مرونة المشابك العصبية
تختص الخلايا العصبية بمعالجة المعلومات، وتواصُل إحداها مع الأخرى باستخدام لغة الكيمياء الكهربية. تُنتج هذه الخلايا نبضاتٍ كهربيةً تشفِّر المعلومات وتحملها عبر أليافها الدقيقة، فتنقل هذه الإشارات بعضها إلى بعض من خلال رسائل كيميائية. والمشابك العصبية هي تلك الوصلات التي تقع بين الخلايا العصبية حيث تحدث عملية إصدار الإشارات (النقل الكيميائي العصبي)، ويشير مصطلح «المرونة المشبكية» إلى الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها التغيير في هذه المشابك.
البنية الوظيفية للمشابك العصبية في الدماغ
للمشابك العصبية مكوِّنان بنيويان وظيفيان يُسمى الأول منهما بالغشاء قبل المشبكي، وهو يرسل الإشارات الكيميائية، ويُسمى الآخر بالغشاء بعد المشبكي، وهو يستقبل الإشارات الكيميائية. يمكن للعَصَبونات تكوين مشابك مع عناصرَ أخرى غير الخلايا العصبية، مثل الألياف الهيكلية العضلية والغدد المنتجة للهرمونات، وهي تُسمى بالأعضاء «المستفعِلة» أو المؤثِّرة. بالرغم من ذلك، ففي الدماغ لا تكوِّن الخلايا العصبية علاقات إلا مع بعضها بعضًا؛ إذ يتقابل الليف العصبي الطرفي لإحدى الخلايا مع محور خلية أخرى أو إحدى زوائدها الشجيرية أو جسم الخلية.
بصفة إجمالية، يمكن تقسيم نوعَي المشابك العصبية الموجودة في الدماغ إلى نوعين: المشابك الاستثارية التي تطلق الناقل العصبي جلوتامات الذي يزيد من احتمالية توليد الخلية بعد المشبكية لنبض عصبي، والمشابك التثبيطية التي تستخدم الناقل العصبي جابا الذي يقلِّل من احتمالية تنشيط الخلية بعد المشبكية.
بالرغم من أنَّ حجم المشابك شديدُ الضآلة، فهي بنًى ثلاثية الأبعاد شديدة التنظيم، وتتسم الأزرار والأشواك بدرجةٍ عالية من التخصص في أداء وظائفها، كما أنَّ سلوك مكوِّناتها منسَّق للغاية.
من بين جميع أشكال المرونة العصبية المعروفة، ثَمَّة شكل من المرونة المشبكية يُدعى بالتقوية الطويلة الأمد، هو الذي خضع لأكبرِ قدر مكثف من الدراسة؛ ومن ثَم فهو الشكل الذي نفهمه على أفضلِ نحو. إنَّ التقوية الطويلة الأمد هي عملية تزيد من كفاءة النقل المشبكي الذي يُعتقَد الآن أنه الأساس العصبي لمعظم أشكال التعلم والذاكرة، إن لم يكن جميعها. للتعديل في المشابك دورٌ مهم أيضًا في الإدمان، وهو شكل غير سوي من المرونة العصبية ينطوي على نوع شاذ من التعلم (انظر الفصل الثامن).
التقوية الطويلة الأمد والإخماد الطويل الأمد
بعد ذلك بمائة عام تقريبًا، اقترح الفيلسوف ألكسندر بين أنَّ «كل فعل من أفعال الذاكرة وكل تمرين يستلزم كفاءةً جسدية، وكل عادة وكل ذكرى وكل تسلسل من الأفكار يحتاج إلى تركيبة معينة من الأحاسيس والحركات أو تنسيقًا معيَّنًا بينها، وهذه التركيبة تنتج عن أشكالٍ محدَّدة من النمو في الموصلات الخلوية.»
وفي أربعينيات القرن العشرين، لاحظ عالِم النفس الكندي دونالد هيب، أنَّ فئران المختبر التي أخذها معه إلى البيت لتكون حيواناتٍ أليفة لأطفاله، تفوَّقت على الفئران الأخرى في مهامِّ حلِّ المشكلات حين عادت إلى المختبر بعد بضعة أسابيع. بدا أنَّ ذلك يوضح أنَّ الخبرة المبكِّرة يمكن أن تترك تأثيرًا كبيرًا على نمو الدماغ وأدائه لوظائفه. أورد هيب هذه النتائج في كتابه المهم الصادر عام ١٩٤٩ بعنوان «تنظيم السلوك»، واستنتج أنَّ «التجربة الأكثر ثراءً التي تعرَّضت لها مجموعة الحيوانات الأليفة … جعلتها أكثرَ قدرة على الاستفادة من الخبرات الجديدة عند النضج، وتلك إحدى السمات المميزة للإنسان «الذكي».»
في ذلك الكتاب، طرح هيب فرضيةً مُفادها أنَّ الذكريات تتشكَّل من خلال تقوية الوصلات المشبكية العصبية. فكتب: «لنفترض أنَّ استمرار نشاط ارتدادي («مسار») أو تكراره، غالبًا ما يحفِّز تغيرات خلوية دائمة تضيف إلى استقراره. وحين يكون محور الخلية «إيه» قريبًا بما يكفي لإثارة الخلية «بي»، ويشارك في تنشيطها على نحوٍ متكرر أو مستمر، تحدث عمليةٌ ما من النمو أو التغيُّر الأيضي في إحدى الخليتين أو كليهما؛ مما يؤدي إلى زيادة كفاءة الخلية «إيه» بصفتها إحدى الخلايا التي تنشط الخلية «بي». بعبارةٍ أخرى، فإنَّ الخلايا العصبية التي تنشط معًا ترتبط معًا.
كانت الفكرة سابقةً لعصرها بوقت طويل؛ فقد مرَّ خمسة وعشرون عامًا قبل ملاحظة آلية مشابهة لتلك التي وصفها هيب، وكان مَن لاحظها هما تيموثي بليس وتيري لومو. كان بليس ولومو يعملان على الأرانب المخدَّرة، واستخدما أقطابًا كهربية دقيقة لإجراء تحفيز كهربي لألياف المسار المثقب بالتزامن مع تسجيل الاستجابات الكهربية للعَصَبونات في التلفيف المسنَّن بالحُصَين، والتي تقع في نهاية ذلك المسار.
أدَّى التحفيز المتكرر إلى زيادةٍ كبيرة في فعالية إصدار الإشارات الكيميائية العصبية بين ألياف المسار المثقب والخلايا العصبية في التلفيف المسنن؛ مما عزَّز الوصلات المشبكية العصبية فيما بينها. في تجارب بليس ولومو الأولية، استمر هذا التعزيز لفتراتٍ تراوحت بين ٣٠ دقيقة و١٠ ساعات، فأطلقا عليها اسم التقوية الطويلة الأمد، لكننا نعرف الآن أنها يمكن أن تستمر لأيام وأسابيع، وربما حتى لفترات أطول.
يعتمد تحفيز التقوية الطويلة الأمد على ارتباط الناقل العصبي الاستثاري، جلوتامات، بمستقبلات «إن-ميثيل دي-أسبارتات» (نمدا). إنَّ مستقبِل «نمدا» هو قناة أيونية نفَّاذة للصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم، لكنَّ الفتحة المركزية التي تسمح بمرور هذه التيارات الأيونية محجوبة بأيون من الماغنسيوم.
تتضمن التقوية الطويلة الأمد حدوث تغييرات في المكونات قبل المشبكية للاتصال الذي يخضع للتقوية، ومكوناته بعد المشبكية أيضًا. فعند الطرف العصبي، عادةً ما يوجد في كل منطقة نشطة تجمُّع من مئات الحويصلات، لكنَّ نسبةً صغيرة منها فقط هي التي تكون متاحة للتحرُّر في أي وقت.
يؤدي التحفيز العالي التردد إلى تحسين إطلاق الجلوتامات في الطرف العصبي؛ وذلك إما بزيادة عدد الحويصلات التي تلتحم بالغشاء، وإما بتوسيع مجموعة الحويصلات المتاحة، وإما بإسراع عملية إعادة التدوير، وإما من خلال توليفة من كل ذلك.
من خلال وسائل مثل الفحص المجهري المتحد البؤر، صار من الممكن الآن تحديد جزيئات مفردة من جزيئات المستقبلات، وذلك باستخدام جزيئات الفلوريسنت أو النقاط الكمية، ثم إظهار توزيعها وتتبُّع حركاتها في خلايا حية تُعزَل من أدمغة حيوانات، وتُحفظ حية في أطباق بتري. وباستخدام مثل هذه الوسائل، أثبت الباحثون وجود تجمعات متحركة وأخرى غير متحركة من مستقبلات الجلوتامات ومستقبلات «جابا» على أسطح الخلايا العصبية، وأنَّ جزيئات المستقبلات يمكن أن تتحرَّك بسرعة وتدخل الخلايا العصبية.
فور تحفيز التقوية الطويلة الأمد، ترسل الخلية بعد المشبكية إشارة إلى شريكتها قبل المشبكية، وتقوم هذه الإشارة المرسلة إلى الخلف بتنشيط الجينات التي تكوِّن البروتينات الخلوية المتعددة اللازمة للحفاظ على التقوية الطويلة الأمد. وأشار الباحثون إلى أنَّ الناقل العصبي الغازي أكسيد النيتريك هو هذا المرسال الارتجاعي.
ختم بليس ولومو ورقتهما الكلاسيكية الصادرة عام ١٩٧٣ بوصف التقوية الطويلة الأمد في عبارة تحذيرية: «سواء أكان الحيوان السليم يستفيد من التقوية الطويلة الأمد في واقع الحياة أم لا … فذلك أمرٌ آخر.» لكنَّ حقيقة أنها اكتُشفَت في الحُصَين، الذي كان من المرجَّح بشدة حينها بالفعل أنه يشترك في الذاكرة، تشير بقوة إلى أنَّ التقوية الطويلة الأمد هي أساس التعلم، ومنذ ذلك الوقت والأدلة على أنَّ التعزيز المشبكي ضروري بالفعل لتكوين الذكريات وكافٍ له، تتراكم ببطء مؤيدة لذلك.
يمتلك الباحثون الآن وسائلَ أكثرَ تعقيدًا، وإحدى هذه الوسائل على وجه التحديد، وهي تقنية البصريات الوراثية، تسمح بالتحكم في النشاط العصبي بدقةٍ غير مسبوقة. تنطوي تقنية البصريات الوراثية على إدخال الجينات التي تشفِّر بروتينات طحلبية تُسمى «تشانل رودوبسين» في أنواع محدَّدة من الخلايا العصبية. حينها تستخدم الخلايا جيناتها الجديدة لتكوين جزيئات بروتين «تشانل رودوبسين»، وإدخالها في الغشاء مما يجعل الخلايا حسَّاسة للضوء. بعد ذلك يمكن تنشيط الخلايا أو إيقافها على نطاقٍ زمني يتمثَّل في ملِّي ثانية بملِّي ثانية، وفقًا لنوع بروتين «تشانل رودوبسين» الذي تكوِّنه.
تقدِّم مثل هذه الدراسات أقوى الأدلة حتى الآن على أنَّ التغيير المشبكي هو الأساس العصبي للتعلم والذاكرة، ويعتقد غالبية الباحثين الآن أنَّ كلًّا من تقوية المشابك وإضعافها ضروري لكلتا العمليتين. يتمثل الرأي الحالي في أنَّ الذكريات تتكوَّن عند تعزيز مجموعات محددة من المشابك العصبية ضمن شبكة موزعة من العَصَبونات الحُصَينية وإضعاف مجموعات أخرى، وأنَّ استعادة الذكريات تستلزم إعادة تنشيط الشبكة العصبية نفسها.
تكوين المشابك العصبية
تُعَد التقوية الطويلة الأمد نوعًا من المرونة الوظيفية التي تتضمن تغيرات جزيئية مؤقتة على كلا جانبَي المشبك العصبي، لكن التعلم والذاكرة يتضمنان أيضًا تغيرات بنيوية يمكن أن تغير البنية العصبية تغييرًا كبيرًا. فعلاوةً على تغيير قوة الوصلات المشبكية القائمة، تؤدي الخبرة والتعلم إلى تشكيل مشابك جديدة تمامًا.
في تسعينيات القرن العشرين، تطوَّرت تقنيات التصوير العالي الدقة على فترات، مثل الفحص المجهري بالليزر الثنائي الفوتون؛ مما مكَّن الباحثين من دراسة هذه العمليات بتفصيلٍ أكبر وأكبر. في بادئ الأمر، أُجريت مثل هذه التجارب في النسيج الدماغي المأخوذ من أدمغة الحيوانات ومحفوظ في أطباق بتري، لكن يمكن إجراؤها أيضًا على الحيوانات الحية من خلال «فتحات الجمجمة» أو أجزاء مرققة من جمجمة الحيوان. وعند الجمع بينها وبين استخدام جزيئات الاستشعار التي تومض استجابةً للزيادة الموضعية في تركيز أيونات الكالسيوم الناتجة عن تنشيط مستقبل «نمدا»، يمكن استخدام التصوير «في الجسم الحي» لمراقبة هذه العمليات على مدار فترات طويلة من الوقت خلال الخبرات الحسية أو تعلم مهارة حركية جديدة.
تؤكد هذه الطرق الجديدة الاستنتاجات السابقة؛ إذ توضح مجددًا أنَّ الخبرة الحسية يمكن أن تنتج تغيرات بنيوية في تركيب أشواك الزوائد الشجيرية، وأنَّ التقوية الطويلة الأمد يمكن أن تحفِّز تغيرات سريعة في حجم المشابك العصبية وشكلها وعددها. بعد تحفيز التقوية الطويلة الأمد، تتكوَّن أشواك جديدة على الزائدة الشجيرية، وتشكِّل في بعض الأحيان وصلات مع الزر المشبكي نفسِه الذي حفَّز تكوينها. تصبح رءوس الأشواك الموجودة بالفعل أكبر، بينما تصبح أعناقها أقصر وأعرض. يمكن لحجم رأس الشوكة أن يزداد بمقدار ثلاثة أضعاف في غضون دقيقة من التحفيز الكهربي المتكرر. وجميع هذه التغيرات تسهل نقل المستقبلات إلى رءوس الأشواك؛ مما يجعلها أكثر حساسية للجلوتامات.
بالرغم من ذلك، فلا تزال العلاقة المحدَّدة بين التعديل المشبكي وتكوين الأشواك والذاكرة غير واضحة، وتشير بعض الأدلة إلى أنَّ الأشواك الجديدة ليست ضرورية في واقع الأمر للذاكرة. فعلى سبيل المثال، تقل كثافة الأشواك في أدمغة السناجب بدرجةٍ كبيرة خلال البيات الشتوي ثم تزداد مجددًا بعد ذلك، لكنَّ الحيوانات تظل قادرة على تذكُّر المهام التي تعلمتها قبل بدء البيات الشتوي. يحدث الأمر نفسُه أيضًا؛ إذ تقل كثافة الأشواك في منطقة الحُصَين في ٣٠٪ من إناث الفئران خلال دورة الشبق، لكنها تظل قادرةً على تذكُّر الأشياء التي تعلمتها قبل الدورة.
تشير مثل هذه النتائج إلى أنَّ استمرار وجود أشواك الزوائد الشجيرية ليس ضروريًّا لتخزين الذكريات على المدى الطويل. بالرغم من ذلك، ربما يكمن جزء من السبب وراء النتائج المتضاربة بشأن الكيفية المحددة التي تغيِّر بها الخبرة والتعلم من بنية الزوائد الشجيرية، في اختلاف نوع التحفيز المستخدم أو منطقة الدماغ الخاضعة للدراسة. ذلك أنَّ بعض الأدلة تشير إلى أنَّ التعامل مع النسيج الدماغي استعدادًا للتجربة، يمكن في حد ذاته أن يغيِّر من كثافة الأشواك الموجودة بداخله.
من الممكن أيضًا أن تضعف المشابك العصبية، وتتضاءل الأشواك المرتبطة بها، وتبتعد عن شريكاتها قبل المشبكية، أو حتى تنكمش وتُلغى تمامًا. يحدث إلغاء المشابك العصبية أو التقليم المشبكي على نحوٍ موسع خلال نمو الدماغ، وهو ضروري للغاية من أجل تشكيل الدوائر العصبية وضبطها على النحو الدقيق في أثناء تشكُّلها (انظر الفصل الثالث). يحدث التقليم على نطاق واسع أيضًا في الدماغ البالغ، ويُعتقد أنه ضروري أيضًا في التعلم والذاكرة، مثله في ذلك مثل التقوية الطويلة الأمد.
من المرجَّح إذن أنَّ التعلم والذاكرة وغيرها من الخبرات، تنتج أنماطًا واسعة الانتشار من التعديل المشبكي على نطاق شبكات بأكملها من الخلايا العصبية في مناطق محدَّدة من الدماغ، بناءً على نوع الخبرة. يحدث التعديل المشبكي باستمرار في الدماغ بأكمله، والأرجح أنَّ ملايين المشابك العصبية تُعدَّل في الدماغ البشري كل ثانية بطريقة أو بأخرى. لا تزال وسائل التصوير الحالية محدودةً بعض الشيء فيما يتعلق بمجال رؤيتها؛ إذ تقتصر على عدة فروع من الزائدة الشجيرية، لكنَّ بعض الأساليب الحديثة الظهور مثل الفحص المجهري الفائق الدقة، ستكشف بلا شك عن المزيد من ديناميكيات أشواك الزوائد الشجيرية ومساهمتها في الذاكرة الطويلة الأمد.
الخلايا الدبقية: شركاء في المرونة
كان يُعتقد سابقًا أنَّ المشابك العصبية لا تتألَّف إلا من عنصرَين فقط هما الزر قبل المشبكي والغشاء بعد المشبكي. لكن في تسعينيات القرن العشرين، بدأت تظهر أدلةٌ تشير إلى أنها بنًى ثلاثية في حقيقة الأمر، وأنَّ خلايا دبقية تُدعى بالخلايا النجمية تنظم الإشارات الكيميائية التي تُنقَل بين الخلايا العصبية.
تتخذ هذه الخلايا النجمية شكل النجمة، وكان يُعتقد في بادئ الأمر أنها تملأ الفراغات التي تقع بين الخلايا في النسيج الدماغي. بالرغم من ذلك، فقد اتضح الآن أنها لا تستجيب إلى نشاط الخلايا العصبية فحسب، بل تستطيع أيضًا إنتاج إشاراتها الكهربية الخاصة بها، كما أنها تكوِّن مجموعةً كاملة من النواقل العصبية مثل «جابا» والجلوتامات وتُطلقها.
تُعَد الخلايا النجمية هي أكثر أنواع الخلايا عددًا في الدماغ. يحتوي كلٌّ منها على العديد من الفروع الدقيقة التي تتلامس مع مئات الزوائد الشجيرية وما يصل إلى ١٥٠٠٠٠ من المشابك العصبية المفردة. تتسم هذه العمليات بدرجةٍ مرتفعة من الحركة، وتمتد الخلايا النجمية نحو المشابك النشطة بسرعة وتغلفها. يوضح الفحص المجهري الإلكتروني للنسيج الدماغي أنَّ ألياف الخلايا النجمية تتفاعل مع أشواك الزوائد الشجيرية الكبيرة استجابةً للنشاط العصبي، وأنَّ هذه الألياف أقل في الحركة من تلك المرتبطة بأشواك صغيرة.
غالبًا ما تبقى الأشواك الكبيرة لفترة أطولَ من فترة بقاء الأشواك الصغيرة؛ لذا يبدو أنَّ الخلايا النجمية تساعد في استقرار تلك الأشواك من خلال المشابك العصبية. توجد أيضًا بعض الأدلة على أنَّ الخلايا النجمية تستطيع تغيير الإشارات المشبكية من خلال إحكام قبضة المشابك لتقييد انتشار النواقل العصبية، أو إرخاء قبضتها لتسمح بتدفُّق النواقل العصبية بحريةٍ أكبر.
إضافةً إلى ذلك، تؤدي الخلايا الدبقية الصغيرة أدوارًا مهمة في المرونة المشبكية. فهذه الخلايا هي الخلايا المناعية المقيمة في الدماغ، والتي توفِّر خط الدفاع الأول ضد الإصابة بالعدوى والجروح. تُعيَّن هذه الخلايا في المواقع المتضررة حيث تبتلع مسبِّبات الأمراض والحطام الخلوي من خلال تغليفها في قِطع صغيرة من الغشاء ثم استيعابها بداخلها في عمليةٍ تُعرف باسم البلعمة أو «أكل الخلايا».
يتضح أنَّ الدماغ النامي يتعامل مع الوصلات المشبكية غير المرغوب فيها بالطريقة نفسِها تمامًا. يجري «وسم» الوصلات غير المرغوب فيها من أجل تدميرها بجزيئات من الجهاز المناعي تُدعى بالبروتينات المكملة. تميز الخلايا الدبقية الصغيرة هذا الوسم على أنها إشارة تقول: «كلني»، وتبتلع جميع المشابك الموسومة التي تقابلها. يعتقد الباحثون الآن أنَّ الخلايا الدبقية الصغيرة مسئولة عن التقليم المشبكي على نطاق الدماغ النامي، إضافةً إلى التقليم الموسَّع الذي يحدث في المراهقة (انظر الفصلين الثالث والتاسع).
يجري «وسم» الوصلات غير المرغوب فيها من أجل تدميرها بجزيئات من الجهاز المناعي تُدعى بالبروتينات المكملة.