العشيقة
جاءت من بيت السعادة تُلقي عليه نظرةً أخيرة، وهو راقدٌ يبتسم في الصندوق، ينظر إليها وفي عينَيه بريق العشق. قالت نزوة يائسة أخيرة لا تفعل شيئًا، وعشقه للنساء كمحاولاته اليائسة مع الفشل. دخلت واقفةً تحوط رأسها بشعرها الكثيف تربطه بمنديلٍ أبيض يتدلَّى منه الترتر، وحوَّلت بصرها عنه إلى زوجاته الشرعيات، واقفات يرتدين ملابس الحِداد. وجوههن مُتشابهة، وأياديهن الصغيرة البضَّة معقودة فوق قلوبهن، وأنفاسهن مكتومة، وسيقانهن فوق الكعوب الرفيعة مُلتصقة، ولا تكاد تُفرق الواحدة عن الأخرى إلا بدبوسٍ فوق الصدر أو شارة على الكتف، والملامح ممسوحة، والرأس صغير، والردف ثقيل، والروح غائبة. واقفات صامتات ينظرن إليها بعيونٍ جاحظة كعيون الضفادع أو السمك تحت الماء، وانفرجت الشفاه المطبقة في آنٍ واحد، وسألن: من أنت؟ قالت وهي ترفع رأسها فوق عنقها بحركةٍ كالشمخة، لم تعرفها الزوجات الشرعيات: أنا العشيقة جواهر. وارتجَّت أجسادهن فوق الكعوب الرفيعة، ومع ارتجاجة الجسد عادت الروح ومعها الوعي، ورأين في عينَيها السوداوين بريقًا مُوجعًا كالصدق، اخترق عيونهن، ونفذ رغم الوجع إلى بؤرة في القلب، وهتفن بصوتٍ واحد: عشيقة من فيهم؟ قالت: كلهم، ابتداءً من الإمام إلى حارس القبة والمنارة. واتَّسعت عيونهن بذعر، أخفينها تحت الأيدي، والتفَّت الأذرع حول الصدور تُحكِم إغلاق القوقعة، وهتفن بصوت كاللهاث: أنت الشيطان، وعقابك الموت. وأطلقن سيقانهن السمينة للريح، والكعوب المدبَّبة تُطرقع كالصواريخ، ولم يبقَ في الغرفة إلا اثنان؛ الزوجة الأخيرة والابنة غير الشرعية، واقفتان والأيدي مُتشابكة، وامتدَّت إليهما يد العشيقة، والتقت الثلاث في عناق. تشابكت الأذرع الست فوق الجسد الراقد في الصندوق، والابتسامة فوق شفتَيه راحت، وملامح الوجه تلاشت، لم يعد يُشبه وجه الإمام ولا الكاتب الكبير ولا رئيس الأمن ولا المُعارض الشرعي، ولا أي رجل من حزب الله أو الشيطان. أصبح بلا وجه، أو هو وجوههم جميعًا في وجهٍ واحد ممسوح المعالم، لا تُميز الواحد منهم عن الآخر إلا بشارة فوق الصدر، أو نجمة على الكتف، أو شيء على الرأس.
وفي مرايا الكون ظهرت صورة لثلاث نساء مرفوعات الرأس، مفتوحات العيون، والعيون واسعةٌ سوداء كعين الليل، والقلوب تخفق بالحب، والأذرع مُتشابكة، والأيدي مُتماسكة، والثلاثة واقفات مُتعانقات ثابتات في الكون بلا حركة.