الإفاقة بعد النشوية
في ظلمة الليل امتدَّت يدي اليمنى إليها، فأمسكت يدي بأسنانها كأسنان القطة. ناديتها قطتي الصغيرة باسم زوجتي القديمة كاتي. هربت مع الحب القديم وراء البحار، وتركتني وحدي في العالم الآخر. قالت: لست قطتك الصغيرة. قال: إذا لم تكوني قطتي فأنت من فصيلة النمور. وضغطت بأسنانها على يدي حتى قطعت اليد عن الذراع. لم يخلُ القطع رغم القسوة من لذة. ومددت لها يدي الثانية، أمسكتها بأسنانها وقطعتها. قلت: ليس الأمر بهزل. مددت لها ساقي اليمنى فأمسكتها، وفعلت بها ما فعلته باليد اليمنى واليسرى، وفتحت عيني وأنا راقدٌ وجهي ناحية الأرض، ورأيتها واقفةً أمامي. عرفتها على الفور. الوجه الشاحب النحيل، والعينان السوداوان تتَّسعان لجرائم العالم، وقلت: أنت بنت الله، أتتنكرين بوجهٍ آخر وجسدٍ آخر؟ ولم تفتح شفتَيها، وظلَّت واقعةً أمامي صامتة. قلت لنفسي إذا ظلَّت صامتةً فهي تفكر أكثر مما تضي به الشريعة؛ فالمرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج ناقصة العقل والدين. وحاولت الاقتراب منها أتأكَّد من ملامحها، واكتشفت أن لي ساقًا واحدة، وأنني لا أسير فوق الأرض، وبدأت أزحف فوق بطني وهي واقفة لا شيء فيها يتحرك. قلت لنفسي إنها ساحرةٌ رشَّتني بكوز الماء وأنا نائم، وأصبحت خروفًا أو سحلية. لم يكن لها وجه الساحرات، وفي عينَيها بريقٌ أسود كعيون الشياطين وأرواح الجان. قرأت آية الكرسي لأطردها لكنها لم تذهب، واقفة في مكانها كالصخرة، شفتاها مُطبقتان في صمتٍ داخل الصمت، ويدوِّي الصمت في أذني كزلزال الموت، وأمدُّ يدي نحوها لتُمسكني فتختفي ذراعي، وأمدُّ لها ساقي فيختفي الساق ومعه الجسد ومعه شهوات الدنيا، وأقول: امسكي يدي يا ابنتي وقد شبعت من الدنيا حتى الزهد، ولا أريد منك شيئًا إلا الاعتراف أنني أبوك.
•••
اتَّسعت عيناي بالدهشة، وقلت: ولدتني أمي بغير أب. قال: لا يولد ولد أو بنت بغير أب، وأنا أبوك الإمام. قلت: أنا لا أعرفك، ولم أرَ وجهك إلا الآن، وأبي هو الله، وأنا بنت الله. قال: اخرسي، قُطع لسانك، سبحانه لم يلد ولم يولد. صوته كالنائم لا يطلع، ويلوح في الهواء بذراعَين غير مرئيتين وصوتٍ غير مسموع. يقول: شبعت من شهوات الدنيا ولم تبقَ إلا شهوةٌ واحدة، وهي أن أفتح رأس هذه المرأة وأسحق عقلها لتصبح امرأةً مثل كل النساء المثاليات؛ جسد غير مرئي لا يحتوي إلا الرحم. وكان لا يزال يرى صورته الأولى في المرآة، قبل أن تسحره خروفًا للعيد، وصوته لا زال يدوِّي في أذنَيه وهو يُلقي الخطبة، وصواريخ العيد تُفرقع، ومن حوله الرجال والأعوان، وحزب الله يرقص، وحزب الشيطان يهتف. ويُحرك رأسه من السماء إلى الأرض مُحولًا عينَيه عن السماء؛ فالله معه، والشيطان معه، وهو لم يعد يخشى من معه. وتمرُّ عيناه دون توقُّف على وجوههم جميعًا، وكلٌّ منهم يدفع الآخر بكوعه إلى الوراء ويحتلُّ مكانه في الصف الأمامي. يُحرك رأسه بعيدًا عنهم، وعيناه تبحثان عن الوجه الشاحب، والعينان بلون سواد الليل. من يكون؟ من تكون؟ رجل أو امرأة؟ إنس أو جن؟ وأغمض عينَيه لينام مرةً أخرى، وأدرك أنه كان نائمًا من قبل، وأن نومه عميقٌ أعمق من نوم السحالف، ولا شيء يُوقظه، لا دوي الرصاص ولا الصواريخ.