إحدى عشرة فكرة سياساتية
نعرض في هذا الفصل قائمةَ أمنياتنا، ونسوق إحدى عشرة فكرة تمثِّل تأويلَنا الحالي لكيفية وضع النتائج الموجهة جينيًّا حول التعليم والتعلُّم موضع التطبيق. فإن جرى اختبار هذه الأفكار وثبتَتْ فاعليتها — وهي خطوة ضرورية في العلمية — نعتقد أن بإمكانها أن تجعل من المدارس أماكنَ أفضل للأطفال الذين يتعلَّمون بها، وللمدرِّسين الذين يعملون بها، وللمجتمع الذي ينفق عليها.
(١) الفكرة الأولى: تقليل محتوى المنهج المقرَّر إلى الحد الأدنى واختبار المهارات الأساسية
- المبدأ الجيني: كلنا مختلفون.
- التوصية: ينبغي تقليل المواد الإجبارية إلى الحد الأدنى (فالمنهج الموحَّد لا يناسِب الجميع). المنهج الوطني ينبغي أن يغطِّي فحسب «المهارات الأساسية» المتمثِّلة في القراءة والكتابة والحساب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (المعروفة بالمهارات المطلوبة للعيش بنجاح في المجتمع). ويُشترَط على الجميع — عدا المصابين بإعاقاتٍ بالغةٍ — اجتيازُ امتحانِ المهارات الأساسية النهائي — بحسب المنهج الوطني — للتخرُّج من المدرسة.
ثمة مهارات معيَّنة يجب أن يتعلمها الأطفال كي يصيروا راشدين مستقلين، لا سيما القراءة والكتابة والحساب وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ونحن نعلم كذلك أن التحصيل الدراسي السابق ينبئ بالتحصيل الدراسي في المستقبل، وأن تلك المهارات هي ما يتركب منها التحصيل الدراسي المبكر، وهي تمثِّل اللَّبِنات التي تشكِّل تقريبًا جميع جوانب التعلُّم؛ فدونها، يُسَدُّ كثيرٌ من الطرق أمام الشباب. وقد سبق أن بيَّنَّا بجلاءٍ وجهةَ نظرنا في أن التعليم يفشل إنْ تُرِك الأطفال دون إتقانٍ أكيدٍ لهذه المهارات الأساسية يستمرُّ مدى الحياة. إلا أن وجهة النظر هذه ليست حجَّةً نسوقها ضد التعليم القائم على «المعرفة»، وهو ما توضِّحه أفكارنا الأخرى بحسب المفترض.
التأثيرات الجينية والبيئية تعني أن بعض الأطفال سيجدون صعوبةً في اكتساب هذه المهارات، في حين أن الآخرين سيكتسبونها بالسليقة تقريبًا دون الحاجة إلى الكثير من الإسهام الخارجي على الإطلاق. لكن يجب أن نتذكَّر أن غيرَ الطبيعي طبيعيٌّ، وأن الأطفال الذين يجدون صعوبةً في إتقان هذه المهارات غيرُ مختلفين جينيًّا — في كل الحالات تقريبًا — عن غيرهم من الأطفال، ولا يوجد سببٌ جيني يمنعهم من النجاح متى توافَرَ الدعمُ المخصَّص لهم. هؤلاء التلاميذ في حاجةٍ إلى طريقةِ تدريسٍ يفهمونها، ويجب تحديد مستوى استيعابهم الدقيق في بداية عملية التعلُّم، من أجل أن يتقدَّمَ سيرُ التعليم وعملية تكوين المهارات بتسلسُلٍ منطقيٍّ وهرميٍّ. وينبغي أن يكون لدَعْم هؤلاء الأطفال الأولوية لدى جميع المدارس.
تشير أبحاثنا، والأبحاث التربوية حول العالم، إلى أن الأطفال يتعلَّمون بطرق مختلفة وبسرعات مختلفة (بمرور الوقت، قد تساعِدنا رقاقاتُ التعلُّم على فهم مسبِّبات تلك الاختلافات)؛ ومن ثَمَّ نوصي بتصميم سلسلة من مستويات المهارات الأساسية ليعمل عليها جميع الأطفال، حتى يصلوا إلى اختبارٍ نهائي إما يجتازونه وإما يفشلون فيه، وبإمكان كل تلميذ خوْضُ هذا الاختبار متى ارتأى هو ومدرِّسه استعدادَه لذلك. ينبغي للمدارس التشجيعُ على اكتساب عقلية نامية بالحثِّ على المثابرة والدأب في المواد التي يجدها التلاميذ صعبةً، لا سيما عندما تكون هذه المواد هي المهارات الأساسية المشكِّلة لصلب المنهج. إنْ وجَدَ التلاميذ أن كل شيء يفعلونه سهل فهم لا يتعلمون، بل يستمتعون بالوضع القائم فحسب. تبدي لنا أبحاثُ كارول دويك على العقلية أن التلاميذ يتعلَّمون أفضل تعلُّمٍ عندما يتعلَّمون كيف يطيقون العمل على مستوًى أعلى قليلًا من المستوى الذي اعتادوا عليه؛ ولذاك السبب، سيستمر جميع التلاميذ في تنمية مهارات القراءة والكتابة والحساب لديهم، حتى إنِ اجتازوا اختباراتِ المهارات الأساسية الإجبارية مبكرًا.
سنلتمِس النصحَ بشأن تحديد العتبة الدنيا المناسِبة لاجتياز امتحان هذه الشهادة؛ فبعض الأطفال ذوي القدرة الفائقة سينتهون من جميع مستويات المهارات الأساسية والامتحان النهائي مبكرًا، وسيلتحقون بفصولٍ أكثر صعوبةً لمهارات القراءة والكتابة والحساب؛ في حين أن البعض الآخَر سيشتغلون بتعلُّم الأساسيات وتعزيزها طوال تعليمهم. والشرطُ الوحيد لتخرُّج أي تلميذ من المدرسة هو اجتيازُ امتحانِ شهادةِ المهارات الأساسية النهائي، حتى إنِ استلزَمَ ذلك الإبقاءَ على نسبة صغيرة من التلاميذ بالمدرسة لعام إضافي. ونرى أن الإصرار على إتقان هذه المهارات الأساسية مدى الحياة، سيمنح الطلاب مزايا أكثر جذبًا لأصحاب العمل، وسيكون له تأثيرٌ إيجابي واسعُ النطاق على جودة حياتهم، لا سيما مَن يقلُّ اهتمامهم بالمجالات الأكاديمية. وبناءً على ذلك، نرى أن الأطفال الذين يحتاجون أكبر قدرٍ من المساعدة، ينبغي أن يحصلوا على أغلب المساعدة، وأن المساعدة التي يتلقَّوْنها ينبغي أن تكون مخصَّصةً بعناية بحسب احتياجاتهم الفردية.
(٢) الفكرة الثانية: زيادة الخيارات
- المبدأ الجيني: الاقتران بين النمط الجيني والبيئة يتوقَّف على الاختيار.
- التوصية: توسيع نطاقِ خيارات المواد المتاحِ لجميع التلاميذ، وإعطاء المدرسين حريةً أكبر في دروسهم.
نوصي بتوفير نطاق واسع من الخيارات في جميع المدارس، إلى جانب المهارات الأساسية الإلزامية، ونعتقد — خاصةً مع تقدُّم التلاميذ في العمر — أنه سيكون من المعقول جينيًّا لهم أن تتاح لهم الفرصة كي يرجِّحوا كفةَ ميولهم ومواهبهم في التعليم الذي يتلقَّوْنه. كما نرى أنه ينبغي إتاحة فُرَص أكبر بكثير لتلاميذ المدارس الابتدائية للاختيار وتوجيه تعليمهم؛ على سبيل المثال: الطفلُ صاحبُ الموهبة النامية أو المهتَمُّ بالموسيقى أو تصميم الألعاب أو الرياضة أو التاريخ أو علم الفلك أو الفن؛ ينبغي أن يُتاح له استخدام جزءٍ من يوم المدرسة لتنمية اهتمامه أو موهبته بصورة أكبر، وينبغي أن يتمكَّن من الوصول إلى الموارد والتواصُل مع مدرِّس (في الوضع المثالي) لمساعدته على تنمية اهتماماته ومواهبه. ومن المرجح أن «وقت الاختيار» هذا سيقتضي فصولًا مختلطةَ السن، وسنناقش بعض التطبيقات العملية لذلك في الفصل المقبل، حيث نحاول أول محاولة لنا لتطبيق أفكارنا وتوصياتنا على أرض الواقع.
عبر تجنُّب فَرْض القيود على ما يدرِّسه المدرسون وطرقِ تدريسه في جميع المجالات الأخرى غير اكتساب المهارات الأساسية وإتقانها مدى الحياة؛ نترك مساحةً للتخصيص على مستوى الصف والمجموعات الصغيرة والأفراد. وسيتمكَّن المدرسون الأكفاء من استغلال اهتماماتهم ونقاط القوة لديهم، والجمع بينها وبين اهتماماتِ ونقاطِ قوةِ تلاميذهم، لتخطيط الدروس القيِّمة والمثيرة للاهتمام. سيتمكَّنون من تمضية وقت إضافي في موضوعات تبدو نافعةً بشكل خاص، دون القلق من التخلُّف عن المنهج الدراسي الموجَّه مركزيًّا أو التحضير للاختبارات. ولأن المنهج لن يكون مركزيًّا حينذاك، سوف يُنظَّم أيُّ اختبار على مستوى المدرسة، وسيكون غرضه الوحيد طَمْأَنة المدرسين على أن تلاميذهم يتعلَّمون ويُحرِزون تقدُّمًا. وعندما يبلغ التلاميذ سنَّ الامتحانات الرسمية، سيتَّبِعون خططَ المناهج الدراسية التي تضعها مجالسُ الاختبار المستقلة، والتي تنتقيها المدارس والمدرِّسون، كما يفعلون حاليًّا. وستُطَمْئِن نتائجُ اختبار شهادة المهارات الأساسية الحكوماتِ على أن المدارس تزوِّد التلاميذ بالمهارات الأكاديمية التي يحتاجونها كي يكونوا أعضاءً ناجحين بالمجتمع، وسيحصل التلاميذ كذلك، من سن ١٦ فصاعدًا، على نتائج اختبارات رسمية.
بالطبع تعتمد هذه التوصية على الاستعانة بخدمات مدرِّسين «أكفاء»؛ مدرسين يحملون أفكارًا متوطِّدة حول ما سيرغبون في تدريسه؛ ويتمتَّعون بمهارات استماع وملاحظة من الطراز الأول؛ وبجعبتهم أفكارٌ مستنيرة حول كيفية تخصيص تجربة التعلُّم لتلاميذ مختلفِي السمات داخل حجرةِ دراسةٍ مختلطة. قد يكون هؤلاء مدرِّسين من أصحاب «العقلية النامية»، ويمكن تقييم عقلياتهم إما عبر اختبارٍ للأهلية يمرُّ به المرشحون للحصول على دورات تدريب المدرِّسين، أو تدريسها لهم كمكوِّنٍ رئيسي من برنامج تدريب المدرس، وتقييمها فيما بعدُ من قِبَل أصحاب العمل. ينبغي منح أولئك المدرسين الاستقلاليةَ اللازمة لاستخراج إمكانات تلاميذهم على النحو الذي يرونه مناسبًا، ويُنتظَر من المدارس أن توفِّر لتلاميذها مجموعةً رحبة من الخيارات؛ تقدِّم لكل طفل ما يساعد على تحفيزه.
(٣) الفكرة الثالثة: إسقاط التصنيفات
- المبدأ الجيني: غيرُ الطبيعي طبيعيٌّ.
- التوصية: إن كان الأطفال في حاجةٍ إلى مساعدةٍ إضافيةٍ، فَلْتمنحهم إياها. لا داعيَ لكل تلك التصنيفات والروتين الحكومي.
مشاكل التعلُّم الشائعة ليست اضطرابات كيفية، بل لها أبعاد كمية. في أغلب الحالات، لا يختلف أدنى التلاميذ أداءً جينيًّا عن بقية الصف؛ فينبغي اعتبارهم يعانون من صعوبة لا إعاقة؛ وهذا ينطبق على أكثر مشاكل التعلُّم شيوعًا، مثل عسر القراءة وعسر الحساب. حاليًّا من المتوقَّع أن الطفل الذي يعاني من تدنِّي الأداء ينبغي إحالته للتقييم وتصنيفه، وعندئذٍ فقط يُمنَح الدعم. ومع ندرة الموارد، من المعتاد أن يجد الآباء أنفسهم في موقفٍ يضطرون فيه إلى الدفع مقابل تقييمٍ وتعليمٍ خصوصيَّيْن. ويضيع وقت ثمين في هذه العملية، ومن المرجَّح أن الضغوط النفسية التي تسبِّبها تؤذي جميع المتورِّطين فيها.
عوضًا عن ذلك، نوصي بتكثيف عملية الملاحظة والمتابعة للأطفال المتخلفين في أحد جوانب المهارات الأساسية، وأن يتلقَّى هؤلاء الأطفال دَعْمًا مُخصَّصًا بالمدرسة بمجرد أن تستدعي حالتهم ذلك. وينبغي تركيز الموارد على تزويد هؤلاء الأطفال بكل الدعم والتعليم الإضافي الذي يحتاجونه من أجل البقاء على مسار النجاح، وينبغي توظيف مبادئ التعلُّم الهرمي للتأكُّد من أن المهارات الجديدة تُبنَى على المهارات الحالية في خطوات سَلِسة للطفل، وينبغي أيضًا الاستعانة بالأسرة لدعم تعليم الطفل — متى كان ذلك ممكنًا — عبر مهامَّ ملموسةٍ، لكن إنْ لم يتحقَّق ذلك، ينبغِ عدم عقاب الطفل بأي حال من الأحوال؛ على سبيل المثال: من الشائع ألَّا يغيِّر مدرِّسو المدرسة الابتدائية كُتُبَ القراءة إلا بعد أن يقرأها الأطفال لآبائهم بالمنزل. عندما تقل مشاركة الآباء في عملية التعليم، سيترتَّب على ذلك أن بعض الأطفال ستقل فُرَصهم للقراءة جهرًا والتعرُّض لكُتُب جديدة. وينبغي الاستماع إلى قراءة هؤلاء الأطفال بالمدرسة بصورة أكبر للتعويض عن أوجه القصور بالمنزل، وفي الوقت نفسه ينبغي بَذْل الجهود من أجل حضِّ الآباء على الاشتراك في هذه العملية. ولا يجب أبدًا عقاب الأطفال على مشاكل آبائهم أو جوانب قصورهم.
كذلك نوصي بإيقاف تصنيف الأطفال ﺑ «الموهوبين والمتفوقين». في حجرة الدراسة المُخصَّصة لا ضرورةَ للتصنيف؛ لأن الاحتياجات الفردية لدى كل طفلٍ ستُلبَّى. وينبغي مَنْح فُرَص مناسبة لجميع الأطفال، ففي الوضع المثالي سيكون لدى كل طفل هبة أو موهبة أو هواية جديرة بالاحتضان. والوقتُ الذي يُقضَى في التعرُّف على الأطفال «الموهوبين والمتفوقين» وتصنيفهم وإحصائهم، هو وقت مُبدَّد يمكن تمضيته في استخراج إمكانات كل طفل بالصف.
بيت القصيد هو أنه ينبغي الحد من الروتين الحكومي والتصنيف بحيث يتلقَّى الأطفال الذين يجدون صعوبةً في أي مرحلة بتعليمهم — حتى إنِ اتضح أنها مشكلة وقتية — الدعْمَ الإضافي الذي يحتاجونه بمجرد حاجتهم إليه. ويمكن تسجيل أي صعوبة مستمرة في شهادة خاصة تُمنَح عند مغادرة المدرسة، ونوصي بأن يحصل عليها كل تلميذ (انظر توصية الفكرة الرابعة)، بحيث يمكن للتربويين وأصحاب العمل في المستقبل التعرُّف على احتياجاتهم واستيعابها. وبالتأكيد ينبغي منح الأطفال المتفوقين الدعْمَ والفُرَص التي يحتاجونها.
(٤) الفكرة الرابعة: تعليم الطفل، وكذا الصف
- المبدأ الجيني: يمكن مراقبة الثبات الجيني والتغيُّر البيئي.
- التوصية: ينبغي أن تكون لكل تلميذ خطةُ تعليمٍ خاصةٌ، تجب مراجعتها وتحسينها كلَّ عام. وينبغي أن يحصل كل طفل على شهادة خاصة حالَ تخرُّجه من المدرسة في نهاية تعليمه الإلزامي.
نقترح — قبل أن يبدأ كل طفل المدرسة — أن يزوره بالمنزل المدرس الذي سيتولى تقديمَ أولِ فصل دراسي له، إضافةً إلى موظَّفٍ مختصٍّ مدرَّب، وسيتولَّى هذا الموظف كاملَ المسئولية عن ملاحظة الطفل طوال فترة دراسته بالمدرسة وتتبُّعه والانتباه له بوجه عام. ستكون هذه الزيارة الفرصةَ الأولى للأسرة وللمدرسة كي يتعرَّف كلُّ طرف على الآخَر ويتعرَّفَا على الطفل. ويمكن ملاحظة القدرة في هذه الأثناء، أو بشكل منفصل بالمدرسة، ويمكن استيفاء قائمة مرجعية تنموية لتكوين فكرة واضحة عن استعداد الطفل للمدرسة واحتياجاته الخاصة وملفه التنموي.
وبعد الزيارة، سيضع الموظف المختص «خطةً تعليمية خاصة» من أجل الفصل الدراسي الأول الذي سيلتحق به الطفل، ويمكن مراجعتها باستشارة المدرس وأسرة الطفل. في أول سنة من التعليم، ستُجرَى مراجعة خطة التعليم الخاصة مرةً أخرى بعد الكريسماس؛ حيث سيُؤخَذ في الاعتبار تكيُّفُ الطفل مع المدرسة، ومن هذه اللحظة ستخضع للمراجعة سنويًّا، خلال عطلة الصيف، ما لم تكن هناك ضرورة لمراجعة مرحلية. سيكون الموظَّفُ المختصُّ مسئولًا عن التواصُل الرئيسي بين الطفلِ والأسرةِ ومدرِّسِ الصف طوال مرحلة المدرسة، ومن المنتظر أن يمتلك معرفةً مستفيضة باحتياجات الطفل ودوافعه وخلفيته. وحتى مع تغيُّر مدرِّسِي الفصول، لن يتغيَّر الموظف المختص، وسوف تساهِم استمرارية الرعاية هذه بالكثير في إتاحة مدخل شخصي للتعليم. سيكون لدى الطفل داعمٌ بالمدرسة يتفهَّم احتياجاته وتاريخه التعليمي والأسري جيدًا.
سيحقِّق النظامُ كاملَ نجاحه حقًّا عند مستوى التعليم الثانوي؛ حيث يكون للتلاميذ في الغالب العديد من المدرسين؛ مما يعوق تعرُّف أيٍّ منهم على التلاميذ كأفرادٍ بشكل خاص. وسيجمع الموظف المختص تقاريرَ من مدرِّسِي المواد، ثم يضعها ضمن السياق العام لتطوُّر الطفل، مكتشِفًا أية أنماط أو مسبِّبات جديدة للقلق على الفور. كذلك ينبغي أن يكون بمقدور هذا الموظف المختص تقديمُ النصح لمدرِّسِي الصف حول أفضل طريقة للعمل مع كل طفل من بين الحالات التي يتولَّاها، والوسائل الكفيلة باستخراج الأفضل منهم؛ وسيقوم بتوثيق هذه المعلومات ومقترحاتهم وأفكارهم ذات الصلة في الخطة التعليمية الخاصة السنوية.
تستند توصياتنا إلى الفكرة المستمَدة من أبحاثنا والمتمثلة في أن كل طفل له احتياجات تعليمية خاصة من نوع معين أو في مرحلة معينة، وأنه ينبغي مراقبة هذه الحاجات من كثب والاستجابة لها لدعم الطفل كي ينمو نموًّا كاملًا وينجح على مستوًى يُرضِيه. ونوصي أن يكون بكل مدرسة فريقها من علماء النفس التربويين، وأن يُجرَى تدريب هؤلاء المحترفين لأداء دور الموظَّف المختص. وفي هذه الوظيفة، سيتولون تقييم الملفات التعليمية وملفات القدرات وفهمها ونقل محتواها، والتواصل مع الأطفال وأُسَرهم، والتدرُّب على أساليب المشورة كي يكونوا قادرين على دعم التلاميذ الذين يحتاجون هذه الخدمة. كذلك سوف ينسِّقون الموارد الإضافية التي يحتاجها كل طفل، وبمرور الوقت سيدمجون المعلومات الجينية المستمَدة من تحديد تسلسُل الحمض النووي لكلِّ طفلٍ في «الإطار الشامل» لاحتياجات كل طفل. ونعتقد أن هذا استخدامٌ أفضلُ للقوى العاملة المدرَّبة والماهرة على أعلى مستوًى من المنهجية الحالية، التي تقتضي تعيينهم من قِبَل جهات حكومية محلية؛ حيث يقضون الكثير من وقتهم في قيادة سياراتهم بين مختلف المدارس وملْءِ الاستمارات ومكافحةِ الروتين الحكومي. ونرى أن الخدمة التي يمكن أن يقدِّموها للأطفال عبر دور الموظف المختص — بالإضافة إلى قدرتهم على تحسين مستوى التخصيص بالتعليم — لن يستطيع أحدٌ أداءها مثلهم، ويمكن أن تصنع فارقًا بالغَ الإيجابية في تحصيل الأطفال وسعادتهم وإمكانات نجاحهم طوال حياتهم.
(٥) الفكرة الخامسة: تعليم الأطفال كيف ينجحون
- المبدأ الجيني: يمكن لمعدل الذكاء والثقة بالنفس أن يؤثِّرَا على العلاقة بين بيئة المدرسة والتحصيل، من خلال إحدى عمليات الاقتران بين النمط الجيني والبيئة.
- التوصية: تقديم حصة أسبوعية لمهارات التفكير يحضرها جميع التلاميذ. (لن تكون مهارات التفكير مادةً بالمنهج الوطني؛ لأن مخطط المنهج الدراسي لن يكون مركزيًّا، ولن تكون هناك امتحانات عامة مرتبطة بالمادة. ستلتَزِم المدارس فحسب بتمضية ساعة واحدة أسبوعيًّا في تعليم مهارات التفكير.)
تشير الأبحاث حتى الآن إلى أن عملية الاقتران بين النمط الجيني والبيئة قد تكون مؤثرة في المساعدة على إنشاء العلاقة بين بيئة من البيئات، مثل جودة المدرس أو التنمُّر أو حجم حجرة الدراسة، وبين نتيجة من النتائج مثل التحصيل الدراسي. ولعلاقات الاقتران الإيجابية حيث تؤثِّر صفاتُ التلاميذ المحددةُ جينيًّا — مثل معدل الذكاء أو الدافعية أو الثقة بالنفس — على العلاقة بين البيئة والنتيجة؛ أولويةٌ بحثية قصوى في علم الوراثة السلوكي. عندما يتأتَّى لنا فهمٌ أوسع لهذه الظاهرة، وأدواتٌ أفضل لقياسها، ستتزايد قدرتنا على التوصية بعمليات التدخل التعليمية العملية لكل طفل بمعدل متسارِع. في الوقت نفسه، نعرف أن الصفات ذات التأثير المحتمل، مثل معدل الذكاء والثقة بالنفس، تربطها بالتحصيل علاقةٌ أقوى من البيئات التي استعرضناها حتى الآن. ونفترض وجود تفاعُل متسلسل تؤثر فيه البيئاتُ على هذه الصفات الوسيطة (إضافةً للجينات)؛ وبذلك تؤثِّر على النتيجة النهائية.
كل المعلومات التي تحصَّلْنا عليها حتى الآن تُثبِت لنا أن معدل الذكاء المرتفع والثقة بالنفس لهما تأثير إيجابي على التعليم، وأن كلًّا منهما عرضةٌ للتأثيرات الجينية والبيئية. ونعلم أيضًا أنهما يمكنهما التحسن بالتدريب المناسب؛ ومن ثَمَّ نوصي بحصة أسبوعية لمهارات التفكير لكل تلميذ بكل مدرسة تركز على تلك الصفات، فنحن ندرك أن كلتا الصفتين تتنبَّآن بتحقيق نتائج جيدة مدى الحياة، وأنهما تتأثران بفعل البيئة وكذا الجينات؛ ما يجعلهما مناسبتين تمامًا للتدخُّل التعليمي. في كثيرٍ من المدارس الخاصة، يتلقَّى التلاميذ بالفعل حصصَ تدريبٍ منتظمةً على جوانب اختبارات معدل الذكاء، مثل المهارات اللفظية وغير اللفظية، ويتدرَّب كثيرون غيرهم على يد مدرِّسين خصوصيين من أجل الاستعداد لاختبارات القبول بالمدارس، التي تكون — في أحيان كثيرة — اختباراتِ ذكاءٍ بالأساس. ستحقِّق حصصُ مهارات التفكير بكل مدرسة تكافُؤَ الفرص، وتشير الأبحاث إلى استفادة كلٍّ من التلاميذ والمجتمع منها. ونوصي بتصميمِ وإتاحةِ مجموعةٍ كبيرة من الموارد، بما فيها الألغاز وتمارين الفلسفة، من أجل أي مدرس يبحث عن مصادر وعن أفكار ملهمة. وداخل المدارس، يمكن للمدرسين استخدامُ اختباراتِ معدلِ الذكاء والقياس النفسي للثقة والدافعية من أجل تقييم التلاميذ ومعرفة إنْ كانوا يُحرِزون تقدُّمًا في هذه المناحي أم لا. وينبغي للموظف المختص أن يحتفظ بالنتائج كجزء من الملف التنموي لكل طفل، وتُستخدَم النتائج لمصلحة الطفل لا كمؤشر على جودة المدرسة أو المدرس.
(٦) الفكرة السادسة: تشجيع تكافُؤ الفرص من سنٍّ مبكرة كأساس للحراك الاجتماعي في المستقبل
- المبدأ الجيني: الأطفال في مرحلةِ ما قبل المدرسة معرَّضون بشكل خاص لتأثيرات البيئة المشتركة.
- التوصية: توفير تعليم مجاني عالي الجودة للأطفال المحرومين قبل الالتحاق بالمدرسة وبدءًا من سن عامين، وتوفير تعليم مجاني عالي الجودة لجميع الأطفال من سن الثالثة إلى الرابعة قبل الالتحاق بالمدرسة، وتوفير دَعْم إضافي إلى الأطفال من الأُسَر المتدنية المكانة الاجتماعية والاقتصادية من وقت الميلاد.
تدعم هذه التوصية النتائجَ التي توصَّلت إليها دراسة «توفير التعليم الفاعل في سنِّ ما قبل المدرسة» المجراة بالمملكة المتحدة، إضافةً إلى نتائج هيكمان الاقتصادية، كما تؤيِّد بقوةٍ السياسةَ الحكومية الحالية بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما في العالَم المتقدِّم. ونحن ندعم هذه المنهجية لأنها تتَّسِق والنتائج التي خلص إليها علمُ الوراثة السلوكي بأن للبيئة المشتركة تأثيرًا جمًّا على الأطفال بسنِّ ما قبل المدرسة، وبأن البيئات المؤذية — المنازل التي تنشأ بها أقليةٌ من الأطفال الضعاف بدرجة خاصة — تتمتَّع بقوة استثنائية؛ ومن ثَمَّ للتعليم المجاني العالي الجودة بسنِّ ما قبل المدرسة للأطفال المحرومين؛ القدرةُ على قَطْع خطوات على طريق تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية. وكما هو الحال مع المدارس، ينبغي لدُور الحضانة تلك التركيزُ على تنمية الأطفال كأفراد ودعمهم. وليس لتأجيل التعليم الرسمي تأثيرٌ سلبي بالبلدان التي يجري بها هذا العرف؛ ولهذا السبب لا نعتقد أنه يتوجب على دور الحضانة التركيز على القراءة ما لم يبدُ أن طفلًا بعينه راغبٌ فيها. إلا أن التركيز على اكتساب عقلية نامية، ومعدل ذكاء، ومهارات اجتماعية، ومهارات تفكير، وثقة بالنفس؛ هو فكرة جيدة. ينبغي الاستعانة بدُور الحضانة لتعزيز الجاهزية للمدرسة لدى جميع الأطفال؛ وبإتاحة تعليم ما قبل المدرسة عالي الجودة مجانًا للأُسَر المحرومة — عبر أنواع دُور الحضانة التي ستتعالى أصواتُ أُسَر الطبقة المتوسطة كذلك للمطالبة بإلحاق أطفالها بها — سنساهم في تحقيق هدفنا المتمثِّل في إتاحة تكافؤ الفرص. وعلى الرغم من أن التأثير البيئي المشترك يضعف مع تقدُّم التلاميذ في العمر، ثمة أدلة تفيد بأن بعض المنافع قد يستمر وجودها.
إضافةً إلى تلك التدابير، ينبغي تزويد الأطفال من الأُسَر المتدنية المكانة الاجتماعية والاقتصادية بدَعْمٍ إضافي من وقت الميلاد. يفيد علم الوراثة السلوكي بأن جميع البشر يُولَدون مختلفين، وبأن الاختلافات في بيئاتنا — تنشئتنا — تزيد من الاختلافات التي نُولَد بها؛ وهذا عادةً أمرٌ سلبي — أن يقع أحدهم منذ الميلاد ضحيةً لتفاوُت الفرص — لكننا نقول إن الوضع لا ينبغي أن يكون هكذا؛ ففي الواقع يمكن استخدام الاختلافات البيئية وتأثيراتها، من أجل عكس اتجاه التيار وتحسين تكافؤ الفرص؛ فعبر توفير مزيدٍ من الفرص للأطفال بالأُسَر المحرومة، وتيسير استغلالهم هذه الفرصَ، بإمكاننا إحرازُ تقدُّمٍ في تحقيق تكافؤ الفرص وزيادة الحراك الاجتماعي.
لدينا عدة أفكار بشأن كيفية تطبيق ذلك، على الرغم من أننا ننتظر المزيد من العاملين من كثب مع الأُسَر المحرومة. أفكارنا موضوعة في الأساس لبدء نقاش حول شكل النظام التعليمي الذي يعزِّز تكافؤ الفرص ويوفر بيئةَ تعلُّمٍ مُخصَّصٍ حقيقيةً لجميع الأطفال، أيًّا كانت النقطة التي يبدءون منها على السلم الاجتماعي أو الجيني أو التنموي؛ فنوصي مثلًا بتدشين خدمةٍ شبيهةٍ بخدمة المتابعة، تستهدف كل الأطفال الناشئين بالأُسَر المحرومة؛ إذ سيتلقَّى هؤلاء الأطفال زيارات منزلية منتظمة، فيها ستُقدَّم لهم ولآبائهم أنشطةٌ قائمة على اللعب من أجل المساعدة على نموِّهم وتعزيزه. ونعتقد أن هذه المنهجية سترفع من مستوى تنمية المهارات والجاهزية للمدرسة، وستدعم الآباء في مساعدتهم لأطفالهم عبر تقديم نماذج جيدة يحتذون بها؛ ومن ثَمَّ ستعزز بيئات التعلُّم المنزلية المحفزة، وستشجِّع على اكتساب عقليةٍ نامية، وإيمانٍ بالقدرة على الإنجاز، وثقةٍ بالنفس من سنٍّ مبكرة جدًّا. وينبغي أن يكون زائرُ خدمةِ المتابعة المنزلية على اتصالٍ بالأُسَر خلال فترة ما قبل المدرسة، حتى يسلِّم المسئولية إلى الموظف المختص عندما يلتحق الطفلُ بالمدرسة.
(٧) الفكرة السابعة: إرساء التكافؤ في الفرص اللاصفية بالمدرسة
- المبدأ الجيني: تعتمد علاقات الاقتران بين النمط الجيني والبيئة على إتاحة الخيار.
- التوصية: تحقيق التكافؤ في فُرَص ممارسة الأنشطة اللاصفية عبر توفير دعم إضافي للتلاميذ المنتمين لأُسَرٍ شحيحةِ الموارد.
إحدى النواحي التي تشهد تفاوُتًا في الفرص حاليًّا، هي إمكانية ممارسة الأنشطة اللاصفية؛ فالطفل الذي يمتلك الإمكانات المؤهلة ليكون فارسَ جوادٍ، والذي يشبُّ في مدينةٍ في كنف أسرة متواضعة، لن يكتشف أبدًا إمكاناته؛ لأن دروس امتطاء الخيل وإمكانية الوصول إلى الخيل هي أمور مكلِّفة إلى حدٍّ يحرمه تمامًا من الحصول عليها.
ينطبق الأمر ذاته على الطفل الذي كان يمكن أن يكون عازفَ بيانو أو متسلِّقَ صخورٍ أو راقصَ باليه. غياب المال يعترض سبيل تكافؤ الفرص، وكذلك إرادة الآباء وقدرتهم على اصطحاب الأطفال إلى الأنشطة اللاصفية ومنها. سيكون الأمر بالغَ الصعوبة إنِ اضطرَّ كلا الأبوين للعمل ولم تُتَحْ لهما الرعاية المناسبة للطفل، أو كانَا لا يمتلكان سيارة أو يعولان عدة أطفال أو يعانيان من إعاقات. هذه إحدى الطرق التي تتبدَّد بها الإمكانات؛ ومن ثَمَّ هي أحد السُّبُل التي يمكن فيها استخدام التعليم من أجل استخراج نقاط القوى لدى الفرد ومواهبه. نقترح أن يُزوَّد أطفالُ الأُسَر الأفقر بكوبونات يمكن استبدالها بأنشطةٍ لاصفية تُقام بالمدرسة أو خارجها. وبإتاحة المزيد من الدروس الخاصة العالية الجودة بموقع المدرسة، سنضمن على الأرجح إشراكَ الأُسَر بصورةٍ أفضل؛ ولذا فهذا ما نميل إليه.
(٨) الفكرة الثامنة: تصميم برنامج تربية بدنية من مرحلتين
- المبدأ الجيني: للخبرات البيئية المشتركة مفعولٌ ضخم على اللياقة البدنية للأطفال في المدرسة الابتدائية، لكن الجينات تصبح أكثرَ تأثيرًا فيما بعدُ.
- التوصية: صَمِّمْ برنامجًا مقننًا للتربية البدنية لجميع الأطفال بالمدرسة الابتدائية والعام السابع، ثم أَتِحِ الفرصةَ للأطفال في العام الثامن وما يليه لاختيار التمرينات التي سيمارسونها.
الأبحاث التي أوردناها في الفصل الخامس تشير بقوة إلى أن للخبرات البيئية المشتركة تأثيرًا ضخمًا على اللياقة البدنية للفتيان والفتيات في المدارس الابتدائية؛ وتلك النتيجة — إضافةً إلى مشكلة البدانة المتصاعدة، وزيادة الأمراض المرتبطة بأنماط الحياة الخالية من النشاط — هي سبب توصيتنا بأن تظل التربية البدنية مادةً إلزامية في المدارس الابتدائية. وتشير كذلك إلى أنه في مرحلة معينة في سِنِي المراهقة تكون للجينات الكلمةُ العليا لدى كلٍّ من البنين والبنات؛ وعلى ذلك نوصي بأن يحصل التلاميذ بالمملكة المتحدة — إلى جانب حصة التربية البدنية المقرَّرة بالمنهج الوطني كلَّ أسبوع بالمدارس الابتدائية — على حصة ثانية يمكنهم فيها اختيار النشاط الذي يرغبون في ممارسته من مجموعة كبيرة من الخيارات. ومرة أخرى، سيقتضي ذلك وجود مجموعات مختلطة الأعمار في حصص التربية البدنية؛ وعلى هذا النحو، بإمكان التلاميذ التعرُّف على الأنشطة التي يستمتعون بها أكثر من غيرها، واكتساب بعض المهارات الخاصة بها قبل أن يلتحقوا بالمدرسة الثانوية.
بعد العام الأول من التعليم الثانوي، ينبغي أن يكون منهج التربية البدنية قائمًا بالكامل على الاختيار، ويتضمن مجددًا مجموعةً متسعةً من الخيارات. يجب الكفُّ عن فرض نشاطِ العَدْو في المناطق المفتوحة تحت الأمطار، وحصصِ كرة القدم أو كرة الشبكة على الأطفال الذين يكرهون هاتين الرياضتين ببساطة وتثير لديهم إحساسًا بالمهانة. سوف يحترم النظام الجديد الاختلافات الفردية في التفضيل والقدرة، وسيصبح بإمكان التلاميذ اختيار المشاركة في أي تمرينات يحبونها أكثر من غيرها. والقاعدة الوحيدة هي أن عليهم اختيار نشاطٍ والالتزام بممارسته. والأدلة القائلة بأن التمرينات، لا سيما التمرينات الجماعية، قد تتفاعل أيضًا مع الجينات لتقلِّل من احتمالات اكتساب عادة التدخين طوال العمر بتداعياتها الصحية السلبية كافةً، تشير إلى أن هذه التوصية قد يكون لها تأثيرٌ إيجابي على الصحة والاقتصاديات الصحية، إضافةً إلى تحقيق النفع للأفراد الممارسين لها.
(٩) الفكرة التاسعة: تغيير الوجهة
- المبدأ الجيني: تحقيق الإمكانات الجينية في كل أجزاء الأمة يقتضي إتاحةَ مجموعةٍ متنوِّعة من الفُرَص تتجاوز التعليم الثانوي.
- التوصية: زيادة عدد ونطاق الخيارات المتاحة من أجل التدريب الوظيفي بالعمل أو بالكلية، وجعل التدريب المهني أقلَّ تكلفةً وأكثر جذبًا لأصحاب العمل، وتعليم التلاميذ بحيث يتقنون المهارات الأساسية ويكتشفون اهتماماتهم الحقيقية ويجتذبون أصحاب العمل.
لا يريد الجميع ارتياد الجامعة، ونرى أنه لا ينبغي للجميع ارتيادها، على الرغم من مخالفة هذا الرأي للأفكار العصرية السائدة. يوجد ملايين من الطلاب الذين سيحققون مزيدًا من الإشباع في الحياة، وبمرور الوقت سيكسبون المزيد من المال، عبر إتقان مجموعة من المهارات لا تشمل الحصول على درجة جامعية. في المملكة المتحدة، ارتفع سنُّ التخرج من المدرسة من ١٦ إلى ١٧ عام ٢٠١٣، وسيرتفع إلى ١٨ بحلول عام ٢٠١٥. ونرى أن هذا التغيير سيفيد الشباب والمجتمع، شريطة أن يوفر للشباب التعليمَ الذي يلبِّي احتياجاتهم واهتماماتهم وقدراتهم وطموحاتهم بحقٍّ؛ فبتقديم «مزيد من الرتابة» للتلاميذ الذين ينفرون من الدراسة الأكاديمية، سنحوِّل المدارس إلى حظائر تسبِّب من الخلل أكثر مما تصلح.
وصولًا إلى سنوات الدراسة المتقدِّمة، إنْ طُبِّقت توصياتنا فسينجح أغلب الطلاب في تخطي امتحان المهارات الأساسية، وسيكون لهم ملفٌ تنموي يعود إلى السنوات السابقة لالتحاقهم بالمدرسة الابتدائية، وموظفٌ مختص يعرفهم حق المعرفة. ويمكن استخدام هذه المعلومات لتقديم المشورة بشأن العمل والتدريب للأفراد المشتركين بالمنظومة، ولتحديد المقررات الدراسية التي ستقدِّمها المدرسة للتلاميذ الأكبر سنًّا؛ فالطفل الذي يريد أن يكون نجَّارَ موبيليا أو ميكانيكيًّا أو ضابط شرطة أو معاونَ رعايةٍ صحية أو معاونَ تدريس أو موظفَ استقبالٍ؛ ينبغي منحه فرصًا للحصول على تعليمٍ سينفعه وهو يحاول تحقيق طموحه، تتساوى مع الفرص التي تُمنَح للطفل الذي يريد الالتحاق بالجامعة — ويحتاج إليه — من أجل أن يكون محاميًا أو طبيبًا أو مهندسًا. فينبغي لكل مدرسةٍ تقديم مجموعةٍ كبيرة من المقررات الدراسية القيِّمة والمعتمدة، التي ستقدِّم نفعًا أكيدًا للشباب أثناء سعيهم للتوظيف، وينبغي أيضًا دعمها على الأقل بالقدر نفسه من التمويل الممنوح للمواد الأكاديمية. لن يتطلَّب هؤلاء التلاميذ تمويلًا إضافيًّا بالجامعة؛ ومن ثَمَّ ستكون السنون النهائية لهم بالمدرسة هي الوقت المناسب لتكثيف الاستثمار في قدراتهم وفي خططهم للمستقبل. ثمة نقطة نرغب في إضافتها، ونحن نقدِّر أنه لن يسهل تحقيقها في المناخ الحالي؛ وهي أنه ينبغي أن يتمتع هؤلاء التلاميذ بمكانة مكافئة في بيئة المدرسة؛ وهي نقطة نؤكِّد عليها بناءً على إدراكنا أنهم يتلقَّوْن مقررات دراسية اختاروها وليس خيارات «بديلة» لأنهم لم يكونوا أذكياء بالدرجة الكافية لدراسة مواد أخرى. لقد قضَتْ سياسة التعليم تدريجيًّا عبر سنواتٍ طوال على احترام الخيارات التي لا تفضي بالتلاميذ إلى الجامعة. يجب استعادة احترام الاختلافات الفردية في المواهب والتفضيل، ويتحمَّل الآباء والمدرسون جزءًا كبيرًا من مسئولية استعادته.
إلى جانب تزويد جميع الشباب بالخيارات التي تتفق وقدراتهم وتفضيلاتهم النامية وإرساء تعليمهم على قاعدة من المهارات الأساسية، ينبغي للحكومات التعاوُن مع أصحاب العمل لتوفير التدريب المهني والتدريب الوظيفي والخبرة العملية والتدريب أثناء العمل لجميع التلاميذ الذين يفضِّلون ولوجَ المجالِ الوظيفي لا عالَمِ التعليم العالي.
(١٠) الفكرة العاشرة: تدريب المدرسين الجدد على علم الوراثة وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتطبيقه
- المبدأ الجيني: تخصيص التعليم هو أفضل سبيل لتحقيق إمكانات كل طفل مختلف بشكل طبيعي.
- التوصية: إضافة مقرر دراسي يتناول جينات التعلُّم والتعليم في كل دورات تدريب المدرس، وطَرْح مناقصةٍ للمجموعات والأفراد الراغبين في تصميم وريادة منهجيات عملية لتخصيص التعليم. وينبغي لاحقًا إتاحة الأساليب والتدريبات والمصادر الناجحة بجميع المدارس.
نوصي بأن تضمَّ جميعُ مقررات تدريب المدرس وحدةً تدريبيةً واحدة على الأقل، تتناول جينات القدرة والتحصيل وكذا تأثير الاختلافات الفردية على مهنة التدريس. وفي هذا الإطار، نبدأ بتناول الافتراض القائل بأن الأطفال صفحاتٌ بيضاء لا تحتاج سوى مدرسين يتمتَّعون بالحد الكافي من المهارة لتمكينهم جميعًا من اجتياز ذات المهام الصعبة. سنشرع كذلك في إشراك المدرسين في التفكير بشأن التخصيص من أيامهم الأولى في المهنة، ونرى أن هذه نقطة مهمة لأنها ستغيِّر من الأسئلة التي يطرحها المدرسون عندما يصادفون طفلًا يواجه صعوبات، أو من الصعب السيطرة عليه. ستعزِّز الوحدةُ التدريبية من قدرتهم على التفكير في مهنتهم وتحسينها؛ ففي نظام تعليمي لا يُجرَى فيه تقييمُ المدرسين وفقًا لاستيفاء كل طفل لعتبة معينة في سنة معينة، أو إحرازه تقدُّمًا خلال عدد معين من المستويات الفرعية من المنهج الوطني؛ من المهم أن تتوافر لديهم وسائلُ كفيلةٌ بتتبُّع التقدم والإمكانات ودعمهما. كما أنه من المهم أن يتمتع المدرسون بحرية التفكير في «خطط التعليم الخاصة» لكل طفل، وأن يجدوا في متناول أيديهم استراتيجيات لتفعيلها بنجاح في الفصول الكبيرة المختلطة القدرات؛ ونأمل أن يتمَّ ذلك بالتعاوُن مع الموظف المختص المسئول عن الطفل.
لدينا بعض الأفكار بشأن كيفية تطبيق التخصيص كما يجب أن يكون بحجرات الدراسة، منها مقترحنا بالاستعانة باختصاصيِّي علم النفس التربوي لشغل وظائف الموظفين المختصين بالمدرسة. كما نرى أن لأجهزة الكمبيوتر دورًا ضخمًا في تخصيص التعليم، ونتوقَّع أن تكون البرامجُ الحاسوبية التي تراعي قدرةَ التلميذ وتقدُّمَه أكبرَ داعمٍ للمدرسين الذين يحاولون تخصيصَ خبرة التعلُّم في حجرات الدراسة المختلطة القدرات. والاستخدام الذي لا ينفك يتنامى للتقنيات التفاعلية سيزيد احتمالاتِ إحرازِ جميع الأطفال تقدُّمًا، حتى في الأوقات التي لا تُتاح فيها للمدرس المواردُ اللازمة لتحفيز الأطفال على التقدُّم. إنَّ تركيزنا على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سيدعم الأطفال في التمكُّن من الاستفادة من البرامج الحاسوبية التعليمية.
لا نوكل أنفسنا بتصميم البرنامج الحاسوبي أو تدخلات التخصيص العديدة الممكنة، بل نرى أن المدرسين ومصمِّمي البرامج الحاسوبية التربوية سيؤدُّون هذه المهمة على نحو أفضل، وأن التمويل الحكومي ينبغي توفيره لتشجيع ذلك، كما نرى ضرورة أن نتشارك نتائج الدراسات الموثوق فيها والمُحكَمة التخطيط لعمليات التدخُّل الرائدة؛ بحيث يمكن تفعيل أفضل الممارسات في التخصيص بجميع المدارس. وفي الوقت نفسه، سنركِّز على الاستمرار في إثراء قاعدة الأدلة التي تضم الاختلافات الفردية في التعلم، آملين أن نوفِّر المعلومات لهذه المبادرات.
(١١) الفكرة الحادية عشرة: للحجم الكبير أهميته
- المبدأ الجيني: التفاعلُ بين النمط الجيني والبيئة، والتأثيرُ البيئي غير المشترك؛ يعتمدان على الخيار.
- التوصية: الحجم يسهِّل الخيار؛ فيُنصَح بزيادة حجم مدارسنا وتوثيق الروابط بين مستويات التعليم المدرسي المختلفة.
كل ما نعلمه بشأن الفروق الفردية، وبشأن التفاعل بين النمط الجيني والبيئة، وبشأن التأثير البيئي غير المشترك؛ يشير إلى أن الاختيار عنصرٌ متمِّم في توفير فُرَص بيئة متكافئة لكل الطبائع. وعمليًّا، تشير اقتصاديات الحجم إلى أن هذا يقتضي بالضرورة مدارسَ كبيرةَ الحجم؛ فالحجم سيجعل الخيار اقتصاديًّا وصالحًا للتحقق، والخيار هو بيت القصيد؛ ومن ثَمَّ يتوجَّب على المدارس أن تكون كبيرةَ الحجم، وأن تتمكَّن من توفير مجموعةٍ لم يسبق لها مثيل في تنوُّعها من الخيارات التعليمية، وأن تبلغ من الجاذبية أن يودَّ الجميع من مختلف الخلفيات الالتحاقَ بها. حظْرُ المنافسة لن يكون ممارسةً ديمقراطيةً — المدارس التي تنتقي أفضل التلاميذ وتنسب نجاحهم لنفسها — ومن ثَمَّ علينا أن نتغلَّب عليه. يوجد عدد قليل من المدارس التي بإمكانها التنافُس مع المدرسة التي حصل فيها طفلك على خبرةِ تعليمٍ مخصصة بالكامل، من تعلُّم الأبجدية حتى انتقاله من المدرسة أو تخرُّجه منها، والتي يمكنه فيها السعي لتحقيق «أي» هدفٍ تعليميٍّ قد تذكره. سيكون للحجم أهميته لأننا سنحتاج إلى قدر كافٍ من الطلب لتبرير المعروض المتنوع من الخبرات التعليمية الذي نودُّ طرحه. ستكون المدارس الموجهة جينيًّا مدارسَ كبيرةً جدًّا مع الاستمرارية بين التعليم الابتدائي والثانوي وما بعد الثانوي. سيوجد مكان لجميع الأطفال بمجتمع من المجتمعات في إحدى المدارس الموجهة جينيًّا، وإن كانت المدرسةُ محكمةَ التصميم والإدارة، فسيرغبون جميعًا في الالتحاق بها.
في الفصل التالي، سنتخيَّل مدرسةً في عالَمٍ تصبح فيه قائمةُ أمنياتنا قانونًا، وسنُنصِّب كلًّا منَّا وزيرَ تعليمٍ ليومٍ واحدٍ.