الإنسان الراقي
١
عندما جئتُ إلى الناس لأول مرة أتيت الجنونَ الأعظم الذي يرتكبه المنعزلون، فوقفت على الساحة العمومية، ووجهت الخطاب إلى الكل فكأنني ما كلمت أحدًا، غير أنني أمسيت ورفاقي حبالٌ وجثثُ أمواتٍ، بل كنت أنا نفسي جثة باردة.
ولكن عندما انبثق الصبح الجديد تبلَّجت لعيني حقيقةٌ جديدة علمتني أن أقول: «ما لي وللساحة العمومية ولعامة الناس ولضجتهم وآذانهم الطويلة!»
أيها الرجال الراقون، تعلموا مني قولي: لا يؤمن أحد في الساحة العمومية بالإنسان الراقي، وإذا شئتم أن تتكلموا على هذه الساحة كما تشتهون فإن العامة تتغامز قائلة: «إننا جميعنا متساوون.»
أيها الرجال الراقون، إن طبقة الشعب تنكر الإنسان الراقي فهي ترى الناس على اختلاف طبقاتهم إنسانًا واحدًا أمام الله.
أما المساواة أمام الله فما لنا ولها ما دام هذا الإله قد مات! ولكن العامة كائنة ونحن نأبى المساواة أمامها، فأعرضوا عن العامة أيها الرجال الراقون، وابتعدوا عن ساحاتها.
٢
أمام الله! … ولكن الله قد مات في هذا الزمان أيها الرجال الراقون، وقد كان عليكم الخطر الأعظم، ولولا اندراجه في لحده لما كنتم أنتم تبعثون.
في هذا الزمان تعود الظهيرة إلى ذرِّ أنوارها، ويصبح الإنسان المتفوق سيدًا.
أفهمتم معنى كلمتي هذه يا إخوتي؟ أراكم ترتعشون فهل أصيب قلبكم بالدوار؟ وهل فغرت الهاوية فاهًا أمامكم أيضًا؟ أيعوي كلب الجحيم في إثركم يا ترى؟
إلى الأمام أيها الراقون، لقد آن لطود المستقبل الإنساني أن يلد.
لقد مات الله، ونحن نريد الآن أن يحيا الإنسان المتفوق.
٣
إن أوفر الناس اهتمامًا في هذا الزمان يتساءلون عما يحفظ حياة الإنسان، أما زارا فهمُّه أن يعرف كيف يتفوق الإنسان على إنسانيته.
إن الإنسان المتفوق قبلة أنظاري وعواطفي، وما أهتم للإنسان ولا للقريب ولا للفقير ولا للمحزون ولا لخيار الناس.
أيْ إخوتي، أنا لا أحب من الإنسان إلا كونه مرحلة وجنوحًا، وفيكم أيضًا أجد صفاتٍ عديدة تحببكم إليَّ وتبعث الآمال في قلبي.
لقد عرفتم الاحتقار أيها الراقون، وذلك ما يشدد بكم أملي لأن عظماء المحتقرين هم أيضًا عظماء الحرمة والجلال.
لقد بلوتم اليأس وذلك ما أُكرِّمه فيكم؛ لأنكم لم تتمرنوا على الاستسلام وعلى دناءة الاحتياط.
إن زعانف القوم هم سادة هذا الزمان الداعون إلى التجلد والصبر والتواضع والتحذر والثبات وإلى ما هنالك من حقيرات الفضائل.
إنهم لأشباه الرجال يتصفون بصفات النساء والمستخدمين ويقودون الغوغاء طامحين إلى التسلط على مقدرات الدنيا، فيا للكراهة! … وأفٍّ لهؤلاء القوم أشباه الرجال، فإنهم لا يَنون يتساءلون عما يطيل حياة الإنسان متلذذًا متنعمًا، وبهذا يسودون هذا الزمان.
اعتلوا فوق هؤلاء الناس يا إخوتي فإنهم ألدُّ أعداء الإنسان المتفوق.
اعتلوا أيها الراقون فوق صغائر الفضائل والمحاذرات ومراعاة ذرَّات الرمال وأكوام النمل وملذات الذات وطلب السعادة للعدد الأوفر بين الناس.
وخير لكم أن تتمنعوا بيأسكم من أن تستسلموا، إنني أحبكم لأنكم لا تعرفون أن تحيوا في هذا الزمان، أيها الراقون، وبذلك تتمتعون بأفضل ما في الحياة.
٤
أشجعانٌ أنتم أيها الإخوة؟ ولا أعني تلك الشجاعة التي لا تنجلي في الإنسان إلا أمام شهود، بل شجاعة المنفرد الذي لا يراه أحد: شجاعة النسور التي لم يعد لها من إله شهيد!
إن الأرواح الجامدة والبغال والعميان والسكارى لا تعرف ما هي قوة القلب وما ثَبْتُ الجَنان إلا من عرف الخوف فتغلَّب عليه ومَن سبر أعماق الهاوية، فما نالت الأعماق جَنانه بروعةٍ واضطراب.
الشجاع من حدَّق في القاع السحيق بمقلة النسر، ومن قبض على الأغوار بمخلبه، ذلك هو الشجاع.
٥
لقد قال الحكماء إن الإنسان شريرٌ طلبًا لتعزيتي، ويا ليت هذه الحقيقة تنطبق على أحوال هذا الزمان، فإن الشر قد أصبح خيرَ ما في الإنسان من قوة، فعلى المرء أن يزداد ارتقاء في خيره وفي شره أيضًا، هذا هو تعليمي أنا … فإن أعظم شر إنما هو أعظم خير للإنسان المتفوق.
إن الدعوة إلى احتمال العذاب وحمل خطايا العالم كانت تليق ببشير الطبقة الحقيرة بين البشر، أما أنا فإنني أسر بالخطيئة العظمى كأعظم تعزية.
على أن مثل هذه الأقوال لا تُبذل لمن استطالت آذانهم، وما تليق كل الكلمات بجميع الأفواه، فإن من الحقائق ما تدق عن الأفهام العادية فتتوارى وراء الأبعاد، وليس لأرجل الخرفان أن تتراكض للِّحاق بها.
٦
أيها الراقون، أتعتقدون أنني أتيت لأصلح ما شوهتم بأخطائكم؟ أو لأهتم بتهيئة المراقد الوثيرة للمتألمين منكم أو لأدلَّ التائهين في الجبل على المغاور ليخرجوا من مآذقهم؟
لا … فليذهب إلى الفناء الخيارُ في نوعكم؛ إذ يقتضي أن يتزايد ضيقكم مع كرور الأيام؛ لأن بهذا الضيق وحده يتعالى الإنسان إلى الذرى حتى يبلغ مرامي الصاعقة المحرقة القاتلة.
أنا لا أتوجه بتفكيري وأشواقي إلَّا نحو العديد القليل ونحو الحادثات الدائمة البعيدة في مجال الأزمان وما يهمني شقاؤكم وآلامكم الحقيرة الزائلة.
إنكم لا تزالون مقصرين في مجال الشقاء، وما بلغت آلامكم ما عليها أن تصل إليه؛ لأنكم من أجل ذاتكم تتألمون لا من أجل الإنسان، وإن ادعيتم بتحملكم هذا العذاب فأنتم كاذبون، فليس بينكم واحد تحمل ما تحملت من أوصاب وآلام.
٧
إنني لن أرضى بتوقف الصاعقة عن إنزال الأذى، ولا أريد أن تتحول عن مسلكها حين تنقض، بل أريد أن تسدد مرماها وتخدم مقاصدي.
لقد تجمعت حكمتي طويلًا، وتكاثفت غمامة يتزايد اربدادها وسكونها ذلك شأن الحكمة التي قُدر لها أن تقذف بالصاعقة يومًا من الأيام.
أنا لا أريد أن أكون نورًا لأبناء هذا الزمان، ولا أن أُدعى نورًا ما بينهم؛ لأنني أريد إيراثهم العمى، فلتنزل على أعينهم صاعقة حكمتي.
٨
لا تطلبوا شيئًا يفوت قواكم إدراكه، فمن طلب ما لا طاقة له به فقد كذَّب نفسه؛ لأنه إذ يطلب العظائم وهو مزور ومقلد تنفر منه العظائم حتى يرى ذاته زائغ البصر جمادًا مطليًّا في فمه كلمات كبرى وبين يديه قرقعة لا جدوى لها.
كونوا على حذر من طلاب العظائم أيها الرجال الراقون، فالقناعة خير الكنوز.
أفليست العامة من يسود هذا الزمان؟ وهي مع ذلك لا تميز بين العظيم والحقير والطريق السوي والمسلك الملتوي، فالعامة متقلبة كاذبة دون أن تشعر بجريمة كذبها.
٩
تمنعوا بالحزم أيها الراقون، يا رجال الشجاعة وحرية الضمير فهذا الزمان زمان العامة، وما تعلمته العامة وقبلت به دون تعليل لا يسعكم هدمه بالبرهان في عقيدتهم.
إن الإقناع لا يقوم في الساحة العامة على المعقول بل على الحركات والنبرات، ولا شيء يلقي بالنفور في روع العامة كالبرهان.
وإذا انتصرت الحقيقة مرة هنالك فتساءلوا بكل ارتياب عن الضلال الذي دافع عنها فأولاها انتصارها.
احذروا العلماء أيضًا فإنهم يكرهونكم لعلة عقمهم، وعيون العلماء باردة جافة لا تلقي نظرها على طير حتى تعريه عن ريشه، إنهم يباهون بامتناعهم عن الكذب، فاحذروا من هذه المباهاة؛ لأن المجال بعيد بين من عجز عن الإتيان بالكذب ومن أحب الحقيقة.
إن فقد الحرارة شيء ورزانة الحكمة شيء آخر، ولا ثقة لي بالعقول الباردة، فمن لا يعرف أن يكذب لا يعرف ماهية الحقيقة ولا كيفيتها.
١٠
إذا أردتم بلوغ الذرى فتسلقوها بأرجلكم، ولا تطلبوا أن تُحملوا إليها حملًا على ظهور الغَير ورءوسهم.
قل لمن يمتطي جوادًا ويسير خببًا نحو هدفه، لا تنسَ أنَّ رجلك العرجاء راكبة معك، ولسوف تترجل في آخر الشوط فتهوي على ذروتك إلى الحضيض.
١١
أيها الرجال الراقون، أنتم المبدعون ولا تحمل المرأة في أحشائها إلا ابنها، لا ترتكبوا شططًا، اعلموا من هو القريب ولا تظنوا أن بإمكانكم أن تفعلوا من أجله شيئًا كما لا يمكنكم أن تبدعوا بالنيابة عنه.
أعرضوا عن كلمة «من أجل» وتناسوها أيها المبدعون؛ لأن فضيلتكم تتوقف على ألا تفعلوا شيئًا من أجل أحد وبسبب أحد أو لأية علة، أصموا آذانكم دون هذه الأدوات الكاذبة.
إن العمل من أجل القريب فضيلة صغار القوم، وقد جرى بينهم القول بالتبادل وبأن إحدى اليدين تغسل الأخرى، ومثل هؤلاء لا حق لهم بأنانيتكم ولا قوة لهم على الاتصاف بها.
إن في أنانيتكم، أيها المبدعون، حزم الحبلى ومحاذرتها؛ لأن محبتكم تحيط بالثمرة التي لم ترها عين بعد، فتحفظها وتمدها بالغذاء، فإذا ما كان حبكم كله منصبًّا على ولدكم تجلَّت في ذلك كل فضيلتكم؛ لأنه هو واجبكم وإرادتكم فلا تضللكم كاذبات الشرائع.
١٢
اعلموا أيها الراقون المبدعون أن كل من سيلِد مريضٌ، وأن كل من ولد قد تنجَّس.
سلوا النساء لتعلموا أن لا لذة في التوليد؛ فالدجاج تبيض صائحة والشاعر يبدع متألمًا.
لقد حلَّ بكم نجس الوالدات أيها المبدعون.
كل مولود جديد يأتي برجس إلى العالم، فعلى كل مبدع أن يطهر نفسه.
١٣
إياكم وممارسة الفضائل بما لا طاقة لكم به، ولا تكلفوا نفوسكم ما يستحيل حكمًا.
اقتفوا ما أبقت فضائل آبائكم من آثار؛ إذ كيف يتسنى لكم الارتقاء إذا لم ترتقِ معكم إرادة آبائكم، ولكن ليحذر الطامح إلى بلوغ الطليعة أن يصبح آخر السائرين، احذروا أن تدخلوا أية قداسة على رزائل آبائكم، فمن العبث أن يطالب بالعفة من تمرغ آباؤه بالنساء وكرعوا الخمر والتهموا لحم الخنازير.
إنكم لتطلبون كثيرًا إذا اقتضيتم العفاف من مثل هذا الرجل؛ فحددتم له امرأة أو اثنتين أو ثلاث، أما أنا فلا أصدق بارعوائه حتى ولو أنشأ ديرًا وكتب على بابه: «هذه طريق القداسة.» إنْ هذا الدير إلا ملجأ ومقر لمحاولات الجنون، فما ينمو في العزلة من الإنسان إلا ما استصحبه إليها من حوافز، وهنالك المجال لنمو الحيوان الكامن.
من الخير أن نردع الكثيرين عن العزلة والانفراد.
هل على وجه الأرض في هذا الزمان من يفوق دنسًا القديسين المتنسكين في الصحراء يدور حولهم الشيطان من جهة والخنزير من جهة أخرى؟ …
١٤
ما رأيتكم مرة تنتحون مكانًا قصيًّا عن الناس وقد بدت عليكم دلائل اليأس والخجل، أيها الرجال الراقون، إلا وتمثَّلتُكم كالنمر فات فريسته أو كاللاعب خانه الزهر على صفحة نرده.
ولكنكم لا تبالون فإنكم ما تعلمتم إجادة اللعب والتحدي! وهل نحن في الحياة إلا جُلَّاس مائدة كبرى للسخرية والمقامرة.
ألأنكم أخطأتم وفاتتكم المقاصد العظمى تريدون أن تفوتوا أنفسكم، ولأنكم فشلتم تريدون أن يفشل الإنسان؟
١٥
كلما تعالت المُثل صعب تحقيقها، أفما أنتم أيها الرجال الراقون نماذج فاشلة للمثل الأعلى؟
ولكن لا تبالوا بهذا بل أقدموا واضحكوا من أنفسكم؛ إذ لا عجب في أنكم نماذج فاشلة أو نصف فاشلة؛ لأن نصفكم منحطم، ومستقبل الإنسان يسير سيره البطيء وهو يتكامل فيكم.
أفما يتدافع ويغلي في مراجلكم أبعد وأعمق ما في الإنسان؟ أفما يكمن فيكم اعتلاؤه إلى السهى وقوته العظمى؟
وهل من عجب إذا تصدعت مراجل عديدة من بني البشر؟ فاضحكوا يا أهل الرقي فما أكثر الممكنات في مستقبل الإنسان!
أفما نجحت محاولات عديدة فيما مضى، ولكَم على الأرض من أمور بلغت كمالها وإن صغرت.
أحيطوا نفوسكم بهذه الأشياء الصغيرة المتكاملة فإنها تنيل قلوبكم الشفاء بنضوجها، فلا شيء يعلمنا الأمل إلا ما بلغ الكمال.
١٦
إن أعظم ما ارتُكب في العالم من أخطاء هو قول القائل: «ويل للضاحكين في هذه الدنيا.» فإن من جاء بهذا الإنذار قد قصَّر في التفتيش فما وجد على الأرض شيئًا يستحق الضحك في حين أن الأطفال يجدون ما يضحكهم.
لقد كان حب هذا النذير قصير المدى فما اتصل إلينا منه شيء نحن الضاحكين، بل إنه أبغضنا ووجه إلينا لعنته وهو يتهددنا بالبكاء وصريف الأسنان.
أفليس من فساد الذوق أن يندفع الإنسان إلى اللعن إذا هو لم يحب؟ هذا ما فعله ذلك النذير لأنه ابن العامة المتعصب، ولو أنه عرف الحب لما كان احتدم غضبًا لأنه لم يحب، فكلُّ محبةٍ تتناهى لا تطلب محبةً … بل تطلب أكثر من المحبة.
ابتعدوا عن جميع هؤلاء المتعصبين فهم نوع من الإنسانية مريض فقير، هم من العامة التي تزوغ نظراتها من الحياة وتصيب الأرض بسمِّ أعينها.
ابتعدوا عمن لا يعرفون التساهل فإن خطواتهم ثقيلة على التراب، وقلوبهم مثقلة في الصدور، إنهم لا يعرفون الرقص فكيف لا يثقل عليهم التراب.
١٧
إن جميع الأشياء الحسنة تسير نحو أهدافها على منعرجات السبيل فترفع ظهورها كالهررة هادرة لما تتوقع من سعادة قريبة المنال، فالأشياء الحسنة تضحك أبدًا.
لك أن تعرف من خطوات الناس إذا كانوا ظفروا بطريقهم السوي، فانظر إلى خطواتي تدرك حالي، وإذا رأيتني راقصًا فاعلم أنني اقتربت من هدفي.
والحق أنني ما استحلت تمثالًا ولا انقلبت عامودًا لا حياة ولا حس فيه، فأنا أحب الجري في المجال البعيد؛ لأن في الأرض مستنقعات كثيرة ومعاثر لا تجتازها إلا الأرجل الراقصة المنزلقة.
ارفعوا قلوبكم إلى ما فوق أيها الإخوة، ولكن لا تنسوا أرجلكم؛ إذ عليكم أن ترفعوها أيضًا وإذا أردتم إجادة الرقص فعليكم ألا تأنفوا من الانقلاب على رءوسكم.
١٨
أنا المتوِّج نفسي ملكًا على الضاحكين بإكليلٍ ضَفَرتْه من الورود يداي، وليس سواي من يقوى على تطويب ضحكة كما فعلت.
أنا زارا الرقَّاص، الخفيف الخطوات الضارب بجناحيه متحفزًا للانتفاض إلى الأعالي مشيرًا إلى جميع الطيور بنشر أجنحتها، أنا من بلغ الرشاقة الإلهية.
أنا زارا العراف، أنا الضاحك الصبور المتسامح المحب للوثوب وتجاوز المحدود، أنا المتوج نفسي بنفسي.
١٩
ارفعوا قلوبكم إلى العلا، إخوتي، ولا تنسوا أن ترفعوا أرجلكم أيها الراقصون المجيدون، بل انتصبوا على رءوسكم أيضًا.
إن بين طلاب السعادة حيوانات ضخمة ثقلت حركتها، وبينهم من ولد كسيحًا فمثل هؤلاء يحاولون الرشاقة كالفيل يجرب أن ينتصب على قمة رأسه، غير أن المجانين بالسعادة خير ممن يجنُّون بالشقاء، والراقص متثاقلًا أفضل ممن يتعارج في مشيته.
تعلموا الحكمة مني، إن لأقبح الأشياء وجهتين لهما حسنهما، ولشر الناس رجلين للرقص فتعلموا أيها الرجال الراقون أن تقفوا سويًّا على أقدامكم.
أعرضوا عن أشجان العامة وأحزانهم، فإن للمهرجين بينهم في هذا الزمان سيماء الغارقين في الأحزان؛ ذلك لأن هذا الزمان زمان العامة من بني الإنسان.
٢٠
كونوا كالهواء المندفع من مغاور الجبال فهو يهب راقصًا على هواه فيرتعش البحر متراقصًا لدغدغة نسماته.
تبارك من يستنبت أجنحة للحمير ومن يمد أنامله لضرع اللبؤة فيحتلبها، إنْ هو إلا الروح الطيب الثائر يهب كالعاصفة من أجل ما هو عتيد ومن أجل ما سيكون، إنْ هو إلا عدو الرءوس الشائكة والرءوس المنثلمة عدو كل الأعراش الذابلة وكل ما دبَّ فيها الفساد.
تبارك روح العاصفة روحًا وحشيًّا طيبًا حرًّا طليقًا يرقص على مستنقعات الأحزان كأنه يتمايل منها على ناضرات المروج. تبارك من روح يكره الغوغاء المستكلبين الفاقدين الصواب وكل ناقص يتعزز بالعبوس.
تبارك روح العاصفة من قوة تهِبُ الحياةَ لكل فكرة حرة، تبارك من زعزع يذري الرمال وهو ضاحك على عيون مقروحة لا ترى في الوجود إلا قتامًا.
أيها الرجال الراقون، إن شر ما فيكم هو أنكم لم تتعلموا الرقص على أصوله؛ لتتوصلوا إلى الانطلاق بخطواتكم فوق رءوسكم، وما يضيركم ألَّا تتوفقوا إذا حاولتم.
إن الممكنات كثيرة، أيها الراقون، فتعودوا أن تضحكوا ولو علا ضحككم فوق رءوسكم.
ارفعوا قلوبكم أيها الراقصون المجيدون إلى ما فوق، ولا تنسوا أن تضحكوا ضحكًا جميلًا.
إنني ألقي إليكم بإكليل الورود فهو تاج الضاحكين، لقد طوبتُ الضحك أيها الرجال الراقون فتعلموه …