خطر وشيك
نام بيتر وقتًا طويلًا حتى أيقظه صوت طرقات سريعة خفيفة على باب شجرته؛ فلما فتح عينيه وجد الكهف لا يزال مظلمًا، فتحسس سيفه وسأل: «من هناك؟»
لم يلق جوابًا سوى دقة أخرى.
فقال: «قلت من هناك؟»
لكن لم يكن هناك إلا الصمت مجددًا.
شعر بيتر بالخوف، لكن تسلل إلى نفسه أيضًا شعور بالحماس، إذ عشق المغامرات، لا سيما تلك التي يجابه فيها المخاطر. كان قلبه يخفق بسرعة، مع هذا قال: «لن أفتح الباب إلا إن تكلمت.»
فأجابه زائره أخيرًا بصوت جرس عذب: «أدخلني يا بيتر.»
كانت هذه تينكر بيل! فتح بيتر لها الباب بسرعة فطارت إلى داخل الكهف محمرة الوجه وقد تلوث رداؤها الجميل بالوحل.
أخبرت تينكر بيل بيتر بأن القراصنة قد أسروا الأطفال وويندي ويحتجزونهم الآن في سفينتهم.
فصاح بيتر وهو يهب لأخذ أسلحته: «علي أن أنقذها.»
لكنه قرر أولًا أن يرشف بعض الماء الذي تركته ويندي بجوار فراشه، فمد يده ليمسك بالزجاجة.
فصاحت تينك لأنها سمعت هوك يتمتم بما فعله وهو يسارع بمغادرة الغابة: «لا تفعل هذا؛ إنها مسمومة.»
فقال بيتر: «ماذا؟ كيف؟ من سممها؟»
فأجابت: «هوك.»
– «لا تكوني سخيفة، كيف استطاع هوك أن ينزل إلى هنا؟»
– «لا أعلم، لكنه فعل هذا.»
كان بيتر عنيدًا وعطشًا، لذا رفع الزجاجة ليشرب منها بأي حال، فطارت تينكر بيل بسرعة بين شفتيه والكوب ورشفت بعضًا من الماء بدلًا منه.
فاعترض بيتر قائلًا: «هذا الماء لي.»
فلم تجب تينكر بيل التي أخذت تدور في الهواء شاعرة بالدوار بعد أن شربت السم.
فقال بيتر وقد تسلل الخوف فجأة إلى نفسه: «تينك؟»
فأجابته بصوت ضعيف: «كان عليك أن تصغي إلي.»
فقال بيتر: «آه، لم جازفت بحياتك من أجلي يا تينك؟»
كان الوهن قد سرى إلى جناحيها، لكنها استطاعت أن تهبط برشاقة على كتف بيتر وقرصت أنفه بحنان للمرة الأخيرة، ثم همست في أذنه: «لأنني أحبك أيها الغبي السخيف.» ثم طارت بوهن إلى كهفها الصغير وألقت بجسدها على فراشها.
فجثا بيتر على ركبتيه بجانب جسدها النحيف في أسى ورأسه تملأ حجرتها كلها تقريبًا، وبدأ ضوء تينك يخبو. كان بيتر يعلم أنه إن انطفأ ستموت تينك.
فقال باكيًا: «آه يا تينك. ماذا عساي أن أفعل. أحتاج إليك. أرجوك لا تتركيني.»
فقالت تينك لاهثة: «أعتقد أنني قد أصبح بحال جيدة مجددًا إن آمن الأطفال بوجود الجنيات.»
لكن لم يكن هناك أطفال بالكهف! فنهض بيتر وصرخ مناديًا كل أطفال الكون؛ كل الصبية والفتيات الذين قد يحلمون الآن بنيفرلاند ويرتدون مناماتهم وينامون آمنين على فرشهم.
صاح بيتر سائلًا: «هل تؤمنون؟» فدوى صوته في كل أنحاء العالم واعتدلت تينك في وهن في جلستها وأرهفت السمع لتعرف مصيرها فسمعت هي وبيتر بعض الأصوات لكنهما لم يكونا واثقين من أنها الجواب.
فقال بيتر: «إن كنتم تؤمنون بالجنيات، فصفقوا بأيدكم. لا تدعوا تينك تموت.»
هذه المرة سمع بيتر وتينك الجواب، صفق الكثير من الأطفال. بعض الأشقياء الأشرار منهم صفروا، لكن أغلبهم صفق إلى أن توقف الصفيق فجأة بعد أن أسكتته الأمهات اللائي ساورهن القلق حيال أطفالهن فهرعن إلى غرفة نومهم لاكتشاف سبب هذه الضوضاء.
لكن هذا القدر من الصفيق كان كافيًا. نجت تينكر بيل! وبعدما عادت إلى طبيعتها لم تفكر حتى في شكر الأطفال الذين آمنوا بها، لكنها أرادت الانتقام من هؤلاء الذين صفروا.
قال بيتر: «علينا الآن أن ننقذ ويندي.»
آه لو كان لبعض التصفيق هذا المفعول السحري أيضًا.
فقالت تينكر بيل متجهمة: «أجل، أجل، علينا دائمًا أن نفكر في ويندي.»
كانت السماء ملبدة بالغيوم هذه الليلة والجو لم يكن مناسبًا للطيران. من ثم شق بيتر طريقه سيرًا على الأرض كالهنود. جذب انتباهه الهدوء الغريب الذي خيم على الجزيرة، وكأنها ما زالت في صدمة من أثر المعركة الأخيرة.
بحث بيتر أثناء سيره عن أشياء قد يتركها الصبية خلفهم؛ فقد دربهم على ترك علامات إن أسروا؛ فكان سلايتلي على سبيل المثال يترك علامة على الأشجار، وكيرلي كان يسقط حبًّا، أما ويندي فكانت تترك خلفها منديلها.
لكن بيتر لم يجد شيئًا.
فأقسم قسمًا غليظًا: «هذه المرة إما أنا أو هوك.»