ألغاز الإنجيل
«إن هالة القداسة التي تحيط بالنص الديني تجعل من المتديِّن متلقِّيًا سلبيًّا له، لا ينتبه إلى إشكالياته ولا يَحفل بغوامضه. إنَّ ما يطلبه منه هو أن يكون مرشدًا أخلاقيًّا، ودليلًا إلى حياةٍ نفسية وعقلية سَوِية ومتوازِنة. وعندما يُفلِح النصُّ في أداء هذه المهمة (وهذا ما يفعله عادةً) تَخفت الحاجةُ إلى عَقلَنته والتفكُّر في إشكالياته التي تُترك للاختصاصيِّين الذين ما زالوا في أمرها يختلفون.»
ينطلق «فراس السواح» من الظروف التي دُوِّن فيها الإنجيل، والتي وقعَت بعد وفاة «يسوع المسيح» ووفاة معظم الجيل الأول من تلاميذه دونَ وجودِ أيِّ نصٍّ مكتوبٍ لحياة «يسوع» وتعاليمه، ومن ثَم بدَت الحاجةُ إلى تدوينهما مُلحَّةً للحفاظ عليهما والاستفادة منهما؛ فبدأَت عملية تدوين الإنجيل. وكان وجودُ فترة بين وفاةِ «يسوع» وتدوينِ تعاليمه سببًا في تشابُه أكثرَ من روايةٍ للإنجيل في بعض هذه التعاليم، واختلافِها في بعضها الآخَر، وهو ما دفَع الكنيسة إلى اعتمادِ أربعةِ أناجيلَ رسمية — وهي «متى» و«مرقس» و«لوقا» و«يوحنا» — دُوِّنت باللغة اليونانية القديمة التي كانت لغةَ الثقافة وقتئذ. ومن هذه الإشكالية؛ أيْ تدوين الأناجيل وفقَ سياقٍ ثقافي وتاريخي ونفسي معيَّن، وبلغةٍ قديمة لها مفرداتُها وصياغتُها الخاصة؛ بدأ «السواح» في دراستها دراسةً متأنِّية مُستنِدة إلى العقل لا العاطفة، جامعة بين علوم الميثولوجيا، والأنثروبولوجيا، واللغة.