وزدت أنك أنت
إن حقيقة الجمال الذي يغمر العالم أراها كأنها بجملتها مستقرة في الموضع الضيق الذي بيني وبينك وبين قلبي، تملأ مع هذا الكون عالمًا آخر من شعوري بك.
وفي نظرات عينيك الساحرتين أرى لمحات منبثة من الإرادة المسيطرة وراء الأشياء، تفعل مثل فعلها الجبار وراء عواطفي.
واليقينُ الذي دليله الإيمانُ والتسليم، أحسه إحساسًا في نظري إليك وفي نظرك إليّ، كأني أتحول معك إلى إقرار.
والمعنى العجيب الذي يفتن فتنة درية اللؤلؤة الثمينة، ويسحر سحرًا نورانيًّا في الماسة الكريمة النادرة، هو بفتنته وسحره في نسويتك الجذابة، غير أنه اتخذ من أشياء الطبيعة أبدع ما ينظر فيه، واتخذ منك أنت أجمل ما يعقل فيه.
وما رأيتك مرةً إلا خيلت لي أن بعض النواميس المادية القاهرة في هذا الوجود قد تحولت إنسانية فيك، وكأن القوى مبعثرة هناك ومنظمة هنا، وكأنك منها تقيد منطلق، واجتماع متفرق، وكأن ما حدّ له رآكِ له حدًّا فوقف وظهر!
ولو ولد النور لكان وجهك الجميل المشرق، ولو ولدت الكهرباء التي هي سر النور لكانت أسرار عينيك، ولو تولدت القوة التي هي سر الكهرباء لكانت فتنةَ حبك، وكل المعاني التي في نفسي لا تتخذ صورها إلا منك؛ لأنك بجملتك تمثال الشعر.
وفيك المعاني التي تقول: أين كلماتي؟
وفي أنا الكلمات التي تقول: أنت معاني!
•••
في نفسي عالم أحلام من خلق عينيكِ الذابلتين.
وفي نفسك عالم أسرار من خلق أفكاري المعذبة.
خرجنا كلانا بالحب والجمال من حد الإنسان إلى حد العالم.
وتحولنا كلانا بالهوى من حالة شخص إلى حالة عقل.
كيف تجدين ما في وإنك لتعلمين أنك في؟
أما أنا فأجد كل ما فيك حلوًا حلوًا؛ لأن طعمه حلو في قلبي!
•••
وعندما أنظر إلى ازدهاء الشفق بألوانه وأصباغه كأنه صورة جديدة في الخلق عرضت ليراها أهل الأرض، أحسبني على مرمى السهم من جنة في السماء فتحت أبوابها ولاحت أطراف أشجارها.
وعندما أتأمل انبثاق الفجر، يخيل إليّ من جماله وروعته أن الوجود في سكونه وخشوعه نفس كبرى تستمع مصغية إلى كلمة من كلمات الله لم تجئ في صوت ولكن في نور.
وعندما أبصرك أنت، أوقن أن الحسن المعشوق ما هو إلا خيال الجنة الأخروية يناله من الدنيا إنسان في إنسان.
أنت وحدك أذقتني نشوة الظمأ إلى الأسرار القلبية، بما ذقته من لذة ظمئي إليك ولهفته، وأريتني جمال الشعر في خيالاتي العطشى الحائمة أبدًا على نهر النور من جسمك، وعلى ذلك النبع الأحمر الصغير، نبع الياقوت المتفجر دائمًا بابتسام شفتيك، وجعلتني من وحي جمالك المتنزل على قلبي أشعر أن هذا الجمال السماوي أنشأ فيَّ صفة ملائكية ترفعني فوق إنسانيتي.
بهذه الصفة أراك في بعض ساعات قلبي تظهرين لي وكأن سرًّا من الكون يتجلى بك، ويقول لي من عينيك: المسني وانظرني فيها …!
سر هادئ ناعم يتناثر في ألحاظك ألينَ من تنفس رشاش الأمواج المتطاير إلى بعيد: يكون كالهباء من البحر، ومع ذلك فهو أثر قوته وجبروته.
فيك يا حبيبتي من أبدع محاسن الكون، وزدت أنك أنت الحب …!