رواية القلم
•••
وهبيه الآن في يدك الرخصة الناعمة التي أودع الله فيها سر ثمرة من أحلى وأنضر ثمار الجنة فتذاق منها حلاوة الجنة بالتقبيل، إنه يلمسك … إنه تحت أنفاسك يرتقب كلام شفتيك … وربما فكرت قليلًا فأطرقت إطراقة فلمست به خديك، وربما أغمضت عينيك ليسعدك فكرك العميق بأسلوب مقلوب … فإذا أنت في ذلك قد ألصقت القلم بشفتيك، ولبثت ساكنة ولبثت ساكنًا …!
ويك يا قلمي الخبيث! أتريد أن تدعني … لكأنك والله نفس معلقة في أصابعي تحب وتشتاق!
•••
وماذا عسى أن يكتب إليّ قلمي وهو ذاهل في راحتك سكران من أنفاسك، مضعضع من لمسة خديك، مترفع على الوجود كله بموضعه من شفتيك، وهو كالميت من إفراط هذه الحياة كلها عليه؟
سيدي الأستاذ الفيلسوف …
لم يخالجني الريب قط في أنك من نزعاتك الروحانية ومن ذهولك الرباني كأنك في جو كوكب … لا في جسم إنسان، وكأن عناصرك المطهرة قد أنضجها اللهب القلبي الذي يحرق الإنسان ورغائبه وأهواءه في شعلة متقدة تفني منه شكله الأدنى؛ لتوجد منه شكله الأسمى، وتدعه ذؤابة نور ترتعش.
وإن الساعة التي قرأت كتابك فيها لتكاد تشعرني بأنها من غير هذا الزمن، فكأنها خلقت لي تأتيني مع بريد من الملائكة حين يوافي البريد بكتابك.
وتالله إن كتابك يا سيدي لزهرة من روحك تحيتها عندي في تأملها والإعجاب بها، أما بلاغته فبالله أحلف صادقة ما رأيت أكمل منك لسان قلم … ولا أذكى مع هذا القلم … قوة طبع، ولا أبلغ طبيعة نفس، ولكأن قلمك … مهبط إشعاع تلتقي إليه سبحات روح الجمال المنبثة المالئة هذا الوجود مما بين أزهار الأرض، إلى كواكب الفلك إلى حدود الحور في مقاصير الخلد.
واهًا لقلمك … يا سيدي واهًا … وسلمت للمعجبة بآيات هذا القلم المعجز …
•••
يا من أنا سيدته!
لم يخالجني الريب قط في أنك — من حبك — نفس تحترق بذاتها كالكواكب، فعناصرك الملتهبة تلفنا معًا في شعلة غرام تفني منا شكلين؛ لتوجدهما في الحب شكلًا واحدًا، وتدعه كذؤابتي نور معتنقتين.
وإن الساعة التي قرأت كتابك فيها لتكاد تشعرني أنها منك أنت لا من الزمن؛ لأحيا فيك وأنا أقرؤك.
وإن كتابك لمن روح أيها الحبيب لا من كلام؛ فإني لما نشرته في يدي أحسست كأنه غمز يدي.
أما بلاغته فبالله أحلف صادقة لقد نقل إليّ الكلمة التي لم تكتبها، وسألتني اللقاء …
آه ما بالك جمدت الآن أيها القلم الخبيث وقطع بك؟ فكأنك تغار حتى من موعد مزور …!
•••
هذه يا حبيبتي رواية قلمي فما رواية قلمك؟
إنك لتنظرين إليَّ نظرات ناعمة من ذلك النظر الرطب فأجد لها مسًّا كمس يد الحبيبة الفاتنة؛ فلماذا لا تكتبينها؟
وتبسمين أحيانًا ابتسامات معنوية تهرب إليَّ فيها بعض قبلاتك، فلماذا لا تكتبينها؟
وأرى على نور قلبي أحرفًا مختبئة في قلبك هي: ألف، حاء، باء، كاف فهل تكتبينها …؟