مصيدة … على ارتفاع ٢٠ ألف قدم!
أعلن الميكروفون الداخلي في المطار عن قيام رحلة طائرة الخطوط الجوية الإسبانية رقم «٣٤٠» المتجهة إلى «هونج كونج» والتي ستتوقف لمرة واحدة في القاهرة لإنزال ركاب القاهرة والتزود بالوقود قبل أن تُواصلَ رحلتَها الطويلة إلى الميناء الشهير …
أنهى الشياطين إجراءَاتِهم الجمركية في يسرٍ، لم يكن معهم سوى ملابسهم الخاصة، وبعض الأسلحة الدقيقة المخبَّأة بطريقة لا يمكن لأيِّ جهاز كشْف في العالم أن يكتشفها أبدًا؛ فقد أنتجَتها أبرعُ العقول والعلماء.
واستقر الشياطين الخمسة في صفَّين متتاليَين من طائرة الجامبو العريضة التي صَعِد إليها ما يزيد عن ثلاثمائة راكب … «إلهام» و«ريما» في المقعد الأمامي … وعثمان و«خالد» و«أحمد» في المقعد الخلفي. وأخيرًا درجَت الطائرة الضخمة فوق أرض المطار، ثم ارتفعَت بمقدمتها واندفعَت بسرعة تشقُّ الفضاء، وفي وقت قصير كانت قد استقرَّت فوق ارتفاع ثلاثين ألف قدم، وقد ظهر البحر الأبيض المتوسط تحتها مثل بحيرة ماء زرقاء أخَّاذة اللون … على حين انتشر ضبابٌ خفيف حول الطائرة … وفي الأفق ظهر قرصُ الشمس الغارب مثل كرة من الدم الملتهب، أخذ يسقط خلف البحر كما لو كان ينوي الانتحار ببطء ذائبًا في قلب المياه …
تأمَّلَت «إلهام» قرصَ الشمس الغارب بعينَين منبهرةً حتى أكمل غروبَه في الأفق وقد ترك مكانه بركةً من الأضواء الحمراء الدامية. تنهَّدَت «إلهام» بإعجاب قائلةً: يا لَه من مشهد فاتن!
قالت «ريما» ضاحكةً: هل أصبحتِ شاعرة؟!
إلهام: قد تكون طبيعةُ عملِنا القتال ومجابهة الأعداء واستخدام الأسلحة، ولكنَّ هذا كلَّه لا ينزع من الإنسان صفاتِه الفطرية.
ارتسمَت ابتسامةٌ واسعة فوق شفتَي «ريما» وهي تقول: كنت أظنكِ ستُحدِّثينَني عن رسالة رقم «صفر» وليس عن شاعرية غروب الشمس!
رمقَت «إلهام» «ريما» لحظةً وقد ظهر عليها أن كلماتِها قد أعادَتها إلى أرض الواقع، وتساءلَت «ريما» باهتمام: هل تظنين أن رقم «صفر» يقصد شيئًا معينًا بتغيير الطائرة التي نعود بها من رحلتنا؟
إلهام: مَن يدري ما الذي يفكر فيه رقم «صفر»؟ إنني في أحيان كثيرة لا أفهم سرَّ تصرفاته … ولكن في النهاية تبدو الحكمة الكامنة خلف كلِّ عمل يقوم به.
– إذن فأنتِ تعتقدين أن تغييرَ رحلتنا وطائرتنا عملٌ مقصود من رقم «صفر»؟
– هذا لا شك فيه!
تساءلَت «ريما»: وهل وصلت إلى غرض رقم «صفر» بعد كلِّ هذا الانتظار من جانبنا بدون أن يُرسل إلينا برسالة واحدة، وفي النهاية تكون رسالته هي تغيير طائرتنا بدون حتى أن يُخبرَنا بالسبب أو يحاول الاتصال بنا؟
ردَّت «إلهام» بحيرة: إن المسألة تبدو غامضةً بالفعل؛ فما الفارق في أن نَصِل إلى القاهرة في طائرة تابعة للخطوط المصرية أو الخطوط الإسبانية إذا كنَّا سنصل في النهاية إلى نفس المكان؟!
قالت «إلهام» مفكرةً: لعلنا كنَّا سنتعرض لخطر ما؛ لذلك أراد رقم «صفر» إبعادَنا عن هذا الخطر بتغيير طائرتنا.
– ومنذ متى كان رقم «صفر» يخشى علينا من الأخطار؟! إن عملَنا هو اقتحام هذه الأخطار وليس تحاشيها.
ونظرَت «إلهام» إلى «ريما» مؤكدةً، وظهرت حيرةٌ قليلة على وجه «ريما»، وقالت بصوت خفيض حائر: إذن ماذا يقصد رقم «صفر» بتغيير طائرتنا؟ إن المسألة تبدو محيرة تمامًا!
أغمض «عثمان» عينَيه وبدَا عليه كأنه مستغرقٌ في النوم، وما إن هتف «أحمد» باسمه حتى فتح الشيطان الأسمر عينَيه على الفور وبدَت عليه اليقظة تمامًا.
تساءل «أحمد»: هل نمت؟
عثمان: وكيف يمكنني أن أنام وأنا أفكر في هذه المسألة العجيبة؟!
أحمد: هل تقصد تغيير طائرتنا المتجهة بنا إلى القاهرة؟
عثمان: نعم … لكني لا أتصور أن تغيير الطائرة كان نتيجة الصدفة.
ردَّ «أحمد» مفكرًا: بالطبع لا يمكن لأحد أن يقول إن هذا التصرف كان محضَ الصدفة … إن رقم «صفر» يقصد ولا شك شيئًا معينًا …
قال «عثمان» بقلق: إن ما يُحيرني هو عدم وصول أية رسالة من رقم «صفر» خلال إجازتنا! إن المسألة غير عادية بالفعل كما قالت «إلهام» … لقد كانت محقةً في شكوكها.
واشترك «خالد» في الحديث قائلًا بوجه مقطب: لماذا لا نكون قد تعرَّضنا لخدعة كبرى؟!
حدَّق «عثمان» و«أحمد» بدون أن يفهما مقصده، وأكمل «خالد» ببطء وبنفس النظرة المقطبة: لقد تقبلنا فكرةَ أن رقم «صفر» هو الذي بدَّل تذاكر الطيران بدون أن نشكَّ أو نفكر في معنى ذلك … في حين أن الأمر قد يكون خارجًا عن يد رقم «صفر» تمامًا.
هتف «عثمان» بعينَين واسعتَين: هل تقصد أنَّ شخصًا ما غيَّر تذاكرَنا بغرض إيهامنا بأن رقم «صفر» هو الذي قام بذلك؟!
خالد: إن هذا الاحتمال يبدو أقربَ إلى المنطق خاصةً وأنه لو كان رقم «صفر» هو الذي بدَّل الطائرة لكان قد أرفق ذلك برسالة يشرح فيها مقصده.
أحمد: إذا افترضنا صحةَ استنتاجك … فمَن يكون ذلك الشخص الذي بدَّل التذاكر … وما هو غرضه؟!
ردَّ «خالد»: هذا ما ستُجيب عنه الساعات القادمة.
قال «عثمان» باسمًا: يبدو أن عدوى الشك والقلق قد انتقلَت إلينا من «إلهام»، فصِرْنا نشك في كل ما يمر بنا من أحداث.
قال «أحمد» بجدية شديدة: إن المسألة تبدو غامضةً بالفعل … إن هناك شيئًا يجري في الخفاء وأحسُّ به ولكني لا أستطيع التكهن به. وتطلَّع حوله بنظرة مليئة بالريب والشك وهو يقول: من الأفضل لنا التيقظ والاحتياط حتى لا نُفاجأ بأيِّ عمل.
تساءل «عثمان» بدهشة: ماذا تقصد بأي عمل؟
ردَّ «أحمد» في غموض: مَن يدري؟! إنني أحسُّ كأن هناك مصيدةً تجري في هذه الطائرة … ومن المؤسف أن أحدًا منَّا لا يملك أيَّ سلاح عدا أسلحتنا السرية الدقيقة.
وأقبلت المضيفة الإسبانية لتوزِّع عليهم أكوابَ العصير والشطائر الخفيفة، وتردَّد «خالد» لحظة في التهامِ ما قدَّمَته المضيفة، فانفجر «عثمان» ضاحكًا وهو يقول: أتظن أن بهم سمًّا أو منومًا؟! إذا كنت تشكُّ في ذلك فاتركهم لي؛ لأنني جائع جدًّا والسموم لا تؤثر فيَّ!
ابتسم «خالد» و«أحمد»، وشرع الشياطين يتناولون شطائرهم في هدوء وصمت، وكان الوحيد منهم الذي يستطيع أن يراقب الممر في الطائرة هو «أحمد» الذي كان جالسًا في المقعد الثالث بجوار الممر … ولم يكن هناك ما يريب … فقد انهمك أغلب الركاب في الحديث بصوت خفيض، كما أسند البعض الآخر رأسه إلى مسند مقعده وأغمض عينَيه … واتجه رجلٌ كهلٌ إلى دورة المياه بمساعدةِ أحدِ مضيفي الطائرة.
مرَّت دقائق وانتهى «عثمان» من الطعام والشراب، وتمطَّى في كسل قائلًا: سأُغمض عينيَّ ولن أفتحَهما إلا عند وصولنا إلى مطار القاهرة.
ولكنه كان مخطئًا في تفاؤله … فما كاد يُغمض عينَيه حتى دوَّى صوتٌ زاعق في مؤخرة الطائرة ففتح عينَيه في دهشة بالغة … وأطلَّت رءوسُ الركاب محملقةً نحو الصوت الزاعق العالي …
وفي مؤخرة الطائرة كان الكهل العجوز الذي دخل دورة المياه منذ قليل واقفًا بعد أن أزاح شعره الأبيض المستعار، وبعد أن أخفى وجهه الحقيقي بقناع وقد أمسك في يده بمدفع سريع الطلقات وصاح بالإنجليزية بصوتٍ عالٍ وعيناه تتقدان شررًا: لا يتحرك أحدُكم من مكانه وإلَّا أطلقتُ عليه الرصاص!
وما كاد يُتمُّ عبارتَه حتى دوَّى صوتٌ آخر من مقدمة الطائرة، والتفتَ الركاب في ذعرٍ بالغ إلى الأمام، وفي مقدمة الطائرة ظهر ثلاثةُ مسلحين مقنَّعين، في أيديهم مسدسات وقنابل يدوية، وتقدَّم أحدُهم قائلًا: لقد اختطفنا الطائرة وهي تحت سيطرتنا … وأية مقاومة تَعْني نسْفَ الطائرة على الفور!
والتفت الشياطين الخمسة إلى بعضهم، لقد وضح معنى رسالة رقم «صفر» أخيرًا!