الحب المحرَّم
حديقةٌ خضراء من حول غرفة الخمر في القصر، وسورٌ عالٍ من الحديد، وكلب من نوع «الوولف» المستورد، له في الليل نباحٌ مُخيف، لا يقرب السورَ أحدٌ إلا قُطَّاع الطرق أو أرواح الجان والعفاريت. يختفون في النهار داخل القبور أو في بيوت كالقبور، وفي الليل يخرجون. وفي الضوء الأحمر الناعم يجلس الإمام في يده الكأس، وإلى جواره صديق العمر، بينهما فوق الأريكة مسافة امتداد الذراع، والذراع من تحته وسادة من ريش النعام، ومن تحت الوسادة كتاب الله بخطوط الذهب، ومسدس كاتم الصوت من أجود الأنواع. وحين ينبح الكلب بصوتٍ عالٍ تمتدُّ يد الإمام وحدها تحت الوسادة تتحسس المقبض، ويرتجُّ قلب الكاتب الكبير تحت ضلوعه. أنامله الناعمة لا تعرف إلا ملمس القلم. يخاف الظلمة منذ الطفولة، وليس له أعداء، وأصدقاؤه كثيرون في حزب الله وحزب الشيطان، يُغدق عليهم مما أعطاه الله، ويُغذي الصداقة بالمال، والناس تُناديه بالكاتب الكريم، وفي البيت تُناديه زوجاته بالرجل البخيل. يدخل ليلة العيد بلا هدية، يداه فارغتان، وفي الصباح ينسى مصروف البيت، ويعود آخر الليل فاقد الوعي خاويَ الجيب. تفوح أنفاسه برائحة الخمر وعرق النساء، وتنطبق الشفتان في وجوه الزوجات الشرعيات، لا تفتح الواحدة منهن فمها، وإذا فتحته فهي طالق، ينطقها ثلاث مرات وهو راقد، وفمه مفتوح وعيناه مغلقتان. تحمل الزوجة صرة ملابسها وتخرج إلى الشارع، وتأتي الزوجة الثانية تخاف الطلاق كالموت. يعرف الناس عن زوجها كل شيء وهي آخر من يعلم. تسمع الإشاعات لا تُصدقها. تطرد من حياتها الوهم، أو تكتمه في الأعماق. تخشى أن تبوح به لنفسها فينقلب الوهم حقيقة، وتُطبق فمها لا تفتحه؛ فإذا فتحته وقع عليها اليمين كالقضاء والقدر. وتأتي الزوجة الثالثة تخاف القضاء والقدر كأنه الله، وتصمت إلى الأبد ولا تسمح لنفسها حتى بالوهم، لكن الطلاق يأتيها كالمصير بلا سبب. وتأتي الزوجة الرابعة شابَّةً صغيرة مرفوعة الرأس، ممشوقة القد كالغزال، تتربص للقضاء والقدر كالأسد، وعينها مفتوحةٌ سوداء كالشيطان. قرأت الكتب وتاريخ الملوك والتراث وألف ليلة وليلة وجميع الكتب المقدسة. عرفت الله والشيطان وعرفت الجنة والنار، ولم تكن تخاف الموت، ولا تتعجل الذهاب إلى الجنة؛ فلم يكن في الجنة مكان لغير العذراوات.
تقدَّم إليها بعقد الزواج يرتدي وجه العذراء، يعرض صورته الكبيرة داخل البرواز، يُخفي البخل بالكرم، ويُخفي الخوف بالحب، ويعشق كأبيه في السر، ولا يذكر وجه أمه إلا عند الموت. وكان لأمه حبٌّ آخر خلاف الطبخ والزوج، تُخفي الورق تحت السرير وتكتب القصص. جمعت القصة وراء القصة في كتابٍ واحد، أول كتاب لها وآخر كتاب. ومنذ الزواج لم تعرف أناملها ملمس القلم. وفي الليل بعد أن ينام أبوه تفتح الدرج أسفل المكتب، تتحسس يدها الغلاف، واسمه محفورٌ فوق الورق كالكنز. تتلفَّت حولها مُتوجسةً أن تراها عين، وتلتقي عيناها بعين ابنها الطفل، مفتوحة في الليل كعين الله ترقبها، وتُخفي الكتاب في الدرج تقفل عليه القفل، وفي السرير ترقد على الطرف بجوار الحائط، وفي الطرف الآخر يرقد زوجها وبينهما الطفل، يُغمض عينَيه مُتظاهرًا بالنوم. وفي الصباح يضربه أبوه ليحفظ دروس الأمس، ويُخفي الطفل كأمه حبه لكتابة القصص. يدرس العلم كأنما العلم نقيض الأدب، ويحفظ كتاب الله عن ظهر قلب، وكلما حفظه أحبَّه أبوه وراحت عنه شبهة الفن. وفي الليل يُحس أذن أبيه فوق صدره يتسمع خفقات القلب، يلتقط أي خفقة أو أي قطرة تسرَّبت مع لبن الأم إلى الدم.