نبوءة خاطئة
كل الأطفال يكبرون، عدا واحدًا.
تعلمت ويندي هذا عندما كانت تلهو في حديقة المنزل ذات يوم وهي في الثانية من العمر. أعطت والدتَها السيدة دارلينج يوم ذاك زهرة، فاحتضنتها الأم وقالت: «آه! لم لا تظلين هكذا إلى الآبد؟»
لم تدرك ويندي قبل هذا اليوم أنها ستتغير.
كان لها أخوان يصغرانها: مايكل وجون، وهما بدورهما كانا يكبران.
اعتادت السيدة دارلينج المكوث في المنزل مع أطفالها، فيما كان زوجها السيد دارلينج يذهب إلى عمله الذي تاجر فيه بالأسهم. لم تجلب الأسهم له على الدوام ربحًا، لذا كان على الأسرة أن تقتصد في العيش وتدخر.
عملت لدى الأسرة حاضنةُ أطفال؛ فهذا كان دأب سائر أسر الحي، والسيد دارلينج كان شديد الحرص على مواكبة مستوى معيشة جيرانه، إلا أن أسرة دارلينج كانت فقيرة، لهذا كانت حاضنة الأطفال التي عملت لديهم في الواقع ليست إلا كلبة ضخمة تدعى نانا.
أقل ما توصف به نانا هو أنها كانت حاضنة أطفال عجيبة؛ فهي لم تؤمن بكل ما يزعم عن الجراثيم من «بدع». كانت أحيانًا تلعق أقدام الأطفال برقة بعدما تلعق قدميها، وقد أُحرج السيد دارلينج من وجودها في المنزل، لذا كان يقسو عليها أحيانًا، لكن لم يكن ينبغي له هذا؛ فقد كانت في الواقع لطيفة؛ فعندما حاد الأطفال مثلًا عن طريقهم إلى المدرسة أو تلكئوا، دفعتهم برأسها الكبير للعودة إلى الطريق، ولم تنس قط أن تجلب لجون زي لعب كرة القدم، وتعودت أن تحمل في فمها بدلًا من العظم شمسية تحسبًا للمطر، ففي إنجلترا يهطل المطر كثيرًا.
كانت أسرة دارلينج بوجه عام أسرةً إنجليزية عادية سعيدة، إلى أن جاءها ذات يوم صبي يدعى بيتر بان.
لم تسمع السيدة دارلينج قط ببيتر بان، إلى أن تناهى إلى سمعها اسمه ذات يوم، حين كانت تنظف عقول أطفالها؛ فأغلب الأمهات الصالحات ينظفن عقول أطفالهن بعد أن يناموا، كما لو أن العقول كالأدراج، وذكريات الأطفال كالجوارب والملابس التي يجب طيها بعناية ثم وضعها في مكانها.
آه! كم مرة ارتفع فيها حاجبَا السيدة دارلينج عجبًا وهي تتساءل من أين أتت الأفكار الجميلة التي تجدها في عقول أطفالها. تلك الأفكار كانت تطويها بحنان وتتركها على أسرة الأطفال كي تكون أول ما يصادفهم صباحًا، لكنها في أحيان أخرى عثرت على أفكار سيئة، شريرة، وتلك كانت تنفضها عن رءوسهم وتخفيها سريعًا تحت الأسرة.
عقول الأطفال هي عالم عجيب، إن حاول شخص أن يرسم له خريطة فسيجدها ممتلئة بالتعاريج والمنحنيات، لكنها ستقودك في نهاية الأمر إلى «نيفرلاند».
تسألني ما هي «نيفرلاند»؟ إنها جزيرة تقع في عقل كل طفل، مكان يقصده الأطفال في خيالهم بالأساس، إلا إن حظوا طبعًا بدعوة من مرشد بارز بالجزيرة.
لكن نيفرلاند في عقل كل طفل تختلف اختلافًا طفيفًا عنها في عقول الأطفال الآخرين. هناك نيفرلاند ملونة، ونيفرلاند بالأبيض والأسود، ونيفرلاند بشعاب مرجانية منتشرة بغير نظام، بها قواربُ محطمة، وكهوفٌ مهجورة، وأكواخ صغيرة على الشواطئ، ونيفرلاند بمسنات حدباوات، وسلاحفَ تضع البيض، وأقزام تهوى الحياكة، ونيفرلاند عن أول يوم كابوسي في المدرسة، واختبارات النحو المفاجئة التي لم تستذكر لها، ومحاولتك عدم الضحك في الكنيسة، والنقود التي تهديها جنية الأسنان للأطفال، وحلوى البودينج والشوكولاتة.
فليس هناك قواعد للصورة التي يجب أن تكون عليها نيفرلاند. إن نيفرلاند في عقل جون تحوي بحيرة صغيرة هادئة ترفرف فوقها طيور النحام الوردية، لكنها في عقل مايكل — الذي يحاول جاهدًا أن يكون كأخيه الأكبر — تحوي طائر نحام ورديًّا تطير فوقه بحيرة، أما هي في عقل ويندي فبها ذئب أليف وقارب.
جزيرة نيفرلاند لا تظهر على أي خريطة؛ لأنها لا تلزم مكانها. إن استطعت العثور على نيفرلاند، فستجد قضاء الوقت فيها ممتعًا جدًّا نهارًا، عندما تكون شمسها مشرقة، لكنها تتحول إلى مكان مخيف قبل أن يخلد الأطفال إلى النوم بدقيقتين؛ لهذا ابتكرت مصابيح غرف الأطفال الليلية.
لم تعلم السيدة دارلينج شيئًا عن نيفرلاند، أو هي بالأحرى ألفت الجزيرة في طفولتها، لكن نسيتها منذ زمن طويل؛ لهذا شعرت بالحيرة الشديدة عندما عثرت عليها أثناء تجوالها في عقول أطفالها.
كانت هناك أمور أخرى أثارت حيرتها. أولًا، هناك هذا الاسم الذي ظل يتردد مرة بعد مرة، بصدى أعلى من أي كلمة أخرى في عقول الأطفال، لا سيما في عقل ويندي، إنه بيتر.
سألت السيدة دارلينج ويندي ذات يوم: «من بيتر هذا الذي تتحدثين عنه؟ أهو صديق لك؟»
فقالت ويندي: «في الواقع … ليس دائمًا.»
– «أنت تعلمين أنني أرفض أن تتحدثي إلى غرباء؟»
– «لكنه ليس غريبًا يا أماه. ألا تذكرينه؟»
– «لم أسمع به قط!»
أصرت السيدة دارلينج على أنها لا تعرف بيتر، لكن ما إن قالت هذا حتى انتبهت إلى أن هذا قد لا يكون صحيحًا تمامًا؛ هي لا تذكره أو تذكر لقاءها به؛ فسنها كان كبيرًا إلى حد يمنعها من تذكر هذا، لكنها في قرارة نفسها ظلت تذكر قصة عن صبي يصاحب الأطفال في مخيلتهم حتى لا يشعرون بالخوف، وكانت موقنة أنها آمنت به عندما كانت في عمر ويندي.
فقالت: «حسنًا، حتى لو كنت أذكره، أنا موقنة أنه صار الآن كبيرًا مثلي.» ثم أودعت ويندي الفراش لتنام الليل.
لكن بعدئذ في وقت متأخر من ذاك اليوم، قالت لزوجها: «هذا المدعو بيتر يقلقني.»
فقال لها: «لا تقلقي، إنه على الأرجح هراء أدخلته عديمة النفع نانا في رءوسهم، سينسونه، سترين.»
لكن السيد دارلينج أخطأ التنبؤ.