فرسان القرون الوسطى!
كان الفجر يُوشِك على البزوغ … وكانت «إلهام» و«ريما» و«خالد» قد قاموا بمهمتهم في تهدئة ركاب الطائرة ورفْع روحهم المعنوية، ونشطَ مضيفو ومضيفات الطائرة في توزيع الطعام على الركاب، على حين كان الآسيويون الأربعة مقيَّدين في مقاعد الطائرة يُشرف «خالد» على حراستهم … وأثمرَت اتصالاتُ «إلهام» باللاسلكي في إبلاغ المسئولين بمكان الطائرة وجاءها الردُّ أن الإنقاذ العاجل سيأتي في الصباح لنقلِ الركاب إلى أحد مطارات فيتنام، ومحاولة الطيران بالطائرة الجامبو العملاقة وهي فارغة؛ فقد كانت تلك المحاولة خطرةً بسبب ضيق المطار الذي هبطَت فيه الطائرة وسط الغابات، وكان من المستحيل المغامرة بحياة الركاب ومحاولة الإقلاع بالطائرة بحمولتها الكبيرة من الركاب.
ألقَت «إلهام» نظرةً على ساعتها … فكانت الرابعة فجرًا … والتفتَت إلى «ريما» قائلةً بقلق عظيم: إنني في أشد القلق على مصير «عثمان» و«أحمد» …
قالت «ريما» تُطمئنها: لا تخشَي شيئًا … إنهما أفضل مَن يواجه المخاطر والمآزق …
ردَّت «إلهام» بقلق أشد: ولكن هذه الغابات … إنها أشبهُ بمصايد قاتلة وهؤلاء الرجال من العصابات كالحيوانات المتوحشة … ليتنا نستطيع أن ننطلق للمساعدة … من المؤسف أننا لن نستطيع الحركة قبل أن نترك ركاب الطائرة في أيدي أمينة!
فجأةً لاحَ على البعد أضواءُ سيارتَي جيب قادمتَين فهتفَت «ريما» بسعادة: لقد وصل الإنقاذ والمسئولون.
ولكنَّ «إلهام» أمسكَت بيد «ريما» وهتفَت بها في قلق وهي تتطلع نحو الأشباح العشرة التي قفزَت من سيارتَي الجيب وهمسَت لها: إنهم تابعون للإرهابيين … إن ملابسهم وأسلحتهم تؤكِّد ذلك. وعلى الفور قفزَت الاثنتان نحو باب الطائرة واختفيتَا خلفه من الداخل … وبلغةِ الإشارات تفاهمَت الشيطانتان على ما ستفعلانه، على حين تسلَّح «خالد» بأحد سيوف الإرهابيين، وحبس الركابُ أنفاسَهم خوفًا وهلعًا …
وأطلَّ أولُ الإرهابيين برأسه داخل الطائرة، وما كاد يخطو داخلًا حتى امتدَّت يدُ «إلهام» إليه بضربةٍ عنيفة أطاحَت به إلى مقدمة الطائرة، على حين عاجلَته ضربةٌ قوية من «ريما» أطاحَت به إلى مؤخرة الطائرة بلا حَراك … وأطلَّ الإرهابي الثاني بدون أن يفطن إلى الخطر، وفي هذه المرة تهاوَت ضربةٌ من قبضة «خالد»، وأكملَت عليه ضربةٌ خطافية من «إلهام» وضربَته «ريما»، وتكوَّم الإرهابي بجوار زميله.
وظهر الإرهابي الثالث شاهرًا سيفَه بعد أن أدرك أن هناك ما يُريب في الطائرة … وأطلَّ بحذر خلف باب الطائرة فلم يجد شيئًا … وقبل أن يخطوَ داخلًا سقط «خالد» فوقه بقوة، وسقط الاثنان فوق الأرضية، وأمسك «خالد» بالإرهابي وضربَه بعنف حتى غاب عن وعيِه … وتصايح الإرهابيون السبعة في الخارج وقد وصل إليهم أصواتُ الصراع، واندفعوا على الفور نحو باب الطائرة.
وهتف «خالد» في «إلهام» و«ريما»: دعونا ننقل القتال إلى خارج الطائرة حمايةً لركَّابها … وقفز الثلاثة إلى الخارج مسلَّحين بسيوف الإرهابيين. وأطلَّ ركاب الطائرة من نوافذها في رعبٍ طاغٍ وهم لا يصدِّقون أن ذلك الشاب وهاتين الفتاتَين يمكنهم أن يصمدوا في قتالٍ ضد أولئك الإرهابيين. واندفع الإرهابيون السبعة شاهرين سيوفَهم وهم يصرخون صرخاتٍ مفزعةً نحو الشياطين الثلاثة … وبدأَت المعركة.
كانت فنون القتال بالسيف إحدى الفنون التي تعلَّمها الشياطين في مركز التدريب السري، وكانت «إلهام» تعشق هذا الفنَّ ومن أبرع الشياطين في استخدام السيف … وها هي فرصتُها قد جاءَت لتجرِّب مهارتها … ومثل فرسان القرون الوسطى اندفعَت «إلهام» تسبق «ريما» و«خالد» … وتُقاتل بنصل سيفها مع أول الإرهابيين … وبحركة مباغتة أطاح سيفُها بالإرهابي الثاني الذي لم يتوقع ضربتَها، وسقط الاثنان على الأرض بلا حَراك.
واندفع «خالد» و«ريما» إلى المعركة … وسقط إرهابيان آخران … وقبل أن تكتمل خمس دقائق على بدء القتال كان الإرهابيون جميعًا ملقَين على الأرض وهم يئنُّون من جراحهم.
ورفعَت «إلهام» يدَها بعلامة النصر، واندفع الركابُ نحو الشياطين الثلاثة في فرحة غامرة، يُقبِّلونهم ويهنِّئونهم. وأخيرًا لاحَت أنوارُ الصباح … وشقَّت الغاباتُ إليهم عددًا كبيرًا من سيارات الجيب الحكومية، وعددًا كبيرًا من المسئولين ورجال الجيش والشرطة … وفي كلماتٍ مختصرة قصَّ «خالد» على المسئولين ما حدث للطائرة واختطاف «كاتي». وبدأ المسئولون ورجال الجيش في ترحيل الركاب تحت حراسة مشددة …
والتفت «خالد» إلى «إلهام» و«ريما» قائلًا: لقد انتهَت مسئوليتنا عن الركاب … يجب أن نلحق ﺑ «أحمد» و«عثمان» بسرعة؛ فإنني أحسُّ أنهما في مأزق.
قالت «ريما» بحيرة: ولكن كيف ستعرف مكانهما في وسط هذه الغابات؟!
وفي هذه اللحظة دقَّ جهازُ الاستقبال في جيب «إلهام»، وكانت كلماتُ رقم «صفر» واضحةً وهي تصفُ لهم مكانَ «أحمد» و«عثمان»، وتشرح لهم المهمة التي يتعيَّن عليهم القيام بها في التوِّ!
وقف «تشي يانج» و«جابريللو» يُحدقان بعيون نارية في «أحمد» و«عثمان» و«سونيا» الذين تم تقييدهم بقيود حديدية إلى حائط كوخ «تشي يانج».
وأمسك «ذو الوجه القبيح» بشعر «سونيا» وراح يجذبه في عنف وهو يقول: أيتها الماكرة المخادعة، لقد خدعتِنا وأفسدتِ خطَّتَنا … أُقسم لأنتقم منكِ أشدَّ الانتقام لأجعلَ مَن أرسلوكِ إلى هنا يعضُّون أظافرَهم ندمًا على خديعتهم لنا.
وحدق «جابريللو» في «أحمد» و«عثمان» بنظراتٍ طويلة وقال لهما: مَن أنتما؟ وما الذي أتى بكما إلى هنا؟
صاح «تشي يانج» بغضب شديد: إنهم مجموعة واحدة بلا شك … لقد أضاع علينا هؤلاء الشياطين ملايين الدولارات، وسوف تنخفض أسعارنا وسُمْعتنا في السوق لهذه الخديعة التي جازت علينا.
وصرخ بصوتٍ عالٍ: لسوف أنتقم منهم هم الثلاثة أشدَّ انتقام … سوف أعلِّقكم بالحبال تحت رءوس الأشجار لتحرقَكم الشمس وتلتهمَكم النسور وأنتم أحياء … وسأجعلكم تتمنَّون الموت لأنه سيكون أرحمَ من عذابكم. وصرخ في رجاله فاندفع عشرةُ مقاتلين نحو «أحمد» و«عثمان» و«سونيا»، وراحوا يحلُّون قيودَهم ودفعوهم إلى الخارج.
كان ضوء الصباح قد أشرق تمامًا … وكان هناك عمودان كبيران من الصلب قد أُقيمَا في وسط المعسكر وشَدَّ إليهما حبلًا قويًّا تمتدُّ منه ثلاثة خطاطيف قوية لتعليق كلٍّ من الشيطانَين وزميلتِهما في الحبال حيث يُترَكون معلَّقِين من أقدامهم على ارتفاع عشرة أمتار …
تفاهم «أحمد» و«عثمان» بنظراتهم … كانت تلك هي فرصتهما الأخيرة … وبرغم أن الأمل يكاد يكون معدومًا فيها، إلا أنهما لا يمكن أن يتركَا تلك الفرصة تضيع أبدًا …
اقترب الحرَّاس ﺑ «أحمد» و«عثمان» و«سونيا» من عمودَي الصلب وهم يصوِّبون مدافعَهم الرشاشة نحوهم … واندفع ثلاثة حراس لربطِ أقدام «أحمد» و«عثمان» و«سونيا» بالحبال المدلاة من أعلى. وصاح «أحمد» في «عثمان»: الآن … وعلى الفور انقضَّ الاثنان نحو حارسَين من حرَّاسِهما وكبَّلَا حركتَهما، وفي نفس اللحظة انطلق سيلٌ من الرصاص من بقية الحراس نحو الشيطانَين، ولكن الرصاصات كلها استقرَّت في جسدَي الحارسَين اللذَين احتمى الشيطانان خلفهما …
وعلى الفور قفزَت «سونيا» في الهواء برشاقة بالغة وصوَّبَت ضربةً قوية لأحدِ الحراس الذي ترنَّح إلى الخلف، والتقطَت «سونيا» مدفعَه الرشاش وألقَت بنفسها على الأرض وهي تُطلق سيلًا من الرصاص حتى أصاب الحراسَ بالذعر، فأُصيب بعضُهم وتفرَّق الآخرون هاربين … واندفع «أحمد» و«سونيا» نحو الأشجار القريبة يحتمون بها …
وهتف «عثمان» بسخط: لقد عُدْنا لتلك الغابة الملعونة مرة أخرى!
أحمد: إننا بحاجة إلى مساعدةٍ من بقية الشياطين … إن عدد الإرهابيين هنا يزيد عن المائة!
صاح «عثمان» بغضب: سأقاتل إلى آخر لحظة.
واندفع عددٌ كبير من الإرهابيين نحو الغابة فجاوبَتهم طلقاتُ «سونيا» بصوتٍ مدوٍّ … وسرعان ما تفرَّق الإرهابيون وهم يُطلقون رصاصهم نحو الفتاة والشياطين … وتوقَّف مدفع «سونيا» عن إطلاق الرصاص، وضاقَت عيناها وهي تقول: لقد نفد الرصاص … سوف نُقاتلهم بأظافرنا!
وفي تلك اللحظة أحاط بهم عشرةٌ من الإرهابيين شاهرين مدافعهم الرشاشة على شكل دائرة كان يستحيل على «أحمد» و«عثمان» و«سونيا» اختراقهم … ولكن فجأةً دوَّى في المعسكر على البعد أصواتُ انفجارات هائلة وطلقات رصاص متتابعة، وأدرك «أحمد» و«عثمان» أن الإنقاذ العاجل من بقية الشياطين قد جاء أخيرًا …
واندهش الإرهابيون لحظةً يسيرة! وتطلَّعوا بأبصارهم نحو معسكرهم على البعد، وكانت هذه اللحظة كافيةً ﻟ «أحمد» و«عثمان» …
وعلى الفور تشابكَت أيديهم مع «سونيا»، وقفزوا ثلاثتهم لأعلى في نفس اللحظة التي أطلق فيها الإرهابيون رصاصَهم بلا وعيٍ بدون أن ينتبهوا إلى أنهم سيُصيبون أنفسهم وهم واقفون على شكل دائرة … وتساقط الإرهابيون قتلى ومصابين برصاص بعضهم!
والتقط «عثمان» و«أحمد» و«سونيا» ثلاثةَ مدافع رشاشة من الإرهابيين القتلى، واندفعوا نحو المعسكر … كانت الانفجارات لا تزال تدوِّي بداخله، وشاهد «أحمد» طائرةَ الشياطين الصغيرة التي تقودها «إلهام» وهي تنقضُّ على الإرهابيين وتُسقط قنابلَها فوقهم، على حين كانت رصاصات «ريما» و«خالد» تحصدهم حصدًا من داخل الطائرة …
وصرخ «تشي يانج» يطلب من رجاله استخدامَ صواريخ «البازوكا» ضد الطائرة المهاجمة، واندفع أحد الإرهابيين خارجًا من أحد الأكواخ حاملًا صاروخًا فوق كتفه وصوَّبه نحو الطائرة وهو يحتمي خلف إحدى الأشجار ليحتميَ من إطلاق الرصاص عليه، وعلى الفور قفز «أحمد» قفزةً هائلة نحو الرجل، وسقط فوقه في نفس اللحظة التي ضغط فيها الإرهابي على الزناد فطاشَت الطلقة الصاروخية واندفعَت إلى قلب المعسكر واصطدمَت بكوخ «تشي يانج» وانفجرَت بصوت رهيب فدمرَت قلبَ المعسكر تمامًا …
واندفع الإرهابيون في ذعر هائل … وقابلهم «أحمد» و«عثمان» و«سونيا» من أسفل برصاصهم على حين أمطرَتهم طائرةُ الشياطين بالقنابل.
واشتعلَت الحرائق في المعسكر، واندفعَت فلولُ الإرهابيين رافعين أيديهم في استسلام وانبطحوا على وجوههم وقد وضعوا أذرعتَهم خلف ظهورهم، وسرعان ما كان الشياطين يسيطرون على المعسكر بالكامل … وهبطَت طائرةُ الشياطين وخرج منها «خالد» و«إلهام» و«ريما» وانضموا إلى الباقين … وكانت جثث «جابريللو» ورجال عصابته الثلاثة ملقاةً على الأرض بعد أن أصابها الرصاص … أما «تشي يانج» فقد اختفى ولم يكن له أيُّ أثر …
واندفع الشيطانان «عثمان» و«أحمد» يفتِّشان عن «تشي يانج»؛ فقد كانَا يريدان الحصول عليه حيًّا، وبرز لهما «تشي يانج» من داخل أحد الأكواخ المشتعلة وقد ظهرَت عليه آثارُ الحروق والجروح … ووقف «تشي يانج» يُحدق في الشيطانَين بعينين واسعتين دمويَّتَين، وضغط على شيء في يده، وعلى الفور أدركَت «إلهام» ما يفعله الإرهابي فصرخَت في «أحمد» و«عثمان» …
وقفز «عثمان» و«أحمد» في اللحظة المناسبة وألقيَا بنفسَيهما على الأرض عندما انفجرَت القنبلة التي كان يحملها «تشي يانج» وأراد أن يقتل بها الشيطانَين معه.
وتمزَّقَت جثةُ «تشي يانج» وأسرعَ بقيةُ الشياطين نحو «أحمد» و«عثمان» يطمئنون عليهما … كان كلَّ ما أصابهما جراحٌ خفيفة …
وسأل «أحمد» «إلهام»: كيف استطعتم الوصول إلينا في الوقت المناسب؟!
ردَّت «إلهام»: لقد وصلَتنا رسالة من رقم «صفر» أخبرَنا بمكانكما كما أرسل لنا إحدى طائراتنا المقاتلة.
ابتسم «عثمان» وأخذ يشرح ﻟ «إلهام» و«ريما» و«خالد» كلَّ ما مرَّ بهم والخدعة التي قامَت بها «سونيا». رمقَت «إلهام» «سونيا» بإعجابٍ … بينما ضحك «أحمد» طويلًا … وفي لحظاتٍ كانت طائرة الشياطين تضمُّهم جميعًا وتُحلِّق بهم فوق المعسكر الإرهابي الذي تحوَّل إلى كتلة من اللهب، وقُتل كلُّ أفراده، وتم أَسْرُ الباقين الذين اندفعَت قواتُ الجيش لتقبضَ عليهم بلا مقاومة.
وكانت رسالةُ «إلهام» إلى رقم «صفر»: «انتهَت المهمة بنجاح، وتم تنظيفُ إحدى البؤر الإرهابية العالمية … ليحيَا الوطن العربي ولن يمسَّه أيُّ مخلوق بأذًى، ما دام الشياطين على قيد الحياة.»
انتهت الرسالة!