الخدعةُ!
كان المكانُ أشبهَ بقلعة حصينة مليئة بالمعدات والأجهزة الإلكترونية المعقدة. وقال «جونز»: لقد تمَّ تجهيزُ هذا المكان لكم بسرعة لمراقبةِ كلِّ ما يجري حول آبار البترول حتى تتدخلوا في اللحظة المناسبة.
أحمد: إن أكثرَ ما نحتاجه طائرة من طراز خاص، لها قدراتٌ عالية يمكنها مطاردة الطائرة الشبح إذا حاولَت القيام بهجومها.
جونز: إنها جاهزة!
وضغط على زرٍّ في يساره … فتحرَّك حائطٌ صخري كاشفًا عن طائرة صغيرة شبيهة بالطائرة الأمريكية «إف ١٦»، وقال: هذه الطائرة تعتبر أحدثَ طائرة مقاتلة في العالمِ كلِّه، وهي تطوير للطائرة «إف ١٦» غير أنها أصغر حجمًا وأكبر سرعة، وهي لا تزال في طور التجارب ولم تدخل الخدمةَ الجوية المكسيكية.
تساءل بعيون ضيقة: هل يمكنكم قيادتها؟
إلهام: لقد تدرَّبنا على قيادة أغلب أنواع الطائرات، ومنها اﻟ «إف ١٦»!
جونز: ومَن الذي سمح لكم بالتدريب على مثل هذه الطائرة؟!
ترامق الشياطين في صمتٍ … وتحدَّث «أحمد» قائلًا: لقد تدرَّبنا عليها بوسيلة ما … لسنا في مجال الكشف عنها.
جونز: كما تشاءون … لقد أردتُ الاطمئنان فقط. والآن سأترككم لتستوعبوا هذا المكان جيدًا، وبالنسبة للطائرة التي أمامكم فيوجد أمامها ممرٌّ قصيرٌ يمكنها أن تندفع فوقه قبل الارتفاع في الفضاء … فهذه الطائرة مجهزةٌ للممرات القصيرة وللعمل فوق حاملات الطائرات.
وغادر «جونز» المكان … وراح الشياطين يتأملون الطائرة الحديثة التي تُشبه الصقر … وقال «عثمان»: إنها رائعةٌ.
تفرَّق الشياطين في المكان يتفحصونه ويختبرون أجهزته ويتعاملون معها … وأشرقَ نورُ الفجر في الخارج، وتبادل الشياطين أوقاتَ الراحة وهم جالسون أمام أجهزة الرادار والرصد التي تراقب كلَّ شيء بالخارج … ولاحظَ الشياطين ازديادَ القوات المسلحة حول الآبار في الخارج ومضاعفة عدد الجنود …
وفي المساء التالي تجمَّع الشياطين يراقبون الطائرات الحكومية، وقد راحَت تحلِّق فوق آبار البترول …
قال «خالد»: إن ساعة الصفر تقترب … تبقَّت أربع وعشرون ساعةً لحين ظهور تلك الطائرة العجيبة.
فجأة تصاعد لغطٌ في الخارج، واندفعَت المصفحات والدبابات تغادر المكان في اضطراب، فاندهش الشياطين وأسرعوا نحو قائد القوات الذي قال لهم لاهثًا في غضب: لقد تعرَّضنا لخدعة؛ فالطائرة الشبح تهاجم حقول البترول في خليج «المكسيك»، أمام مدينة «تمبيكو»، وسيستحيل علينا الوصول إلى هناك في الوقت المناسب لحمايتها … خاصة وأنها بلا حماية.
إلهام: مدينة «تمبيكو»، إنها تبعد عن هنا أكثر من أربعمائة كيلومتر.
أحمد: فلنُسرع إلى الطائرة الحربية.
اندفع الشياطين إلى الطائرة وقفزوا إلى مقاعدهم، وضغط «أحمد» على زرِّ فتحِ الأبواب فانفتحَت على مصراعَيها … وضغط على أزرار التشغيل داخل الطائرة … ولكنها بقيَت على حالها دون حركة ولم تَدُر محركاتُها.
زبيدة: ماذا حدث … لماذا لم تَدُر المحركات؟
أحمد: لا أدري … لعل عطلًا أصابها.
قال «خالد» في شكٍّ: أو لعل يدًا عبثَت بها لإعطابها.
إلهام: ما العمل الآن … إننا بحاجةٍ للتحرُّكِ السريعِ.
ضاقَت عينَا «أحمد» وقال: لقد توقعتُ هذا.
تساءلَت «إلهام»: ما الذي توقعتَه يا «أحمد»؟
أحمد: ليس هذا وقتَ الاستفسارات، اتبعوني!
اندفع إلى إحدى سيارات «اللاندروفر»، وقفز بداخلها وانطلق بأقصى سرعةٍ جهة الغرب، وبقية الشياطين خلفه في العربة الأخرى وعلى مسافة كيلومترات قليلة أوقف «أحمد» السيارة أمام أحد التلال … وتَبِعه الشياطين الخمسة فذُهلوا لما يشاهدونه … كانت طائرةُ الشياطين الحربية المطورة قابعةً في مكانها يغطِّيها غطاءٌ بلون رمال الصحراء. أسرع «أحمد» يجذبُه بعيدًا، ثم قفز إلى داخل حجرة القيادة فأسرع بقية الشياطين خلفه.
أدار «أحمد» محركاتِ الطائرة … التي درجَت فوق الأرض الرملية الممهدة، ثم ارتفعَت مقدمةُ الطائرة كالنسر في الفضاء … وانطلقَت تشقُّ أجواءَ السماء نحو مدينة «تمبيكو».
ألقى «أحمد» نظرةً إلى ساعته، وقال: سنَصِل خلال خمس وعشرين دقيقة … وأرجو ألَّا يكونَ وصولُنا بعد فوات الأوان.
عثمان: ولكن مَن الذي أرسل إلينا طائرتنا بهذه السرعة؟
أجاب «أحمد»: قبل أن نسافر إلى «المكسيك» طلبتُ من رقم «صفر» أن تسبقَنا طائرتُنا الحربية الخاصة وتنتظرنا على مسافة قليلة من مدينة «أكابولكو» احتياطيًّا … فقد كان قلبي يُحدِّثني أننا سنحتاج إليها وهو ما حدث … وقد زوَّدني رقم «صفر» بخريطةٍ تُبيِّن الموقع الذي سنعثر فيه على الطائرة خلف التلال.
قالت «إلهام» بإعجاب: لقد فكرت بطريقة صحيحة يا «أحمد».
قال «أحمد» بقلق: المهمُّ الآن أن نصلَ في الوقت المناسب.
ومرَّت الدقائقُ بطيئةً … وهتفَت «زبيدة»: انظروا …
وأشارَت بأسفل جهة اليسار … وقد ظهر لهبٌ هائلٌ اندلع في قلب السماء كأنه عينُ جهنم … قالت «إلهام» بغضب: إنها آبار البترول، لقد هُوجمَت.
وتوالَت الانفجارات بأسفل … وتحوَّلَت آبار البترول إلى كتلةٍ من اللهب … وقد اندفعَت الطائرات الحربية المكسيكية تحلقُ في السماء باحثةً عن العدو المجهول دون جدوى …
عثمان: لقد وصلنا بعد فوات الأوان بالفعل … فقد قامت تلك الطائرة اللعينة بمهمتها على أسوأ وجه!
زبيدة: وشاشة الرادار في طائرتنا لا تكشف غيرَ الطائرات المكسيكية.
وفجأةً صرخَت «إلهام»: انظروا.
وأشارَت إلى نقطة بعيدة في أقصى اليمين … وقد ظهر شيءٌ أسودُ اللون يُشبه خفاشاتٍ قبيحةً.
خالد: إنها الطائرة الشبح … هذا لا شك فيه؛ فصورتُها لا تظهر على الرادار.
عثمان: لنُسرع بمطاردتها.
لم يكن «أحمد» بحاجة إلى مَن يطلب منه ذلك … فقد انطلق بطائرة الشياطين خلف الطائرة الشبح بأقصى سرعة …
صرخَت «زبيدة»: حاذر يا «أحمد».
فقد انطلق من الطائرة الشبح صاروخٌ كالصاعقة نحو طائرة الشياطين. وعلى الفور أدار «أحمد» الطائرةَ باتجاهٍ معاكس على شكل نصف دائرة ليتفادَى الصاروخ الرهيب … ونجح «أحمد» في الهرب من الصاروخ … واعتدل بمهارة في مساره بسرعة، وألقى نظرةً إلى السماء المعتمة أمامه … ولكن لم يكن للطائرة الشبح أيُّ أثر …
وهتف في غضب: أين اختفَت هذه الطائرة اللعينة؟
إلهام: لا بد أنها ارتفعَت عاليًا، واختفَت في قلب السحب المظلمة، وبدون أن يرصدَها رادار طائرتنا فيستحيل علينا مطاردتها ومعرفة وِجْهتها.
ظهر عددٌ من الطائرات الحربية المكسيكية تمسح السماء أمام الشياطين بحثًا عن الطائرة الشبح دون فائدة … على حين تحوَّلَت حقول البترول بأسفل إلى كتلة من اللهب … وقد اندفعَت سيارات الإسعاف والمطافي في محاولة بائسة للسيطرة على الحريق ونقل المصابين.
غمغم «أحمد» قائلًا: إن أفضل مكان يختفي فيه قائدُ الطائرة الشبح هو قلب المحيط … فلن تُواصلَ المقاتلات المكسيكية مطاردتَه هناك.
إلهام: معك حقٌّ يا «أحمد»؛ فقد كانت الطائرة الشبح متجهةً إليه قبل أن تفقد أثرها.
اندفع «أحمد» بطائرته عائدًا بزاوية حادة باتجاه المحيط الهادي … ومرَّت دقائق قبل أن يظهر سطحُ المحيط بأسفل … مظلمًا مثل بركةٍ سوداء … وارتفع «أحمد» بطائرة الشياطين إلى أقصى ارتفاعٍ مخترقًا السحبَ القليلة المتجمعة في قلب السماء … وفجأةً ومضَت لمبةٌ صغيرة في لوحة إلكترونية أمام «أحمد».
كان ذلك يعني أن هناك صاروخًا حراريًّا قد انطلق خلف طائرة الشياطين … ولم يكن هناك شكٌّ في المصدر الذي أطلقه، إنها الطائرة الشبح.
على الفور أدار «أحمد» مقودَ الارتفاع هابطًا بطائرته بسرعة، بينما الصاروخ الحراري يتبعه كالشيطان … وعاود «أحمد» الارتفاع، والصاروخ يتعقَّبه بلا هوادة، وقد قصرت المسافة بينهما كثيرًا … وراحَت عيون الشياطين تُتابع تلك المطاردة الجهنمية في قلق شديد … وفي اللحظة المناسبة ضغط «أحمد» على زرٍّ بجواره … وفي الحال سقط من طائرة الشياطين صندوقٌ مشتعلٌ … وعلى الفور جذبَت الحرارةُ الصاروخَ الذي اندفع نحو الصندوق واصطدم به في انفجار ضخم … وعاود «أحمد» الارتفاعَ بطائرة الشياطين الذين ظهر على وجوههم الارتياح … وقالت «إلهام»: إن فكرةَ هذا الصندوقِ الساخن مفيدةٌ جدًّا لمواجهة تلك الصواريخ الحرارية.
أحمد: المهم الآن أن نعثر على تلك الطائرة الشبح التي تزوغ منَّا كالزئبق.
اندفع إلى قلب السحب باحثًا عن طريدته … وانقضَت دقائقُ قليلة وطائرة الشياطين تمسح السماء في كلِّ اتجاه … وأخيرًا ظهرَت الطائرة الشبح على مسافة كيلومتراتٍ قليلة، وقد استقرت على ارتفاعٍ عالٍ، تشقُّ السماء في اطمئنان.
صاح «عثمان» في غضب: فلتصوِّب نحو هذه الطائرة صاروخًا يحوِّلها إلى جحيمٍ مشتعل.
أحمد: لا يا «عثمان» … إننا نريد أن نَصِل إلى مَن يقف وراء هذه الطائرة … وليس الهدفُ تدميرَها.
إلهام: إذن ماذا سنفعل؟
أحمد: سوف نُطاردها على مسافة قريبة.
زبيدة: ولكن في ذلك خطورة علينا … فقد يصوِّبون علينا صواريخ أخرى …
أحمد: أعتقد أن صواريخهم داخل الطائرة قد نفدَت؛ ولذلك بادرَت الطائرة بالهرب.
إلهام: ولكنهم يشاهدوننا على شاشة راداراتهم ويعرفون أننا نطاردهم من الخلف …
أحمد: هذا لا شكَّ فيه … وربما يحاولون تضليلَنا لنفقد أثرَهم.
إلهام: ولكنهم لن يستمروا في ذلك طويلًا بسبب احتمال نفاد وقودهم بعد تلك الرحلة الطويلة … وأرجو أن يضطروا للهبوط في مطارهم السريِّ لنكتشفَ مكانهم … ولم تكَد «إلهام» تُكمل عبارتَها حتى اندفعَت الطائرة الشبح لأعلى بسرعة في قلب السحب … فأسرعَت طائرة الشياطين خلفها.
اختفَت الطائرةُ الشبحُ في قلب سحابة كبيرة … ثم عادَت تظهر بعد أن تجاوزَتها.
قال «أحمد»: إنهم يحاولون تضليلَنا.
عثمان: أعتقد أن وقودَهم أوشك على النفاد … وسيضطرون إلى الهبوط سريعًا … وكان «عثمان» على حقٍّ … فقد كشفَت الطائرة الشبح عن نفسها تمامًا ولم تحاول أية مناورة أخرى … ثم قلَّلَت من سرعتها وراحَت تحوم فوق سطح المحيط مقتربةً من جزيرةٍ صغيرة وهي تستعدُّ للهبوط، فالتفتَ «أحمد» في انتصار إلى بقية الشياطين قائلًا: لقد تحقَّق هدفُنا … وعرفنا المكان الذي تختفي فيه هذه الطائرة.
إلهام: ألن نُسرعَ بالهبوط خلفها؟
أحمد: لا … سيكون في ذلك خطورةٌ علينا … فنحن لا نعرف ما الذي ينتظرنا في قلب هذه الجزيرة، وسيكون من الأفضل الاتصالُ برقم «صفر» وتبليغه بمكان الجزيرة، ولم يُكمل «أحمد» عبارته؛ ففي نفس اللحظة شاهد ما أوقف الكلماتِ فوق طرف لسانه … فقد اندفع من قلب الجزيرة ثلاثُ طائراتِ ميراج. وانطلقَت الطائرات الثلاث في قلب السماء مثل ومضةِ ضوءٍ، وهتفَت «إلهام» ذاهلةً: هذه الطائرات الثلاث … إنها تبدو وكأنها ستهاجمنا.
كانت «إلهام» على حقٍّ؛ ففي اللحظة ذاتها انطلق من الطائرات الثلاث ثلاثةُ صواريخ قاتلة باتجاه طائرة الشياطين، وبدَا أنه ليس هناك أملٌ للشياطين في النجاة … وأنه لم يَعُد يفصلهم عن الموت سوى غمضةِ عينٍ.