سفينة القراصنة
توارت سفينة جولي روجر في الماء كتمساح يتربص بفريسته، وجلس القراصنة على سطحها يلعبون الورق أو يغفون قليلًا وهواء الليل البارد يملأه الضباب. أما هوك فلم يستطع اللعب أو النوم. لقد ذرع سطح السفينة جيئة وذهابًا في حيرة، إلا أنه لم يكن حزينًا؛ فبالرغم من كل هذا تخلص من بيتر بان ولن يمضي وقت طويل قبل أن يجبر الصبية على القفز من السفينة لملاقاة حتفهم، إلا أن سعادة هوك لم تكتمل لسبب ما.
كان كالسيد دارلينج يحرص على بعض الأمور؛ مثل الأخلاقيات الأرستقراطية وعادات الطبقات الاجتماعية الراقية، الأمر الذي أسماه بأصول اللياقة، كما أنه اهتم كثيرًا بآراء الناس به، لا سيما آراء من يتمتعون بأصول اللياقة.
وكان يتساءل كلما أقدم على فعل ما أو رغب في شيء ما إن كان هذا يتماشى مع أصول اللياقة، بل وأحيانًا ما تخوف من أن تتنافى مبالغته في الاهتمام بأصول اللياقة مع أصول اللياقة.
لكن هوك لم يكن تعيسًا وحسب بل كان أيضًا وحيدًا، وقد آلمه هذا مع أنه من الصعب تصديق ذلك. لم يكن لديه أطفال يحبونه، من العجيب أن يزعجه هذا لكن هذه هي الحقيقة.
حسد هوك سمي نوعًا ما؛ فسمي كان أقل القراصنة هيبة، مع هذا أحبه الأطفال، حتى إن مايكل جرب ارتداء نظارته. كان هوك يشتعل غضبًا عندما يخطر له أن الأطفال يفضلون سمي عليه، لذا قرر أن يتخلص من الأطفال نهائيًّا.
فصاح: «هل الأطفال مقيدون بحيث لا يستطيعون الطيران؟»
فأجابه القراصنة: «نعم، نعم.»
فقال: «إذن ارفعوهم بالرافعة.»
أوتي بالأطفال إلى سطح السفينة ليمثلوا أمام هوك.
فقال لهم: «سيقفز ستة منكم من سطح السفينة ليلقوا حتفهم الليلة، لكنني أريد توظيف خادمين على السفينة. من منكم سيكون خادمًا لي؟ من منكم سيتقدم للعمل لدي؟»
فتقدم توتلز وقال: «أنا يا سيدي، لكن أعتقد أن أمي سترفض أن أصبح قرصانًا. هل ستقبل والدتك بذلك يا سلايتلي؟»
فأجاب سلايتلي: «لا أعتقد هذا.»
وافقه التوءمان وسائر الصبية الرأي. لم تكن والدة أي منهم ستقبل بذلك.
فصاح هوك: «كفى!» ثم أشار إلى جون وقال: «أنت! يبدو أنك تتمتع ببعض الشجاعة. هل تود أن تصبح قرصانًا؟»
لطالما حلم جون في قرارة نفسه بأن يصبح قرصانًا، بل إنه انتقى لنفسه اسم قرصان هو: «جاك ذو اليد الحمراء»؛ فأقر بذلك بصوت منخفض لهوك.
فقال هوك: «عجبًا! هذا اسم جيد بالفعل.»
فسأل مايكل: «ماذا ستسميني إن انضممت إلى طاقمك؟»
فأجاب هوك: «جو ذو اللحية السوداء!»
راق لمايكل الاسم.
فسأل جون: «وهل سنظل رعايا صالحين لدى ملك إنجلترا؟»
فأجاب هوك: «كلا! سيتعين عليكم أن تقسموا قائلين: يسقط الملك!»
فقال جون آسفًا: «آه. إذن انس الأمر.» إذ لم يكن بمقدوره أن يتخلى عن إنجلترا.
فصاح هوك بصوت هادر: إذن ستقفز من السفينة أنت أيضًا لتلقى حتفك.
شحبت وجوه الصبية وهم يشاهدون جوكس وسيسكو يعدون لوح الخشب الذي سيسيرون عليه قبل أن يسقطوا في الماء، لكنهم حاولوا التظاهر بالشجاعة، لا سيما عندما أُتي بويندي إلى سطح السفينة.
كانت ويندي هي من تحلى بالشجاعة بين الصبية، فبرزت من أحد الطوابق السفلية بالسفينة مقطبة الوجه والغضب بادٍ عليها.
فسألها هوك بأدب: «هل أنت مستعدة لمشاهدة أطفالك يقفزون لملاقاة حتفهم؟ هل هناك كلمة أخيرة تودين توجيهها لهم؟»
فأجابت ويندي بصوت مرتفع واضح: «نعم، أنا أحمل رسالة من والداتهن الفعليات وهي أملهن في أن يموت أولادهن ميتة الشجعان، مرفوعي الرأس، كمواطنين إنجليزيين صالحين.»
فانتصب الصبية في وقفتهم بعض الشيء، محاولين التحلي بالشجاعة والقيام بآخر عمل لهم من أجل ويندي وأمهاتهم.
فصاح هوك: «قيدها بسارية السفينة.» فأطاعه سمي الذي همس لويندي قائلًا: «سأنقذك إن وعدت بأن تكوني أمًّا لي.»
فأجابته ويندي بازدراء: «أفضل ألا يكون لدي أطفال على الإطلاق.» مع أنه كان عليها أن تقر بأن سمي كان ألطف القراصنة.
حاول الصبية التحلي بالشجاعة وهم يوضعون على اللوح الخشبي. كانوا في نهاية المطاف مجرد صبية صغار، لذا لم يستطيعوا أن يمنعوا أنفسهم من الارتعاد والارتجاف خوفًا.
أدارت ويندي رأسها إذ لم تستطع النظر إلى هذا المشهد. فخطا هوك خطوة نحوها. لقد أرادها أن تشاهد الأطفال وهم يهبطون من حافة الألواح الخشبية، إلا أنه لم يستطع التأثير عليها على الإطلاق، ولم ينجح في انتزاع توسل منها بالإبقاء على الصبية، بل سمع بدلًا من ذلك صوت ساعة تدق. فأدرك أنه صوت دقات الساعة الرهيب الذي يخرج من التمساح.
تعلقت أعين الجميع فجأة بهوك. مشهد هذا القرصان الشجاع وهو يتجمد تقريبًا من الخوف مع اقتراب صوت الدقات يكاد يوصف بأنه محزن، حتى خطافه تسمر في مكانه وكأنه بدوره كان خائفًا.
سقط هوك على الأرض وزحف قدر استطاعته بعيدًا عن الصوت.
وقال متوسلًا: «خبئوني.» فاحتشد القراصنة في حزن حوله في منتصف السفينة.
ونظر الصبية التائهون إلى جانب القارب بحثًا عن التمساح، لكنهم وجدوا ما أذهلهم؛ لم يكن التمساح يتقدم، بل بيتر!
فأشار إليهم بيتر بألا يظهروا ما يدل على ذلك، وظل يتسلق السفينة وهو يقلد صوت الساعة.