المشهد الثالث
(بينزون – لويس – مرتين – فيراندو – ألفونس – فينشنته –
كولومب)
بينزون
:
بلى سنعود إلى الأوطان ونعانق فيها الأهل والخلان، أتريدون الرجوع أيها
الشجعان؟
الجميع
:
الرجوع، الرجوع.
بينزون
:
إِذَن يجب أن تصنعوا كما أقول لكم، فلنقدم كولومب المجنون لقمة للأسماك،
فلنطرحه في أعماق هذه اللجج ونريح العالم من أفكاره وجنونه، فهو يقودنا إلى
الموت من حيث لا يدري، فليذهب فدًى عنا كما ذهب يونان، ولكن هيهات أن يلفظه
الموت الذي يبتلعه.
لويس
:
لقد أصبت فهذا هو باب النجاة والخلاص، ولكن إذا سُئلنا عن الرجل ماذا
نجيب؟
بينزون
:
الأمر بسيط جدًّا، كان يرصد النجوم ليلًا فهوى في البحر ولم ندرِ بسقوطه،
هكذا نجيب وهذا هو فصل الخطاب، ما رأيك يا ألونزو؟
ألونزو
:
الرجوع واجب رضي كولومب أم لم يرضَ.
فيراندو
:
إن قتلهُ عين الصواب، فإذا رجع بنا يكدر حياتنا ويغضب الملك
علينا.
الفونس
:
إِذَن استعدوا فلا بد أن يكون طرق مسامعه نواحنا، وعن قريب يأتي ليموه
علينا ويرينا العالم الجديد أمامنا حسب عادته، هذه هي المرة الثالثة التي
نثور بها عليه ويخمد بدهائه ثورتنا، أما الآن فينبغي أن تلتهمه نار هذه
الثورة ولا ينجيه منها أحد.
فينشنته
:
اطرحوه اطرحوه بعد أن تمزقوه إربًا إربًا، ولا تخشوا أن يطالبكم به أحد
فيما بعد، فهو مجنون كان ولم يزل أضحوكة وموضوع الهزء والسخرية لا يُعرف له
مضرب عسلة ولا منبت أسلة، غرِّقوه وأنا الكفيل بنجاتكم الآن وكل أوان وإلى
دهر الداهرين.
(كولومب وبرتلماوس يدخلان.)
المشهد الرابع
(المذكورون – كولومب – برتلماوس)
كولومب
:
أتيت لأبشركم بالفوز القريب.
فيراندو
:
قد صمَّت آذاننا عن سماع هذه الأكاذيب، وهاجت بنا الأشواق إلى الأوطان،
وقد قطعنا مسافة ٢٧٠٠ ميل في البحر، فأي أمل لنا بعد؟ فعد بنا إليها وإلا
…
ألفونس
:
تركناك مدفونًا في هذه البحار وعدنا إلى أهلنا.
كولومب
:
سمعت بأذني ما دار بينكم أيها الرفاق، ولكن لا أظن أن عقولكم تسلم بما
تطلبه قلوبكم، لقد قضينا زمنًا طويلًا في هذا السبيل، أَعَلى يوم أو يومين
نترك الثمرة التي أوشكنا أن نجتنيها؟ أجيبوني بربكم.
بينزون
:
نعم نتركها إذ لا أمل باجتنائها.
كولومب
:
الأمل قريب أيها الرفاق، فاصبروا قليلًا.
فينشنته
:
منذ زمان وأنت تعدنا حتى أصبحنا إذا رأينا الأرض الجديدة بأعيننا لا
نصدق، آه ما أشد احتيالك يا رجل! عُد بنا الآن، وإلا كملت بك
مشيئتنا.
كولومب
:
ماذا تفعلون وما هي مشيئتكم؟
ألفونس
:
نطرحك في هذا البحر، ونعود من حيث أتينا.
برتلماوس
:
يا للجسارة! يا للوقاحة!
كولومب
:
أيها الرفاق، لا بأس أن تنتهي سلسلة حياتي كما تريدون، اقطعوها أيها
البرابرة، فكل حلقاتها ويل وشقاء، ولكن كولومب لم يحد عن عزمه بعد وهيهات
أن يعود! أقنعت بعد صبر وجهاد مملكة إسبانيا وحملتها على مساعدتي، فسلَّمني
ملكها وملكتها زمام أموركم وأنا مستعد لمقاومتكم ولو على فراش الموت، لا
أعود بكم قبل أن أبلغ أمنيتي، أسمعتم؟ أنا آمركم باسم الملك فرديناند وباسم
الملكة إيزابل أن تقوموا بواجباتكم حق قيام لأكافئكم خيرًا، وإلا فإني
سأعاقب كلًّا منكم على عمله وينال جزاء ما فعلت يده الأثيمة.
فيراندو
:
سنعاقبك قبل أن تعاقبنا أيها المجنون، لقد صدق أنتوان بكل ما قاله عنك
أيها الجاهل.
برتلماوس
(يستل سيفه ويهجم على فيراندو)
:
اسكت يا لئيم.
كولومب
:
اغمد سيفك يا أخي، أيها الإخوان عودوا إلى أعمالكم، واشكروا الله، فالريح
جارية كما نشتهي، ساعدنا يا رب واكلأنا بعين رحمتك.
الجميع
:
إلى الوراء، إلى الوراء.
كولومب
:
ما أشد عنادهم! مجانين أنتم أيها الرجال قلت لكم لا أعود لا أرجع فلا
تطمعوا بالمحال.
فيراندو
:
يا لك من وقح جبان، مجنون وتعيرنا بالجنون، عد بنا وإلا قتلتك الآن شر
قتلة.
كولومب
:
جنودي، آه لا قائد ولا جنود إزاء إرادة الجمهور.
ألفونس
:
من أنت حتى تدعو جنودك؟ يا لك من أحمق سفيه (يلطمه على رأسه).
الجميع
:
اقتلوه، غرقوه، وعودوا بنا.
مرتين
:
اسمعوا لأخاطبه، ابعدوا قليلًا. (إلى
كولومب) قد رأيت هذه الثورة فلا تقدر أنت وأخوك أن تقاوم
جمهورًا غفيرًا. الجنود أصبحوا من أنصار البحارة، وكلهم في العمل يد
واحدة.
كولومب
:
وأنت وأنت يا مرتين.
مرتين
:
أنا لا أستطيع وحدي أن أقاوم هذا الجمع، فيجب أن نصنع لهم ما يهدأ غضبهم
ولو إلى حين.
كولومب
(إلى البحارة)
:
إِذَن افعلوا ما أقول لكم وأطيعوني ثلاثة أيام فقط.
فينشنته
:
لا، ولا دقيقة واحدة، لا بد من قتلك فاستعد للموت.
الجميع
:
الرجوع، الرجوع.
مرتين
:
لا بأس أيها الرفاق من مجاهدة ثلاثة أيام أخرى.
فيراندو
:
كولومب كذاب مماطل، فهو يعللنا بالرجوع ولم يصدق، قال إنه رأى الأرض، وكل
ذلك كذب وخداع.
الفونس
:
تطلب منا ثلاثة أيام فلا بأس، ولكن اكتب على نفسك شرطًا ليكون بيدنا حجة
عليك نطالبك به في اليوم الثالث.
كولومب
(إلى أخيه)
:
إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، خذ يا مرتين ورقة واكتب:
صح تعهدنا إلى بحارتنا بالرجوع بهم بعد ثلاثة أيام من تاريخه إذا لم
نكتشف أرضًا أو ما يدل دلالة لا ريب فيها على قرب وجود الأرض، ونشترط
عليهم أن يطيعوا الطاعة الكلية لأوامرنا.
حرر نهار الاثنين في ١١ آب سنة ١٤٩٢
(ثم يأخذها ويوقعها.)
كولومب
:
أسرَّتكم هذه الشروط؟ خذوها وارجعوا إلى أعمالكم.
الجميع
(وهم خارجون)
:
الرجوع بعد ثلاثة أيام.
كولومب
:
اذهب يا برتلماوس، وترقب ما يفعل هؤلاء العصاة.
المشهد السادس
(كولومب – البحارة كلهم)
(يقرع الجرس يدخل البحارة.)
كولومب
:
أيها الإخوان، أبشركم بأننا سنبلغ الأمنية هذه الليلة، وننال ما نتمناه،
فاشكروا الحق سبحانه وتعالى؛ لأنه رافقنا في مسيرنا ولم تعكر كأس راحتنا
التقلبات الجوية، تأكدوا ما أقوله لكم ولا يخامركم أدنى ريب في كلامي، غدًا
متى عدتم إلى أوطانكم سيرونكم ويقولون هؤلاء قد افتتحوا العالم الجديد،
وبهذا تخلِّدون لكم ذكرًا لا يُمحى.
الجميع
(يهزون رءوسهم ويضحكون)
:
تمليق، خداع.
كولومب
:
سترون أيها الرفاق عما قريب فاذهبوا إلى أعمالكم وتذكروا أن الملكة وعدت
من يرى الأرض أولًا بجائزة ٣٠٠ ليرة، وأنا أعد أيضًا بطاقم من المخمل
الحريري (يخرجون ضاحكين).
خرجوا ضاحكين مستهزئين ربَّاه كذِّبهم، فلندعهم وشأنهم ونرصد الحركات، آه
إني أرى النور، نورًا يختفي ويظهر، آه ما أجمل النور! غدًا إن شاء الله
سأرى العالم الجديد (يُطلق مدفع) ما هذا
الصوت؟ صوت مدفع، أَثَار القوم؟ أسمع أصواتًا، ماذا يرددون؟ (مدافع تدوي وأصوات تردد) الأرض،
الأرض.
كولومب
:
رباه! قد رأوا ما رأيت، إِذَن لم يخطئ ظني. (ينطرح على الكرسي) فيسمع أنغامًا موسيقية وأصواتًا تردد هذا
النشيد:
هُبُّوا ها قد لاحَ الفجرُ
وأتَى من فَادِينا النصرُ
قابلنَا بالعزمِ الأخطَارَا
وركبْنَا للفتحِ الأبحَارَا
وبلغنَا بالجدِّ الأوطارَا
يا مولى الأكوانِ لكَ الشكرُ
ألفونس
(يدخل ويركع أمام كولومب قائلًا)
:
مولاي، قد رأينا الأرض، أسمع رفاقي يغنون ويترنمون.
كولومب
(يسقط راكعًا على ركبتيه، وبعدما يقبِّل الأرض ينظر إلى
السماء ويقول)
:
قد رأيتها يا كولومب كما رأى موسى أرض الميعاد، سأدخلها بإذنك يا الله،
لم تعد حاجة في نفس يعقوب.
(يسدل الستار)