طائر نيفر
ربح الصبية التائهون معركتهم في الماء مع سمي وستاركي، لكنهم لم يستطيعوا العثور على بيتر أو ويندي أو هوك، فأبحروا عائدين إلى بيتهم على زورق القراصنة وهم ينادون على بيتر وويندي طوال الطريق، لكن لم تجبهم إلا حوريات الماء ساخرات من حين لآخر.
فقال الصبية: «لابد أنهم يسبحون أو يطيرون عائدين إلى البيت.»
ربما كانوا سيسمعون في غضون وقت قصير صوتين يطلبان النجدة إن مكثوا بالبحيرة؛ إذ لما كان بيتر مصابًا، وويندي تشعر بالضعف، تسلقا صخرة مارونرز وأغشي عليهما واحدًا تلو الآخر والماء يرتفع حولهما على نحو خطير.
جذبت حورية ماء شقية ويندي من إصبع قدمها محاولةً جرها إلى الماء، فلما شعر بيتر بأنها تنزلق منه استيقظ في الوقت المناسب ليجذبها ويعيدها إلى مكانها.
قال بيتر لويندي: «الصخرة تنكمش، ستختفي في وقت قصير.»
فصاحت ويندي: «لنذهب إذن، يمكننا أن نسبح أو نطير مبتعدين عن هنا.»
فأجاب بيتر: «لا أستطيع القيام بأي من ذلك؛ أنا مصاب، اذهبي أنت.»
لكن تعب ويندي الشديد حال بين ذلك، فوضعت هي وبيتر يديهما على عينيهما ليحجبا عنهما مشهد المياه الآخذة في الارتفاع وتأهبا للموت.
لكن عندئذ لامس شيء ما ساق بيتر. كان شيئًا خفيفًا كالريشة، بدا وكأنه يسأل: «هل بإمكاني المساعدة؟»
يا له من حظ سعيد! كان هذا ذيل طائرة ورقية صنعها مايكل قبل أيام وأضاعتها الرياح. أمسك بيتر به ثم ربطه حول ويندي.
فصاحت هي: «الآن اربطه حولك.»
فقال: «لا تستطيع الطائرة أن تحمل كلينا، لقد حاول مايكل وكيرلي ذلك.»
فتشبثت به ويندي رافضة الرحيل من دونه، لكنه دفعها بعيدًا عن الصخرة، فطارت بعيدًا وصار هو وحده في البحيرة.
انكمشت الصخرة شيئًا فشيئًا، وأخذت حوريات الماء في مناشدة القمر بصوت حزين. تخوف بيتر من الهلاك شأنه شأن أي صبي آخر، لكن سرعان ما تحول خوفه إلى حماس، فقال: «سيكون الموت مغامرة مشوقة إلى أبعد الحدود.»
ثم خيم السكون على البحيرة حول بيتر أكثر فأكثر، فسمع حوريات الماء وهن يودعن بعضهن بعضًا قبل الخلود إلى النوم، ويغلقن أبواب كهوفهن المبنية من الشعاب المرجانية وصوت الماء وهو يقرقر بنهم أثناء ارتفاعه ليأكل من الصخرة، ثم رأى شيئًا ما يطفو على سطح الماء، لقد حسبه ورقة أو ربما جزءًا من طائرة مايكل الورقية، لكنه عندما تابعه بنظره أدرك أنه يتحرك بغريزة لا تتحرك بها قطعة ورق، بدا أن الورقة تتصارع مع المد بدلًا من مسايرته وحسب، لذا وجد بيتر نفسه يشجع الورقة.
في واقع الأمر، كانت الورقة هي طائر نيفر الذي ظل جالسًا على عشه الطافي. حاول الطائر جاهدًا أن يصل إلى بيتر، مع أنه أغاظه في الماضي، إلا أنه أصدر أيضًا أوامر بعدم التعرض لعشه، لذا قرر الطائر — ربما لأنه كان فوق كل شيء أمًّا — أن يعرض عشه للخطر لينقذ بيتر.
نادى الطائر: «اسبح إلى العش، تعبي الشديد يمنعني من التجديف حتى الوصول إليك.»
لم يكن بيتر يتحدث لغة الطيور، لذا لم يفهم، ولم يستطع حتى وهو مشارف على الموت أن يتحلى بالصبر.
فسأل على نحو فظ: «لماذا تبطبط؟ لا أفهم كلمة مما تقوله.»
فقال الطائر: «لم أر قط في حياتي كهذا!» وحاول مخاطبة بيتر مجددًا.
فقال بيتر: «هذا ينطبق عليك أنت أيضًا، أيًّا كان ما قلته لتوك.»
تذكر الطائر أن بيتر ليس إلا طفلًا، فالتقط نفسًا عميقًا ودفع عشه للمرة الأخيرة مجدفًا به نحو الصخرة، فلما بلغها طار تاركًا خلفه بيضه ليفسح لبيتر.
فلما فهم بيتر أخيرًا مقصده، لوح له بيده شاكرًا، لكنه عندما نظر إلى الأسفل لم يجد مساحة كافية بالعش لكليهما ولبيضتي الطائر.
فحمل البيض، فغطا الطائر عينيه بريشه خوفًا مما قد يفعله بيتر.
إلى جانب بيتر على الصخرة كانت هناك قبعة كبيرة عريضة ذات قماش مضاد للماء، خلفها ستاركي، فوضع بيتر البيض فيها ودفعها لتطفو. فهبط عليها الطائر وهو يصيح بسعادة واستقر فوق بيضه.
أما بيتر فجلس فوق عش طائر نيفر القديم ولوح له مودعًا ثم دفع العش تاركًا الصخرة، وعاد هو وويندي إلى الكهف في نفس الوقت تقريبًا، هو عاد في عشه وهي عادت على الطائرة الورقية.
كم ابتهج الكل بعودتهما! استمر الحفل إلى أن انتبهت ويندي إلى أن الوقت قد تأخر للغاية وأخبرت الجميع أنهم تجاوزوا موعد نومهم منذ وقت طويل.
حاول الصبية المماطلة وأصروا على أنهم مصابون وبحاجة إلى ضمادات وأربطة لكن ويندي لم تقبل أيًّا من هذه الحجج وأودعتهم الفراش.