الطائرة الشبح!
تعلَّقَت أعينُ الشياطين اﻟ «١٣» بمكان رقم «صفر» الذي يُحيطه الظلامُ الذي يُخفي تفاصيلَه … بينما هم جالسون داخل قاعة الاجتماعات الواسعة في كهفِ الشياطين.
مال «عثمان» إلى «أحمد» قائلًا: يبدو أن رقم «صفر» غيرُ متعجلٍ هذه المرة … وحتى الاستدعاء الذي جاءنا منه لم يكن ملحًّا أو عاجلًا.
قطع حديثَ «عثمان» دخولُ رقم «صفر» إلى المكان … وخطواته الهادئة المتزنة وهي تتجه إلى ركنِه المظلم … ثم استقرَّ مكانه قائلًا: مرحبًا بكم!
أجاب الشياطين التحيةَ … ولاحظوا الملف الأحمر اللون الذي في يد رقم «صفر» والذي وضعه فوق المنضدة على يساره، ثم قال: إن مهمَّتَكم القادمة تتعلق بشيئين في وقت واحد … أولهما يتعلَّق بأحدث التكنولوجيا العالمية … والشيء الآخر يتعلَّق بمصدر للطاقة تكون له أهميته على مدار آلاف وملايين السنين وهو البترول … الذي تدور حوله في عالمنا المعاصر الآن صراعاتٌ لا نهاية لها!
سادَ صمتٌ عميقٌ عندما امتدَّت يدُ رقم «صفر» إلى الملف الأحمر وراحَت تُقلِّبه … ثم قال: تعلمون أن حلم الإنسان منذ بداية التاريخ الإنساني أن يتمكن الإنسان من الطيران مثل الطيور … وهو ما انتهى به إلى اختراع الطائرة الحديثة … والتي تحوَّلَت إلى أكبر نعمة عرَفها الإنسان؛ لأنها يسَّرَت له وسائلَ الانتقال السريع جدَّا … وإلى أكبر نقمة أيضًا عندما تحوَّلَت إلى قاذفات للقنابل والصواريخ … ويكفي أن الطائرات الألمانية دمَّرَت «لندن» تمامًا في الحرب العالمية الثانية، ثم فعلَت طائرات الحلفاء نفسَ الشيء بالعاصمة الألمانية وقتلَت الآلاف. كما أن أول قنبلة نووية أُلقيَت في التاريخ على المدينتَين اليابانيَّتَين «نجازاكي» و«هيروشيما» … أُلقيتَا بواسطة الطائرات الحربية في أكبرِ جريمةٍ بشريةٍ تسبَّبَت في قتل عشرات الآلاف … وحتى الآن لا يزال هناك مَن يُولَد بتشوهاتٍ خلقيةٍ بسبب تأثير هذه القنبلة النووية … والآن فإن مصانع إنتاج الطائرات وأحدث المعامل تُفاجئنا كلَّ يوم بأنواع أكثر تطورًا وقدرةً من هذه الطائرات سواء المدنية أو الحربية … ومنذ سنوات قليلة تمَّ اختراعُ الكونكورد الأسرع من الصوت بثلاث مرات … ومكوك الفضاء الذي يستطيع السباحة خارج الغلاف الجوي كأنه سفينةُ فضاء ثم يعود للأرض مرةً أخرى ويهبط كطائرة.
قال «أحمد»: هناك أيضًا أحدثُ طائرة في العالم. الطائرة الشبح والتي ظهرَت في حرب الخليج.
رقم «صفر»: إنه الشيءُ الأول المتعلقُ بمهمتكم القادمة.
تبادل الشياطين نظرةَ دهشةٍ … وأكمل رقم «صفر» وهو يقلِّب في الملف الأحمر أمامه: لقد كان سببُ تحوُّلِ دفَّة المعارك في الحرب العالمية الثانية هو اكتشافَ الإنجليز للرادار. ذلك الجهاز الساحر الذي أمكن بواسطته مطاردة المقاتلات الألمانية المُغِيرة على لندن والتنبُّؤ بوصولها وتحديد أماكنها بدقة بدون الاعتماد على رؤية العين … وبفضله تمكَّنَت القوات الإنجليزية من التصدِّي لطائرات الألمان وتدميرها أحيانًا قبل وصولها إلى أهدافها … فتحصَّنَت الجزيرةُ … الإنجليزية من الغارات الألمانية بفضل الرادار. وهو جهازٌ يعمل كما تعلمون بإرسالِ ذبذباتٍ من هوائيٍّ دائريٍّ ضخمٍ إلى السماء، وهذه الذبذبات عبارة عن موجات مغناطيسية لها خاصيةُ الانعكاس إلى الأرض عندما تصطدم بجسمٍ معدنيٍّ مثل الطائرات … فتعود للظهور على صفحة شاشة الرادار على شكلِ نقطٍ مضيئةٍ إلكترونيةٍ كرءوسِ الدبابيس … يتناسب حجُمها مع حجم الرأس الذي اصطدمَت به … وبتطوير الرادار أمكن معرفة نوع الطائرة التي يرصدها من شكل نقطها على صفحة الرادار.
رفع رقم «صفر» عينَيه إلى الشياطين وهو يُضيفُ: وباختراعِ الرادار أمكن مراقبةُ السماء وكشفُ أيِّ تسلُّل للطائرات ولو لم تلحظه العين … وبذلك استحال على أيةِ دولةٍ أن تخترقَ بطيرانها سماءَ دولةٍ أخرى دون أن تنكشف … وبذلك تحوَّل الرادار إلى جهازٍ دفاعيٍّ محايدٍ … لفائدة كلِّ دول العالم بلا استثناءٍ … وفي نفس الوقت فقد فكرَت بعضُ العقول في التغلب على هذا السلاح الدفاعي الساحر باختراعِ طائرةٍ يستحيل على الرادار اكتشافُها وتحديدُ موقعها على الإطلاق … وقد حدث هذا بالفعل.
صمت رقم «صفر» لحظةً وهو يتأمل الشياطين، وقد بدَا عليه كأنه يتذكَّر شيئًا، فقال بابتسامة صغيرة: حدَث ذات مرة وفي أوائل الستينيات أن كان مُقرَّرًا زيارة الزعيم الروسي «خروشوف» لإنجلترا … ولم يتحدَّد ميعاد الزيارة، ولكن العاملين بمطار لندن فوجئوا بطائرة مجهولة تُحلِّق فوق المطار وتطلب الإذنَ بالهبوط … وعندما سألوها عن هويتها، أجاب طيارها بأنها سوفيتية قادمة من روسيا، وبداخلها الزعيم الروسي «خروشوف».
تساءل «خالد» في دهشة: هل تمكَّنَت الطائرة الروسية من دخول المجال الجوي البريطاني دون أن يرصدَها الرادار الإنجليزي؟
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا … وبسبب ذلك قامَت ضجةٌ هائلة في بريطانيا واتهم الشعبُ القواتِ الجويةَ بأنها مهملةٌ ونائمة، وإلا فكيف لم ترصد طائراتُها وراداراتُها الطائرةَ الروسية … لكن «خروشوف» قطع على الإنجليز حيرتَهم وأخبرهم بأن الأمر لم يكن تقصيرًا من القوات الجوية الإنجليزية، بل لأن الطائرةَ مطليةٌ بدهانٍ خاصٍّ يستحيلُ على الرادار اكتشافه … وأنه أراد أن يُلقِّنَ الغربَ درسًا … وأن مَن أراد اكتشافَ سرِّ ذلك الطلاء فليحاول … دون أن ينتظر معونةً من الروس …
إلهام: لقد ألقى «خروشوف» بالقفاز في وجه الغرب كما يقولون.
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا … وقد التقط الغربُ المبادرةَ، فتمكَّنَت أمريكا من صنْع طائرةٍ حربية ذات مواصفاتٍ خاصة، هي الطائرة «ستيلث» وهي كلمة معناها التسلُّل أو الدخول خفيةً. واستقرَّ الجميعُ على إطلاق اسم الطائرة الشبح عليها … وقد ظهرَت أول طائرة منها عام ١٩٨٥ ثم تمَّ تطويرُها بعد ذلك … وصار الأسطول الجوي الأمريكي يمتلك عددًا منها … وأسرارُ هذه الطائرات غيرُ معروفة لغير أصحابها … وكل المعلومات المتاحة عنها أن طولَها يبلغ ٢١ مترًا، وعرضَ جناحَيها ٥ أمتار، وليس بها أيُّ بروز، وجسمُها انسيابيٌّ كالخفاش الذي أخذَت شكلَه، وحتى المحركات بداخل بدنِ الطائرة … وحمولتها القصوى تَصِل إلى ٣٤ طنًّا، مداها ١٢٫٠٠٠ كيلومتر … وعيبُها الوحيد هو أن سرعتَها لا تزيد عن ألف كيلومتر في الساعة بسبب ثقل وزنها، وطاقم قيادتها يتكوَّن من ثلاثة أفراد فقط؛ لأن هناك أجهزةً إلكترونية مساعِدة تُغني عن الحاجة إلى طاقم طيارين كبير … وضغط رقم «صفر» على زرٍّ بجواره فأضاءَت كاميرا سينمائية إلى اليمين وسقطَت صِوَرُها على شاشة بيضاء صغيرة. فظهر بدنُ الطائرة الشبح مستقرًّا فوق الأرض كما لو كانت خفاشًا هائل الحجم … وتحرَّكَت الطائرة فانطلقَت فوق مدرج الطيران … ثم ارتفعَت في السماء دون أن ترصدَها أجهزةُ الرادارات الأرضية.
قال رقم «صفر»: إن ميزة هذه الطائرة الشبح هي أنها مصنوعةٌ من لدائن خاصة لا يزال أمرُها سرًّا … وكل المتاح من المعلومات عنها هو أنه يدخل في تركيبها الجرافيت الذي يتميز بالمتانة وتستطيع حبيباتُه تشتيتَ الموجات الكهرومغناطيسية، وهي تلتقط بعضها أيضًا … كما أنها تحتوي على موادَّ عازلةٍ أخرى مثل الصوف الزجاجيِّ، والذي يستخدم لتقليل الانعكاسات الرادارية كما أنه يتم طلاء الهيكل المعدني للطائرة بطلاءٍ خاصٍّ من موادَّ كيميائيةٍ تعمل على امتصاص الموجات الكهرومغناطيسية للرادار. وبذلك فإن أغلب هذه الموجات تُمتَصُّ وتُشَتَّتُ. فلا يرتدُّ منها شيءٌ إلى شاشات الرادار … ولا تظهر عليه أبدًا فيستحيل اكتشافُها … وبذلك صحَّ تسميتها بالطائرة الشبح … فلا أحدَ يمكنه أن يرصدَ شبحًا أو يُطارده!
ريما: ولكن هناك وسائل أخرى لاكتشاف مكانِ أية طائرةٍ في الجو بواسطة الأقمار الصناعية التي تلتقط مصادرَ حرارةِ محركاتِ الطائرة واحتراقها، فتُحدِّد موقعَها بسهولة.
رقم «صفر»: إن هذا لم يغفل عنه صانعو هذه الطائرة؛ فقد وضعوا محركاتها بداخل الجناحَين كما غلَّفوا هذه المحركات بصفائحَ عازلةٍ من مادة «البوليستر وفينيل»؛ لكي تمنعَ الإشعاعَ الحراريَّ، بنسبة لا تقل عن ٨٠٪ … وبذلك لا تنتبه أجهزةُ رصدِ الحرارة إلى وجود الطائرة لقلة الحرارة المنبعثة منها …
بو عمير: إنها طائرةٌ فريدةٌ بالفعل … من العجيب أن الروس كانوا أولَ مَن اكتشفوا سرَّ تلك المادة الكيميائية التي لا يكشفها الرادار … ثم استغل الأمريكان هذا الاكتشافَ في صنْع الطائرة الشبح.
رقم «صفر»: إن هذا لا يعني أن الروس لم يطوِّروا مثل هذه الطائرة … فلعلهم يمتلكون مثل هذه الطائرة الشبح دون أن يُعلنوا عنها … فهم مغرمون بالكتمان دائمًا.
ضاقَت عينَا «أحمد»، وقال: لقد تذكرتُ في العام الماضي حادثةً عجيبة دارَت في سماء باريس عندما ظهرَت طائرة عجيبة كانت تُحلِّق فوق العاصمة الفرنسية بطريقة خطرة ودون إذنٍ من السلطات … وعندما كان سلاحُ الجوِّ الفرنسي يشرع في مطاردتها فإنها كانت تختفي ولا تستطيع أيةُ طائرةٍ أو رادارٍ رصْدَها … ومن المؤكد بذلك أنها طائرةٌ من ذلك النوع الذي لا ترصده الرادارات.
رقم «صفر»: هذا لا شكَّ فيه.
قيس: هذا عجيبٌ … ولماذا يقوم الأمريكان بهذه الألعاب في سماء باريس؟
رقم «صفر»: ومَن قال إن أمريكان هم الذين قاموا بهذه الألعاب … إنهم ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الأعمال البهلوانية لإثبات كفاءة طيارتهم الجديدة.
عثمان: إن هذا معناه أن الروس هم أصحاب هذه الطائرة … وأنهم امتلكوا الطائرة الشبح أيضًا. وكما قام «خروشوف» بدخول المجال الجوي الإنجليزي متسلِّلًا بطائرته التي لا يرصدها الرادار للسخرية من الغرب، فها هم يفعلون نفس الشيء.
قال رقم «صفر» في ثقة: لا … إنهم لم يكونوا الروس هذه المرة … هذا مؤكَّدٌ.
تساءل «بو عمير» في حيرة: إذن مَن الذي قام بتلك الألعاب البهلوانية في سماء باريس العام الماضي؟
أجاب رقم «صفر» في صوتٍ عميقٍ: هذا ما يجب عليكم اكتشافه في مهمتكم القادمة!