انفجار في نهر متجمِّد!
كانت الشمس تلمع بشدةٍ، فوق رمال الصحراء المُمتدة حتى نهاية البصر، وتعكس أشعتها القوية على النافذة الزجاجية العريضة التي يقف خلفها الشياطين. كانوا قد وصلوا إلى المقر السري منذ ساعاتٍ، بعد أن جاءتهم رسالةٌ عاجلةٌ من رقم «صفر» تدعوهم إلى اجتماعٍ «هامٍّ» … كانوا جميعًا يفكرون فيما سوف يسمعونه من رقم «صفر».
ألقى «باسم» نفسه على كرسيٍّ كبيرٍ قريبٍ، وأغمض عينيه، واستسلم لحرارة الشمس. نظرت «إلهام» في اتجاهه، إنها تعرف أن «باسم» يهوى حمَّامات الشمس، ولا يكاد يرى لحظةً مشمسةً، حتى يستسلم لها تمامًا. نظر «بو عمير» إلى الشياطين وقال: إن الجو يُغري بالنوم. ولم يُعلق أحد من الشياطين، ومرَّت فترةٌ قالت بعدها «زبيدة»: لا تتعجل. سوف تنام كثيرًا …
دقَّ جرسٌ متقطعٌ، جعل «باسم» يفتح عينيه، ويقفز من على الكرسي، في نفس الوقت الذي بدأ فيه الشياطين يتحركون بسرعةٍ. قالت «زبيدة»: تستطيع أن تنام الآن أيها العزيز «بو عمير».
ابتسم الشياطين، وهم يسرعون، إنَّ الجرس المتقطع كان يعني أنهم في الطريق إلى قاعة الاجتماع.
ما إن دخلوا الممرَّ الطويل المؤدِّي إلى القاعة، حتى لمع ضوءٌ مُبهر، جعلهم جميعًا يُخفون أعينهم … كان الضوء مُفاجئًا، وكأنه ضربةٌ من مكانٍ مجهولٍ، غير أن الضوء لم يستغرق نصف دقيقة، ثم عاد الضوء العادي. توقَّف الشياطين لحظةً ينظرون إلى بعضهم، وسألت «إلهام»: ضوءٌ غريبٌ، تُرى من أين أتى؟ …
لم يُجب أحد من الشياطين، ودقَّ الجرس المتقطع مرة أخرى، فانتبهوا وأسرعُوا في اتجاه القاعة.
لم يكد يدخل أول الشياطين، حتى لمع الضوء من جديدٍ، توقف الشياطين. كانت المسألة مُثيرةً، ومُدهشةً في نفس الوقت. لم يستغرق الضوء أيضًا أكثر من عدة ثوانٍ … التقت أعين الشياطين، لكن أحدًا منهم لم يَنطِق بكلمةٍ، وأخذوا طريقهم إلى كراسي الاجتماع، كانت الدهشة تُسيطر عليهم. قال «رشيد» فيما يشبه الهمس: إنها ظاهرةٌ غريبةٌ! …
مصباح: المحير هو مصدر الضوء …
عثمان: ربما يكون انعكاس أشعة الشمس على جسمٍ مصقولٍ!
ريما: لكننا بعيدون الآن عن أي مصدرٍ خارجيٍّ للضوء. إنها مسألةٌ غريبةٌ ومثيرةٌ جدًّا!
صمت الشياطين؛ فقد بدءوا يسمعون صوت أقدام رقم «صفر» تقترب. تركَّزت أعينهم على مصدر الصوت الذي سوف يأتيهم بعد قليل. فجأة، لمعت الشاشة المعلَّقة أمامهم، ثم ظهرت فوقها صورة لمساحات واسعة من الثلوج. كانت أقدام رقم «صفر» لا تزال تقترب، في نفس اللحظة التي ظهر ضوء قوي على الشاشة، يُماثِل الضوء الذي هاجم أبصارهم منذ لحظات. ظل يدور فوق الثلوج ثمَّ سقط فيها، واختفى. ابتسم بعض الشياطين، وكان البعض الآخر يُفكر في هذه الصورة التي ظهرت على الشاشة، في اللحظة التي توقَّفت فيها أقدام رقم «صفر» ثم جاء صوته الهادئ: أهلًا بكم في اجتماعنا اليوم.
صمت رقم «صفر»، ركَّز الشياطين أسماعهم. لقد بدأت لحظات المغامرة، قال رقم «صفر»: إننا أمام ظاهرةٍ غريبةٍ، ولعلَّكم قرأتُم في الفترة الأخيرة عن الأطباق الطائرة التي ظهرت في «الكويت» أكثر من مرةٍ ثم اختفت!
نظر الشياطين إلى «خالد» الذي نظر إليهم في حيرة. قطَع رقم «صفر» نظراتهم إلى «خالد»، قائلًا: إنها ظاهرة من نفس النوع، وإذا كانت ظاهرة الأطباق الطائرة … تعتبر جديدة في «الكويت»، فإن الظاهرة، التي سأُحدِّثُكم عنها … لها تاريخ …
سمع الشياطين أوراقًا تُقلَّب، وكأن رقم «صفر» سيقرأ تقريرًا. طالت لحظة الصمت، وتوقَّف صوت تقليب الأوراق، ثم أخيرًا جاء صوت رقم «صفر»: إن عمر هذه الظاهرة، حوالي سبعين عامًا؛ فقد ظهرت أول مرةٍ عام ١٩٠٨م، عندما شهدت أوروبا حدثًا غريبًا استمرَّ طوال النهار، وحتى مُنتصَف الليل.
وواصل رقم «صفر» كلامه: منذ ٧٠ عامًا، انفجر في منطقة سيبريا في روسيا، جسمٌ فضائيٌّ غامضٌ. كان ذلك في ٣٠ يونيو عام ١٩٠٨م وقد شعر سكان أوروبا يومَها بظاهِرة غريبة، لقد امتدَّ النهار وظلَّ إلى مُنتصَف الليل. وتحرَّكت أجهزة الرصد في العالم كله، تسجل موجة قوية شديدة اجتاحت الكرة الأرضية بأكملها.
توقف رقم «صفر» عن الكلام، وسمع الشياطين، صوت الأوراق، ثم تابع رقم «صفر» حديثه: لقد شاهد الناس في ذلك اليوم جسمًا ناريًّا يهوي من السماء، أعقبه رعدٌ وانفجارٌ مروِّعٌ، وتصاعدَت ألسنة اللهب والدخان، في منطقةٍ مأهولةٍ بالغابات، وسجَّلت أجهزة الرصد أصواتًا غريبة غير معروفةٍ، ولقد غطَّت هذه الظاهرة مساحة تصل إلى ٢٢٠٠ كيلومتر. وبرغم وقوعها في «سيبريا»، إلا أن أوروبا كلها قد شهدت هذه الظاهرة.
صمت رقم «صفر» قليلًا، فتغيرت الصورة على الشاشة، وظهرت مكانها صورة أخرى كانت صورة «سيبريا» وقد خرج منها سهم أزرق انطلَق مُسرعًا يحيط بمنطقة واسعة من «سيبريا» بخط متقطع. هذه إذن المنطقة التي حدثَت فيها تلك الظاهرة القديمة.
عاد صوت رقم «صفر» يقول: هذه هي المنطقة التي حدثَت فيها الظاهرة، ولقد كانت هناك تفسيراتٌ كثيرةٌ لها …
توقَّف صوت رقم «صفر» عن الكلام، ثم قال أخيرًا: إنني أستعرض لكم تاريخًا قديمًا للظاهرة التي حدثَت لأنها عادت مرةً أخرى في منطقةٍ أخرى، حول نهر «تنجوسكا» أيضًا وإن كانت هذه المرة مختلفة تمامًا عن المرات السابقة، ولكن يحسن بنا أن نعرفها من البداية.
سمع الشياطين صوت تقليب الأوراق، ثم قال رقم «صفر»: في عام ١٩٤٦م، فسر العلماء ما حدث، بأنه تعطُّل سفينة فضائية هوت، ثم اصطدمت بالأرض، واحترقت فأحدثت هذه الظاهرة الغريبة، وفي عام ١٩٤٨م، ظهر تفسير آخر يقول إن سبب الحادث، هو سقوط كتلة مشتعلة من كوكب غامض.
ابتعدت أقدام رقم «صفر» حتى اختفت تمامًا. كان الشياطين في حالة صمتٍ ينظرون إلى خريطة «سيبريا» وإلى المنطقة التي حدث فيها الانفجار بالتحديد. لمعت نقطةٌ حمراء، ثم بدأت تتمدد لتتحول إلى كلمةٍ واضحةٍ. كانت الكلمة المكتوبة فوق نهرٍ رفيعٍ يمرُّ وسط الثلوج وكان اسم النهر «تنجوسكا». قالت «إلهام»: أظن أن هذا النهر مُمتلئ بالماء الآن بعد أن أذاب الانفجار ثلوج «سيبريا»! …
ابتسم «أحمد» وقال: لا تنسَ أن الانفجار حدث منذ سبعين عامًا …
خالد: إنها متجمِّدة!
إلهام: لكن بعضها لا تزال المياه تجري فيه، خصوصًا تحت السطح الثلجي.
بو عمير: هذا صحيحٌ.
بدأ صوت أقدام رقم «صفر» يقترب عائدًا فصمت الشياطين … ثم جاء صوت رقم «صفر»: إنها رسالةٌ من عميلٍ في «أوروبا» يقول إن هناك تعليلًا جديدًا لظاهرة الانفجار، تُؤكِّد أن ما حدث كان نتيجة احتراق سفينة فضاء من كوكبٍ بعيدٍ عنَّا فوق المنطقة المنكوبة في «سيبريا» … توقَّف رقم «صفر» قليلًا … ثم قال: إنني أردت فقط أن أضع أمامكم ظاهرةً قديمةً، وإن كانت آثارها لا تزال موجودةً حتى الآن. فلا تزال البعثات العلمية تزُور منطقة نهر «تنجوسكا»، التي حدثت فيها الانفجارات، للتوصُّل إلى أسباب هذه الظاهرة … اختفت الخريطة ثم ظهرت خريطة أخرى للعالم، وقال رقم «صفر»: يقولون إن هذه الظاهرة واحدة من حرب الأقمار الصناعية، وقالوا إنها واحدة من حرب الأطباق الطائرة، بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، بوصفهما أكبر دولتين في العالم وقد يكون هذا صحيحًا، لكنه حدث في أماكن متفرقةٍ من العالم، خارج أمريكا، والاتحاد السوفييتي، لقد ظهرت أطباق في بلادٍ مختلفة. وحدثت هذه الانفجارات مؤخَّرًا، وأظن أنكم عرفتم ظهور الأطباق الطائرة في الكويت. لقد اهتم العالم بهذا، وأخذ يُتابع ظهور الطبق الطائر الذي نزل أكثر من مرةٍ بجوار منابع البترول هناك. صمت رقم «صفر» قليلًا، وكان الشياطين قد تحولوا إلى حالة تركيزٍ شديدة. إنهم الآن سوف يعرفون ما هو المطلوب، أخيرًا … تحدث رقم «صفر»: ولكن ما حدث شيء، وانفجار «تنجوسكا» … شيء آخر. قد يكون الانفجار الأول، مسألة لا تزال تحتاج إلى بحث. ذلك أنه عندما حدث ما حدث لم يكن العلم قد توصل إلى اكتشافاته الرهيبة الحالية بعد، لم يكن الإنسان قد وصل إلى القمر، ولم تكن الأطباق الطائرة قد ظهرت، ولم تكن حرارة الشمس تُستخدم في التدفئة الصناعية أو غيرها.
جاءت دقاتٌ هادئةٌ سريعةٌ، جعلت رقم «صفر» يقول: هناك رسالةٌ عاجلة …
ابتعدت أقدام رقم «صفر» بسرعةٍ، وظل الشياطين في أماكنهم لا يتحركون. كانت أذهانهم تعمل بسرعةٍ للتكهن بشيءٍ مفيدٍ. قال «فهد»: إنها ستكون مغامرة مثيرة.
ضحك «رشيد» وقال: مغامرة تحت الصفر.
ضحك الشياطين للتعليق الذكي الذي قاله «رشيد» ولم تمضِ دقائق حتى جاء صوت أقدام رقم «صفر» مسرعًا هذه المرة، وعندما توقفت خطواته قال: لقد حدث انفجارٌ آخر في المنطقة القديمة، منطقة نهر «تنجوسكا». إنها مسألةٌ لافتةٌ للنظر أن يتكرَّر الانفجار في نفس المنطقة أكثر من مرة، والمطلوب منكم على وجه السرعة معرفة سر هذه الانفجارات، ونحن في انتظار تقارير من عملائنا في كل أنحاء العالم، سأوافيكم بها أولًا بأولٍ …
وصمت رقم «صفر»، وعرف الشياطين أنه يتلقَّى رسالةً عاجلةً.
وأخيرًا قال: آخر التقارير تقول: إنها عصابةٌ جديدةٌ اسمها «النجوم العشرة» وهي تعمل للسيطرة على العالم، وهي تُجرِّب أسلحةً جديدةً رهيبةً، وقد اختارت منطقة «سيبريا» ميدانًا لتجاربها.
توقف رقم «صفر» قليلًا ثم قال: إنَّ عملاءنا في العالم قد أرسلوا لنا عدة تقارير عن هؤلاء «النجوم العشرة» وسوف تجدون هذه التقارير في حجراتكم فورًا …
لم يَنطِق أحد من الشياطين، ظلوا صامتين. كانت التقارير هي الشيء الهام الذي يُريدونه الآن. وظل رقم «صفر» صامتًا في انتظار أن يسأل أحدهم أي سؤالٍ … وفي النهاية قال: لقد وقع الاختيار على مجموعةٍ للتحرك مبدئيًّا. «أحمد» و«رشيد» و«إلهام» و«فهد» و«قيس»، والآن هيَّا … أتمنى لكم التوفيق.
وعندما تحركوا من مقاعدهم كان الشياطين الذين وقع عليهم الاختيار، ينظُرون إلى بعضهم، لقد بدأت المغامرة.