والسلام عليها
أحببتها جميلة لأوجد بها الجمال في معاني وذوقي؛ ورقيقة لأسيل منها بالرقة في عواطفي ونزعاتي، وظريفة لأزيد بها في نفسي طبيعة مرح وابتهاج، ومتوازنة لتدخل في طباعي الانسجام والوزن وصحة التقدير، وناعمة لتخلص بروحي من خشونة الضرورات القاسية في الحياة، ومتفترة لألقي من تفترها على بعض أيامي فتنقلب حبيبة بما تمنع وتصد، ورشيقة لتهب خيالي سر التوثب والحركة، وجذابة لأجد بها المغناطيس الذي يجذبني في الإنسانية إلى مصدري الأعلى.
وأحببتها وهي بجملتها فن وجمال ووحي؛ لأرجع وأنا بجملتي حسن وانفعال وإدراك.
وكنت كأنما أضرب من الحياة في قفر من المعاني الجافية لا أتوسم نضرة لا أتهدى إلى حقيقة جميلة، فأرسلتها الحقائق السامية التي تعشقها نفسي تقول في جمالها: تعالي إلينا من هنا: إن الطريق من هاتين العينين …!
•••
لا أقول إنه قد وقف نمو الكلمة السحرية التي تزداد، وتعظم بتجدد الأيام؛ إذ كل يوم في الحب هو دائمًا أول حب.
… ولا أقول إن ذلك الاسم الجميل قد أنزل عن عرش الفكرة التي كانت تملكه الوجود؛ لأنها أملكته القلب.
… ولا أقول إن الذكرى قد سلط عليها النسيان فصفاها من حوادثها وأيامها.
… ولا أقول إن ما كان في النفس جنونًا وعقلًا من معاني الحب قد رجع في النسيان كالكلمة المكتوبة على ورقة حبس في الورقة معناها إلى أن يوجد من يقرؤه فيخرجه.
… ولا أقول إنها قد بطلت القوة المتضاعفة من الجمال، وكانت تجعل كل ما يؤلم من الناس يؤلم منها هي أضعافًا، وكل ما يسر من الناس يسرُّ منها هي أضعافًا، كأن الذي هو إنساني في الخلق ليس إنسانيًّا فيها.
… ولا أقول إنه قد اختفى من ذلك الوجه برهانه الذي كان يقوم بسحره الساحر دليلًا مقحمًا في كل قضايا الحبيبة المتناقضة، فلا تتوافى وهي متناقضة إلا على نتيجة واحدة هي أنها الحبيبة، مهما تأت أو تدع فليس بشيء منها على هوان.
… ولا أقول إنه ليس بين ما تعجب به وما تزدريه إلا رجعة خطوة منقلبة، وأنها هي قد خطتها فليست هي بعد.
… ولا أقول إن روضة الحب قد انتهت إلى أيامها المقشعرة التي تظهر فيها كل أشجارها حاملة من اليبس والتجرد إعلان آخر الفصل …
•••
… ولكني أقول … والسلام عليها!
اقرأ ص ١٤١ من كتابنا: (حياة الرافعي).