زجاجة العطر
«وأهدى إليها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها»:
يا زجاجة العطر، اذهبي إليها، وتعطري بمسِّ يديها، وكوني رسالة قلبي لديها.
وها أنذا أنثر القبلات على جوانبك: فمتى لمستكِ فضعي قبلتي على بنانها، وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنوِّ نظرتها وحنانها، وألمسيها من تلك القبلات معاني أفراحها في قلبي ومعاني أشجانها.
وها أنذا أصافحك، فمتى أخذتك في يدها، فكوني لمسة الأشواق، وها أنذا أضمكِ إلى قلبي، فمتى فتحتكِ فانثري عليها في معاني العطر لمساتِ العناق.
•••
إنها الحبيبة يا زجاجة العطر! وما أنت كسواك من كل زجاجة ملئت سائلًا، ولا هي كسواها من كل امرأة ملئت حسانًا؛ وكما افتنت الصناعة في إبداعك واستخراجك، افتنت الحياة في جمالها وفتنتها، حتى لأحسب أسرار الحياة في غيرها من النساء تعمل بطبيعة وقانون، وفيها وحدها تعمل بفنّ وظرف.
وأنتِ سبيكة عطر. كل موضع منك يأرجُ ويتوهج، وهي سبيكة جمال، كل موضع فيها يستبي ويتصبى؟
وما ظهرت معانيكِ إلا أفعمت الهواء من حولك بالشذا، ولا ظهرت معانيها إلا أفعمت القلوب من حولها بالحب.
•••
قولي لها يا زجاجة العطر، إنك خرجت من أزهار كأنها شعل نباتية، وكانت في الرياض على فروعها كأنما تجسمت من أشعة الشمس والقمر؛ فلما ابتعتكِ وصرت في يدي، خرجتِ من شعل غرامية، وأصبحت كأنما تجسمت من أشواقي وتحياتي ولمسات فكري، ولذلك أهديتك …
وقولي لها: إن شوق الأرواح العاشقة يحتاج دائمًا إلى تعبير جميل كجمالها، بليغ كبلاغتها، ينفذ إلى قلب الحبيب بقوة الحياة سواء رضي أو لم يرض، وهذا الشوق النافذ كان الأصل الذي من أجله خلق العطر في الطبيعة. فحينما تسكب الجميلة قطرة من الطيب على جسمها تنسكب في هذا الجسم أشواقٌ وأشواقٌ من حيث تدري ولا تدري، ولذلك بعثتك …
•••
أيها العطر! كانت أزهارك فكرة من فن الحسن توثبت وطافت زمنًا على مظاهر الكون الجميلة، كي تعود آخرًا فتكون من فن الحب، وفي ذلك مازجت الماء العذب، ولامست أضواء القمر والنجوم، وخالطت أشعة الشمس، واغتسلت بمائة فجر منذ غرسها إلى إزهارها؛ لتصلح بعد ذلك أن يمس عطرها جسم الحبيبة، ويكون رسالة حبي إليها!
أيها العطر! لقد خرجت من أزهار جميلة، وستعلم حين تسكبك هي على جسمها الفاتن أنك رجعت إلى أجمل من أزهارك، وأنك، كالمؤمنين تركوا الدنيا، ولكنهم نالوا الجنة ونعيمها …!