ملحق
لقد أُخِذت الشذرات التي خُصص هذا الملحق لها من مفكرات فريدريك نيتشه الخاصة، ولعله دونها ليكتب رسالة يوضح فيها ما يجلو الإبهام في بعض أقوال زرادشت، وقد رأينا إلحاقها بهذا الكتاب تكملة لها شأنها لإدراك نظريات هذا الفيلسوف.
١
لقد تزعزعت الأهداف جميعها، وذهبت التقديرات في ميادين التفكير متصادمة متناقضة.
يُدعى صالحًا مَن يتبع ما يوحي إليه قلبه، كما يُدعى صالحًا أيضًا من لا يصيخ إلا لصوت الواجب.
يُدعى صالحًا الرجل اللطيف المسالم، كما يُدعى صالحًا أيضًا الرجل الجسور العنيد القاسي.
يُدعى صالحًا من لا يكبت نزعاته، كما يُدعى صالحًا أيضًا من يتحكَّم فيها.
يُدعى صالحًا من يطمح إلى الحقائق مطلقًا، كما يُدعى صالحًا أيضًا من يموِّه مظاهر الأشياء.
يُدعى صالحًا من يجاري نفسه كما يُدعى صالحًا أيضًا من يتصف بالخشية والتقوى.
يُدعى صالحًا الرجل الممتاز النبيل، كما يُدعى صالحًا أيضًا الرجل الذي لا يحتقر أحدا ولا يترفع علي أحد
يدعي صالحًا الرجل الطيب الذي يتقي الجَدَل، كما يدعي صالحًا أيضا الرجل المتشوق أبدًا إلى العراك والظفر.
يُدعى صالحًا من يطمح إلى المقام الأول، ويُدعى صالحًا أيضًا من لا قبل له بالانتفاع مما يُلحق الضرر بسواه.
٢
إن في الإنسان قوةً عظمى من الحوافز الأدبية غير أنها لا تجد لها هدفًا واحدًا تتجه بأجمعها إليه، فهي تذهب متعاكسة متناقضة؛ لأنها نشأت من شرائع تعددت ألواحها.
في العالم قوة أدبية لا حدَّ لها، ولكن العالم قد حُرم من مقصد واحد تُبذل هذه القوة في سبيله.
٣
لقد هُدمت الأهداف جميعها، فعلى الإنسانية أن تقيم لها هدفًا، ومن الخطأ أن نعتقد بوجود غاية ترمي الإنسانية إليها حيث لا هدف، لقد أقامت جميع الفرق لنفسها غاياتٍ غير أن هذه الغايات اضمحلت جميعها بتبدل حالاتها الأصلية.
إن العلم يهدي السبيل ولا يدل على الهدف غير أنه يورد من المبادئ ما يصور الغاية تصويرًا.
٤
عُقم القرن التاسع عشر.
ما صادفت حتى اليوم رجلًا أتى بمَثَل أعلى جديد، غير أن الموسيقى الألمانية فتحت مجالًا لآمالي وأولتني الاعتقاد بأنها ستوحد بين القوى.
إن نظرة واحدة تكفي المتأمل ليرى أن كل شيء يتداعى، فيجب أن يعمل الهادمون بطريقة تدع للأقوياء مجالًا لإقامة الحياة على شكل جديد.
٥
إن انحلال المبادئ الأدبية ينتج عنه بالفعل تفكك الشخصية في الفرد وفي المجموع؛ فيسود الاضطراب كلَّ شيء، لذلك لا بد من وجود غاية يتجه الاستقرار نحوها، لا بدَّ من محبة جديدة.
٦
لقد كنت أتنفس بحشرجة المختنق ومبادئكم الأدبية معلَّقة فوق رأسي فعمدت إلى قتلها كما تُقتل الأفاعي، أردت الحياة فوجب عليَّ أن أموت.
٧
ما دمنا في حاجة إلى العمل والقيادة، فليس لنا أن نستغني عن الشخصية الأدبية، ولا بد لنا من الرضى بالواقع؛ لأن القائد لا يسير إلى ما وراء هدفه إذا هو لم يجد لذة في عمله.
٨
ليس من أحد يرضى بتحمل تبعة العمل، إذا لم يصدر به أمر، ولكن الناس يهرعون جميعًا إلى القيام بأصعب الأعمال إذا أمرتهم أنت.
٩
لمن صعاب الأمور أن يتغلب الإنسان على ما كمن فيه من ماضي الزمان فينظم الحوافز لدفعها متحدة إلى هدف واحد، ذلك لأن هذا العمل لا يقوم على إلغاء الغرائز الشريرة فحسب بل يستدعي منك أيضًا أن تمحو الغرائز الطيبة لتعود إلى بعثها.
١٠
حذارِ من الطفرة على مسلك الفضيلة، فعلى كل فرد أن يسير في طريقه وإن جنح عن طريق الآخرين دون أن يطمح إلى بلوغ الذروة وحده؛ إذ على كل سائر أن يكون جسرًا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين.
١١
قد يصبح الإنسان العادي السطحي محتمَلًا، ولا بأس به إذا هو اتجه بإرادته إلى إعانة سواه والإشفاق عليه راضيًا بالطاعة مبتعدًا عن التهجم، فاحذر أن تزعزع اعتقاد مثل هذا الإنسان بأن هذه الصفات إنما هي الفضيلة بعينها.
١٢
إذا أمكن للإنسان أن يجعل للعمل قيمة، فكيف يتسنى للعمل أن يجعل الإنسان ذا قيمة.
١٣
إن المبادئ الأدبية تشغل من لا قبل لهم بالاستغناء عنها فهي جزء من أسباب حياتهم، ولا يمكن لأحد أن يدحض أسباب الحياة … إلا إذا كانت معدومة أصلًا.
١٤
لو صحَّ أن ليس في الحياة ما يستحق التمسك فيه، لكان ذو المبادئ الأدبية يلحق الضرر بأبناء جنسه من جرَّاء غيريته وفضيلة إحسانه ليستفيد من هذا الضرر لنفسه.
١٥
إن الأمر بمحبة القريب معناه لا تهتم لقريبك، وعدم الاهتمام بالقريب إنما هو أصعب ما تقضي به الفضيلة.
١٦
إن الإنسان الشرير إنما هو طفيلي، وليس من النبل ألَّا يحيا الإنسان إلَّا ليتمتع بالملذات.
١٧
إن العاطفة النبيلة تصدنا عن أن نحيا للتمتع بالملذات فقط؛ إذ علينا أن نقوم بشيء لقاءها، ولكن طبقة العامة تعتقد بأن للإنسان أن يحيا دون أن يتقاضى الحياة شيئًا وفي هذه العقيدة علة انحطاطها.
١٨
إن الإنسان المنحط يخضع للسُّنن المتناقضة، فإذا شئت أن تزرع الفضيلة فيه وجب عليك أن تسلخه عن حياته إرغامًا وتسوده طغيانًا.
١٩
الحق المطلوب: يجب أن تتم الشرعة الجديدة، ولن تتم إلا بزوال الشرائع العليا وزرادشت ينتصب بوجهها لإلغاء شريعة الشرائع وهي الآداب.
إن الشرائع في مقام السلسلة الفقرية من المجتمع؛ لذلك وجب أن نوحِّدها بالقضاء منها على ما كان يخضع له الإنسان حتى اليوم بسائق العبودية.
٢٠
يجب أن يكون زرادشت في الانتصار على نفسه قدوة تتبعها الإنسانية للانتصار على نفسها في سبيل الإنسان المتفوق لذلك وجب على الإنسانية أن تتغلب على المبادئ الأدبية.
٢١
ما هي سيماء المشترع وما هو ارتقاؤه وما هي آلامه؟ وما هو معنى الاشتراع بوجه عام؟
ليس زرادشت إلا نذيرًا بمشترعين عديدين.
٢٢
- (١)
الحاكمون، وهم مَن لا يتوقون إلا إلى الصور التي يُبدعونها؛ لأنهم غزيرو المادة مطلَقون يتفوقون على ما هو كائن.
- (٢)
المطيعون، وهم المتحررون الذين يجدون سعادتهم في الحب والاحترام ويدركون معنى الرقي، وعليهم أن يتجهوا بالتأمل إلى إلغاء ما فيهم من عيوب.
- (٣)
المستعبدون، وهم الطبقة المستخدَمة، وعليهم تأمين رغد العيش وإيجاد الرحمة بين أفرادهم.
٢٣
الواهب والمبدع والمعلم ثلاثة ينذرون بقدوم من سيسود.
٢٤
كل فضيلة وكل انتصار على الذات ليسا إلا تمهيدًا لطريق من سيسود.
٢٥
كل ضحية يقوم بها السائد تُحتسب له مائة ضعف.
٢٦
إذا ما قام قائد الجند أو الأمير أو المسئول تجاه نفسه بتضحيةٍ، فقد حق له أن يُمجَّد على ملأ الأشهاد.
٢٧
إن خارقة السائد الذي يثقف نفسه هي أنه يقيم فيها صورة للشعب الذي يطلب السيادة عليه، حتى إذا تجلت هذه الصورة للشعب أسلس له قياده.
٢٨
يعمل المثقف الكبير عمل الطبيعة في ما يعترض سيرها، فيدع للحوائل مجالًا للتراكم حتى يتغلب عليها.
٢٩
ليس المعلمون المجددون إلا الخطوط الأولى يضعها الرسام الأعظم فتبقى هذه الخطوط مطبوعة على غرارهم.
٣٠
إن ما يؤسسه عظماء الأفراد يبقى مجسِّمًا لشخصيتهم إلى أن ينمو ويأتي بثماره.
٣١
يحاول الناس أبدًا أن يستغنوا عن الأفراد والعظماء فيتوسَّلون بإنشاء الجمعيات والهيئات، ولكنهم يبقون مطلقًا تابعين لهؤلاء الأماثل فينسجون على منوالهم.
٣٢
إن الأهداف الاجتماعية ترجع بالإنسان القَهْقرى، فهي توجد طبقةً عاملة وتخلق نوعًا من الناس لا بدَّ من عبوديته في المستقبل.
٣٣
ليس من ظلم أروع من حق المساواة بين الجميع؛ لأنه يقيم نظامًا ينزل الإرهاق الأشد بأهل الرقي.
٣٤
ليس في الكون ما يصح أن يسمى حق الأقوى، لأن الأقوى والأضعف متساويان في أن كلًّا منهما يمد سلطانه على قدر استطاعته.
٣٥
تقديرٌ جديدٌ للإنسان: السؤال أولًا:
عن عدد القوى الكامنة فيه.
عن عدد الغرائز المختلفة.
عن مؤهلاته المؤثرة ومؤهلاته المتأثرة.
ما هي مميزات رب السيادة؟
٣٦
إن زرادشت مرتاح إلى انتهاء العراك بين الطبقات واستِتْباب النظام على أساس الميزة الفردية، وقد كانت الخطوات الأولى نحو التمهيد للشعبية مليئة بالأحقاد، فلم يبق الآن بعد اجتياز هذه المرحلة الموفَّقة إلا القيام بعمل آخر فيه حلُّ المشكل الاجتماعي.
إن تعاليم زرادشت قد وجهت إلى الطبقة المعدَّة للسيادة في آتي الزمان؛ لأن على من سيحكمون الأرض أن يقوموا مقام الآلهة ليخلقوا في الطبقة المحكومة الثقة التامة الأصيلة، فعليهم أولًا أن يمهدوا سبل السعادة لمن هم دونهم بتضحية لذَّاتهم وراحتهم وعليهم أن ينقذوا من لا يصلحون للحياة بالقضاء عليهم دون إمهال، ثم ينشرون أديانًا وطرائق تتوافق وكل حلقة من سلسلة المجتمع.
٣٧
إن جهاد السائد إنما يكون في توفيقه بين محبته لمن حوله ومحبته لمن سيأتون في المستقبل البعيد.
إن صلاح المبدع لا يتحمَّل التجزئة فهو صلاح واحد، ولكنه يتناول الأقربين من جهة ويمتد إلى الأبعدين من جهة أخرى.
٣٨
يقوم الشعور بالسلطان على نضال بين أقانيم الذات للاهتداء إلى الفكرة التي تتعالى كالنجم على سُهى الإنسانية وما الذات إلا الأوَّلية المتحركة.
٣٩
إن زرادشت يدعو إلى الكفاح للاستفادة من السلطان المتجلي في البشرية.
٤٠
إن بلوغ المثل الأعلى إنما يقوم على الكفاح في سبيل السلطان على منهج لا يناقض هذا المثل.
٤١
إن سُنَّة الرجوع إنما هي مدار القطب للتاريخ.
٤٢
إن مجال الحقيقة ينفرج بغتة أمام البصائر، فالمعرفة الصعبة المنال تتحصن في السريرة وتكفل مناعتها بالتحوط والتخفي، وقد عشت حتى الآن ونفسي تواري شيئًا عن نفسي، غير أن ما بذلته من جهد مستمر في رفع الصخور أولى غريزتي قوة لا حدَّ لها، وها أنذا أقلب الصخر الأخير، وها أنذا أمام الحقيقة وجهًا لوجه.
استغاثة الحقيقة من أعماق اللحود، لقد أوجدنا الحقيقة ببعثها من مرقدها فكان في ذلك أشد مظهر للشعور بالسلطان فيجب علينا احتقار التشاؤم على ما فهم الناس منه حتى اليوم.
إننا في عراك مع الحقيقة، وقد رأينا أن لا سبيل للصبر عليها إلا بإيجاد الإنسان الذي يقدر على احتمالها، وإلا فلا بد من أن نعود إلى الوقوف أمامها مبهورين حتى تورثنا العمى، وليس بوسعنا أن نقف هذا الموقف بعد الآن.
لقد أوجدنا الفكرة التي كلَّفتنا أوفر الجهود فلنبدعنَّ الآن إنسانًا يستخفُّ حملها فتوليه السعادة.
وإذا ما أردنا التمتع بسلطان الإبداع وجب علينا أن نمنح أنفسنا من الحرية ما لم تُمنَحه في أي زمن من الأزمان، ولن نبلغ ما نرجو ما لم نطرح عبء المبادئ الأدبية ونكتسب الرشاقة بالحبور، يجب علينا أن نشعر بما نتوقع لآتي الزمان ونمجِّد المستقبل دون الماضي، علينا أن نصور بأجمل بيان شعري أسطورة المستقبل فنحيا بجميل الأمل نعيش به زمنًا رغدًا، ثم نسدل الستار ونحوِّل تفكيرنا إلى الأهداف القريبة المعيَّنة.
٤٣
على الإنسانية أن تنصب هدفها ما وراء مجالها الحالي لا في عالم الأوهام بل في امتداد كيانها نفسه.
٤٤
كلما أُوجدت إرادة تندفع إلى الآتي وجِدت حولها بيئتُها، ولزم أن نتوقع حدثًا عظيمًا.
٤٥
إن ما فُطرنا عليه هو أن نخلق كائنًا يتفوق علينا، تلك هي غريزة الحركة والعمل، وكما أن كل إرادة تستلزم افتراض هدفٍ لها هكذا يدعو وجود الإنسان إلى افتراض كائن لم يوجد بعد وهو هدف حياة الإنسان نفسه.
إن في الهدف مستقرًّا للحب وللاحترام، وفيه مكمن للشوق ومنه تنبعث رؤى الكمال.
٤٦
إن ما أطالب به هو خلق أناسٍ يعتلون فوق كل نوع إنساني، وعلينا أن نضحي في هذا السبيل أنفسنا وأبناء جنسنا.
إن للآداب التي سادت حتى اليوم حدودها في مجال الزمان والمكان فقد كان لها نفعها؛ لأنها سارت جميعها بالجنس البشري إلى حالة الاستقرار المطلق، ولهذا وجب أن يقتلع الهدف لتركيزه على موقع أرفع.
ولا أجد فائدة من العمل على إيجاد المساواة بين الناس، بل أدعو بعكس ذلك إلى تقوية الفروق وتعميق المهاوي لإلغاء المساواة وخلق الرجال الأشداء، وبهذا يولد الإنسان المتفوق.
وما نقصد أن تصير الإنسانية إلى حالة يتسلَّط المتفوقون فيها على المتقهقرين، بل يجب أن تبقى الفئتان مفترقتين قدر المستطاع فلا تهتم إحداهما بالأخرى، فيستتب الأمر على مثال ما تصوره أبقراط لآلهته.
٤٧
إن للإنسان المتفوق في دائرته العليا ما يقابله في الدائرة السفلى من جنسه، فقد أوجدت المتفوق والمتقهقر في آن واحد.
٤٨
كلما ازدادت حرية المرء وانجلت إرادته، ازدادت مطالب شوقه حتى تؤدي به إلى مرتبة التفوق؛ إذ يصبح كل ما هو دون هذه المرتبة عاجزًا عن إرضاء محبته.
٤٩
في وسط الشوط يولد الإنسان المتفوق.
٥٠
لقد سادني الاضطراب بين الناس فكنت أود الحياة بينهم ولا أجد ما يرضيني فيهم، فذهبت إلى العزلة حث انفردت بنفسي وأبدعت الإنسان المتفوق، ملقيًا عليه ستار التحول تشع فوقه أنوار الظهيرة.
٥١
إننا نريد أن نخلق كائنًا نحوطه بالحب جميعًا ونحنو عليه، لذلك وجب علينا أن نحترم أنفسنا.
لنضع نصب أعيننا هدفًا نتبادل الحب من أجله، ولنُعرض عن سائر الأهداف فإنها أولى بالهدم.
٥٢
إن مبدأ زرادشت هو أن خير الناس أقواهم جسمًا وروحًا، فيجب أن نستثمر منهم الآداب العليا: آداب المبدعين. إن زرادشت يريد استعادة خلق الإنسان على صورته ومثاله. وإرادتُه هذه تنمُّ عن إخلاصه.
٥٣
إن العبقرية لتجد في زرادشت مجسَّم تفكيرها.
٥٤
إن العزلة إلى حين ضرورية لاتساع الذات وامتلائها، فالعزلة تشفي أدواءها وتشدد عزمها.
يجب أن تُبنى الجماعات على أساس العراك والنضال وإلا فمصيرها إلى الإقدام على الملاهي والتراجع أمام كل هجوم. إنني أدعو إلى الحرب حربًا لا حديد فيها ولا نار تتقارع فيها المبادئ ويتبارى أصحاب الأفكار في ميدانها.
يجب إيجاد فئة النبلاء بانتخاب الأصلح واختيار مراسم جديدة لتأسيس الأسرة.
تقسيم النهار تقسيمًا جديدًا، ونشر الرياضة بين الجميع كبارًا وصغارًا، واعتبار النضال مبدأً أوليًّا.
النظر إلى المحبة الجنسية كجهاد من أجل من سيأتون بعدنا.
تعليم التسلط قساوة ولطفًا، وعند نوال قوة التحكم في حالة، السعي إلى نوالها في الحالة التي تليها.
اقتباس ما يمكن اقتباسه عن الأشرار وفتح مجال للنضال أمامهم؛ إذ يجب استخدام المنحطين أيضًا.
يجب أن يرسو حق العقاب على اتخاذ المجرمين أدوات للتجارب العلمية — ومنها التجارب لإيجاد طريقة جديدة للتغذية — وبذلك يُبرر استخدام الفرد لخير المجموع.
إننا نعامل بالمداراة مجتمعنا الجديد؛ لأنه معبر يؤدي إلى المثل الأعلى في آتي الزمان، وما نعمل نحن وندفع بالآخرين إلى العمل إلا في سبيل هذا المثل الأعلى.
٥٥
وجود الطرق والوسائل للاندفاع إلى ما وراء الإنسانية، وعلينا أن نجد من الإنسان نوعه الأعلى والأشد.
يجب أن نتمثل أبدًا بما في الأصاغر من نزوع إلى الأفضل، إلى التكامل والنضوج، إلى الصحة وإشعاع القوة.
يجب أن يعمل كل واحد عمله اليومي بعاطفة الفنان؛ لإبلاغ ما يقوم بصنعه حد الكمال، والنظر إلى ما يجب صنعه بدون مغالاة كما يليق بأهل الاقتدار.
٥٦
تذرعوا بالصبر فإن الإنسان المتفوق مرتبتكم التالية، فيجب عليكم أن تتصفوا بالاعتدال والرجولة.
لنرفعن الإنسان فوق مستواه أُسوة باليونان، فلا نطمح إلى الخوارق العقلية، وخير لنا أن نستبعد العقل الراجح إذا قيده الخلق الضعيف والأعصاب المتهدمة، وليكن هدفنا إنماءَ الجسد كله لا الدماغ وحده.
٥٧
ما الإنسان إلا كائن يجب التفوق عليه، نظرة إلى خطوات اليونانيين المتزنة بلا تسارع ولا إبطاء.
نظرة إلى طلائعي: هرقليت وأمبيدوكل وسبينوزا وغوته.
٥٨
-
(١)
التضجر من الذات. ترياق ضد الندم. تحول الأمزجة «الوسائل الغير العضوية». الإرادة في عدم الارتياح. يجب أن يصل عطشنا إلى أشد حالاته قبل أن نحاول اكتشاف ينبوع لإروائه.
-
(٢)
تحويل الموت ليصبح وسيلة للظفر والمجد.
-
(٣)
المرض وما يتخذ تجاهه. حرية اختيار الموت.
-
(٤)
الحب الجنسي كوسيلة لبلوغ المثل الأعلى «التشوق إلى الفناء في القوة المعاكسة.» محبة الألوهية المتألمة.
-
(٥)
التوليد كأقدس الأعمال، الحبل. إبداع الرجل والمرأة الذين يتجهان بإيجاد الطفل إلى التلذذ بوحدتهما ورفع هيكل لاتحادهما.
-
(٦)
الإشفاق كخطر. إيجاد الأحوال الملائمة ليتمكن كل فرد من معونة نفسه ومن التمتع بحريته في قبول المساعدة أو رفضها.
-
(٧)
الثقافة في اتجاه الشر ليثير الإنسانُ شيطانه الكامن.
-
(٨)
الجهاد الداخلي كوسيلة للرقي.
-
(٩)
حفظ النوع وفكرة العودة المستمرة.
٥٩
سُنَّةٌ أوليَّة: تخطي المراتب دون طفرة، وبلوغ الكمال في كل مرتبة بالشعور بالارتياح فيها.
العمل أولًا في التشريع. إن فكرة العودة المستمرة فكرة بعد الوعد بالإنسان المتفوق مروعة ولكنها أصبحت مقبولة الآن.
٦٠
إن الحياة نفسها قد أوجدت فكرةً هي أصعب ما تحتمل الحياة؛ لأنها تطمح إلى تذليل أعظم عقباتها، وهي أن يطلب الإنسان العدم ليتمكن من العودة إلى الوجود يومًا.
لتكن حياتك عبارة عن تحول في ألف روح، وليكن هذا ما قُدِّر عليك، فتصبح إرادتك منصبة على قبول هذه الحلقات المتوالية.
٦١
إن أعظم ما نطمح إليه هو أن نرضى بخلودنا ونتحمَّله.
٦٢
إن الفترة التي أتيت فيها بفكرة العودة المستمرة إنما هي فترة خالدة، أحتمل من أجلها هذه العودة.
٦٣
إن مبدأ العودة المستمرة يرهق النبلاء لأول وهلة؛ لأن هذه العودة تؤدي في الظاهر إلى القضاء عليهم للاستبقاء على مخلوقات سخيفة أقل ضررًا، ولعل النبلاء يقولون: «يجب إبادة هذا المبدأ وقتل زرادشت.»
٦٤
يتردد أتباع زرادشت ويقولون: «سنتوصل إلى الاعتياد على هذا المبدأ، غير أنه سيدفع بنا إلى القضاء على العدد الأوفر من الناس.»
يضحك زرادشت ويقول: «لقد وضعت المطرقة في يدكم وعليكم أن تستعملوها.»
٦٥
إنني لن أخاطبكم كما أخاطب الشعوب؛ لأن كل شعب يقضي على نفسه باحتقارها، ويتبادل الشعوب الاحتقار فيُفني أحدهم الآخر.
٦٦
إن طموحي إلى فعل الخير يضطرني إلى الصمت غير أن إرادتي المتجهة إلى إبداع الإنسان المتفوق تأمرني بأن أتكلم وأضحِّي حتى مَن أحب.
عليَّ أن أتطبع وأتحوَّل فأطبعكم وأحولكم، ولا سبيل لنا بغير هذا إلى احتمال هذا الإنسان المتفوق.
٦٧
منشأ الإنسان الراقي. إن ثقافة الرجل الأفضل تقوم على الألم الأشد. بيان عن المثل الأعلى الذي يتجه إليه زرادشت ويستدعي ما تحمَّل من تضحية في سبيله؛ إذ ترك مسقط الرأس والأسرة والوطن. الحياة عرضة لتحقير الفضيلة السائدة. آلام التجاريب وصدمات اليأس، التخلي عن الملاذ التي تتاح للإنسان عند اتجاهه إلى المثل الأعلى القديم، وهي ملاذ يتذوق منها الحرُّ طعم الأشياء المضرَّة أو يشتم منها نكهة غريبة.
٦٨
إن القلب المبدع قد أولى الأشياء قيمتها ومعناها، ثار شوقه فعمد إلى الابتداع موجدًا اللذة والألم، ثم طمح إلى إشباع شهوته ألمًا.
فعلينا أن نتحمل كل ما أحس به الإنسان والحيوان من آلام فيما مضى، وعلينا أن نجعل لهذه الآلام صفة مثبتة، وأن نقيم لنا هدفًا يبرر احتمالنا لها.
٦٩
من الأوليَّات «إن بوسعنا أن نعتبر الألم نعمة والسم غذاء. نظرة في إرادة الألم.»
٧٠
إن الإعداد للآتي يستلزم بطولة، ولا سبيل لأن يحتمل الإنسان نفسه إذا هو لم يتشوق إلى الرقي المطلق.
علينا ألا نكتفي بالاتجاه نحو الرقي في حالة واحدة؛ إذ من الواجب أن نطمح إلى مجاراة الحياة فنصير إلى إعداد أنفسنا لتكرار الرجوع في حالات متعددة.
علينا ألا نهتم بآراء الغير؛ لأننا نعرف ما هي مقاييسهم وموازينهم، وإذا كنا نحن موضوع هذه الآراء وجب علينا أن نتلقاها بالإشفاق على أربابها.
٧١
على الأتباع العاملين لنشر المبادئ أن يتصفوا بثلاث صفات: الإخلاص والقدرة على التفاهم والتساوي في المعرفة.
٧٢
وصفُ الإنسان الراقي على مختلف أنواعه، وما يعتوره من انحطاط وما يهدده من عوامل الفناء. إيراد أمثلة عديدة «كدوهرين» الذي أردته العزلة.
ذكر ما قُدر على أهل الرقي في هذا العصر واتجاههم إلى الانقراض. صوت الاستنجاد الموجه إلى زرادشت. أنواع التدني في الرقي.
٧٣
- (١)
جوَّابة الآفاق التائه المضطرب المتناسي حبَّ شعبه في حبه لشعوب عديدة؛ الأوروبي الحقيقي.
- (٢)
ابن الشعب العبوس الطموح اللاجئ إلى العزلة كيلا يعمل على الهدم؛ إنه عِدَّةٌ للعمل.
- (٣)
أقبح العالمين، الذي يجد نفسه مضطرًّا للتزيُّن والتفتيش أبدًا على أساس جديد، فهو يطمح إلى الظهور بمظهر لا يورث النفرة، ولكنه يلجأ إلى العزلة أخيرًا كيلا يراه أحد؛ إنه يستحيي نفسه.
- (٤)
عاشق ما يقع تحت الحس: «دماغ العلقة» إنما هو الضمير الفكري المرهق داؤه التطرف؛ فهو من يطلب إنقاذ نفسه من نفسه.
- (٥)
الشاعر الطامح إلى لذة الحرية، يختار العزلة أخيرًا طلبًا للمعرفة القاسية.
- (٦)
مخترع العقاقير المسكرة، إنه الموسيقي الساحر الذي ينتهي به حاله إلى الانطراح أمام قلب محبٍّ هاتفًا: «لا تأتِ إليَّ فإنني أريد أن أقودك إلى غيري.»
وهنالك أيضًا الزاهدون الذين يشتهون السكر ولا قِبَل لهم به؛ لأنهم قد تجاوزوا حدود الزهد.
- (٧)
العبقري — باعتبار العبقرية إغراق في الجنون — إنه الإنسان المستحيل إلى جليد لفقدانه الحب.
«ما أنا بالعبقري ولا بالإله.»
الحنان الأعظم بازدياد الحب.
- (٨)
الغني الذي يهب كل ما يملك، ثم يدور قائلًا لمن يصادف: «إذا كنت ثريًّا فأعطني نصيبي.» ذلك هو الغني المتسول.
- (٩)
الملكان يتخليان عن الملك قائلين: «إننا نفتش على من هو أليق للحكم منا.»
لا وجود للرجل العظيم فلا وجود إذن للتعظيم.
- (١٠)
المتظاهر بالسعادة.
- (١١)
العراف المتشائم الذي يرى الضيم أيان اتجه.
- (١٢)
مجنون المدينة العظمى.
- (١٣)
الشاب على الجبل.
- (١٤)
المرأة المفتشة على الرجل.
- (١٥)
العامل وحديث النعمة الناحل الحسود.
- (١٦)
الصالحون.
جنونهم في سبيل الله أو بالحري في سبيل أنفسهم.
- (١٧)
الأتقياء.
جنونهم في سبيل الله أو بالحري في سبيل أنفسهم.
- (١٨)
القديسون.
جنونهم في سبيل الله أو بالحري في سبيل أنفسهم.
٧٤
لقد بذلت لكم الفكرة الثقيلة المرهقة المؤدية إلى فناء الإنسانية فهل تُبعث هذه الإنسانية يا ترى بعد تذليل عقباتها والقضاء على العناصر القاتلة للحياة؟
لا تذموا الحياة بل وجهوا الذمَّ إلى أنفسكم.
ما يجب أن يستقر عليه الإنسان الراقي بصفته مبدعًا تنظيم جماعة الراقين وتثقيف من سيئول الحكم إلى يدهم يومًا.
لتفوقكم أن ينعم بما يأتيه من تحكم ومن تبديل.
إن الإنسان سيعود تكرارًا وأبدًا، وليس هو العائد فحسب بل الإنسان المتفوق أيضًا.
٧٥
إن العزلة بأنواعها السبعة إنما هي المحنة الخاصة بالمصلحين، وهي تعزيتهم أيضًا فالمصلح يتعالى فوق الأزمنة وارتفاعه يقيض له الاتصال بجميع المصلحين والمجهولين في كل زمان، وليس له من وسيلة للدفاع عن نفسه إلا جماله، فهو يقبض على آلاف السنين الآتية ويزداد حبه كلما امتنع عليه أن يفعل الخير بدافع هذا الحب نفسه.
٧٦
إن زارا لا يتململ في صبره وهو ينتظر قدوم الإنسان المتفوق، بل يتوقع هذا الحدث مطمئنًا وقد اتجهت كل حركةٍ شطرَ هدفها متكاملة مسددة الخطى.
إن النهر العميق هادئ في سيره، ولأصغر الأمور ما يبررها.
في القسم الثالث من زرادشت، يجب استعراض كل اضطراب وكل شهوة جامحة وكل اشمئزاز والتغلب عليها.
ما كان اللطف والحنان في القسمين الأول والثاني إلا دليلًا على القوة التي لم تتوصل إلى الوثوق من ذاتها.
عند بلوغ زرادشت الشفاء، يتجلى «القيصر» بكل صرامته وكل خيره وحنانه، وعندئذ يتهدم الحائل ما بين قوة الإبداع والحنان والحكمة، فيسود الجلاء والطمأنينة وتضمحل الشهوات الجامحة وهكذا تبلغ السعادةُ الخلودَ؛ إذ يُحسن الإنسانُ التمتع بها.
٧٧
زرادشت «القسم الثالث».
لقد بلغتُ السعادة بنفسي.
عندما ابتعد عن الناس عاد إلى نفسه، فكأن غمامة انقشعت من جوِّه.
الحياة التي يجب على الإنسان المتفوق أن يتمتع بها إنما هي حياة إلهٍ «أبقراطي».
إن ما يرد في هذا القسم الثالث إنما هو وصف الآلام الإلهية، ولم تُذكر أحوال المشترع الإنسانية إلا على سبيل المثال، فإنه يرى أخيرًا أن محبته لأصحابه علة يُشفى منها فيعود إلى الراحة والسكون، وعندما تأتيه الدعوة ينسحب على مهل.
٧٨
يجب أن يُؤتى في القسم الرابع بإيضاح مفصَّل عن سبب إشراق الظهيرة العظمى في حينها، فلا بد إذن من وصف الحقبة الملائمة للظهور على أن يتولَّى زرادشت تأويل هذا الوصف.
ويجب أن يبين في الفصل الرابع السبب الحقيقي لوجوب خلق الشعب المختار أولًا، وهو شعب يلائم رجالُه زمانَهم فيأتون أضدادًا لمن لا تتفق أحوالهم مع الزمان، ولا يعهد زرادشت بحل القضايا إلا لمن يظهرون أخيرًا فيدعوهم إلى العمل على تحقيق نظرياته، وهي نظريات صحيحة ولا محاباة فيها والنبل من أخص مميزاتها.
وهكذا يتسلم هؤلاء الناس المطرقة التي ستتولى المُلك في العالم.
٧٩
التكافؤ في القدرة بين المبدع والعاشق والعارف.
٨٠
«للحب وحده أن يتولى القضاء.» فالحب يُبدع ويجحد نفسه في ما يبدع.
٨١
لا سعادة في اتباع شرعة زرادشت إلا حين يستتب نظام التسلسل، وهو ما يجب تعليمه قبل كل شيء نظامًا تقوم عليه الحكومة في العالم؛ إذ توجد طائفة جديدة للسيادة فيه، ومن هذه الطائفة يخلق في كل مكان إله أبقراطي هو الإنسان المتفوق الذي يغير صفحة الوجود ويبدِّل الحياة تبديلًا.
إن العالم الذي يتفوق على الإنسانية إنما يعود بها بعد هذا الجنوح إلى بذل حبه للأصاغر والمتضعين.
زرادشت يموت وهو يبارك جميع حوادث حياته.
٨٢
لقد كفانا أن نكون أُناسًا يصلِّون فعلينا أن نصبح أُناسًا يباركون.