التمثيل بالشخصيات التاريخية والأسطورية
وكثيرًا ما تفيض هذه الأشعار الغنائية في التمثل بالشخصيات التاريخية والأسطورية والخرافية، سواء حينما تستشهد بجلدهم وصبرهم على الشدائد والكوارث والمحن، مثل أيوب وزوجته المحبة ناعسة، ومثل نوح وزوجته «برها» التي انساقت لغواية الشيطان، بل هي توحدت به في تخريب فلك نوح (٣١ مرة)، صالح الذي كان غريبًا مضطهدًا في قومه ثمود، كما ذكر المتنبي «غريب كصالح في ثمود» إلى أن دمر ثمود انتقامًا هي وقراها الخمسة.
وهو ما يمكن أيضًا تواجده في الفولكلور الأوروبي بعامة، منها أغاني الملك كنوف على ضربات المجاديف للماء، وأغاني الكهنة المنشدين، وأغاني عمل النساء اللائي يطحن بالرحى، كما اتفق على تسميتها كُتاب العصور الوسطى، وأشهرها أغنية تحكي معاناة الملك بيتاكوس الذي قُضي عليه بأن يمضي بقية عمره يطحن بالرحى.
مثلما حدث وتمثل في أغاني «سعدى» ابنة الزناتي خليفة، قائد جيوش تونس، حين اغتاله خصمه الحميري القحطاني دياب بن غانم الزغبي وكان يعشق سعدى، التي كانت تحب بدورها مرعي، فكان أن سجنها دياب تطحن الرحى وترتدي ثياب الخيش حين رفضت حبه.
ولعل السيرة الهلالية أن تكون من أبرز السير والملاحم العربية التي استقلت عنها أعمالًا قصصية وشعرية من نوع البالادا، كما لم يخل الأمر من المواويل التي استقلت بدورها عن هذه البالادا، تصوغ مدى عشق عزيزه ليونس، وسعدى لمرعي، وعالية لأبي زيد الهلالي.
منها الموال التالي الذي يتحدث عن عزيزة ابنة سلطان تونس «معبد بن باديس» التي عشقت عدو أبيها وبلادها، يونس ابن السلطان حسن بن سرحان الهلالي، سلطان الهلالية الغازين، حين تحايل فرسان الهلالية الثلاثة «مرعي ويحيى ويونس» حين ريادتهما لاستكشاف تونس مع خالهم أبي زيد الهلالي واضطرارهم لبيع عقد ثمين من الجوهر لعزيزة عن طريق دلال، ظل يفاخر بجمال يونس وفضائله أمام عزيزة:
فكان أن تحركت لواعج عزيزة نحو يونس، كما يصفها هذا المأثور التالي:
لمتوني
وزليخة هي امرأة العزيز، ويوسف هو النبي يوسف، والموال هنا يدور حول جمال يوسف وحسنه، ويؤكد الخرافة الراسخة عند الفلاحين التي تقول إن الخطوط المتقاطعة الموجودة في داخل كفة اليد، تأثير انبهار النساء — البيض — الذين عزمتهم زليخة وأحضرت لهن التفاح والسكاكين، وعندما شاهدن يوسف بهرن من حسنه فنسين أنفسهن، ومضين يقطعن بالسكاكين من كفات أيديهن بدلًا من التفاح!
فقالت لهن زليخه شامتة:
درغام يقول للخفاجا:
بكى درغام وقال:
بكيت بنته دوابه وقالتلو: