وزير تعليم لمدة يوم
بصفتنا «وزراء تعليم لمدة يوم»، سنقبل عن طيب خاطرٍ الأفكار السياساتية الإحدى عشرة التي طرحناها، إلا أننا سنُخضعها لاختبار علمي دقيق، فإن كانت النتائج إيجابيةً، فسننشئ مدرسةً موجهة جينيًّا، وإنْ نجحت مدرستنا فسننشر خططنا عبر مدارس الأمة؛ وسيستلزم ذلك إما تعليقًا صغيرًا ومؤقتًا لعدم الثقة فيما نطرحه، وإما بذْلَ جهدٍ شاقٍّ من جانبنا. ما نقترحه هنا هو رسمٌ تخطيطيٌّ لمدرسة موجهة جينيًّا، ويتولَّى الباحثون والمدرِّسون والمجتمعُ بوجهٍ عام مسئوليةَ تحديدِ الكثير من التفاصيل. لكنه بدايةٌ، شيءٌ نبدأ به عملنا، ولا ندَّعِي أكثرَ من ذلك.
الموقع المختار لمدرستنا الموجهة جينيًّا سيكون ضخمًا، أشبه بحَرَمِ جامعةٍ صغيرٍ منه بمدرسة تقليدية. من الضروري أن تكون بهذا الحجم لتتَّسِع لجميع المنشآت التي تحتاج لاستيعابها، وكل الخيارات التي ينبغي أن توفرها. ستخدم المجتمعَ من حولها، وسنجعلها بالغةَ الجاذبية وباهرةَ النجاح، وسندعم بيئةَ تعلُّم ممتعة جدًّا، وسنحافظ على سمعة طيبة للغاية، حتى إن كل طفل من كل دين وعِرْق وخلفية اجتماعية سيرغب في تلقِّي العلم بها. ينبغي أن يكون موقع مدرستنا كبيرًا جدًّا بحيث لا نضطر إلى إغلاق أبوابنا في وجه أي طفل من مجتمعنا المحلي. لن نتبنَّى إجراءاتِ قبولٍ معقَّدةً، ولن نعتمد على التقسيم الجغرافي. ستُبنَى مدرستنا بحيث تستوعب كلَّ طفل في مجتمعنا المحلي، وفي عالَمٍ مثالي سيضمُّ كلُّ مجتمعٍ مدرسةً مناظرة. لسنا خياليين، لكن هذا الفصل مساحة للتفكير اليوتوبي لا للجوانب العملية والاحترازية. وبما أننا نلعب دورَ سياسيين ها هنا، فمن واجنبا ألَّا نكلَّ في محاولةِ إقناعك بالفكرة.
سنشيِّد بالموقع مدرسةً ابتدائية ومدرسة ثانوية ومركزًا ملحقًا للأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة (الذين قد يتعلَّمون بالكامل داخل المركز، أو بالكامل داخل المدرسة التقليدية، أو في كلتا المنشأتين معًا). ستتوقف درجة إدماج الأطفال من أصحاب صعوبات التعلُّم أو المشكلات السلوكية بالفصول على احتياجات كل طفل ورغباته، لكن الإدماج الاجتماعي سيتحسن بمجرد تشارُكِ جميع الأطفال في الموقع والمنشآت؛ وبهذا النحو سنجعل الأطفالَ ذوي الإعاقات جزءًا من عالَم المدرسة الطبيعي، بدلًا من إخفائهم في مدارس منفصلة بعيدة. سنشيِّد كذلك مركزَ أنشطةٍ ضخمًا ومجهَّزًا بمسبح وتجهيزات تتيح فرصَ ممارسةِ مجموعةٍ كبيرة من الرياضات. ستكون هناك مساحة للعديد من الملاعب والساحات الرياضية وغيرها من التجهيزات الخارجية؛ مثل مركزٍ للبستنة لِمَن يطمحون أن يكونوا علماءَ نباتٍ أو علماءَ بيولوجيا أو نحَّالين أو زهَّارين أو مصمِّمي حدائق ومناظر طبيعية. سيضمُّ المركز كذلك مكتبةً ضخمةً للاطِّلاع والاستعارة عامرةً بالكتب، إضافةً إلى حجراتٍ لسماع الموسيقى، وحجرات الوسائط، ومعامل اللغات، ومسرح. وختامًا، سيكون هناك «مركز تنمية الطفل» الذي يضمُّ في فريقه ممارسًا عامًّا أو طبيبَ رعايةٍ أولية، وطبيبَ أطفالٍ، وممرضاتٍ، وأخصائيَّ تخاطُبٍ ولغةٍ، ومستشارين واستشاريين مهنيين، وفريقنا من الموظفين المختصين/علماء النفس التربويين. وسنستعين بخدماتِ متخصِّصين آخَرين؛ مثل أخصائي العلاج الطبيعي وأخصائي العلاج الوظيفي أيضًا، متى احتاجهما التلاميذ وبحسب الحاجة.
سيلتحق جميع الأطفال بمدرستنا الابتدائية، ولكلٍّ منهم «خطة تعليمية خاصة» يضعها الموظف المختص الذي سوف يقابلونه في منازلهم، بصحبة مدرسهم الأول، في الأشهر التي تسبق بدء المدرسة. وفي المستقبل، سيُجرَى استخراج المعلومات كذلك باستخدام تقنية الرقاقة الجينية. وسيعتمد منهجنا التعليمي في هذه المرحلة على الملف التنموي الذي يشكِّل أساسَ «الخطة التعليمية الخاصة». سيكون اللعب ركيزةَ فصولِ السنة التمهيدية، وسوف نُعِدُّ هذه الفصول بحيث تسمح بتكثيف الملاحظة والمراقبة والتتبُّع لا التلقين. ستكون فصولُ السنة التمهيدية والسنة الأولى للأطفال في سن الخامسة والسادسة صغيرةَ الحجم — ربما ستضمُّ حجرةُ الدراسة الواحدة ١٥ إلى ٢٠ طفلًا — من أجل تسهيل تحقيق نظام تعليمي بالغ التخصُّص في السنوات التي تُدرس فيها المهارات الأساسية لأول مرة، ويعتاد فيها الأطفال على التعلُّم والاندماج مع الآخرين في بيئة المدرسة. سيركِّز المدرسون على زرع الثقة ومهارات الانضباط، إضافةً إلى تعريف الأطفال بنظام التعلُّم الرسمي عندما يكونون مستعِدِّين، ودعم نموِّهم في المناحي الاجتماعية والإبداعية والمعرفية والبدنية.
وقد توصَّلَتْ أبحاثُ التعليم إلى أن الفصول الصغيرة الحجم أكثرُ منفعةً في تلك السنوات الأولى؛ ما يدعم قرارنا بتنفيذ هذا الاستثمار في سنٍّ مبكرة لا متأخرة. وبعد أول سنتين، سيزيد حجم الفصول ليضم ٣٠ طفلًا كما هي العادة. تشير الأبحاث إلى أن هذا العدد لا يضرُّ بالأطفال، بل له أيضًا فائدة أخرى تتمثَّل في أن زيادة الأعداد يمكن أن تزيد من احتمالية تمكُّن المدرسين من تجميع الطلاب ذوي العقليات أو القدرات المتشابهة معًا، للتدريس لهم في مجموعات صغيرة، أو لتنفيذ أسلوب التعلُّم المدعوم بالأقران. بحلول هذا الوقت، في سن السابعة، سنكون قد تعرَّفنا على الأطفال الذين يحتاجون إلى دعم إضافي من أجل إتقان المهارات التعليمية الجوهرية، وأَحَلْنَاهم بالفعل إلى وحدات الخدمات المناسبة — متى كان ذلك مناسبًا — بمركز تنمية الطفل بموقع المدرسة، إضافةً إلى استيفاء احتياجاتهم بالصف. سيكون جميع الأطفال قد تعرَّضوا لدرجةٍ من التعليم الرسمي في المهارات الأساسية، وعلى الرغم من أن بعضهم سيُتقِن القراءةَ بحلول هذه المرحلة، فإن آخَرين لن يبدءوا رحلةَ القراءة إلا في وقت متأخِّر نسبيًّا. لن يكون هناك إلزامٌ بتبرير إحالةِ المدرس طفلًا إلى مركز تنمية الطفل للحصول على دعم إضافي، أو قرارِه بتقديم دروس خاصة للطفل أو تكوين مجموعات تدريس صغيرة، ولن تُوثق إلا بالخطة التعليمية الخاصة بالطفل المعنيِّ.
مع تقدُّم الأطفال خلال المدرسة الابتدائية التي أنشأناها، سينفِّذون أنشطةً مركزةً على المهارات الأساسية الثلاث، وعلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تعكس أهدافهم الفردية كل يوم. ستُحدَّد هذه الأهداف بناءً على منهج وطني وعلى التقدُّم المُحرَز نحو الحصول على شهادة المهارات الأساسية. ومن المتوقَّع أن تستحوذ هذه الأنشطة على الجزء الأكبر من صبيحة كل يوم من أيام الأسبوع، مع وجود مساحةٍ لِلَّعب والتعلُّم والملاحظة الموجَّهة ذاتيًّا بين الأنشطة المركزة. سيشترك أطفالُنا مرةً واحدة أسبوعيًّا في حصةٍ للتربية البدنية بحسب المنهج الوطني تركِّز على اللياقة البدنية والصحة، وسيشتركون مرةً أخرى خلال الأسبوع في حصةٍ لممارسة نشاطٍ بدني من اختيارهم جنبًا إلى جنب مع أطفال المدرسة الابتدائية الآخَرين من كل المراحل العمرية الذين اختاروا النشاطَ ذاته؛ قد تشمل الخيارات كرةَ القدم، أو الرجبي، أو الهوكي، أو كرة السلة، أو السباحة، أو المبارزة، أو الفروسية، أو الرقص، أو الرماية، أو اليوجا، أو الفنون القتالية، أو التزلج، أو الجمباز، أو العَدْو، أو ألعاب القوى، أو أي رياضة أخرى تُعرِب مجموعة الطلاب عن رغبتها في ممارستها. ستُقدَّم الدروس في المدرسة والمركز الرياضي والملاعب، وسيُقدَّم مستوًى تدريبيٌّ وافٍ ومستوًى من الجودة، حتى إن الطفل الذي سيلتزم — على سبيل المثال — بممارسة رياضة التايكوندو، سيتمكَّن من التقدُّم والحصول على الأحزمة إنْ أراد، وسيتمكَّن الأطفال الآخَرون من ممارسة رياضاتهم من منطلق المنافسة أو التقدُّم في المستويات أو الدرجات. ستُؤخَذ الخيارات والمشاركة على محمل الجد، ولن تُعتبَر «وقتًا مستقطعًا». ستكون حصة النشاط البدني هذه واحدة من حصتين «اختياريتين» في أسبوع المدرسة الابتدائية، وستُتاح للتلاميذ ممارسةُ النشاط نفسه طوال فترة دراستهم بالمدرسة إنْ أرادوا ذلك، أو يمكنهم اختيار أنشطة مختلفة مع كل فصل دراسي. في الوضع المثالي، سيلتزم التلميذ بممارسة النشاط الذي يحدده ويستمتع به ويستطيع إحراز تقدُّمٍ فيه بنهاية تعليمه بالمدرسة الابتدائية في سن الحادية عشرة.
إضافةً إلى الاختيار الرياضي الأسبوعي، ستكون هناك حصة «اختيارية» واحدة بعد الظهيرة من كل أسبوع، يُتاح للأطفال فيها انتقاءُ خيارٍ واحد من مجموعة واسعة التنوع من الخيارات التي يمكنهم مواصلة ممارستها في فصل مختلط الأعمار، مع مدرس يتمتع بالخبرة الضرورية. تتبنى هذه الحصة أهدافًا تعليميةً تشبه تلك المطبَّقة على حصة الرياضة، حيث إنها لن تكون فترةَ تعطُّل عن الدراسة، بل ستُجرَى ملاحظة الأطفال ومراقبتهم في هذه الحصة بالقدر نفسه من الدقة كما في أي حصة أخرى، وسيُمنَحون دعمًا يهدف إلى تنمية شغفهم ومهاراتهم بصورة كبرى. إن الغرض الحقيقي هو منح أطفالنا فرصة كبيرة للتعرف على مواهبهم واهتماماتهم، بتجربة أنشطة وجوانب تعلُّم مختلفة، ولدعمهم في تنمية شغفهم وخبرتهم. وسيواصلون مجددًا ممارسة «اختيارهم» هذا طوال فصل دراسي واحد على الأقل، قبل أن يُتاح لهم خيار انتقاء «اختيار» آخَر.
في الوقت المتبقي، الذي سيبلغ تقريبًا ثلاث فترات بعد الظهيرة، سيُتاح للمدرس حرية تتبُّع اهتمامات الصف واحتياجاته عبر سلسلة من «الموضوعات» الأقصر أجلًا، ويمكنه استخدام هذه الحصص للتركيز على أهداف التعلم للفصل كله وأهداف التعلم الفردية. سيُخصَّص هذ الوقت كذلك لتناوُل موضوعات مثل الطبيعة والدين ومهارات التفكير والفن والموسيقى والمسرح والعلوم الإنسانية.
سوف تتيح حصص الموضوعات للطلاب فرصةَ مواصلةِ مادةٍ معينة بعمقٍ، وتنميةِ مهاراتهم في الفن والموسيقى والمسرح والتاريخ والجغرافيا والعلوم وغيرها من المواد ذات الصلة. ستكون لمدرِّسينا الحرية الكاملة في انتقاء الموضوعات التي يطرحونها في فصولهم، وستتلقى المدرسةُ التمويلَ الكافي لدعم خيارات المدرسين بالموارد اللازمة. ولأن جميع الأطفال سيتعلمون مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من بدء تعليمهم، ستكون شبكة الإنترنت سبيلًا فعَّالًا من حيث التكلفة لتزويد الأطفال بفرصة الاطِّلاع على مواد الدعم المناسبة دون تكبُّد نفقات باهظة. لم تكن هذه الدرجة من المرونة ممكنةً عندما كان موضوعٌ واحد يستلزم شراء ٣٠ كتابًا للفصل الواحد؛ ومن ثَمَّ إلزام أجيال من المدرسين بتدريس المادة العلمية ذاتها كل عام، بغضِّ النظر عن اهتماماتهم أو اهتمامات تلاميذهم. سيتمتع المدرسون والتلاميذ بدرجةٍ لا مثيلَ لها من الحرية في تشكيل وتوجيه تعلُّمهم.
ستظل الأجزاء الرئيسية المكوِّنة ليوم المدرسة الابتدائية دون تغيير جوهري؛ فسيُقسَّم اليومُ التعليمي بنظام بين التسجيل، واللعب في منتصف الصباح، والغداء واللعب وقت الغداء، واللعب في منتصف ما بعد الظهيرة. ستكون هناك تجمُّعاتٌ ووقتٌ لسرد القصص، وسيبلغ طول اليوم المدرسي حوالي ست ساعات ونصف.
بعد اليوم الدراسي، ستكون للأطفال حريةُ التسجيل في مجموعة ضخمة من الأنشطة اللاصفية، وستُحدَّد نفقاتها على أساس استطلاع الدخل، وسيكون من حق الأطفال الأفقر الاشتراك في أي نشاط يختارونه دون مقابل. وستستعين المدرسة بخدمات مدرِّسين متخصِّصين لمتابعة هذه الأنشطة اللاصفية؛ بحيث تعادل كفاءتُها كفاءةَ البرامج الخصوصية. غالبًا لا تتَّبِع المدراسُ هذا الأسلوبَ مع أنشطةٍ مثل دروس الموسيقى، وسيكون من الضروري توفير المدرِّسين الذين لديهم الوقت والقدرة الحقيقية على احتضان الموهبة أو الشغف عندما يجدونه. ستُتاح الأنشطة اللاصفية للأطفال من المدرستين الابتدائية والثانوية، إضافةً إلى مركز الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ولن تُطبَّق قيودُ السن إلا في حالة الضرورة القصوى.
تختلف المدرسة الابتدائية التي اقترحناها عن المدرسة الابتدائية التقليدية في بعض الجوانب المهمة؛ سيكون التعليم مخصَّصًا لدرجةٍ غير مسبوقة، بإشراك الموظفين المختصين الذين سيعرفون الطفل وسيعملون كداعمين له. سيؤدي هؤلاء الموظفون المختصون دورًا بالغَ الأهمية في ضمان تفهُّم احتياجات كل طفل بالتفصيل واستيفائها في جميع الأوقات، وسيتحدَّثون بالنيابة عن الطفل عندما يحتاج مواردَ إضافيةً أو دعمًا مكمِّلًا، وسيحرصون على توفير ما يحتاجه كل طفل للوفاء باحتياجاته الفردية. ولا شك في أن موظفينا المختصين سيقدِّمون خدمة راقية.
من ناحية، هذا أسلوب لطيف للقول إن المقترح سيكلف الكثير، لكن من المهم اعتبار أن تحسين التعليم سيجني عوائد اقتصادية على المجتمع ككلٍّ، إضافةً إلى دعم النمو الأمثل للطفل. والخدمة التي يوفرها موظفونا المختصون مصمَّمة لتقديم منافع دائمة ومحسِّنة من جودة الحياة لكل طفل، عبر التأكد من أن تعليمه مصمَّم كي يتلاءم مع احتياجاته الفردية، بما يتناسب معه تمامَ التناسُب قدر الإمكان. وأي مدرس يلاقي صعوبةً في التعامُل مع طفل من الأطفال، سيجد مَن يناقش معه وضْعَ الطفل ويساعده في ابتكار استراتيجيات لتحسين تعلُّمه ودعم سعادته. على أفضل التوقُّعات، سيكون هذا الموظف يعرف الطفل منذ سنِّ الرابعة، وكوَّنَ علاقةً قوية معه ومع أسرته على مدار السنين. سيكون علينا معاملة موظفينا المختصين معاملةً كريمة، وتحديد هيكل وظيفي ومادي يسمح بالارتقاء الشخصي. قد لا يُتاح للموظفين المختصين إجراءُ فحوصات الحمض النووي لكل طفل، على الرغم من أن ذلك سيتغيَّر بمرور الوقت، لكن سيتوافر لهم فَهْم واضح لتفرُّد الطفل؛ أيِ التجليات السلوكية لطبيعته وتنشئته.
عندما يبلغ الأطفال سن الحادية عشرة، سينتقلون إلى المدرسة الثانوية. ولما كانت مدرستنا الثانوية بالموقع نفسه الذي تحتله مدرستنا الابتدائية، سيكون قد سبق لهم زيارة المبنى مرات ومرات، واحتكوا بالمدرسين والتلاميذ هناك. وسيعتادون أيضًا على الاختلاط بتلاميذ المدرسة الثانوية في الأنشطة اللاصفية، وفي بعض الأحيان في الأنشطة التي يمارسونها في فترتَيْ بعد الظهيرة «الاختياريتين». علاوةً على ذلك، سيلازمهم الموظفُ المختص خلال هذه النقلة وطوال سنوات دراستهم بالمدرسة الثانوية. ونتوقَّع أن كل هذه العوامل ستتيح إجراءَ نقلة سلسة للغالبية العظمى من الأطفال.
في كثيرٍ من المناحي، ستكون الممارسات على مستوى المدرسة الثانوية شبيهةً بالممارسات على مستوى المدرسة الابتدائية. قد يوجد بعض الأطفال المتميزي القدرة ممَّن تخطَّوْا بالفعل امتحانات المهارات الأساسية النهائية، لكن أغلب الآخَرين سيتقدَّمون عبر المستويات بحسب قدراتهم؛ لأن الشهادة النهائية ستتطلَّب قدرًا جيدًا من الكفاءة. بعد العام الأول من المدرسة الثانوية، ستحلُّ محلَّ منهج التربية البدنية الوطني ساعةٌ أخرى رياضية اختيارية أسبوعيًّا يمكن للتلاميذ أثناءها انتقاءُ نشاطٍ من مجموعة كبيرة متاحة. وكما هو الحال على مستوى المدرسة الابتدائية، فإن المدرسة بأسرها ستحصل على حصص التربية البدنية معًا بحيث يمكن توفير أكبر عددٍ ممكن من الخيارات لمجموعاتٍ مختلطةِ الأعمار؛ وسينطبق الأمر نفسه على حصة التربية البدنية الثانية في الأسبوع.
لكن ستظهر بعض الاختلافات الكبرى؛ فعلى سبيل المثال: سننتهز الفرصةَ حين نفتتح مدرستنا لتجربة ميعاد حضور متأخِّر — العاشرة صباحًا مثلًا — لتلاميذ المدرسة الثانوية. في الوضع المثالي، سيكون قد سبق أن جرَّبْنا هذا في مدرسة قائمة؛ بحيث تكون الساعة التاسعة هي ميعادَ حضورِ نصف التلاميذ والساعة العاشرة هي ميعادَ حضورِ النصف الآخَر، حتى نكون متأكِّدين من القرارات التي نتِّخِذها. تشير الأدلة العلمية إلى أن الساعة البيولوجية للمراهِق متأخِّرة عدة ساعات عن الساعة البيولوجية للراشد، بسبب الاختلافات في معدلات الميلاتونين التي تجعلهما غير ملائمَيْن فطريًّا لمواعيد الحضور المبكر. وقد جرت تجربة الحضور في العاشرة في بعض المدارس، وبَدَا أنه ناجح، أو ليس مؤذيًا على الأقل، لكننا سنودُّ رؤيةَ النتائج التي ستتوصَّل إليها دراسة تجريبية تضمُّ حالات إفرادية مقترنة بحالات ضابطة على التغيُّر؛ بحيث نتأكَّد من أننا نقدِّم أفضلَ وأنسبَ النُّظُم التعليمية. وإن لم نجرِّب التدخُّلَ قبل الافتتاح، فسنحدِّد لأول دفعة من تلاميذنا عشوائيًّا ميعادَيْ حضور؛ إما الساعة التاسعة صباحًا وإما الساعة العاشرة صباحًا، ثم نختبر تحصيلهم ودافعيتهم وتقدُّمهم النسبي قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن سياسة المدرسة. سنستخدم أيضًا البيانات لطرح أسئلة بشأن ما إن كان ميعاد الحضور المتأخر — لو كان له تأثير إيجابي — مناسبًا لسن الحادية عشرة أو لسن لاحقة — سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة — وما إن كان ينبغي الرجوع إلى ميعاد البدء المبكر قبل سن السادسة عشرة. سنأخذ كذلك بعين الاعتبار توقيتَ الامتحانات النهائية في ضوء الأدلة المستخلصة. وأية تدخلات جديدة بمدارسنا ستكون دومًا مستنِدةً إلى أدلة علمية، وستخضع دومًا للتجربة قبل تبنِّيها وتفعيلها. المدرسة المصمَّمة على أساس علمي، مثل هذه المدرسة، يجب أن تظل على تمسُّكها بالأدلة العلمية والمنهج العلمي.
أحد الاختلافات الكبرى بين مدرستَيْنا الابتدائية والثانوية سيتمحور حول إتاحة درجةٍ أكبر من الخيار الفردي بالمدرسة الثانوية للتلاميذ، ولن ينحصر ذلك في حصة وحيدة بعد الظهيرة. سيدرس التلاميذ بالسنة الأولى فصولًا إلزامية: مبادئ القراءة والكتابة ومهارات الحساب ومهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وحصص التربية البدنية والعلوم. وخلال أول سنتين من المدرسة الثانوية، سيدرسون جرعةً مكثَّفةً من الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، بالإضافة إلى مقرَّر في فهم وتفسير النتائج العلمية، لكن سيُطلَب منهم استكمال دراسة مادة واحدة من تلك المواد لاجتياز الامتحان النهائي. سيرغب كثيرٌ من التلاميذ في استكمال دراسةِ المزيد من العلوم، أو ربما كلها، وهذا سيكون اختيارهم. وإلى جانب هذه المواد، سيتعرَّض التلاميذ في سن الحادية عشرة والثانية عشرة إلى مجموعة كبيرة من المقررات موجزة، يستمر كلٌّ منها لنصف الفصل الدراسي. وفي نهاية عامهم الأول، سيختارون مجموعةً من تلك المقررات لدراستها في العام المقبل، وستُحدَّد الخيارات على أساس اهتمامات المدرس والتلميذ. وستُتاح للتلاميذ الفرصةُ نفسها للإبقاء على خياراتهم أو لتغييرها في العام المقبل، الذي سيختارون في نهايته الموادَّ التي سيدرسونها حتى سن السادسة عشرة من أجل الحصول على المؤهلات التعليمية الرسمية. ستكون الخيارات المتاحة أكاديمية: العلوم الطبيعية والاجتماعية، والرياضيات المتقدِّمة، ومهارات القراءة والكتابة، والكمبيوتر (مستوًى متقدِّم على الشهادة الأساسية)، والعلوم الإنسانية، واللغات الحديثة والقديمة، والمواد الفنية. ستغطِّي كذلك مجموعة واسعة من المواد المهنية التي ستعدُّ الطلاب — الذين سيكونون مُلِمِّين بمهارات القراءة والكتابة والحساب، وقادرين على استخدام الكمبيوتر — في المهارات والمعارف التي يعتقدون أنهم سيحتاجون إليها لبلوغ المستقبل الذي يطمحون إليه. سيتفوَّق نطاق الخيارات المتاحة على الخيارات التي تتيحها أية مدرسة أخرى، نتيجةً لحجم مدرستنا إلى جانب منحنا الأولويةَ للاختلافات الفردية. جميع تلاميذنا أحرارٌ في اختيار مزيج من المواد المهنية والأكاديمية إن ارتأَوْا — بالتشاوُر مع الموظف المختص والمدرسين والأسرة — أن هذا مناسب لهم وسيؤدِّي إلى تنشيط علاقات الاقتران الإيجابية بين النمط الجيني والبيئة؛ ما يتيح لهم الاستغلال الأمثل للفرص المتوافرة لبلوغ طموحاتهم وتحقيق إمكاناتهم الطبيعية.
الأمر كله رهن الاختيار (أترى كيف نتحدَّث كالساسة الآن؟) فعبر توفير نطاق غير مسبوق في رحابته من الخيارات في منهجنا والفرص اللاصفية التي نقدِّمها، سندعم التلاميذ في اتِّباعهم مسارًا تعليميًّا مصمَّمًا ليناسبهم، وسنمنحهم المهارات والمعارف والمؤهلات التي تمكِّنهم من ولوج العالم والنجاح فيه. سيتولَّى الموظف المختص المسئول عن كل تلميذٍ تتبُّعَ تقدُّمِه المُحرَز خلال المدرسة، وسيلتمس دَعْم المتخصصين من أي فرعٍ متى احتاج إليه. كذلك ستُقدَّم للتلاميذ مشوراتٌ مهنية رفيعةُ المستوى بناءً على ملفاتهم الخاصة.
بعد الامتحانات الرسمية في سن السادسة عشرة، سينتقل التلاميذ إلى مراكز تقربهم من تحقيق طموحاتهم. قد يلتحق بعضُهم بمعاهد تُقدِّم مقرَّرات أكاديمية تهدف إلى الإعداد للتعليم الجامعي، ويلتحق آخَرون بمعاهد مهنية تتلقَّى تمويلًا جيدًا وعلى صلة قوية بأصحاب العمل، وتتوافر لها الأموال اللازمة لتدريب المبتدئين على نطاق كامل من المهن والمسارات الوظيفية. وستتولى المعاهد، لا الأفراد، مسئوليةَ التوفيق بين المتدربين وأصحاب العمل، وستوفر دعمًا مستمرًّا للشباب الصغار الذين تدرِّس إليهم لضمان أن تدريبهم متنوِّع بما يكفي ويحظى بتمويل جيد، بحيث لا يتخلَّف أحد عن المجموعة.
إن منهجيتنا الموجهة جينيًّا — وإنْ كانت باهظةَ التكلفة بلا شك — ستدعم الاختلافات الفردية وتحتضنها، ونتوقَّع أنه ستثبت فائدتُها الاجتماعية والاقتصادية للفرد والمجتمع على المدى الطويل، ونرى أنها استثمار في مجال التعليم يستحق أن نُقدِم عليه، وسيصنع فارقًا حقيقيًّا؛ إذ سيرتفع الأداء المتوسط وسيُعَدُّ كل طفل بصورة أفضل تؤهِّله لإيجاد سُبُل مفيدة وبنَّاءة للحياة في العالم عندما يتخرَّج من المدرسة. نهدف إلى معامَلةِ كل التلاميذ باحترام متماثِل، وتقديم فرصٍ متكافئة لهم، لكننا لا نعتقد أن جميع تلاميذنا على الشاكلة ذاتها؛ فالأطفال يتخذون كلَّ الأشكال والأحجام، ويتمتعون بجميع أنواع المواهب والشخصيات. لقد حان الوقت لاستغلال الدروس المستخلَصة من عِلْم الوراثة السلوكي من أجل خَلْق نظامٍ مدرسي يحتفي بهذا التنوُّع البديع ويشجِّعه.