عيد حمار
١
وعند هذا المقطع من المدائح عيل صبر زارا؛ فبدأ ينهق هو أيضًا، واندفع إلى وسط ضيوفه وقد استولى عليهم الجنون صارخًا: ماذا تفعلون يا أبناء الناس.
وتقدم يرفعهم الواحد بعد الآخر عن الحضيض قائلًا: الويل لكم لو رآكم أحد غير زارا، إذن لحكم الكل عليكم بأنكم في دينكم الجديد من أفظع المجدِّفين أو من أشد العجائز تخريفًا وجنونًا.
أنت يا رئيس الأحبار كيف تسني لك دون أن تجحد نفسك وأن تعبد حمارًا كأنه إله؟!
فأجاب الحبر الكبير: عفوك يا زارا، إنني أعرف منك بأمور الله، ومن الحق أن أكون هكذا، وخير لنا أن نعبد الله في حمار من ألَّا نعبده مطلقًا، تمعَّن في كلمتي هذه أيها الصديق العظيم يتضح لك أن فيها كثيرًا من الحكمة.
إن من قال: «إن الله روح.» قد خطا الخطوة العظمى نحو الجحود، وليس من السهل إصلاح ما تفسده مثل هذه الكلمة في العالم.
إن فؤادي يرتقص فرحًا؛ إذ بقي على الأرض شيء يمكننا أن نعبده.
اغتفر يا زارا لرئيس أحبار تقيٍّ ما يشعر به.
والتفت زارا إلى المسافر والخيال قائلًا: وأنت يا من تدعي الفكر الحر، بل من تتصور إنك فكر حر، كيف تمثِّل هذا الدور الغريب وتتعبد للوثن؟!
إنك تفعل الآن ما لم تفعله بين الغادات السمر ذوات الدلال يا من اتخذ لنفسه عقيدة جديدة!
فأجاب المسافر والخيال: الأمر محزن وأنت مصيب، ولكنني عاجز عن الإتيان بأي عمل فإن الإله القديم قد بُعث فقل ما تشاء يا زارا.
إن السبب في هذا كله هو أقبح العالمين؛ فهو باعث الإله ولو قال إنه هو قاتله فليس موت الإله إلا عقيدة لا ترتكز على شيء.
فقال زارا: وأنت أيها الساحر القديم المراوغ ماذا فعلت؟ من سيؤمن بك بعد الآن في أزمنة الحرية هذه إذا كنت تؤمن بمثل هذه الحماريات الإلهية.
لقد أتيت حماقة فكيف أقدمتَ عليها وأنت على ما تعلم من المهارة والاحتيال؟!
فأجاب الساحر: لقد أصبت فما أتيتُ إلا حماقة، ولقد كلفتني جهدًا كبيرًا.
فقال زارا: وأنت يا ضمير العقل، تفكر وضع إصبعك في أنفك، أفما يبكتك ضميرك على ما فعلت، أفما تدنس فكرك من هذه العبادة ومن هذا البخور المتصاعد؟!
فوضع ضمير العقل إصبعه في أنفه وأجاب: إن في هذا المشهد شيئًا يرتاح له ضميري، وقد لا يكون لي الحق بأن أعبد الله غير أنني أرى أن إلهًا على هذه الشاكلة يستحق الإيمان.
يجب أن يكون الإله خالدًا بحسب ما شهد به الأتقياء، فمن كان له مثل هذا الزمان الطويل له أن يمنح نفسه خير الأزمان، وأن يعيش على مهل وبالسخافة التي تحلو له، فيبلغ الهدف الذي يريد ومن له الفكر المتجاوز حده يميل إلى السخافات وإلى الجنون.
أفلا ترى يا زارا أنك معرَّض بإفراط حكمتك إلى أن تصير حمارًا.
أفلا يتجه الحكيم إلى السبل المتعرجة، وهلا تجد في نفسك ما يثبت هذه الحقيقة؟
ونظر زارا إلى أقبح العالمين فإذا به لم يزل منطرحًا على الأرض وهو يقدم للحمار خمرًا ليشرب، فقال له: ماذا أنت فاعل؟ لقد تبدلت يا هذا فعينك تشع نورًا، وقد اتشح قبحك بُرْد الجلال. أصحيح ما يقوله رفاقك؟ أأنت بعثته من الموت؟ وما الذي أهاب بك إلى إحيائه؟ فهل كنتَ على خطأ عندما قتلته وألحقته بغابر الزمان؟
إنني أراك أنت راجعًا إلى الانتباه بعد غفلتك، فماذا فعلت ولماذا هديت نفسك؟ تكلم أيها السر الغامض.
فقال أقبح العالمين: ما أنت إلا لئيم يا زارا، وأنا أسألك فأجب من منا أعلم فيما إذا كان هذا الإله لا يزال حيًّا أم أنه مات حقيقة.
غير أنني أعلم كما علمتني فيما مضى أن من يريد أن يقتل قتلًا لا حياة بعده يلجأ إلى سلاح الضحك فالغضب لا يقتل، أفما قلت هذا يا زارا أنت المستتر، أنت الهادم بلا غضب والقديس الخطر فما أنت إلا لئيم.
٢
ودهش زارا لما سمع من أجوبة فاندفع إلى باب غاره، ووقف هنالك يصيح بأشد نبراته: لماذا تخفون سرائركم أمامي، أيها الطائشون، أفما ارتعشت قلوبكم في صدوركم لأنكم عدتم أطفالًا أي من أهل التقى، ففعلتم فعل الأطفال وضممتم أكف الضراعة قائلين: «أيها الإله الصالح العزيز.»
ألا فاخرجوا الآن من غرفة الأطفال، إن مغارتي قد شهدت اليوم جميع ألاعيبهم، اذهبوا وتأملوا خارجًا في طيش طفولتكم وفي نبضات قلوبكم.
لا ريب في أنكم إذا لم تعودوا أطفالًا فلا تدخلون ملكوت السماوات (قال هذا ورفع إصبعه نحو السماء.)
فقالوا: لا … لا نريد أن ندخل ملكوت السماوات؛ لأننا وقد أصبحنا رجالًا لا نطلب في غير الأرض ملكوتًا.
٣
واستأنف زارا الخطاب فقال: أيْ أصدقائي الجدد، أيها الرجال الغريبو الأطوار، أنتم أيها الراقون إنني لأعجب الآن بكم، لقد عاد سروركم إليكم فتوردت وجوهكم، وقد حق لكم كأزهار جديدة أن تعيِّدوا فأقمتم للحمار حفلة؛ إذ أردتم أن تسروا وأن يجيء زارا المرح بجنون شيخوخته لينير أرواحكم.
لا تنسوا هذه الليلة وهذا العيد، أيها الرجال الراقون فقد أبدعتم فيما اخترعتم وما يوجِد مثل هذه الأعياد إلا الناقهون؛ لأنها نذير الشفاء.
فإذا ما احتفلتم بهذا العيد عيد الحمار، فاصنعوا هذا محبة بأنفسكم ومحبة بي، اصنعوا هذا لذكري …
هكذا تكلم زارا …