الأسرة السعيدة
ذات ليلة صارت فيما بعد تعرف بأنها «أجمل الليالي» تظاهر الأطفال بتناول العشاء، لكن جوعهم للأسف كان حقيقيًّا، لذا أحدثوا جلبة وأساءوا السلوك.
فصرخت ويندي في آخر الأمر: «سكوت!»؛ فهي بدورها كانت جائعة ومتعكرة المزاج، من ثم سألت سلايتلي: «هل فرغ طبقك يا سلايتلي؟»
فنظر الأخير إلى الطبق الذي تظاهر بوجوده ثم قال: «ليس تمامًا يا أماه.»
وقال نيبز: «إنه لم يتناول قضمة واحدة من جزرته.»
فرفع جون يده قائلًا: «بما أن بيتر ليس هنا، فهل يمكنني أن أجلس مكانه؟»
فأجابت ويندي التي تعودت أن تشير إلى بيتر على أنه والد الأطفال: «تجلس مكان والدك؟ لا.»
فتذمر جون قائلًا: «إنه ليس والدنا الحقيقي.»
أراد توتلز بدوره أن يشترك في اللعبة فقال: «هل بإمكاني أن أصبح الأب؟»
فقالت ويندي: «لا.»
فسأل: «إذن هل بإمكاني أن أكون الطفل الأصغر؟»
فقال مايكل الذي أودعته ويندي في السلة المريحة التي ينام بها: «أنا الأصغر.»
فاغتم سلايتلي.
وقال أحد الصبية: «سلايتلي يضع مرفقة على المائدة.»
فقال آخر: «التوءمان تناولا الحلوى قبل الخضار.»
فقال ثالث: «كيرلي يأكل الزبد والعسل كله.»
فقال رابع: «نيبز يأكل وفمه ممتلئ.»
ألا تشبه تلك حياة الأسرة العادية بالضبط؟ بعد أن غُسلت الأطباق التي تخيلها الأطفال، جلست ويندي بجانب النيران تخيط جوارب بها ثقوب كبيرة فيما لعب الصبية حولها. كانت سعيدة للغاية بأسرتها الصغيرة المتآلفة لكن ثمة ما كان ينقصها.
فجأة تناهى إلى سمع ويندي صوت خطوات فوق الكهف.
فقالت: «هذه خطوات بيتر، حيوا والدكم عند باب المنزل يا أطفال.»
فدخل بيتر الكهف بهبوط الشجرة الخاصة به وركض الأطفال إليه في سعادة. كان قد جلب لهم هدايا وجوز بندق — من التمساح — في الوقت المناسب لويندي. فعل هذا بتعقب التمساح إلى أن عرف كم الساعة.
قالت ويندي: «أنت تسرف في تدليلنا يا بيتر.»
وصاح التوءم: «نريد أن نرقص.»
فقال بيتر الذي كان مزاجه طربًا: «افعلا هذا.»
فقال الصبية: «ارقص أنت وماما أيضًا.»
فقالت ويندي: «تعال يا بيتر. اذهبوا يا أطفال لترتدوا مناماتكم.»
وفيما ركض الصبية لعمل ذلك، تشارك بيتر وويندي لحظة صمت.
قال بيتر وهو يدفئ قدميه بجوار النيران: «الحياة رائعة، أليس كذلك؟ حياتي أنا وأنت والصغار؟»
فوافقته ويندي الرأي قائلة: «أعتقد أن كيرلي له أنفك.»
فقال بيتر: «ومايكل يشبهك.»
ثم بدا عليه فجأة الخوف.
وسأل: «ويندي، نحن نمثل الآن، ليس إلا، أليس كذلك؟ أنا لست والدهم بالفعل، أليس كذلك؟»
فتأملته ويندي بضع ثوان.
ثم قالت في آخر الأمر: «إنها تمثيلية.»
فصاح بيتر: «حمدًا لله. لا يمكنني أن أصف لك كم أشعرني سماع هذا بالارتياح! كنت سأشعر بأنني مسن للغاية إن كنت والدهم.»
فسألته ويندي: «وما هو شعورك حيالي؟»
فطرف جفنا بيتر، وكأنه لم يفهم سؤالها بالضبط.
فتنهدت هي وذهبت لتجلس في الطرف الآخر من الغرفة وهي توليه ظهرها. في هذه اللحظة خرج الصبية وغنوا ورقصوا لبيتر وويندي وهم يرتدون مناماتهم، فلما فرغوا من الرقص، خلدوا إلى النوم للاستماع لقصة قبل النوم التي تحكيها ويندي، وهي قصة أحبوها حبًّا شديدًا، أما بيتر فقد كرهها. كان في العادة يغادر الغرفة أو يغطي أذنيه بيديه عندما تقصها ويندي، لكنه في تلك الليلية مكث ليستمع إليها.
بدأت ويندي القصة قائلةً: «يحكى أنه كان هناك سيد فاضل.»
فقال كيرلي: «أود أن تكون هناك سيدة أيضًا.»
وقال نيبز: «وأنا أريد أن يكون هناك فأر أبيض.»
فقالت ويندي: «صه، حسنًا، كانت هناك سيدة أيضًا، وكان اسمهما السيد والسيدة دارلينج.»
فانتفض بيتر في الطرف الآخر من الغرفة.
وقال جون: «مهلًا أنا أعرفهما.»
وقال مايكل: «وأنا أيضًا.» إلا أنه لم يكن واثقًا من كلامه.
فتابعت ويندي كلامها قائلة: «كان السيد والسيدة دارلينج متزوجين ولديهما ثلاثة ….»
فصاح نيبز آملًا: «ثلاثة فئران بيضاء؟»
فقالت ويندي: بل ثلاثة أطفال، وكانت لديهم حاضنة أطفال تدعى نانا، لكن يومًا ما غضب السيد دارلينج من نانا وقيدها في باحة المنزل، فطار الأطفال الثلاثة إلى نيفرلاند.»
فقال نيبز: «هذه قصة رائعة.»
فقالت ويندي: «تخيلوا كم حزن الأب والأم عندما غادرهما أطفالهما.»
فقال الصبية في حزن مصطنع: «الوالدان المسكينان.»
ثم قال أحد التوءمين مبتهجًا: «إنها قصة حزينة للغاية.»
فقالت ويندي: «إن كنتم تعلمون مدى قوة حب الأم، فلن تقلقوا.»
ثم أتى أكثر جزء يكرهه بيتر من القصة.
قالت ويندي: «الأم تركت نافذة حجرة الأطفال مفتوحة كي يطير الأطفال عائدين إليها يومًا ما.» ثم أغمضت ويندي عينيها وقالت: «ألا تتخيلون هذا، هل بإمكانكم أن تتخيلوا هذا المشهد السعيد.» «عندما يطير الأطفال في آخر الأمر عائدين إلى المنزل.»
صدر من الطرف الذي يجلس فيه بيتر من الغرفة آهة خافتة ولكن مسموعة.
فسألت ويندي: «هل تشعر بالألم يا بيتر؟»
فأجابها: «لا، ولكنك مخطئة بشأن الأمهات.» ثم التقط نفسًا عميقًا وقال: «قبل الآن بوقت طويل ظننت أن أمي أيضًا ستترك نافذة غرفتي مفتوحة من أجلي، لذا ظللت غائبًا عن المنزل ولعبت، لكنني عندما طرت عائدًا إلى هناك، وجدت النافذة مغلقة. لقد نسيتني تمامًا، وكان هناك صبي آخر ينام في فراشي.»
فسألت ويندي في قلق: «هل هذه الحقيقة أم أنك تتظاهر بذلك.»
لم يكن بيتر متأكدًا، لكن ما قاله أثار قلق الأطفال جميعًا حتى إنهم جميعًا ظنوا أن الأمهات على هذه الشاكلة.
فصاح جون: «لنعد إلى البيت فورًا يا ويندي. قد يكون الوقت تأخر وأغلقت أمنا النافذة.»
فقالت ويندي وهي تمسك بأخويها: «أجل.» لقد تخوفت للغاية من أن تكون النافذة مغلقة حتى إنها لم تفكر فيما قد يشعر به بيتر وسألته: «بيتر هل بإمكانك أن تعيدنا؟»
فأجاب بلا مبالاة وكأنها قد طلبت منه أن يناولها بعض البندق: «إن كنت تودين هذا.» فهو في النهاية لم يكن ليهتم بها إن لم تهتم هي به.
انزعج الصبية من مغادرة أمهم لهم فأحاطوا بها على نحو مخيف: «لن نتركك تذهبين. سنبقيك سجينة.»
فصاحت ويندي: «ساعدني يا توتلز.» إذ كانت تعلم أنه من تلجأ إليه رغم أنه كان أسخف الصبية.
فوقف توتلز بينها وبين سائر الصبية وقال «سيتعين عليكم مجابهتي أولًا.»
فقال بيتر: «لن نحتجز فتيات هنا قسرًا. بما أن الطيران يتعبك للغاية فسأطلب من الهنود إرشادك في طريقك بين الغابات، ثم ستقودك تينك لعبور البحر.»
فقالت ويندي: «أشكرك يا بيتر.» ثم التفتت إلى الصبية التائهين وقالت لهم: «تعالوا معنا. أنا واثقة من أن والدي سيتبنيانكم.»
كانت تقصد بدعوتها بيتر في المقام الأول، لكن الصبية جميعهم قفزوا فرحين.
ثم سألوا بيتر متوسلين: «هل بإمكاننا أن نذهب معهم يا بيتر.»
فأجاب في مرارة: «إن أردتم هذا.» فأسرع الصبية بحزم أغراضهم، أما هو فظل ساكنًا.
فقالت له ويندي بصوت خفيض: «اذهب لحزم أغراضك يا بيتر.»
فأجاب: «لن أذهب.» وليثبت لها أنه لا يبالي تقافز في أرجاء الغرفة وهو يغني.
فقالت له ويندي متوسلة: «لكن بإمكاننا العثور على والدتك.»
فأجابها: «لا أحب الأمهات! لن يخبرنني إلا بأن أنضج وأن أقلع عن المرح.»
شهد الصبية الآخرون هذه المحادثة في توتر. لن يذهب بيتر؟ إذن ماذا سيفعلون؟ أما زال بإمكانهم الذهاب؟ هل سيرغبون في ذلك بعد الآن؟
وقال بيتر: «والآن، لا أريد جلبةً لا داعي لها، لا وداع يملؤه العويل. سعدت بلقائك يا ويندي.» ومد يده ليصافحها بتهذيب.
فسألته: «هل ستعنى بنفسك؟»
فأجاب: «نعم، تينكر بيل هل أنت مستعدة؟»
فخرجت تينك من الكهف وهي تتذمر لأنها كرهت مساعدة ويندي، ولكن الفتاة على الأقل سترحل أخيرًا.
قال بيتر: «غادروا إذن.»
لكن عندئذ سمعوا صوت صدام؛ هاجم القراصنة الهنود وألغيت رحلة العودة إلى المنزل، الآن على الأقل.