الصورة الممزقة (١)
الافتتاحية
تملأ الكادر صورة وجه محمود (البطل) وقد مُزِّقَت إلى نصفَين بالطول، فظهر وجهه منقسمًا بالطول إلى نصفَين متساويَين.
يتحرك نصفَا الصورة مقتربَين ومبتعدَين تصحبهما الموسيقى المناسبة.
موسيقى تعبِّر عن معنى التمزُّق النفسي واليأس، ثم تعبِّر عن معنى التحدي والكفاح والعمل، ثم تعبِّر عن معنى البعد والصراع، ثم تعبِّر عن معنى القرب والهدوء.
تختفي صورة وجه محمود وتظهر صورة سعاد (البطلة) تملأ الكادر أيضًا وقد مُزِّقَت بنفس الطريقة إلى نصفَين بالطول.
نصفَا الصورة يقتربان ويبتعدان أيضًا كالسابقة، يختفي نصف وجه سعاد ويحل مكانه نصف وجه محمود.
تتردَّد الموسيقى بين هذه المعاني جميعًا بما يتفق والصورة الممزَّقة التي تظهر على الشاشة.
نصفَا الوجهَين يقتربان ويبتعدان، ويقتربان، ثم يبتعدان بقوة وبسرعة، لحظة صمتٍ مطبق.
موسيقى عنيفة تعبِّر عن الانفصال والعنف.
يملأ الكادر بابٌ مغلق (باب بيت)، لحظة صمتٍ مطبق.
تسمع من خلف الباب المغلق صوت امرأة تصرخ صرخةً عالية جدًّا تنم عن الرعب: آه!
يُفتح الباب بقوة وبسرعة وتندفع منه سعاد.
البطلة، تظهر شابةٌ ناضجة مهملة الملابس تحمل طفلها الرضيع على كتفها وقد لُفَّ في بطانية صوتٍ صغيرة.
موسيقى مناسبة.
سعاد تجري على السلَّم وهي تحمل طفلها في فزع وخوف. لا تنظر خلفها.
موسيقى مناسبة.
الكاميرا تصعد إلى الباب وقد أصبح نصف مفتوح. يظهر من خلفه في الظلام الدامس قدمان لرجل يمشي بخطواتٍ ثقيلة.
يُسمع صوت وقع القدمَين على الأرض ثقيلةً مخيفة.
تُسمع صوت ضحكة رجل مجنونة: ها! ها! ها!
تتوقَّف الضحكة فجأة.
لحظة صمت.
تظهر يدا الرجل مكبَّرتَين وهما تمسكان بشيءٍ مدبَّب طويل (يشبه الحقنة ولكن لا يظهر بوضوح في الظلام). اليدان تتحركان في عصبية وترتعشان. يدٌ منهما تظهر فقط، موسيقى تعبِّر عن معنى التمزُّق، وتختفي الأخرى. تظهر اليد وهي مُمسِكة بالإبرة في الذراع الممدودة.
تُسمَع صوت صرخة رجلٍ مكتومة تعقبها لحظة صمت: آه!
ثم يُسمَع نشيج رجلٍ يبكي في يأس.
نشيج رجلٍ مكتوم.
تظهر سعاد وهي تجري في الشارع وطفلها على كتفها … تتلفَّت وراءها في خوفٍ، ثم تجري بسرعة كالمجنونة.
يبدو على وجهها الذعر.
الشارع طويل في الظلام الدامس.
تجري فترةً من الوقت.
سعاد تتوقَّف لاهثة أمام بابٍ مغلق.
تقف أمام الباب متردِّدة.
تنظر إلى نوافذ البيت المغلقة في تردُّد.
تدُق الجرس مرةً أخرى في حذَر.
لا أحد يرُد.
تدق الجرس مرةً ثانية.
لا أحد يرُد.
تدُق الجرس بقوة وعنف وخوف.
لا ترفع يدها عن الجرس حتى يُفتَح الباب. يُفتَح الباب ويظهر رجلٌ كبير السن بملابس النوم (والد سعاد) على ملامحه الفزع والدهشة والذهول.
سعاد تلقي بنفسها على صدره وتنفجر في النشيج: بابا! بابا!
يضمُّها الأب في لهفة وهو يرتعش ويقول: سعاد! بنتي! بنتي!
الدموع تظهر في عينَي الأب، سعادُ تبكي وهي على صدره. الأب يربتُ عليها في حنان ويداه ترتعشان.
(سعاد تصعد السلم إلى حجرة نومها وعلى كتفها ابنها. تدخل حجرة نومها القديمة (حجرة نوم تلميذة في الجامعة لأسرة ميسورة الحال؛ سرير، دولاب، تسريحة، مكتب، كرسي، شماعة … إلخ).)
(سعاد تتأمل الحجرة لحظة وقد غابت عنها طويلًا، ثم تضع ابنها على السرير وتغطيه. تترك الطفل وتدور في الحجرة تتأمل كل شيء في شرود. تنظر إلى نفسها في المرآة. ترى شعرها شعثًا وملابسها مهملة. تترك المرآة وتعود تتمشَّى في الحجرة.)
(تعثُر على عروسةٍ صغيرة. تُمسِك العروسة في يدَيها وتتأملها. تجلس على كرسيٍّ مريح بجوار السرير وفي يدها العروسة.)
(تنظر بإمعان إلى وجه العروسة وتستعيد ذكريات قصتها منذ كانت طفلة تلعب بنفس هذه العروسة التي تمسكها الآن.)
(فلاش باك.)
تظهر أم سعاد في حجرة الطعام.
حجرة طعام في منزل تاجر من تجار بنها ميسور الحال.
أم سعاد تجهِّز الأطباق على المائدة.
أخو سعاد، ماجد (لا يزال صغيرًا أصغر من سعاد بعامٍ واحد) يجلس على أحد كراسي المائدة في كبرياء.
الأم تنادي على سعاد التي في المطبخ.
(يُسمع صوت سعاد وهي ترُد من المطبخ.)
(سعاد تدخل إلى حجرة الطعام تحمل سلطانيةً كبيرة من الشوربة.)
(تبدو سعاد طفلة في العاشرة لها ضفائرُ طويلة، تضع سلطانية على السفرة.)
(تنظر سعاد إلى أمها في غيظ، ثم أخيها الجالس في غيظ. تمسح العرق من فوق جبهتها.)
(الأخ يمد يده بطبقٍ فارغ ويشير إلى سعاد بحركةٍ آمرة أن تغرف له الشوربة.)
(سعاد تنظر إليه في غيظٍ ولا تطيع.)
(سعاد تنظر إليه في غيظ.)
مش عيب تكلمي اخوکي كده؟
(ماجد ينظر إلى سعاد ويخرج لها لسانه.)
(تدخل الدادة تحمل سلطانيةً كبيرة من البامية وتضعها على السفرة.)
(الدادة ترفع يدَيها وتدعو الله.)
(الأم تغرف الصحون وتضعها على السفرة. الدادة تشير إلى سعاد. يظهر على سعاد السرور والفرح، وتنظر إلى ماجد، وتُخرِج له لسانها.)
(ماجد ينظر إلى سعاد في تشفٍّ.)
(يدخل الأب إلى حجرة الطعام ويجلس.) الدادة تخرج ومعها بعض الأطباق.
(ماجد ينظر إلى سعاد في تشفٍّ.)
(سعاد تنظر إلى ماجد في تشفٍّ.)
(ماجد ينظر إلى سعاد في تشفٍّ ويُخرِج لها لسانه.)
(أم علي الدادة تدخل ومعها طبق الحمَام وتضعه أمام الأب، ثم تخرج.)
(الأب منهمك في أكل الحمام.)
(الأم تكدِّس اللحم في طبق ماجد. صورة مكبَّرة لطبق ماجد مليء باللحم. صورة مكبَّرة لفمه الممتلئ بالطعام على آخره. يمضغ بسرعة ثم يشرب الشوربة بصوتٍ عالٍ.)
(الصوت الذي يحدثه ماجد وهو يشرب الشوربة.)
(صورةٌ مكبَّرة لطبق سعاد وفيه قطعةٌ صغيرة من اللحم، وصورةٌ مكبَّرة لها لفمها وهي تأكل برقة وتمضغ بهدوء. ثم تشرب الحساء بلا صوت.)
(سعاد تنهض وتغادر حجرة الطعام. الأب ينظر إليها وهي تخرج.)
صوت الراوية:
بنت! بنت! بنت!
سعاد بضفائرها الطويلة تجلس في حجرتها إلى جوار نافذةٍ مفتوحة وفي يدها كتابٌ تنظر فيه وهي حزينة (النافذة تطل على حديقة البيت).
منظر سعاد تجلس وأمها تمشِّط شعرها. صورةٌ مكبَّرة لرأس سعاد وشعرها وأمها تشُد شعرها وتُضفِّره في ضفائرَ بشدة. وجه سعاد مكبَّر وهي تتألم وشعرها يُشد ويُضفر.
بنت، تلك الكلمة البغيضة التي كنت أسمعها من أمي كل يوم، بل كل ساعة.
ولم يكن لكلمة بنت في نفسي إلا معنًى واحد هو أني لستُ ولدًا. لستُ مثل أخي!
أخي يقُص شعره ويتركه حرًّا لا يمشِّطه، وأنا شعري يطول ويطول، وتمشِّطه أمي في اليوم مرتَين، وتقيِّده في ضفائر، وتحبس أطرافه بأشرطة.
صورةٌ مكبَّرة لسعاد وهي تنفض ملاءة سرير بقوة. وهي واقفة أمام الحلة في المطبخ تقلِّب فيها على النار. صورة ماجد وهو يلعب مع زملائه في الحديقة.
صورةٌ مكبرة لفم ماجد مليء بالطعام يمضغ بسرعة.
وصورةٌ مكبَّرة لطبقه مُلئ باللحم. صورةٌ مكبَّرة لفم سعاد وهي تأكل ببطءٍ شديد وطبقها يحتوي على قطعةٍ صغيرة من اللحم.
أما أنا. أنا بنت. عليَّ أن أراقب حركاتي وسكناتي. عليَّ أن أخفي شهيتي للأكل فآكل ببطء وأشرب الحَسَاء بلا صوت.
(صورةٌ مكبَّرة لساقَي ماجد وهو يقفز ويلعب ويتشقلب.)
أخي يلعب، يقفز، يتشقلب. وأنا إذا جلستُ وانحسر الرداء عن سنتيمتر من فخذي فإن أمي ترشقني بنظرةٍ مخلبية حادَّة فأُخفي عورتي.(منظرٌ مكبَّر لساقَي سعاد مضمومتَين وهي جالسة وقد ارتفع الفستان قليلًا عن ركبتَيها.)
(منظر وجه أمها تنظر إليها نظرة حادة.)
(منظرٌ مكبَّر ليد أمها وهي تشد الفستان لتُخفي ركبتَي سعاد.)
عورة! كل شيء فيَّ عورة وأنا طفلة في العاشرة من عمري!(منظر سعاد وهي تغلق باب حجرتها عليها وتجلس وحدها تبكي.)
أغلقتُ باب غرفتي عليَّ وجلستُ أبكي وحدي.لم تكن دموعي الأولى في حياتي لأنني فشلتُ في مدرستي، أو لأني كسرتُ شيئًا غاليًا، ولكن لأني بنت.
(وجه سعاد مكبَّر وعيناها مليئتان بالدموع.)
فتحت عيني على الحياة وبيني وبين طبيعتي عداء. بكيتُ على أنوثتي قبل أن أعرفها. وقبل أن أعرف أي شيءٍ عن نفسي وجنسي وأصلي.(صراخ أطفال مرح وضحك وتهليل ولعب.)
تظهر سعاد وهي جالسة في حجرتها بجوار النافذة يصل إلى سمعها صوتُ ماجد وأصحابه وهم يلعبون في الحديقة. تغلق الكتاب الذي في يدها وتقف تنظُر اليوم وهي حزينة.
تتركُ النافذة وتمشي إلى السرير وتُلقي نفسها عليه في غضب وتجهَش بالبكاء.
(صوت بكاء.)
تتوقَّف عن البكاء، ثم تجلس على السرير تفكِّر في غضب.
تدخل الدادة أم علي وهي تُغنِّي.
ما لك يا ست سعاد؟ ما لك يا حبيبتي؟
(تنظر إلى سعاد الحزينة.)
(سعاد يظهر عليها الفرح وتجري إلى الدادة وتُمسِكها من يدها في حماس وأمل.)
(سعاد تعانقها وتقبِّلها في سعادة.)
(الدادة تخرج. سعاد تقفز في حجرتها من الفرح ثم تقف على باب حجرتها تتسمَّع ما تقوله الأُسرة.)
صالة البيت والأب والأم وماجد يجلسون يشربون الشاي ويتحدَّثون.
(ماجد يشرع في البكاء.)
(تظهر صورة سعاد وهي على باب حجرتها تسمع وتضحك على ماجد وهو يبكي.)
(يظهر وجه سعاد غاضبًا لكلام أمها.)
(الدادة تدخل.)
(يظهر وجه سعاد وعليه الاهتمام والأمل.)
(سعاد يبدو عليها الغضب.)
(يبدو على وجه سعاد الغضب وتجز على شفتَيها في غيظ من أمها.)
(يبدو على وجه سعاد البشر وتهزُّ يدها في الجو مشجعة الدادة دون أن تراها.)
(يبدو على الأم الغضب وتهز يدَيها في يأس.)
(يبدو على سعاد الضيق.)
(وتشُد شعرها في غيظ.)
(الدادة تنظر إلى الأب في استنجاد.)
(سعاد تقف منتظرةً مرهفة السمع لما ينطقه أبوها. الأب ينهض من جلسته قائلًا):
(يظهر على سعاد اليأس.)
(سعاد تجري وتلقي نفسها على السرير وتضرب الوسادة في غيظ. تهز رأسها في ثورة. وتخبط رأسها في السرير وتبكي.)
(تنهض بعد لحظة. تجفِّف دمعها ويظهر على وجهها التحدي والقسوة. تكلِّم نفسها.)
(تفكِّر لحظة وتنظر ناحية الدولاب.)
أيوه! حاشرب إزازة الصبغة يود اللي في دولابي عشان الست ماما تنبسط قوي! وكفاية عليها سي ماجد! يبقوا يجوزوه هو للأستاذ توفيق!(تجري سعاد إلى الدولاب وتُخرج زجاجة صبغة اليود. تدخل الدادة. سعاد تقف مذعورة. الدادة تفزع. سعاد تُخفي الزجاجة وراء ظهرها.)
(الدادة تقترب من سعاد. سعاد تُظهِر لها الزجاجة وتقول في ثورة):
(ترفع الزجاجة إلى فمها. الدادة تصرخ في فزع وتجري نحوها. الأب والأخ يدخلون إليهما مهرولين فزعين؟!)
(موسيقى مناسبة.)
منظرٌ مكبَّر لجرس مدرسةٍ كبير. يدُق الجرس دقاتٍ متكرِّرة.
دقات الجرس.
منظر فِناء في مدرسة بنات. البنات سمعن الجرس فيجرين ويتجمَّعن في طوابير. طابور منهم يسير ويدخل فصلًا من الفصول. البنات يجلسن. سعاد تُرى جالسة في الفصل منتبهة جدًّا. زميلة إلى جوارها تلعب بصورة في يدها. تظهر صورة رجل مكبَّرة.
زميلةٌ أخرى تضع على حجرها كتابًا عنوانه: الحب الأول.
صوت الراوية:
وانتصرتُ على أمي، وعرفت أنني لا أستطيع أن أنال حقي إلا بالقوة، وأصبح هدفي في حياتي أن أنجح لأُصبِح قوية وأُثبِت لأمي أنني قوية.
وفي المدرسة الثانوية الداخلية صمَّمتُ على أن أكون في المقدمة دائمًا. وكانت البنات من حولي يلعبن ويلعبن، لكني كنت وحدي دائمًا، مع الكتاب!
زميلةٌ أخرى تأكل في آخر الفصل. المدرسة تشير إلى سعاد. سعاد تقف وتردُّ على سؤال المدرسة. المدرسة تصفِّق لها والبنات يُصفِّقن لها.
الجرس يدُق. منظر الجرس وهو يتحرك.
منظر البنات وهن يجرين في الفناء ويلهون ويلعبن الكرة. الضابطة تمر عليهن وتأمرهن بعدم القفز عاليًا. يظهر على البنات الخوف من الضابطة. الضابطة تسير بينهن تلقي عليهن الأوامر.
الجرس يدُق. منظر الجرس وهو يتحرك. البنات يقفن طوابير. الطوابير تدخل المطعم. البنات يأكلن. الضابطة تمر عليهن وتُلقي عليهن الأوامر بشأن آداب الأكل.
الجرس يدُق، منظر الجرس وهو يتحرك.
البنات يَجْرون ويصعدون إلى عنابر النوم.
يظهر عنبر نومٍ في مدرسة بنات داخلية.
تظهر أسِرَّةٌ كثيرة صغيرة. ودواليبُ صغيرة، بناتٌ كثيرات. فتاة تُغنِّي وحولها بعض البنات.
صوت فتاة تغني أغنيةً مرحة. موسيقى.
سعاد تجلس على سريرها تذاكر في كتاب الكيمياء. يظهر عنوان الكتاب مكبرًا. «الكيمياء».
بنتٌ أخرى تجلس على سريرها وإلى جوارها بنتٌ أخرى تتهامسان وتضحكان بصوتٍ مكتوم. واحدةٌ منهما تمسك كتابًا، ويظهر عنوان الكتاب مكبَّرًا، الحياة الجنسية.
ضحك مكتوم.
فتاةٌ ترقص أمام المرآة وحولها بعض البنات يضحكن ويرقصن.
ضحكات. صراخ. تهليل بنات.
تدخل الضابطة.
البنات يجرين إلى الأَسرة وكل واحدة تدخل في سريرها وتغطِّي رأسها باللحاف. الضابطة تمر عليهن وتفتِّش على الأَسرة وتكشف الغطاء عن رءوس بعض البنات للتأكُّد أن كل بنتٍ في سريرها وحدها. تخرج الضابطة.
سعاد تُخرج رأسها من تحت الغطاء من السرير وتمشي حافيةً على أطراف أصابعها وتخرج إلى الشرفة.
تظهر فوزية (زميلة سعاد) واقفة في الشرفة ومعها صورة. تظهر الصورة مكبَّرة لشاب. فوزية تلتفت خلفها فترى سعاد.
(سعاد تقترب من فوزية وتقف إلى جوارها.)
(تظهر البنتان اللتان كانتا تمسكان بكتاب الحياة الجنسية ومعهما الكتاب يقرآن ويضحكان.)
(تظهر البنت التي معها كتاب «الحب الأول» تقرأ فيه باهتمام شديد.)
(تظهر صورة فتاة في العنبر تقف أمام المرآة تتحسَّس الفستان الضيق على جسدها وخصرها.)
(فوزية تعطي صورة الشاب لسعاد تتأملها لحظة.)
(فوزية تُقبِّل الصورة في حب.)
تعالي! تعالي اقرأ لك جواباته اللي كلها حب وغرام وهيام. تعالي.
(فوزية تشُد سعاد من ذراعها إلى داخل العنبر وهي تقول. يدخلان العنبر.)
(سعاد تذهب إلى سريرها. فوزية تُخرج من دولابها رزمة جوابات زرقاء وتجري على أطراف أصابعها وتدخل في السرير بجوار سعاد. تمد يدها وتضيء نور السرير وتقرأ لها الخطابات في همس.)
(تسمع أقدام الضابطة. يبدو الذعر على فوزية وسعاد.)
(فوزية تمد يدها وتطفئ النور.)
(وتدخل في السرير بجوار سعاد. تغطيان رأسَيهِما.)
(الضابطة تدخل. تضيء النور. تفتِّش كعادتها على البنات في أَسِرتهن.)
(يأتي دور سرير سعاد. تكشف الغطاء عنها. ترى فوزية نائمة إلى جوارها في السرير. تبدو الدهشة على وجه الضابطة.)
(البنات يُخرجن رءوسهن من تحت الأغطية على صوت الضابطة.)
(فوزية وسعاد مضطربتان. لا تردَّان على الضابطة.)
حسيت إني خايفة يا أبلة.
(البنات يضحكن بصوتٍ مكتوم.)
(البنات يضحكن بصوت عالٍ.)
وانتي؟ إنتي كمان يا سعاد اللي فاكرينك بنت كويسة؟
(البنات يضحكن.)
(البنات يضحكن بشدة.)
بكرة الصبح ان شاء الله انتم الاثنين تيجوا معايا لحضرة الناظرة.
ودلوقت كل واحدة تروح سريرها … بسرعة! یالله! بلا مسخرة وقلة حيا!
(كل بنت تذهب إلى سريرها.)
(الضابطة تمر عليهم في صرامة. تطفئ النور وتخرج.)
حجرة مكتب حضرة الناظرة. الناظرة امرأة صارمة عانس. تجلس على مكتبها وتجلس على كرسي إلى جوارها أبلة ليلى مدرسة الرسم تتحدثان حول الموضوع.
(تدخل الضابطة تجر سعاد وفوزية.)
(الناظرة تضحك في سعادة.)
(الناظرة تضحك في سعادة ضحكةً طويلة، ثم تلتقي عيناها فجأة بعينَي فوزية وسعاد الواقفتَين بباب الحجرة. تتقلَّص ملامحها الضاحكة بسرعة ويرتسم على وجهها تكشيرةٌ مخيفة.)
(الناظرة تشير إلى فوزية بإصبعها.)
(الناظرة تنظر إلى سعاد.)
(تلتفت الناظرة إلى الضابطة.)
وإنما سعاد فحَدِّيها فرصة أخيره عشان دي أول غلطة لها. اخصمي منها يا ست فهيمة عشر نمر أخلاق من نمرة الفترة الثانية.
(سعاد يبدو على وجهها الألم والحزن، فوزية يبدو على وجهها الفرح.)
(الضابطة تسوق سعاد وفوزية أمامها كالمتهمين في جريمة.)
(تخرج وراءها أبلة ليلى.)
(الفرَّاشة تدخل.)
(الناظرة تقف وتذهب إلى مرآة في الحائط. تنظر إلى نفسها. تصفف شعرها. تخرج قلم الروج من حقيبتها وتطلي شفتَيها اليابستَين. تجلس في وقار على المكتب.)
(تدُق الجرس. تدخُل الفرَّاشة.)
سعاد تقف في شُرفة العنبر التي تُطِل على حديقة المدرسة. الدنيا ليل. سعاد تتطلَّع إلى السماء شاردة تفكِّر. تتمشَّى في الشرفة وحدها وهي وحيدة تفكِّر. تقف وتتَّكئ بمرفقها على سور الشرفة، وتنظُر تحت حديقة المدرسة. تبدو الدهشة والذعر على وجه سعاد.
تظهر الضابطة وهي تمشي بحذر في الحديقة في الظلام. وتتلفَّت حولها حتى لا يراها أحد. تسرع الخطى نحو شابٍّ يقف خلف شجرةٍ صغيرة. الشاب يقترب منها، ويعانقها، ويلُف ذراعَيه حول خصرها.
وجه سعاد يظهر مكبَّرًا وقد ارتسم عليه الذعر والدهشة. تتسمَّر في مكانها لحظة، ثم تدخل مسرعة إلى العنبر.
العنبر مليء بالصخب والعناق وقبلات الوداع؛ فالليلة هي آخر ليلة للبنات في المدرسة وقد أدَّين امتحان التوجيهية وبدأَت إجازة الصيف.
واحدة تجهِّز حقيبتها وتدُس فيها ملابسها من الدولاب.
واحدة تكتُب في أوتوجراف أخرى.
واحدة تُهدي صورتها للأخرى.
واحدة تكتُب عنوانها للأخرى.
واحدة تُعانِق الأخرى وتُقبِّلها، وتبكي. واحدة تضحك.
صخب. ضحك. بكاء. وداع.
سعاد تدخُل إلى العنبر شاردة وحدها تفكِّر. تذهب إلى المرآة. وتقف أمامها.
فتاةٌ أخرى تقف أمام المرآة ترتدي ملابسها. يظهر صدرها من فتحة الفستان.
وتشد الحزام على خصرها.
سعاد تنظر إلى نفسها وإلى الفتاة وترى الفرق بينها وبين الفتاة كبيرًا.
صورةٌ مكبَّرة لشعر سعاد المنكوش وشعر الفتاة المصفَّف عاليًا.
صوت الراوية:
كنتُ أُحس أنني أختلف عن البنات. ملابسي غير ملابسهن. وشعري غير شعرهن. وحذائي غير حذائهن.
نعم، لم أكن مثل البنات. كنتُ أُحاوِل أن أُخفي مظاهر أنوثتي.
صورةٌ مكبَّرة لصدر الفتاة البارز من الفستان وصورةٌ مكبَّرة لصدر سعاد وهي تبطِّطه تحت فستانٍ مقفول حشمة له زرايرُ مغلقة. صورةٌ مكبَّرة لقدمَي الفتاة في حذاء بكعبٍ عالٍ.
صورةٌ مكبَّرة لقدمَي سعاد في حذاءٍ منخفض. الفتاة تتحسَّس جسدَها في إعجاب. عينا سعاد مكبَّرتان تنظُران إليها. يدا الفتاة مكبَّرتان على خصرها.
الفتاة تنتهي من اللبس وتجري إلى باقي البنات.
سعاد تقف وحدها أمام المرآة. صورةٌ مكبَّرة لكتفَيها وصدرها.
تمُد يدها المرتعشة، وتفُك بعض أزرار فستانها، وتُخرج كتفًا من كتفها.
تظهر أمامها مرةً أخرى صورةُ الضابطة والشابُّ يحوطُها بذراعَيه ويقبِّلها من شفتَيها قبلةً طويلة.
اهتزَّت أعماقي للكلمة.
لا! لا! لستُ مثل الفتيات! لا أومن بشيء اسمه الرجل!
لن أكون كالبنات! لن أستقبل أنوثتي! لن أُصادق طبيعتي! سأثور عليها!
سأحطِّمها! سأكون شيئًا آخر غير البنات. لن أعيش حياة أمي! لن أتزوَّج! لن أكون أنثى وسط ملايين الإناث!
إن القطط والأرانب تتزوَّج وتُنجِب.
(تظهر صورةٌ مكبَّرة لأصابعها وهي ترتعش وتلمس كتفها العاري.)
(يظهر وجه سعاد وهي تنتبه إلى نفسها فتُغلِق أزرار الفستان وتقف أمام المرآة وتفكِّر. في عينَيها نظرة قوة وتحدٍّ!)
(تدخُل الناظرة إلى العنبر. يهدأ العنبر فجأةً وتسكُت كل البنات.)
(تتجه الناظرة إلى سعاد في صرامة وتعطيها ورقةً مطوية (خطابًا).)
(تنظر الناظرة إلى البنات، ثم تستدير وتخرُج من العنبر.)
(سعاد تفتح الورقة وتقرؤها ثم تصرُخ بصوتٍ عالٍ):
مش معقول! مش معقول!