طائر الرخ … والحمولة البشرية!
قبل أن تسقط ذراع الآسيوي بالسكين الحاد نحو «أحمد»، تراجع «أحمد» بمقعده إلى الخلف قليلًا، وارتفعَت قدمُه اليمنى لتصدَّ ذراع الآسيوي تُوقفها في الهواء … وبحركة خاطفة انطلقَت نفسُ القدَم لتُصيبَ الآسيويَّ بضربة هائلة أودعَها «أحمد» بكل قوته، فاندفع الرجل إلى الخلف مسافة متر وسقط على الأرض وقد تحطَّمت أسنانُه الأمامية لشدة الضربة. وعلى الفور اندفع الآسيويُّون الثلاثة نحو «أحمد» في جنون شاهرين سكاكينَهم …
وأدرك «أحمد» سوءَ موقفه وهو مقيدٌ إلى المقعد، ولكن النجدة جاءت على غير انتظار؛ فقد حلَّت «إلهام» قيودَها بسرعة، وفي نفس اللحظة استدارَت لتُواجهَ أول المهاجمين، فصدَّت ضربتَه بالسكين بساعدها الأيسر، وبقبضتها اليمنى سدَّدَت ضربةً إلى الرجل فسقط على أثرها متكومًا … بلا حَراك.
واندفع الآسيويان الآخران شاهرين سكاكينَهم نحوها في جنون، وتحاشَت «إلهام» السكينَ الأول المسدَّدَ لها، وما كادت تستدير حتى تعثَّرَت في رجلَي الآسيوي المحطَّم الأنف على الأرض فاختل توازنها لحظة واحدة ولكنها كانت كافيةً ليسدد لها الآسيوي الرابع سكينًا في سرعة خاطفة. ولكن اليد الممسكة بالسكين أوقفَتها في الهواء قوةٌ أكبر منها … وحملق الآسيوي في «أحمد» الذي ما إن شاهد الخطر المحدق ﺑ «إلهام» حتى مزَّق قيوده كما لو كانت من الورق وامتدَّت قبضتُه في لحظة خاطفة لتقبضَ على ذراع الرجل.
وراح «أحمد» يُثني ذراع الرجل الممسكة بالسكين … وأخذت السكين تتحرك قليلًا وشهق الرجل في النهاية وسقط على الأرض وهو يتلوَّى من الألم بجوار بقية زملائه …
نهضَت «إلهام» من عثرتها وقالت ﻟ «أحمد» باسمةً: لقد أنقذتَ حياتي.
ردَّ عليها بابتسامةٍ أوسع: أنتِ فعلتيها قبلي … إننا متعادلان …
وشرعَا يحلَّان قيودَ بقية الشياطين، وفي أقل من دقيقة كان الآسيويون الأربعة مقيَّدين إلى مقاعد الشياطين بعد أن كمَّموا أفواههم … هتف «عثمان» في حماس: دعونا نهاجم المختطفين قبل أن يستقلوا الطائرة الهليكوبتر مع الفتاة.
أحمد: لا … سوف ندَعهم يُتمُّون مهمَّتَهم إلى النهاية.
حدَّق «عثمان» في «أحمد» مندهشًا، وأكمل «أحمد» مفسِّرًا: يجب أن نَصِل إلى الرءوس المدبرة لهذا العمل حتى نقطعَها فلا تعاود تكراره.
والتفت إلى «إلهام» و«ريما» و«خالد» قائلًا: فلتبقوا أنتم بداخل الطائرة ووجِّهوا رسالة باللاسلكي إلى السلطات المحلية لإنقاذ الطائرة وركابها … أما أنا و«عثمان» فسنحاول تتبُّعَ المختطفين الأربعة …
كادَت «إلهام» تحتجُّ فقاطعها «أحمد» قائلًا: إن مهمتكم لا تقلُّ أهميةً عن مهمتنا … إن هؤلاء الركاب الثلاثمائة تحت مسئوليتنا.
هزَّت «إلهام» رأسَها في فهمٍ واقتناع، وأسرع «أحمد» و«عثمان» يغادران الطائرة من بابها الخلفي في سكونٍ، وساعدهم الظلامُ المنتشر بالخارج في ألَّا يُلاحظَهم المختطفون الأربعة … وكانت الطائرة الهليكوبتر أمامهم على مسافة ثلاثين مترًا، وقد دفع المختطفون الأربعة «كاتي» إلى قلبها واستعدوا للصعود خلفها.
راح «عثمان» و«أحمد» يقتربان من الطائرة في حذر، حتى لم يَعُد يفصلهما عنها إلا أمتارٌ قليلة … وأخذَت الطائرة تُدير مراوحَها استعدادًا للإقلاع.
تلفَّت «عثمان» حولَه بقلق متسائلًا: كيف سنتتبَّع الطائرة؟! إننا بحاجة إلى طائرة أخرى ولا يوجد هنا سوى السيارة الجيب ولا يمكنها اختراق الغابات وتتبُّع الطائرة.
وقبل أن يُجيبَه «أحمد» بردٍّ ما، كانت الهليكوبتر قد بدأَت الارتفاع ببطء ومراوحها تُثير عاصفةً من الهواء والتراب حولها … وهتف «أحمد» بصوتٍ عالٍ ليسمعَه «عثمان»: ليس أمامنا إلا وسيلة واحدة … اتبعني …
وانطلق «أحمد» نحو الطائرة التي علَت إلى ارتفاع قامتهما، وأدرك «عثمان» خطةَ «أحمد»، وفي لحظة واحدة قفز الاثنان نحو قدمَي الطائرة وتعلَّقَا بها … وارتفعَت بهما الطائرة مثل طائرِ رخٍّ كبير وهما معلَّقان بأسفلها … وعلَت الطائرة في الفضاء حتى بدَت الغابات من أسفل مثل رقعة خضراء مغطاة بسواد الليل.
وشرعَت الطائرة تشقُّ طريقَها إلى وجهتها المجهولة دون أن يتنبَّهَ ركَّابُها إلى الحمولة البشرية بأسفلها.