلى وجهي، يقول لهم: ليس هو الوجه الذي عرفناه. قالوا: وجه من إذن؟ قال: لا أعرف، الله أعلم!
في عيونهم بدا وجهي أكثر رهبةً من وجه الإمام، أكثر عظمةً من أن يكون وجه إنسان، أبيض البشرة بغير دم، وعظام الرأس صخريةٌ ثابتة. سرت القشعريرة في أجسادهم وسجدوا خاشعين، هتفوا: إنه الله. واقترب أحدهم مني أكثر، ورأى وجهي داكن السمرة بلون الأرض، فابتعد يجري صائحًا: إنه الشيطان. وتبعه الآخرون يجرون هاربين. داس أحدهم وهو يجري على يدي، وداس آخر على الوسام بجوار قدمي اليمنى، وأخفيت وجهي في الأرض حتى لا يراني أحد، ثم أحسست بيدٍ ناعمة فوق رأسي، ورأيت وجوهًا أعرفها. وحين رفعوا وجهي إلى أعلى ونظروا في الملامح، لم يتعرف واحد منهم على وجهي، وهمس صوتٌ ناعم مألوف يُشبه صوت رئيس الأمن أو صوت زوجتي الشرعية: ليس هو. وهتف صوتٌ آخر يُشبه صوت كاتبي الكبير أو مُعارضي الشرعي: أنقذه الله؛ فالله معه. ورأيت زوجتي تترك شرفة الحريم بخطواتٍ ثابتة وجأش كالأسد، وحين اختفت عن العيون بدأت تجري على كعبَيها الرفيعين حتى غرفة النوم.
كانت الستائر مُسدَلة وجثَّتي فوق السرير، ومن حولي أبنائي الشرعيون وغير الشرعيين، ووزير الصحة يرشُّ فوق جثماني محلولًا مُطهرًا يمنع العفن، وفي الغرفة المُجاورة أعواني في حزب الله يتقاسمون الميراث. ودخلت زوجتي الشرعية، وسقطت عيناها على الفور فوق وجه ابنتي غير الشرعية الواقفة إلى جواري، وعن يمينها أمها «جواهر»، وعن يسارها زوجتي القديمة، وانقلب الجو الذي كان صافيًا، ويدي كانت في يد ابنتي الناعمة أقبِّلها وألثمها، ورأيت زوجتي الشرعية تنقضُّ كالنمر واختفت الوجوه من حولي إلا وجهها. وفي المخبأ تحت الأرض في حديقة القصر، خبَّأت جسدي بعد أن خلعت عني ملابسي الرسمية، وجرَّدت جيوبي من الفكة، ونزعت من أصابعي خواتم الزواج والعرش.
وظلَّت الجماهير تهتف باسمي وأنا في المخبأ، وفي الوقت ذاته واقفٌ فوق المنصة ألقي خطبة العيد، ولا أحد يدرك وجودي في مكانَين مختلفين في وقتٍ واحد إلا زوجتي الشرعية ورئيس الأمن، وصواريخ العيد تُفرقع والناس تهتف، ولا أحد يتصور أنني لست الإمام، وأنا نفسي لا أتصور وأظن أنني الإمام والزعيم. وأُغمض عيني في راحةٍ أستمتع بالزعامة دون أن أكون زعيمًا، وأتحرَّك بحريةٍ دون أن أرتديَ قميص الوقاية ودون أن أخشى الاغتيال؛ فأنا أعرف أنه قد تم اغتيالي من قبل، والأفضل أن أكون إمامًا مُغتالًا على ألا أكون إمامًا على الإطلاق، وأصبح اسمي الجديد الإمام الشهيد، وأكسبني اللقب قدسيةً أكبر؛ فأنا أكبر من الموت، وعلى العرش أجلس إلى الأبد، لا أخشى الأعداء ولا الأصدقاء، ولي قدرة على التحليق في الجو، والانتقال من العالم الأول إلى العالم الثاني والثالث، لا أخشى القوى العظمى ولا الصغرى، وأجلس مع أكبر زعيم واضعًا ساقي اليمنى فوق اليسرى، وفي الصباح أشرب القهوة في أرض الشمال، وفي الظهيرة أتناول الغذاء مع أهل الجنوب، وفي المساء لي سهرتي الخاصة تحت الأرض مع «جواهر» في بيت السعادة، وإلى جواري صديق العمر نشرب نخب الحب والصداقة. أنعمت عليه باللقب، وله صفحةٌ كاملة وصورة داخل برواز. وليلة الخميس من كل أسبوع نسهر حتى الفجر، نستعيد ذكريات الشباب.
– فاكر يا وله البت اللي اغتصبناها سوا؟
وأُقهقه بصوتي الجهوري ضاربًا بكفي على فخذه، ويُقهقه هو الآخر رافعًا كفه ليضرب فخذي، ويتردد لحظةً مُتذكرًا أنه فخذ الإمام، وتظل يده معلقةً في الهواء، وأُقهقه مرةً ثانية ضاربًا بكفي على فخذه، مُتذكرًا أنه كان في المدرسة يجلس إلى جواري داخل سرواله الغالي، يضربني بكفه من الخلف فوق الثقب المخبوء تحت يدي، وأُقهقه للمرة الثالثة وفوق فخذه المشدود كفخذ النمر أضربه وأنا أقول: فاكر يا وله اسم هذه البت؟ ويقول مُقهقهًا كان اسمها «جواهر»، بيضاء كالقشدة، يشفُّ بياضها من تحت الساق، وعيناها سوداوان واسعتان كعيون الحُور. وينتقل عقلي على الفور من هذا العالم إلى العالم الآخر، وأرى الجنة ممتدةً خضراء وأنا ممدود فوق السندس، ومن حولي الحوريات سابحات في النهر عاريات تحت الشمس، وفي الضوء أتعرَّف على ملامحهن وليس من بينهن وجه زوجتي الشرعية، ويرتفع صوتي وأنا أقهقه للمرة الرابعة أو الخامسة، وأضربه على فخذه المشدود مُتسائلًا: كم للرجل المؤمن من حوريات؟ ويقول: سبعون أو سبعة وسبعون والله أعلم. وكم للزعيم المؤمن أو الإمام؟
وقهقه الكاتب الكبير وضرب رقمًا خياليًّا، لكن خيال الإمام كان أكبر، ثم سأله فجأةً: وماذا عن زوجاتنا الشرعيات إذا دخلن الجنة معنا؟ وقال صديق العمر: زوجاتنا لن يدخلن الجنة. قلت: لكن إذا حدث ودخلت إحداهن؟ قال يستبدلها الله بحوريةٍ عذراء؛ فالجنة لن يكون بها زوجاتٌ شرعيات، وإلا فما الفرق بين الجنة والأرض؟!