هل تبدأ المغامرة من هنا؟
تحركت الأبواب الصخرية الضخمة دون صوتٍ، فانطلقت سيارة الشياطين تأخذ طريقها إلى خارج المقر السري. كانت الشمس لا تزال فوق رمال الصحراء، وكان الجو صيفًا، غير أن الشياطين لم يشعروا بالحر؛ لأن السيارة مكيَّفةٌ … كانت خطة الرحيل هي الوصول إلى «موسكو» أولًا. ولذلك فقد اتجه الشياطين مباشرةً إلى «القاهرة» … ومن هناك إلى «روما»، ثم «باريس» و«لندن» … ثم إلى «موسكو».
كانت السيارة تنطلق بسرعةٍ رهيبةٍ حيث يجلس «قيس» إلى عجلة القيادة. لم يكن هناك وقت؛ فقد كانت خطة الشياطين هي الوصول بسرعةٍ إلى «سيبريا» والهجوم على عصابة «النجوم العشرة» في صراع النهاية، وكان «أحمد» قد أخرج التقرير الذي أُعدَّ بواسطة أجهزة المقر، وبدأ يقرأ المعلومات عن العصابة الجديدة …
كان التقرير يقول: إنَّ عصابة «النجوم العشرة» تكوَّنت عند نهاية الحرب العالمية الثانية حوالي عام ١٩٤٥م، وهي تضمُّ مجموعة من جنسياتٍ مختلفةٍ، معظمهم من السياسيين ورجال الحرب والعلماء. وهي تُجري تجاربها لاختراع جهاز جديد للسيطرة على العالم، ومُعظَم هؤلاء من الذين اشتركوا في الحرب العالمية؛ أي إنهم جميعًا يعرفون فنون الحرب جيدًا، و«النجوم العشرة» لهم أتباع في معظم بلاد العالم.
كانت عينا «أحمد» تجري فوق الكلمات، بينما صوته الهادئ يقرأ للشياطين ما في التقرير … توقف «أحمد» عن القراءة قليلًا، ثم قال: هذا يعني أن «النجوم العشرة» كلهم مُتقدمون في السن … إن أصغر واحد فيهم قد اقترب من الستين …
لم ينطق أحد من الشياطين مباشرةً … لقد كانت كلمات «أحمد» تجعلهم يعيدون حساباتهم بسرعةٍ.
قال «رشيد»: هذا يعني أن الصراع سيكون صراع العقول وليس صراع العضلات!
قالت «إلهام» وكأنما تفكر في شيء آخر: إنه صراع قوة في النهاية.
أحمد: إن صراع العضلات ضروري أيضًا؛ فالنجوم العشرة لهم أتباع … وحولهم حراس أقوياء.
لم ينطق أحد، كان كلٌّ منهم يفكِّر، غير أن «أحمد» قد عاد إلى القراءة، فقطع صمتهم مكملًا القراءة: ولقد حدثت ظواهر غير طبيعيةٍ، جعلت تجاربهم تلفت النظر فقط من الناحية العلمية، وليس من الناحية العسكرية، أو السياسية … وربما كان السبب في ذلك أنهم اختاروا نفس المنطقة التي حدثت فيها انفجارات مُتتابعة، قبل انفجار «تنجوسكا» … إنهم يعرفون أن العلماء، أو غيرهم من رجال السياسة والحرب لن يلتفتوا إلى هذه الانفجارات قبل مدةٍ طويلة، عندما تهدأ، ولهذا فإنهم يقومون بسلسلة تجارب متتابعة.
قطع «قيس» صوت «أحمد» وهو يسأل: ولماذا لا يُراقبون هذه الانفجارات وقت حدوثها؟
قال «أحمد»: إنَّ الانفجارات تترك خلفها، وربما لمدة طويلة إشعاعات تؤثر بالتأكيد. ولذلك، فهم يُعطون فرصةً أطول … فقد تنتهي هذه الإشعاعات، أو ينتهي تأثيرها القاتل غالبًا …
صمت الجميع قليلًا، ثم قالت «إلهام»: نسمع بقية التقرير.
كانت السيارة لا تزال في انطلاقها، وكانت الأشياء تختفي حولهم بسرعةٍ نتيجة السرعة المتزايدة، وبدأ «أحمد» يقرأ التقرير: إن عملاءنا في العالم قد استطاعوا التوصل إلى معرفة بعض أفراد عصابة «النجوم العشرة».
التفت الشياطين إلى «أحمد» عندما قرأ الجملة الأخيرة، إنه في النهاية سوف يقدم لهم مفتاحًا للمُغامرة. إن «سيبريا» منطقة شاسعة تمامًا، بالإضافة إلى البرودة الشديدة فيها، ورغم أنهم قد جهزوا أنفسهم لذلك، إلا أن البحث داخل منطقة مثل هذه، مع وجود الإشعاعات التي تحدَّث عنها «أحمد» يجعل المسألة أكثر تعقيدًا.
ابتسم «أحمد» لالتفاتتهم، ثم أخذ يقرأ بقية التقرير. قرأ «أحمد»: إن عملاءنا لم يتوصَّلوا بعد إلى رئيس عصابة «النجوم العشرة»، إلا أنهم توصَّلوا إلى معلوماتٍ عن البعض منهم؛ مثل: «كوبناخ» وهو رجلُ حربٍ ألماني الجنسية، كان قائدًا لإحدى فرق «هتلر» على الجبهة الروسية خلال الحرب العالمية الثانية، حادُّ النظرات، أزرق العينين، في الخامسة والخمسين، قوي البِنية، صامت معظم الوقت، أصيب في ساقه اليُمنى إصابة مباشرة جعلته يعرج قليلًا، يدخن السيجار، وتبدو العصبية في طريقة تدخينه.
صمت «أحمد» قليلًا، كان الشياطين يسمعونه في تركيز شديد، حتى إنَّ «أحمد» أراد أن يداعبهم، فصمت لفترة طويلة جعلت «إلهام» تقول: ماذا حدث؟
ابتسم «أحمد» وهو ينظر إليها، ثم قال: لا شيء، إنِّي فقط أعطيكم فرصة استيعاب التقرير، فأنتم تعرفون أننا سوف نتخلَّص منه … قبل الوصول إلى «القاهرة».
لم يردَّ أحد من الشياطين، فبدأ «أحمد» يقرأ بقية التقرير: الثاني هو «ماريوتي» … إيطاليُّ الجنسية، يكبر «كوبناخ» بعامٍ أو عامين، سمين قليلًا، تبدو الطيبة على ملامحه، وإن كان أكثرهم دهاءً … اشترك في قوات «موسوليني» خلال الحرب العالمية الثانية على الجبهة الليبية، أَسرَتْه قوات الحلفاء عندما اجتاحت شمال أفريقيا عند نهاية الحرب، لا يحب «كوبناخ» وإن كان يُعجَب به، غزير الشعر، ويلبس نظارة طبية، وعندما يخلعها لا يُميِّز الأشياء.
كانت السيارة قد اقتربت من «القاهرة» … فنظر «أحمد» من زجاج السيارة، وقال: لقد وصلنا بسرعة.
صمت قليلًا، ثم قال: إنَّ التقرير قد أوشك على النهاية، فلم يَعُد هناك سوى واحد فقط شمله التقرير.
نظر إلى «قيس» ثم قال: يجب أن تُبطئ السرعة قليلًا، حتى نَنتهي من قراءة التقرير، وحتى نستطيع أن نتخلَّص منه، قبل دخولنا العاصمة.
أبطأ «قيس» سرعة السيارة، وأخذ «أحمد» يُكمل بقية التقرير: الثالث الذي توصل إليه عملاؤنا هو «شولونوف» … روسي الجنسية، أصغر الثلاثة عمرًا، اشترك ضد قوات الغزو النازي خلال الحرب عندما حوصرت مدينة «ستالنجراد» حصارها المشهور، فقَد عينه اليسرى خلال الحرب، ولذلك فهو يلبس نظارة سوداء دائمًا، يميل إلى السمنة، وإلى القصر في نفس الوقت حتى إنه ليبدو كالدب.
توقف «أحمد» عن القراءة، ثم نظر إليهم وقال: انتهى التقرير. ثم أشار ﻟ «قيس» فتوقَّف، وأخرج آلةً صغيرةً، ثم ضغط عليها فانطلقت منها شرارةٌ كهربيةٌ، أمسك بورق التقرير فأشعله، وفتح زجاج النافذة ثم ظلَّ ممسكًا بالأوراق حتى احترقت تمامًا، وطار رمادها في الهواء … أغلق زجاج النافذة فانطلق «قيس» بالسيارة، وكان الشياطين في حالة صمتٍ تامةٍ … ولم تمضِ دقائق حتى ظهرت «القاهرة».
استغرق الشياطين في مراقبة الشوارع بينما «قيس» يأخذ طريقه إلى المقر السري للشياطين، بعد قليل كان الشياطين يُغادرون السيارة إلى المقر، وعندما استقرُّوا داخله قال «أحمد»: نحن في حاجة إلى حجز تذاكر السفر إلى «روما».
وقفت «إلهام» ثم «فهد» وقالت «إلهام»: أنا و«فهد» نذهب للانتهاء منها.
خرج الاثنان بسرعةٍ، وجلس بقية الشياطين في اجتماعٍ صغيرٍ، كان «أحمد» قد أحضر خريطة للعالم، وبسَطَها أمامه، وجلس «رشيد» و«قيس» في مواجهته، وكان الاثنان يَجريان بأعينهما على تفاصيل الخريطة، وأمسك «أحمد» بقلمٍ ثم أخذ يُشير عليها قائلًا: من هنا نبدأ الطيران عبر هذه المطارات. وكان يتوقَّف في كل محطة … «روما»، «باريس»، «لندن»، «موسكو».
قال «رشيد»: قد نضطر للمبيت ليلة أو ليلتين في كل محطة حسب ظروف الطيران.
قيس: لا بأس. فقد يكون مفيدًا بالنسبة لنا … فالمؤكد أن عصابة «النجوم العشرة»، ليست محددةً في مكان واحدٍ، المؤكد أنها تغطِّي العالم كله.
ظل «أحمد» يمرُّ بطرف القلم على الخطوط الحمراء المتعرجة التي تبيِّن المواصلات الخارجة من «موسكو»، وتتبَّع «رشيد» سير القلم، وهو يتجه إلى نهر «تنجوسكا» في شمال «سيبريا»، ثم قال: إنها مسافةٌ طويلةٌ، أتمنى أن تكون عليها خطوط طيران.
أشار «أحمد» إلى خطوط المواصلات، وتوقف عند كل محطة، ثم قال: هذه هي المحطات الرئيسية في سفرنا إلى منطقة نهر «تنجوسكا». كانت المحطات هي: «جووكي» … «كورجان» … «أسك» … «براستك» … «كيزما» … «تورا» … والمدينة الأخيرة هي التي تقع على النهر.
قال «قيس»: أظن أن درجة الحرارة سوف تكون منخفضةً تمامًا عند نهر «تنجوسكا».
رفع «أحمد» يده ثم أدار مسمارًا في ساعة يده، وقال: إنَّ درجة الحرارة هناك لا تقل عن خمسين درجة تحت الصفر، وإن درجة الحرارة عندنا الآن ٣٣ و٣ شرط.
رشيد: ينبغي أن نطمئن على أجهزة التدفئة التي نحملها، وإلا فإننا سنتجمد تمامًا.
ضحك «أحمد» وقال: وقد نكون نهائيًّا.
دق جرس الباب ثم فُتح، وظهرت «إلهام» وخلفها «فهد»، وكانت تبدو سعيدة تمامًا، ووجهها يتلون بلون أحمر، يجعلها أكثر جمالًا.
قالت «إلهام»: على الشياطين أن يستعدُّوا فورًا.
قفز «رشيد»: سنطير بعد نصف ساعة.
ضحكت «إلهام» وقالت: نعم … نصف ساعة فقط.
رشيد: ألم أقل لكم؟
ضحك «فهد» وقال: لكنها يا عزيزي … نصف ساعة … بعد منتصف الليل.
ضحك الشياطين ونظر «أحمد» في ساعة يده وقال: الساعة ما زالت الثامنة، لا بأس ما زال أمامنا وقتٌ طويلُ، نستطيع أن نتناول عشاءنا في الخارج. ثم نأخذ طريقنا بهدوءٍ إلى المطار.
تحرك الشياطين يُجهِّزون أشياءهم، ثم أخذوا طريقهم إلى السيارة، فأخذ كلٌّ منهم مكانه.
وقال «قيس»: إلى أين؟
إلهام: أتمنَّى أن آكل «كبابًا» و«كفتة» في الحسين.
فانطلق «قيس» في الطريق إلى حي الحسين، الذي يشتهر بهذه الأكلة الطيبة.
وكان حيُّ «الحسين» يزدحم بالناس في هذه الساعة من بداية الليل … وفي الهواء الرقيق الذي يُلامس الوجوه، جلس الشياطين يتناولون أكلتهم المفضلة، وعندما انتهوا منها. انتقلوا إلى مقهى «الفيشاوي» المشهور في الحي، حيث تناولوا الشاي الأخضر. وكان المارة من كل الجنسيات التي تزور حي «الحسين»، لما فيه من آثار دينية، وتعلَّق سؤال في خاطر «أحمد»: ترى هل تبدأ المغامرة من هنا، ويظهر أحد أفراد عصابة «النجوم العشرة»؟