الرسالة الثانية
نحن ملزمون بالإغضاء عنها؛ وذلك لأننا لا نستطيع أن نعرف هل يكون الرجل الذي يَنْهض مُلهمًا عن عقلٍ أو خَبل، فنحن، عند الشك، نستمع إلى الجميع صابرين، فنُبِيح حتى للنساء أن يتكلَّمن، وفي الغالب يكون اثنتان أو ثلاثٌ من تقيَّاتنا ملهماتٍ معًا، فهنالك يرتفع ضجيج في بيت الرَّب.
– إذن، ليس عندكم قسوسٌ؟
– كلَّا يا صاحبي، ونطيب نفسًا بهذا، ومعاذ الله أن نُقدم يوم الأحد على الإيعاز إلى أي كان بأن يفوز بالروح القدس دون غيره من المؤمنين، ونحمد الله على أننا وحدنا في الدنيا خالون من قسِّيسين، أو تريد أن تنزع منا هذا الامتياز البالغ اليُمن؟ لا يلبثُ هؤلاء المرتزقة أن يسيطروا على البيت وأن يجُوروا على الأم والولد، وقد قال الرب: «مجانًا أخذتم فمجَّانًا أعطوا»، وهل نُسَاوِم بعد هذا الكلام، حول الإنجيل؟ وهل نبيع الروح القدس؟ وهل نجعل من مجتمع النصارى حانوت تجار؟ فنحن لا نهب مالًا لمن يلبسون ثيابًا سودًا كيما يساعدون فقراءنا ويدفنون موتانا ويعظون المؤمنين، وهذه الأعمال المقدسة هي من النَّفَاسة ما لا نتخلَّى عنها لآخرين.
– ولكن كيف تستطيعون أن تُدركوا أن الروح القدس هو الذي يحرككم في خطبكم؟
– ليوقن من يدعو الله أن يُنير بصيرته، ومن يُبشِّر بالحقائق الإنجيلية أن الله يُلْهِمه.
إذا ما حرَّكت عضوًا من أعضائك فهل تحرِّكه بقوَّتك؟ كلَّا لا ريب؛ وذلك لأن لهذا العضو، في الغالب، حركاتٍ غير إرادية؛ ولذا فإن الذي خلق جسمك هو الذي يُحَرِّك هذا الجسم الفاني، وهل أنت الذي يكون ما تتلقى نفسك من أفكار؟ كلا، وذلك لأنها تأتيك على الرغم منك؛ ولذا فإن خالق نفسك هو الذي يُعطيك أفكارك، ولكن بما أنه ترك الحرية لفؤادك فإنه أعطى نفسك من الأفكار ما يستحق فؤادك، فأنت تحيا في الله، وفي الله تتحرك وتُفكِّر، فما عليك، إذن، إلَّا أن تفتح عينيك لهذا النور الذي ينير جميع الناس حتى ترى الحقيقة فتُريَها.
وهنالك أصرخ قائلًا: «آه! ذلك هو الأب مَلْبرَنْش الذي هو بالغ الطهارة!»
فيقول: «أعرف مَلْبرَنْشك، فقد كان على شيءٍ من الكويكريَّة، ولكن ليس بما فيه الكفاية.»
فتلك هي أهم الأمور التي عرفتها عن مذهب الكويكر، وفي الرسالة التالية ترون تاريخهم الذي تَجِدونه أكثر غرابةً من مذهبهم.