هوك في غاية السعادة
كان هجوم القراصنة مفاجئًا إلى أقصى حد. حطم هوك كل القواعد التي تعود القراصنة والهنود اتباعها عند القتال؛ فلم يهاجم في الوقت أو المكان المسموح بهما، من هنا كان الهنود كافةً تقريبًا قد أصيبوا مع انتهاء المعركة، ولم يفر منهم سالمًا إلا تايجر ليلي.
ولما فرغ القراصنة من قتال الهنود لم يستطيعوا الوقوف ساكنين، فهم رغم كل شيء لم يأتوا من أجل الهنود. كان الهنود مجرد عقبة عليهم أن يتخلصوا منها كي يحققوا مرادهم وما أرادوه هو القبض على الصبية التائهين وويندي وبيتر أولًا وآخرًا.
كان بيتر فتى صغيرًا جدًّا، حتى إنه لا يمكن تصور كيف يمكنه أن يبث كل تلك الكراهية في قلب هوك، حتى إن كان قد رمى بيده للتمساح، لكن ثمة ما أثار سخط هوك في شخص بيتر. لم تكن تلك شجاعة بيتر أو جاذبيته، بل كان غروره وثقته المطلقة في ذاته وهي سمة يتمتع بها الكثير من الأطفال لكن أغلب الكبار يفقدونها تمامًا، لعل هوك بدوره فقد جزءًا من ثقته بذاته ويحاول أن يستعيده.
لكن كيف سيهبط القراصنة الأشجار المفرغة التي تسمح أحجامها لكل صبي من الصبية التائهين بالنزول.
كان الصبية لا يزالون يحاولون تحديد الفائز في المعركة من كهفهم تحت الأرض، فقادهم التفكير إلى أن الهنود إن فازوا بها سيقرعون طبول الطوم طوم الخاصة بهم؛ فهكذا رمزوا دائمًا إلى النصر.
سمع هوك هذا وهو يجلس على حافة إحدى الأشجار المفرغة، وتصادف أن سمي كان يجلس على طبلة طوم طوم، فأمره هوك أن يقرعها على الفور، فارتبك سمي لحظة ثم فهم الفكرة وابتسم.
دوى صوت طبول الطوم طوم: طاخ! طاخ! طاخ!
فسمع القراصنة بيتر وهو يصيح قائلًا: «طبول الطوم طوم؛ إذن فاز الهنود، لنصعد ونحتفل معهم.»
فهلل الصبية التائهون وأمر هوك رجاله باتخاذ مواقعهم والاستعداد لصعود الصبية من الأشجار.
كان أول من خرج من الأشجار هو كيرلي الذي تقاذفه القراصنة كالكرة من سيكو إلى سمي إلى ستاركي إلى بيل جوكس فنودلر.
انتزع القراصنة الصبية من الأشجار وتقاذفوهم بينهم على هذا النحو. أقل ما يوصف به هذا الأسلوب هو أنه نوع مختلف من الطيران عما تعودوه. بعدئذ كمم القراصنة الصبية وقيدوهم.
أما ويندي، فقد عاملها القراصنة على نحو مختلف، فقد كانت على الرغم من كل شيء آنسة، أو بالأحرى فتاة صغيرة وحتى القراصنة يتحلون ببعض الأخلاق؛ لما برزت من الكهف مد لها هوك ذراعه وانحنى لها في أدب شديد حتى إن وجهها احمر خجلًا، وقيدوها بأرق الحبال معتذرين لها، حريصين على ألا يؤلمها وثاقها.
أما عندما حان الوقت لتقييد سلايتلي فقد وجد القراصنة أن تكبيله سيتطلب حبالًا أكثر بكثير من التي استخدمت في تقييد ويندي وسائر الصبية، إذ اتضح أن سلايتلي كان يتناول في الآونة الأخيرة الكثير جدًّا من الوجبات الخفيفة سرًّا، بل أتى يوم في الواقع لم يستطع فيه دخول شجرته.
إذن كيف كان يدخل ويخرج من الكهف. كان قد شرع في توسيع فتحة شجرته كل ليلة أثناء نوم الصبية الآخرين.
حتى هوك سأله: «لم أنت أكبر حجمًا بكثير من الصبية الآخرين. أنت كبير وكأنك فتى ناضج تقريبًا.»
في الوقت الذي بحث فيه القراصنة عن المزيد من الحبال لتقييد بيتر واتت هوك فكرة رائعة؛ فأدرك كيف يصل إلى بيتر الذي ظل في الكهف تحت الأرض.
أشار هوك إلى سائر القراصنة باصطحاب الصبية التائهين وويندي إلى السفينة وتركه لينفذ خطته؛ فتسلل إلى شجرة سلايتلي ووجد فتحتها متسعة بما يكفي للسماح له بدخولها؛ فأرهف السمع لما يجري بالأسفل فلم يسمع صوتًا. هل كان بيتر نائمًا؟ أم كان ينتظر أسفل الشجرة بخنجر في يده؟
لم تكن هناك طريقة لاكتشاف ما يجري بالكهف سوى المحاولة، من ثم التقط هوك نفسًا عميقًا ونزل الشجرة وترك نفسه يسقط؛ فلما اصطدم بالأرض، انحنى لحظة منتظرًا أن تتكيف عيناه مع ظلمة الكهف الموجود تحت الأرض، وأخيرًا بدأت الأشياء تتضح له؛ فرأى الفراش الضخم في أحد أركان الكهف ورأى بيتر نائمًا عليه.
هذه المرة لم يكن بيتر يتظاهر، لم يدر بما يجري من حوله بالأعلى، وظن أن الهنود قد ربحوا المعركة وأن الصبية صعدوا إلى أعلى للاحتفال معهم.
لقد سعد بانتصار الهنود، لكن الصبية كانوا سيتركونه، لذا لم يشعر بأنه يود الاحتفال. لقد تظاهر بأنه لا يحفل بذلك، إلا أنه شعر بالحزن الشديد، ولما شعر بالحزن، أحس بالنعاس، وكان يوم ذاك بحاجة شديدة إلى النوم حتى إنه لم يحلم.
عثر هوك على بيتر في هذه الحالة؛ مغتمًّا نائمًا نومًا عميقًا خاليًا من الأحلام؛ فوقف عند الفراش ونظر إليه، فأشفق عليه بعض الشيء، فبيتر كان مع كل هذا طفلًا، وهوك لم يكن شريرًا تمامًا.
لكن بعدئذ ابتسم بيتر في نومه — لعله كان يحلم بالرغم من كل هذا — وبدت ابتسامته لهوك واثقة جدًّا إلى حد أثار غيظ هوك مجددًا.
لمح هوك زجاجة ماء على المنضدة الصغيرة التي تجاور فراش بيتر فأدرك ما عليه فعله بالضبط. كان يحمل معه على الدوام زجاجة سم تحسبًا لأسره. فأخرج الزجاجة من جيبه وأضاف بضعة قطرات منها إلى الماء الذي يشرب منه بيتر. سيرشف بيتر بعضًا من الماء فيسقط صريعًا.
نظر هوك إلى بيتر للمرة الأخيرة شاعرًا بالرضا، ثم تسلق شجرة سلايتلي، وما إن صعد إلى سطح الأرض، حتى أمال قبعة القائد التي يرتديها على رأسه بأناقة، ولف عباءته الداكنة حول نفسه على نحو درامي ثم غادر خلسةً.