أضواءٌ على لاهوت بولس
لقد استحق بولس عن جدارة لقبَ المؤسس الحقيقي للديانة المسيحية. والديانات الجديدة لا يؤسسها إلا الأنبياء، وكان بولس نبيًّا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنًى. فإلى جانب التعاليم السرية التي أخذها عن خاصة يسوع، فإن يسوع المسيح الممجَّد الذي ارتفع إلى السماء قد خصَّه بوحيه وتابع كشف الحقائق الروحانية له. يقول في رسالته الأولى إلى أهالي كورنثة: «غير أن هناك حكمةً نتكلم عليها بين الكاملين، وليست بحكمة هذا العالم ولا بحكمة رؤساء هذا العالم ومصيرهم للزوال، بل نتكلم عن حكمة الله السرية الخفية التي أعدَّها لنا الله قبل الدهور في سبيل مجدنا … فلنا كشفه الله بالروح لأن الروح يفحص كلَّ شيء حتى عن أعماق الله» (١ كورنثة، ٢: ٦–١٠). فمع قيامة المسيح وصعوده ابتدأ عصرٌ جديد هو عصر العهد الجديد؛ حيث صارت الأسرار تُكشف بالروح عن طريق بولس الذي جعله الله وسيطًا بين المسيح الممجَّد والمؤمنين، والذي يتكلم ويعمل بتوجيه سماوي لأن المسيح يسكن فيه: «لأني بالشريعة متُّ عن الشريعة لأحيا لله، وقد صُلبتُ مع المسيح فما أنا أحيا بعد ذلك بل المسيح يحيا فيَّ. وإذا كانت لي حياةٌ بشرية فإنها في الإيمان بابن الله الذي أحبني وضحَّى بنفسه من أجلي» (غلاطية، ٢: ١٩–٢٠).
إنَّ مَن عرَف يسوع البشري فقط كانت معرفتُه به ناقصةً؛ لأن المعرفة الحقة بيسوع هي بالروح، معرفة المسيح السماوي الذي وُجد قبل الخلائق كلها وبه خُلق كل شيء مما في السماوات ومما في الأرض (كولوسي، ١: ١٥–١٧). وعلى حدِّ قوله في الرسالة الثانية إلى أهالي كورنثة: «فنحن لا نعرف أحدًا بعد اليوم حسب الجسد. فإذا كنَّا قد عرفنا المسيح يومًا حسب الجسد فلسنا نعرفه الآن هذه المعرفة. وإذا كان أحدٌ في المسيح فإنه خلقٌ جديد. قد زال كلُّ شيء قديم وها هو ذا كل شيء جديد» (٢ كورنثة: ١٦–١٧). وبولس هنا في حديثه عن الانسلاخ عن القديم لا يقصد الانسلاخ عن اليهودية فقط، وإنما الانسلاخ عن كنيسة أورشليم أيضًا، والتي يُديرها رسلٌ لم يتلقَّوا الأسرار، وما زالوا يرسفون في أغلال الشريعة اليهودية، ويُمثِّلون عصرًا منقضيًا. فالكنيسة الجديدة يرأسها الآن المسيح السماوي، والمؤمنون غير خاضعين لأي سلطة أرضية بما في ذلك سلطة الرسل وما عرفوا إلا يسوع البشري.
هذه الرؤية الفريدة لبولس هي التي ميَّزته عن الإنجيليِّين الأربعة. فهو في تجاهله ليسوع البشري قد تجاهل في الوقت نفسه كلَّ ما يمتُّ بصلة إلى سيرة يسوع الناصري: ميلاده في بيت لحم، وأمه وأبوه، ولقاؤه بيوحنا المعمدان الذي لم يذكره في أيٍّ من رسائله، وحياته التبشيرية، والجليل ومدنه وقُراه، والرسل الاثنا عشر الذين لم يذكر منهم سوى بطرس ويعقوب ويوحنا، ولكن بشكلٍ عرضي وفي سياق أحداث ما بعد القيامة لا قبلها. كما تجاهل بولس الأحداث والشخصيات التاريخية التي ارتبطَت بحياة يسوع، فهو لم يأتِ على ذِكْر هيرود الكبير وأولاده: أرخيلاوس وأنتيباس وفيليبس، أو بيلاطس البنطي، أو قيافا الكاهن الأعظم. فتاريخ يسوع بالنسبة إليه يبدأ ليلةَ العَشاء الأخير وينتهي في اليوم الثالث الذي قام فيه من بين الأموات. كما أن الاسم يسوع مجردًا من لقب المسيح لم يَرِد عنده سوى عشر مرات، إذا استثنينا الرسالة إلى العبرانيِّين المنحولة. وفي الحقيقة، لو أن رسائل بولس كانت مصدرَنا الوحيد عن يسوع لما كنَّا عرفنا عنه شيئًا تقريبًا.
وفي مقابل ذلك فقد ركَّز بولس على الأهمية المركزية لموت يسوع وقيامته في الخطة الإلهية الشاملة لخلاص البشر والعالم، والمسيح الذي بشَّر به ليس المسيح الداودي الذي يُحرر بني إسرائيل ويقهر أعداءَهم ويُخضع العالمَ أجمع إلى ملكوته، ولكنه المخلِّص الذي انتظره العالم أجمع ليُحررَه من سلطان الشر ويفتح له بوابة الأبدية. ففي المنظور البولسي لدراما الخلاص، ليس المهم ما قاله يسوع وما فعله خلال حياته، بل ما حدث له والنتائج المترتبة على ذلك. وإذا كان يسوع الأناجيل عبارةً عن معلِّم ينقل رسالةً لأتباعه، فإن يسوع بولس هو الرسالة بعينها. فهو المخلِّص من الخطيئة ومن الموت بخضوعه للموت على الصليب، وهو الذي حمل بشرَى الانبعاث والحياة الثانية بقيامته.
يبتدئ تفكيرُ بولس من نظرته إلى الموت باعتباره عقابًا على الخطيئة (روما، ٦: ٢٣)، وبما أن الموت هو عاقبةُ كلِّ البشر وهو العدو الأول (١ كورنثة، ١٥: ٢٦)، فإن ذلك يستتبع بالضرورة أننا جميعًا خاطئون، وقد ورثنا هذه الخطيئة عن آدم سلف البشرية الذي يدعوه بآدم الأول في مقابل يسوع المسيح الذي يدعوه بآدم الثاني. فلقد جلب آدم الأول على ذريته الخطيئة بعصيانه أمرَ الرب، مثلما جلب عليهم الموت الذي هو عقاب الخطيئة: «وكما أن الخطيئة دخلَت في العالم على يدِ إنسانٍ واحد، وبالخطيئة دخل الموت، فكذلك سرَى الموت إلى جميع الناس لأنهم جميعًا خَطِئوا» (روما، ٥: ١٢). ولكن المسيح الذي هو آدم الثاني قهر الموت الذي دخل العالم بخطيئةِ رجلٍ واحد، من خلال موته على الصليب وقيامته، وجعل الحياةَ الأبدية متاحةً لكلِّ مَن آمن به وتوحَّد معه: «فإذا كانت جماعةٌ كثيرة قد ماتَت بزلَّة إنسان واحد، فبالأحرى أن تفيض نعمة الله الموهوبة على جماعة كثيرة بإنسان واحد، ألا وهو يسوع المسيح» (روما، ٥: ١٥–١٦). وأيضًا: «فقد أتى الموت على يد إنسان، وعلى يد إنسان تكون قيامة الأموات. وكما يموت جميعُ الناس في آدم فكذلك يحيون في المسيح» (١ كورنثة، ١٥: ٢١–٢٢).
إنَّ متلازمة الخطيئة–الموت تتخذ أبعادًا جديةً من خلال موت يسوع على الصليب، والذي كان من شأنه مصالحة الإنسان مع الله: «وهذا كله من الله الذي صالحنا على يد المسيح وعَهِد إلينا خدمة المصالحة. لأن الله صالح العالم في المسيح ولم يحاسبهم على زلَّاتهم … ذاك الذي لم يعرف الخطيئة جعله الله خطيئةً من أجلنا كيما نصيرَ به بر الله» (٢ كورنثة، ٥: ١٨–٢١). «فالذي لم تستطعه الشريعة حققه الله بإرسال ابنه في جسد يشبه جسدنا الخاطئ كفارةً للخطيئة، فحكم على الخطيئة في الجسد ليتم ما تقتضيه منا الشريعة نحن الذي لا يسلكون سبيل الجسد بل سبيل الروح» (روما، ٨: ٣–٥). وهكذا فإن كل مؤمن اتَّحد بالمسيح من خلال إيمانه قد شاركه في موته وفي بعثه: «لأن محبة المسيح تأخذ بمجامع قلبنا عندما نفكر أنه إذا قد مات واحدٌ من أجل جميع الناس فجميع الناس ماتوا أيضًا. قد مات من أجلهم جميعًا كي لا يحيا الأحياء من بعدُ لأنفسهم بل للذي قد مات وقام من أجلهم» (٢ كورنثة، ٥: ١٤–١٥). «فإذا كنَّا قد متنا مع المسيح فإننا نعلم بأننا سنحيا معه. ونعلم أن المسيح بعدما أُقيم من بين الأموات لن يموتَ ثانيةً ولن يكون للموت عليه من سلطان، لأنه بموته قد مات عن الخطيئة مرةً واحدة، وفي حياته يحيا لله. فكذلك احسبوا أنتم أنكم أمواتٌ عن الخطيئة أحياءٌ لله» (روما، ٦: ٧–١١). وبهذه الطريقة يتخذ موقع الجلجثة الذي رُفع فيه الصليب مركز البؤرة من تاريخ العالم، وتعاليم بولس تتمحور حول المسيح المصلوب: «ولما كان اليهود يطلبون الآيات، واليونانيون يبحثون عن الحكمة، ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا» (١ كورنثة، ١: ٢٢–٢٣). «وأنا لمَّا أتيتُ إليكم أيها الإخوة لم آتِكم لأبلغكم شهادة الله بسحر الكلام أو الحكمة، لأني لم أشأ أن أعرف شيئًا وأنا بينكم إلا يسوع المسيح، وإياه مصلوبًا» (١كورنثة، ٢: ١–٢).
إن الدرجة الأولى من التوحد بالمسيح تُبلغ عن طريق طقس بسيط ولكنه ذو رمزية عالية، وهو طقس التعميد. وهنا يمثل جرن المعمودية القبر الذي دُفن فيه يسوع وبُعث منه، والمريد الجديد عندما يغطس في هذا الجرن يعانق رمزيًّا موت المسيح ويهبط معه إلى القبر، وعندما يصعد منه يغدو مهيَّأً لأن يُبعث مثلما بُعث: «أم تجهلون أننا وقد اعتمدنا في يسوع المسيح إنما اعتمدنا في موته فدُفِنَّا معه بالمعمودية لنموت، حتى كما أُقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة. فإذا اتحدنا معه بموت يُشبه موته فكذلك تكون حالنا في قيامته» (روما، ٦: ٣–٦). وهذا الطقس يؤهل مَن يخضع له للمشاركة في القيامة العامة للموتى في اليوم الأخير عندما يُنفخ في الصور لدعوة الأموات المعمدين إلى الحياة الجديدة.
وعلى حدِّ وصفِ بولس لما سيجري في اليوم الأخير: «لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس الملائكة، وبوق الله، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سوف يقومون أولًا، ثم نحن الأحياء الباقين سنُرفع جميعًا معهم لملاقاة الرب في الجو لنكون مع الرب دائمًا وأبدًا» (١ تسالونيكي، ٤: ١٦–١٨). وأيضًا: «إننا لا نموت جميعًا بل نتبدل جميعًا في لحظة وطرفة عين عند النفخ في البوق الأخير. لأنه سيُنفخ في البوق ويقوم الأموات غير فاسدين (أي في جسد روحاني) ونحن نتبدل» (١ كورنثة، ١٥: ٥١–٥٢). أما ما يحدث بعد ذلك فإن بولس لا يُخبرنا عنه بالتفصيل. فهناك محكمة يعقدها المسيح نفسه: «لأنه لا بدَّ لنا جميعًا من أن نَمثُل لدى محكمة المسيح لينال كلُّ واحدٍ جزاءَ ما قدمَت يده وهو في الجسد، خيرًا كان أم شرًّا» (٢ كورنثة: ١٠). وأيضًا: «عند تجلِّي الرب يسوع، يوم يأتي من السماء بملائكة قدرته في لهب نار وينتقم من الذين لا يعرفون الله ومن الذين لا يطيعون بشارة ربنا يسوع، فإنهم سيُعاقبون بالهلاك الأبدي مبعدين عن وجه الرب» (٢ تسالونيكي، ١: ٦–٨).
على طريق الخلاص بين آدم الأول وآدم الثاني، ينبغي التحرر من نير الشريعة الموسوية؛ لأن هذه الشريعة كانت صالحةً لزمنٍ مضى وانقضى ولكن دورها انتهى بظهور البشارة: «فقبل أن يأتي الإيمان كان مغلقًا علينا بحراسة الشريعة إلى أن يتجلى الإيمان المنتظر. فالشريعة كانت مؤدبًا لنا إلى مجيء المسيح لننال البر بالإيمان. فلما جاء الإيمان لم نبقَ في حراسة المؤدب، لأنكم جميع أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. فإنكم وقد اعتمدتم جميعًا في المسيح قد لبستم المسيح، فلم يبقَ بعدُ يهوديٌّ أو يونانيٌّ، عبدٌ أو حرٌّ، ذكرٌ أو أنثى؛ لأنكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع» (غلاطية، ٣: ٢٣–٢٩). ويذهب بولس أبعد من ذلك عندما يعتبر أن الشريعة هي التي تُورث الخطيئة: «فماذا نقول؟ أتكون الشريعة خطيئةً؟ حاشا لها. ولكني لم أعرف الخطيئة إلا بالشريعة. فلو لم تَقُل لي الشريعة: لا تشتهِ، لما عرفت الشهوة. واتخذتِ الخطيئةُ من الوصية سبيلًا لتورثني كلَّ نوعٍ من الشهوات، لأن الخطيئة بلا شريعة لا وجودَ لها. كنتُ أحيا من قبل إذ لم تكن شريعة، فلما جاءت الوصية عاشت الخطيئة ومتُّ أنا، فإذا بالوصية التي تؤدي إلى الحياة قد أفضت بي إلى الموت. ذلك بأن الخطيئة اتخذت من الوصية سبيلًا فأغوَتني وأماتَتني» (روما، ٧: ٧–١١). «فما الشريعة إلا سبيل إلى معرفة الخطيئة» (روما، ٣: ٢٠). «لأن الشريعة تُورث الغضب، وحيث لا تكون شريعة لا تكون معصية» (روما، ٤: ١٥).
فالشريعة في فكر بولس هي لعنة جاء المسيح ليحررنا منها: «إن دعاة العمل بأحكام الشريعة لُعنوا جميعًا، فقد ورد في الكتاب: ملعونٌ مَن لا يُثابر على العمل بجميع ما كُتب في سفر الشريعة. أما أنَّ الشريعة لا تُبرر أحدًا فذاك أمرٌ واضح لأن البار بالإيمان يحيا، على حين أن الشريعة لا ترجع بأصلها إلى الإيمان، بل (إلى العمل بالأحكام. فقد ورد في الكتاب:) مَن عمل بهذه الوصايا يحيا بها. فالمسيح افتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنةً لأجلنا، فقد ورد في الكتاب: ملعونٌ مَن عُلِّق على خشبة» (غلاطية، ٣: ١٠–١٤). وأيضًا: «فلما تم الزمان أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة، مولودًا في حكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة فنحظى بالتبني» (غلاطية، ٤: ٤–٥). ويخاطب بولس مستمعيه من اليهود قائلًا: «نحن يهود بالولادة ولسنا من الخاطئين الوثنيين. ومع ذلك فنحن نعلم أن الإنسان لا يُبرُّ لأنه يعمل بأحكام الشريعة بل لأن له الإيمان بيسوع المسيح … فإنه لا يُبرُّ بشَرٌ لعمله بأحكام الشريعة» (غلاطية، ٢: ١٥–١٦).
ويركِّز بولس هجومه على الختان اليهودي باعتباره سمة الخاضعين لأحكام الشريعة، متوجهًا بخطابه إلى اليهود المتنصرين الذين لم يقطعوا روابطهم القديمة، ولم يستوعبوا بعدُ الحرية التي منحهم إياها يسوع المسيح: «إن المسيح قد حررنا لنكون أحرارًا. فاثبتوا إذن ولا تعودوا إلى نير العبودية. ها أنا بولس أقول لكم: إذا اختتنتم فلن يُفيدَكم المسيح شيئًا. وأشهد مرةً أخرى لكلِّ مختتنٍ بأنه ملزمٌ أن يعمل بكل ما في الشريعة. لقد انقطعتم عن المسيح يا أيها الذين يلتمسون البر من الشريعة وسقطتم عن النعمة» (غلاطية، ٥: ١–٤). ذلك أن برَّ الله يناله الأقلف مثلما يناله المختون، ولا حاجة للوثنيِّ المتنصر إلى الختان: «فأين السبيل إلى الفخر؟ وبماذا؟ أَبالأعمال (أي التزام الشريعة)؟ لا بل بالإيمان. ونحن نرى أن الإنسان ينال البر بالإيمان المنفصل عن أحكام الشريعة. هل الله إله اليهود وحدهم؟ أما هو إله الوثنيِّين أيضًا؟ بل هو إله الوثنيِّين أيضًا لأن الله واحد وهو الذي يَبُرُّ بالإيمان المختون ويبرُّ بالإيمان الأقلف» (روما، ٣: ٢٧–٣٠).
فإذا كان الختان طهارة فإن الطهارة الحقَّة هي طهارة القلب والروح قبل أن تكون طهارةَ الجسد، والختان الحق هو ختان القلب والروح: «والختان ختان القلب العائد إلى الروح لا إلى حروف الشريعة» (روما، ٢: ٢٩). «فيه (= المسيح) خُتنتم ختانًا لم يكن من فعل الأيدي وإنما هو خلع الجسد البشري، إنه ختان المسيح. ذلك أنكم دُفنتم معه في المعمودية وأُقمتم معه أيضًا» (كولوسي، ٢: ١١–١٢). «فلم يبقَ هناك يوناني أو يهودي ولا ختان أو قلف … بل المسيح الذي هو كل شيءٍ» (كولوسي، ٣: ١١).
أما النص الثاني فهو عبارة عن ترتيلة متأخرة مرفوعة ليسوع المسيح تمَّ إقحامها على نصِّ بولس، على ما يرجِّحه كثيرٌ من الباحثين. وهي لا تتفق مع نظرة بولس إلى المسيح مما بيَّنَّاه أعلاه. نقرأ في الرسالة إلى أهالي فيليبي: «فمع أنَّه في صورة الله، لم يعتبر مساواته لله غنيمة له، بل تجرد من ذاته متخذًا صورة العبد، وصار على مثال البشر وظهر بمظهر الإنسان، وتواضع وأطاع حتى الموت، الموت على الصليب. لذلك رفعه الله ووهب له اسمًا فوق كل الأسماء، لتنحنيَ لاسم يسوع كل ركبة في السماء وفي الأرض وتحت الأرض، ويشهد كل لسان أنَّه يسوع المسيح هو الرب تمجيدًا لله. آمين» (فيليبي، ٢: ٦–١١). إنَّ التعابير المستخدمة هنا مثل «في صورة الله» و«مساواته لله» و«تجرد من ذاته» و«صار على مثال البشر» لتُذكِّرنا بلاهوت إنجيل يوحنا الذي كُتب بين عام ١٠٠ وعام ١١٥م. فهي تنتمي إلى أفكار القرن الثاني الميلادي لا إلى عصر بولس. ولعلَّ مَن يقرأ هذا النص في سياقه ضمن الرسالة، سوف يكتشف أن إزاحته لن تؤثر بشيء على السياق العام بقدر ما تجعله أكثرَ اطرادًا.
-
لم تتلقَّوا روحًا يستعبدُكم ويردُّكم إلى الخوف، بل روحًا يجعلكم أبناء، وبه نُنادي يا أبتاه (روما، ٨: ١٥–١٦).
-
فأناشدكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح أن تجاهدوا معي بصلواتكم التي ترفعونها لله (روما، ١٥: ٣٠–٣١).
-
إني أحمد الله على ما أوتيتم من نعمة الله في يسوع المسيح (١ كورنثة، ١: ٤).
-
أحمد الله على أنِّي أتكلَّم بلغات أكثر مما تتكلمون كلكم (١ كورنثة، ١٤: ١٨).
-
الحمد لله الذي آتانا الظفر على يد ربنا يسوع المسيح (١ كورنثة، ١٥: ٥٧).
-
الحمد لله الذي يستصحبنا بنصره الدائم في المسيح (٢ كورنثة، ٢: ١٤).
-
لا نزال نحمد الله إليكم جميعًا ونذكركم في صلواتنا. نذكر في حضرة إلهنا وأبينا ما أنتم عليه بنعمة يسوع المسيح (١ تسالونيكي، ١: ٢–٣).
-
علينا أن نحمد الله إليكم في كل حين أيها الإخوة (٢ تسالونيكي، ١: ٣).
-
المجد لله أبينا أبد الدهور (فيليبي، ٤: ٢٠).
-
تبارك إله ربنا يسوع المسيح وأبوه، أبو الحنان وإله كل عزاءٍ (١ كورنثة، ١: ٣).
-
إنَّ إله الرب يسوع وأباه، تبارك للأبد، عالم بأني لا أكذب (٢ كورنثة، ١١: ٣١).
في المقتبسين الأخيرين حيث يَرِد تعبير «إله الرب يسوع»، يقدم لنا بولس قولًا محكمًا علينا أن نرد إليه وأن نفهم على ضوئه كلَّ قولٍ متشابهٍ أو إشكاليٍّ. فالله هو إله يسوع، ولا شراكة بينهما في الجوهر والماهية.