رئيس الأمن
الظلمة داكنة كأنما انطفأت الشمس، وهي تجري هاربةً ومن خلفها كلبها يجري. يُحرك بأقدامه الأربع تراب الأرض. يُلهب التراب عيون الإمام وهم يجرون خلفها، ومن خلفهم كلابهم تنبح، ويُخرج رئيسهم من جيبه منديلًا حريريًّا من أجود الأنواع، ويمسح عينَيه وزجاج النظارة. منذ منحه الإمام المنصب واللقب وهو يرتدي النظارة السوداء، يرى الناس والناس لا تراه، يرقب حركة عيونهم دون أن يروا حركة عينَيه؛ فهو رئيس الأمن، واجبه حماية أمن الإمام وأعضاء حزب الله. وفي الصف الأول يقف عن اليمين لا يفصله عن مقعد الإمام إلا جسد الإمام ذاته، وعن اليسار يرى الكاتب الكبير واقفًا إلى جوار المُعارض الشرعي. يُطل القلم من جيبه العُلوي. عينه اليمنى على العرش، واليسرى تتَّجه إلى شرفة الحريم. وفي الصف الثاني صفوف الوزراء تتلاصق أكتافهم وأقدامهم وأيديهم فوق قلوبهم مربوطة من خلاف، والأجانب واقفون صامتون بوجوهٍ لامعة وأحذيةٍ برَّاقة، ونساؤهم إلى جوارهم في شرفة الحريم، وكبيرات نساء الدولة تتوسطهن الزوجة الشرعية، ترتدي وجه الملاك وفوق صدرها وسام الشرف.
يرمقها بطرف عين ويراها وهي ترمق الكاتب الكبير بعيونٍ مُشتعلة، وهو يُبادلها الإشعاع بإشعاع، والإمام عيناه شاخصتان نحو الله، والمُعارض الشرعي عينه اليمنى على العرش، وعينه اليسرى على رئيس الأمن. يتبادلان الابتسام، وفي الليل يشربان نخب الصداقة والولاء. صديقان لدودان؛ واحد في حزب الله، والثاني في حزب الشيطان، وكلاهما شرعيٌّ أنجبته الإرادة العليا، كالأخوَين غير الشقيقين أمهما واحدة، والأب رجلان عدوَّان تجمعهما الكراهية وحب امرأة واحدة.
كنت واقفًا في الصف الأول والهُتاف يُدوي مع مدافع العيد، والإمام شاخصٌ نحو السماء، وأنا شاخصٌ من تحت النظارة السوداء أرقب عيون الناس. ألتقط الحركة قبل أن تقع، وألحظ اليد قبل أن ترتفع، والإصبع قبل أن يدوس على الزناد. أعرف وجوههم واحدًا واحدًا، وأرى رءوسهم وهي تندسُّ بين الرءوس. ملامحهم محفوظة في درج مكتبي داخل الملفات رجالًا ونساءً، ولمحتها وهي واقفة خلف الصفوف تُخفي رأسها وراء الرأس أمامها، وعرفتها على الفور. وجهها نحيلٌ شاحب كوجه أمها، زانية بنت زانية، لا تتحرك إلا تحت الأرض مع الأحزاب السرية والمُعارضة غير الشرعية. فقيرةٌ مُعدمة لا تملك إلا جسمها، تبيعه بثمن طعامها. ذهبت إليها مرةً وأنا شاب. فتاة صغيرة كالطفلة. قبل أن أبدأ الجولة الأولى قالت: أخرجْ قروشك. قلت: ألا تثقي فيَّ؟ قالت: أنت من النوع الذي يأكل من عرق النساء. وانعقد لساني كيف عرفت الطفلة حقيقتي وانكشف عنها الحجاب؟ وأخرجت من جيبي القروش ووضعتها في الدرج. صعدت فوقها المرة وراء المرة حتى أعياها الجهد فنامت. دسست يدي في الدرج، سحبت إيرادها، وخرجت قبل أن تصحو. جمعت القروش العام وراء العام، وبنيت بيتًا من الطوب الأحمر ثلاثة أدوار. تزوَّجت بنت الوزير ودخلت حزب الله. لم أرَ زوجتي قبل الزواج، محجَّبة طاهرة لا تنكشف على الرجال. تزوَّجتها على عهدة الوزير وسنة الله والرسول. اشتريتها بمهرٍ عالٍ، ودخلت عليها بعد حفل كبير بحضور الإمام. ظلَّت ملاءة العرس بيضاء من غير سوء. قلت لنفسي: سبقني إليها غيري وعوضي على الله. شرف الوزير فوق شرفي، والله غفور رحيم، ولست فوق الإله. ضربتها حتى اعترفت بالإثم، ثم غفرت لها كما يغفر الله. أصبحت معبودها وهي عابدتي. تعشق موضع رأسها عند قدمي. أملكها ولا تملكني، وأرفضها فتعشقني، ولا أعشق إلا من ترفضني. كنت أسمع أمي تقول لأبي: أنت ظِلي فوق الأرض، إذا هربت منك تبعتني تجري خلفي. وسمعت الإمام يقول: لا يشغل بالي إلا من يُعارض أمري بغير أمر مني. وألمح عينَيه من تحت نظارتي السوداء تتَّجهان نحوها وهي واقفة خلف الصفوف. عيناها مليئتان بالرفض، وعيناه يملؤهما العشق. وقلت لنفسي: لن يقتلك سواها، وفي التاريخ لم يسقط أعظم الملوك إلا بسبب امرأة ساقطة.