المفاجأةُ!
لم يكن هناك أيُّ أملٍ على الإطلاق والصواريخ الثلاثة تنطلق كأنها رءوسٌ شيطانيةٌ نحو طائرة الشياطين … وتُوشك أن تنفجرَ فيها مهتديةً بحرارة محركاتها …
وأغمض الشياطين عيونَهم وقد توقَّعوا الموت في اللحظة التالية، ولكن «أحمد» فعل شيئَين على الفور في وقتٍ واحدٍ … فقد أوقف محركاتِ الطائرة حتى يقلِّل من درجة حرارتها … ثم اندفع بالطائرة إلى أسفل … واندفعت الصواريخ الثلاثة نحوه …
ولكن درجة حرارة الصواريخ المشتعلة صارت أعلى من درجة حرارة طائرة الشياطين … فاندفعَت الصواريخ الثلاثة نحو بعضها، ثم انفجرَت في لحظة واحدة … ودوَّى صوتُ انفجارها رهيبًا فوق سطح المحيط …
على الفور أدار «أحمد» محركات الطائرة مرةً أخرى بين ذهول بقية الشياطين وعدم تصديقهم، وهتف «أحمد»: لقد آن الأوان لتلقين هؤلاء المجرمين درسًا قاسيًا … واندفع بطائرته لأعلى بسرعتها القصوى … وانقضَّ من الخلف على أولى طائرات الميراج فأصابها بصاروخٍ في منتصفها … وانفجرَت الطائرة وتناثرَت مشتعلةً فوق المحيط …
واندفعَت الطائرتان الثانيتان تهاجمان طائرة الشياطين … وأطلقَت كلٌّ منهما صاروخًا ثانيًا … فاندفع «أحمد» بطائرته هابطًا بأقصى سرعته إلى المحيط … وقد أوشك أن يمسَّ سطحَ الماء ثم اعتدل في اللحظة المناسبة صاعدًا لأعلى … على حين لم يتمكن الصاروخان من القيام بنفس المناورة فاصطدمَا بسطح الماء وانفجرَا.
هتفَت «إلهام»: إنك رائعٌ يا «أحمد» … أنت أفضلُ طيارٍ شاهدتُه في حياتي …
فأجابها: إن العرضَ لم ينتهِ بعدُ.
وألقى نظرةً إلى جهازٍ صغيرٍ بجواره، ثم قال في قلقٍ: لقد نفدَت صواريخنا … لم يَعُد لدينا ما ندافع به عن نفسها.
قالت «زبيدة» في قلقٍ أشد: إن الوقود يوشك أن ينفد أيضًا … وما تبقَّى منه لن يكفيَنا أكثر من خمس دقائق.
عثمان: إننا بحاجة إلى معجزة لإنقاذنا، والوقود لن يكفيَنا للذهاب إلى أيِّ مكانٍ.
قيس: ليس أمامنا غيرُ الهبوط فوق سطح الجزيرة التي هبطَت فوقها الطائرةُ الشبح.
خالد: لا أظنُّ أن طائرتَي الميراج المسلحتَين ستسمحان لنا بذلك … فلا بدَّ أن الأوامر الصادرة لهما هي تدميرنا.
ألقى «أحمد» نظرةً لأسفل، فشاهد الجزيرة على مسافةِ كيلومتراتٍ قليلة إلى الأمام، وطائرتَا الميراج تستعدَّان لهجومهما الأخير عليه. وألقى نظرةً إلى عداد الوقود ولمبة التحذير الحمراء المشتعلة … لم يبقَ من الوقود سوى ما يكفيه للهبوط فوق الجزيرة. ونبتَت فكرةٌ في رأس «أحمد»، فهتف في بقية الشياطين: ليس أمامنا سوى عملٍ وحيدٍ … أن نهاجم الطائرة الشبح فوق الجزيرة وننسفها.
هتفَت «إلهام» في دهشة عظيمة: كيف سننسفها وقد نفدَت صواريخُنا …؟
لكن «أحمد» لم يلتفت إليها … واندفع بطائرته كالصاروخ نحو الطائرة الشبح الرابضة فوق الجزيرة … وصرخَت «زبيدة» في رعب: ماذا تفعل يا «أحمد» … هل تريدنا أن ننتحر جميعًا بتفجير طائرتنا في الطائرة الشبح.
ولكن «أحمد» لم يستمع إليها … فقد كان عقلُه مشغولًا بشيء آخر … وقد تحقَّق ما أراد … وقد تنبَّه طيارو الميراج إلى ما ينوي «أحمد» أن يفعلَه … وجاءتهما الأوامر بمنعه من تلك العملية الانتحارية بأيِّ ثمنٍ …
واندفعَت طائرتَا الميراج نحو طائرة «أحمد» … واحدة من اليمين والأخرى من اليسار … وطائرة الشياطين في المنتصف … والطائرات الثلاث تندفع بأقصى سرعتها لأسفل … وأطلقَت طائرتَا الميراج صاروخَين في لحظة واحدة بعد أن تقاربَت الطائراتُ الثلاث إلى حدٍّ كبيرٍ … وفي نفس اللحظة ارتفع «أحمد» بطائرته بطريقة مفاجئة …
وفوجئ طيارو الميراج بهروب طائرةِ الشياطين … واكتشفوا خدعةَ الشياطين، ولكن اكتشافهم جاء متأخرًا جدًّا … فقد اندفع الصاروخان إلى الهدفَين القريبَين نحو طائرتي الميراج … وقد انطلق كلُّ صاروخٍ إلى الطائرة الأقرب له.
وانفجرَت الطائرتان …
صاحَت «إلهام» من السرور: حركةٌ مدهشةٌ يا «أحمد» … إنها حركةٌ إعجازيةٌ.
هتفَت «زبيدة»: لقد ظننتُ أن مصيرَنا لن يكون أفضلَ من هذه الطائرات.
وتأرجحَت طائرةُ الشياطين في الهواء … كان الوقود قد نفد تمامًا … وقال «قيس» في توتر: من الأفضل لنا مغادرة الطائرة والهبوط بالمظلات في قلب المحيط وإلا فستهوي إلى الماء وتتحطم بنا.
قال «أحمد» في إصرارٍ: إننا لن نتخلَّى عن طائرتنا … ولا زال لدينا أملٌ أخيرٌ …
كانت طائرة الشياطين مندفعةً بقوةِ دفْعِها … وقد ظهرَت تحتها جزيرةُ الطائرةِ الشبحِ وممرُّ الهبوطِ … وناور «أحمد» بطائرته ليقلِّلَ من سرعة اندفاعه لأسفل. وفي اللحظة المناسبة اندفع نحو ممرِّ الهبوط فوق الجزيرة … ثم أوقف طائرته في المنتصف تمامًا … والتفت إلى بقية الشياطين باسمًا، وهو يقول: هل كان الهبوط ممتعًا؟
لكن أحدًا من الشياطين لم يبتسم لدعابة «أحمد» … وتساءلَت «إلهام» في قلق: ترى ماذا ينتظرنا فوق هذه الجزيرة؟
وجاءت الإجابة سريعةً في شكل عددٍ من المسلحين بالمدافع الرشاشة والقنابل والعربات المصفحة، واندفعوا نحو طائرة الشياطين وأحاطوا بها من كل جانبٍ … وجاء صوتٌ من الخارج يقول بالإنجليزية: استسلموا فلا أملَ لكم.
عثمان: سوف نقاتل مهما كان الثمن.
أحمد: لن يُفيدَنا ذلك في شيءٍ … فهم أكثرُ منَّا عددًا ونحن بلا سلاح على الإطلاق. بالإضافة إلى أننا نرغب في الحصول على بعض المعلومات ولن يُفيدَنا القتال في الحصول عليها.
خالد: وهل سنستسلم لهؤلاء المجرمين؟
أحمد: إنه مجردُ تكتيكٍ مبدئيٍّ. وقلبي يحدِّثني بأن هناك مفاجأةً عظيمةً تنتظرنا داخل هذه الجزيرة … هيَّا بنا.
فتح «قيس» أبوابَ الطائرةِ … وهبط منها الشياطين إلى أرضِ الجزيرةِ، وعلى الفور أحاط بهم المسلحون ولوَّحَ قائدُهم في وجه الشياطين قائلًا وهو يُشير إلى إحدى السيارات … اركبوا هذه السيارة دون مقاومة.
اتجه الشياطين إلى السيارة الجيب وركبوها في صمتٍ، فانطلقَت بهم في قلب الجزيرة التي تناثرَت بداخلها الأشجار الاستوائية، وكان هناك عددٌ قليلٌ من المباني قد طُلِيَت بلونِ صخورِ الجزيرةِ حتى لا تظهرَ تفاصيلُها من أعلى …
أما الطائرةُ الشبحُ فقد اختفَت تمامًا من فوق الجزيرة وتقابلَت نظراتُ الشياطين في دهشة … فأين اختفَت؟! كانوا واثقين أنها لم تعاود الطيران. فأين اختفت؟
التفتَ «أحمد» إلى قائد الرجال المسلحين قائلًا: إن جزيرتكم مجهزةٌ بطريقة فنية رائعة خاصةً أرضيتها التي تتحرك لتكشف عن حظائر الطائرات في قلبها.
ظهرَت الدهشةُ الشديدة على وجه القائد، وقال: وكيف عرفتَ ذلك؟
أحمد: لم يكن الأمرُ بحاجةٍ إلى ذكاء شديد … فأين يمكن أن تكون قد اختفَت الطائرةُ الشبحُ إلا أن يكون لها حظيرةٌ في قلب الجزيرة، وأيضًا طائرات الميراج الثلاث التي انطلقَت لمهاجمتنا، فأنتم لم تغامروا بتركهم فوق سطح الجزيرة، فلعل أحدَ الأقمار الصناعية يلتقط صِوَرَها ويفضح سرَّ هذه الجزيرة.
هتف قائد الحرس في «أحمد»: إن بعض الناس تكون مشكلتهم الذكاء الشديد …
إلهام: معك حقٌّ … ولا أظنُّ أنك تعاني من هذه المشكلة على الإطلاق!
ارتعش وجهُ قائد الحرس، وظهر عليه الغضبُ الشديد لإهانة «إلهام»، وامتدَّت يدُه إلى وجهها لصفْعِها … ولكنه كان من الغباء أن يحاولَ ذلك بكلِّ تأكيدٍ … فقد كانت حركةُ الشياطين أسرعَ ألف مرةٍ من الفتيات … وامتدَّت يد «أحمد» لتُمسكَ بيد قائد الحرس وتضغط عليها بقوةٍ. وأحسَّ الرجلُ بالألمِ الشديدِ … فامتدَّت يدُه الأخرى نحو مدفعه الرشاش، ولكن الوقت لم يتسع له لاستخدامه … فقد انطلقَت قبضةُ «أحمد» نحوه، فأطاحَت به من قلب السيارة … وهكذا بدأت المعركة … المعركة التي لم يخطِّط لها الشياطين على الإطلاق، لكنهم وجدوا أنفسهم في قلبها. فقد امتدَّت أيدي الحراس إلى أسلحتهم بعد أن رأوا ما حدث لقائدهم … وفي نفس اللحظة قفز الشياطين الستة من أماكنهم داخل السيارة الجيب في حركة بهلوانية، وانطلقَت رصاصاتُ الحراس ولكنها أصابَت المقاعدَ الخالية.
وقفز الشياطين الستةُ نحو أقرب الحراس إليهم. وطارَت قبضاتُهم وأقدامهم في ضرباتٍ مؤلمة نحو وجوه وأبدان الحراس.
ولكنَّ مزيدًا من الحراس اندفعوا إلى المكان … وتعالَت أصوات طلقات الرصاص، فاحتمى الشياطين خلف أحد المباني القليلة … وانفجرَت قنبلةٌ بجوارهم فألقَوا بأنفسهم بعيدًا …
وعندما نهض الشياطين من على الأرض كان عشراتٌ من الحراس يطوونهم بعيونٍ مشتعلةٍ بالشرر … وبينهم قائدُ الحرس الذي أُصيب إصابةً داميةً في وجهه … اقترب قائد الحرس من «أحمد» والجنون يلمع في عينَيه وهتف به: لقد ارتكبتَ خطأً فاحشًا وستدفع ثمنه فورًا.
وامتدَّت أصابعُه إلى مدفعه الرشاش … واستعدَّ الشياطين لخوض معركة أخيرة مهما كانت نتائجها … وتقابلَت عيون الشياطين وتفاهموا بما سيفعلونه … ولكن قبل أن يضغط قائدُ الحرسِ على زناد مدفعه الرشاشِ … وقبل أن تبدأ حركة الشياطين جاء صوتٌ غاضبٌ من الخلف يقول لقائد الحرس: أيها الغبيُّ الأحمق … لقد طلبتُ منك القبضَ على هؤلاء الشياطين أحياء. التفتَ الجميعُ إلى الخلف نحو الصوت الغاضب … واتسعَت عيون الشياطين من المفاجأةِ غيرِ المتوقعةِ على الإطلاقِ. كان المتحدث هو «جونز كويل» رجلُ الأمنِ المكسيكي والعميل ذو الوجهين … وكان من الواضح أن له علاقةً كبيرة بأصحاب تلك الجزيرة!