هذه المرة إما هوك أو أنا
تحدث الأمور الغريبة كثيرًا وتفوتنا ملاحظتها. كانت هذه هي الحال عندما قلد بيتر صوت الساعة. مر بيتر في طريقه إلى سفينة القراصنة قبل بضع دقائق بالتمساح ولاحظ أنه لم تعد تصدر منه ضوضاء. فأدرك بعد تأمله لحظة أن الساعة التي ابتلعها قد توقفت على الأرجح عن العمل أخيرًا.
كان بيتر يعلم أن الحيوانات الضارية بالجزيرة تخشى التمساح وتبتعد لدى سماع صوت دقات الساعة، من ثم بدأ في تقليد صوت دقات الساعة دون حتى أن يفكر في ذلك كي يعبر الغابة بدون مجابهة مشاكل؛ فسمعه التمساح وأخذ يتعقبه، ربما لأنه افتقد صوت دقات الساعة.
سيطرت فكرة واحدة على رأس بيتر وهو يسبح إلى سفينة القراصنة مقلدًا صوت الساعة: «هذه المرة إما هوك أو أنا» لن ينجو من الموت إلا أحدهما هذه المرة.
لمح أحد القراصنة بيتر وهو يتسلق أحد جانبي السفينة، لكن قبل أن يصيح وضع بيتر يده على فمه، وأمسك به سائر الصبية بسرعة وألقوه عن ظهر السفينة في الماء ليصدر صوت اصطدام طفيف بالماء.
كان سائر القراصنة آنذاك ينظرون من الجانب الآخر من السفينة بحثًا عن التمساح، فتسلل بيتر على أطراف أصابعه إلى كابينة بطابق سفلي من السفينة.
قال سمي: «أعتقد أن التمساح قد ذهب.»
فصاح الكابتين هوك وقد تعكر مزاجه أكثر لأن الصبية رأوه وهو مذعور: «إذن لنشرب نخب اللوح الذي سيقفز من عليه جوني.»
وبدأ ينشد: «هوبا هوبا! سر على اللوح الهزاز حتى يهبط
وتهبط معه في البحر المظلم بالأسفل.»
ثم توقف عن الغناء.
وقال في تهذيب: «الآن أخبروني، هل ترغبون في تناول وجبة خفيفة قبل المغادرة؟ ثمة بعض الشطائر في الكابينة.»
فصاح الصبية: «كلا!» لا لأنهم لم يكونوا جائعين، بل لأن بيتر كان مختبئًا بالكابينة.
فقال هوك: «لا أستطيع أن أرسلكم إلى أعماق البحار ببطون خاوية. أليس كذلك؟ اذهب وأحضر الشطائر يا جوكس.»
فقال جوكس: «سمعًا وطاعة.» ودخل الكابينة.
فصدرت صيحة مريعة من الكابينة في غضون ثوان، تبعتها صيحة ديك غريبة حيرت القراصنة، أما الصبية فقد فهموا معناها تمامًا.
فسأل هوك: «ما هذه الجلبة؟ أهذا طائر؟ اذهبوا للاطمئنان على بيل جوكس.»
فدخل القرصان الإيطالي سيكو الكابينة ليلقي نظرة فشحب وجهه وقال: «لقد اختفى بيل جوكس.»
فسأل سائر القراصنة: «اختفى؟»
أجاب سيكو: «لا أستطيع الرؤية؛ فالمكان مظلم للغاية. ثمة شيء يصيح كالديك.»
فقال هوك: «اذهب وأحضره.»
فقال سيكو باكيًا: «لا تجعلني أفعل ذلك.» لكنه لما رأى هوك يلوح بخطافه أطاعه.
صدرت صيحة أخرى في غضون ثوان تبعها المزيد من صياح الديك.
فقال هوك: «من يأتيني بهذا الديك؟» ثم سأل: «هل تتطوع لذلك يا ستاركي؟ يبدو أن خطافي يرى هذا.»
فقال ستاركي بصوت خفيض: «أفضل أن أتراجع عن ذلك، ووافقه سائر القراصنة الرأي متمتمين.
فقال هوك: «هل أنا بصدد تمرد بقيادة ستاركي؟ ثم مد ذراعه نحو ستاركي قائلًا: أتود مصافحة يدي يا ستاركي؟
فتلفت ستاركي حوله بحثًا عمن يسانده لكنه لم يجد معينًا فتقدم هوك نحوه وعيناه تبرقان؛ فقفز ستاركي على مدفع القراصنة وزحف مرتجفًا بسرعة إلى حافته وقذف بنفسه في البحر.
فقال هوك: «لا بأس، سأحضر هذا الديك بنفسي.»
لكنه بعد دقيقة خرج مترنحًا بدون مصباحه.
وقال مرتجفًا: «شيء ما أطفأ مصباحي ولا أجد سيكو.»
كان القراصنة يؤمنون بالخرافات وقد فاق الأمر احتمالهم.
من ثم تمتم أحدهم: «هذه السفينة ملعونة.»
فوافقه الآخرون الرأي قائلين: «إنها مسكونة.»
فقهقه مايكل ضاحكًا لأنه كان يعلم أن بيتر هو من بالداخل، فلاحظ هوك هذا وجاءته فكرة.
قال هوك: «افتحوا باب الكابينة وادفعوا الصبية إلى الداخل. إن قتلوا الطائر؛ فهذا سيخدمنا أما إن قتلهم فلن يضرنا هذا شيئًا؛ نحن سنقتلهم بأي حال.»
تظاهر الصبية بالبكاء والمقاومة والقراصنة يدفعونهم إلى الداخل.
وقال هوك: «لنصغي الآن.» فتجمع القراصنة كلهم حول الباب.
عثر بيتر في هذه الأثناء على المفتاح الذي يفك أغلال الصبية الذين أخذوا يبحثون عن أسلحة، فيما تسلل بيتر من كوة في الناحية المقابلة من السفينة وفك قيود ويندي.
كان بإمكانهما أن يطيرا مغادرين السفينة لكن بيتر أقسم على أن يموت هوك أو هو هذه المرة؛ فطلب من ويندي الاختباء مع الصبية ولف نفسه بالعباءة التي كانت تلفها حولها ووقف مكانها عند سارية السفينة.
ثم التقط نفسًا عميقًا وصاح كالديك.
فزع القراصنة وتساءلوا: هل قتل الديك جميع الصبية؟ وهل سيقتلهم بعدئذ؟
قال هوك: «يا رجال، لعل الفتاة الموجودة على متن السفينة هي السبب في حظنا العاثر. لنتخلص منها، ونرى إن كان حظنا سيتغير.»
فصاح القراصنة: «لنُلقِها من على ظهر السفينة.» وهرعوا نحو الجسد الذي تلفه العباءة.
وقالوا: «ليس هناك من يستطيع إنقاذك الآن.»
فتمتم بيتر بصوت غريب: «ثمة شخص واحد يستطيع ذلك.»
قال هذا وهو يلقي بالعباءة كاشفًا عن وجهه، ففطن الجميع فجأة إلى ما يجري.
صاح هوك: «أمسكوا به!» إلا أنه لم يقل هذا بثقة؛ فقد شعر أن بيتر أوشك على أن يتفوق عليه من جديد، وهذا فاق احتماله وحطم قلبه الغليظ.
صاح بيتر: «قتال.»
فاندفع الصبية خارجين من الكابينة واندلعت معركة شرسة بينهم وبين القراصنة. القراصنة كانوا أقوى، إلا أن الصبية كانوا أذكى؛ إذ انقسموا إلى فرق زوجية لقتالهم، فقفز بعض القراصنة من على ظهر السفينة، وفر بعضهم واختبأ البعض الآخر، حتى لم يتبق إلا هوك.
فحاصره الصبية.
لكن هوك ظل شجاعًا قويًّا حتى وهو بمفرده، وظل يبعد الصبية عنه مستخدمًا خطافه فقط؛ إذ رفع أحد الصبية بخطافه واستخدمه كدرع لحماية نفسه.
فقفز بيتر إلى دائرة القتال.
وقال: «ابتعدوا! إنه لي!»
تبادل بيتر وهوك النظرات وقتًا طويلًا.
ثم قال هوك: «إذن أنت وراء كل هذا.»
فصاح بيتر قائلًا: «نعم أنا.»
فقال هوك: «أيها الفتى المغرور المتغطرس! استعد لأن تلقى حتفك.»
وقال بيتر: «وأنت أيضًا.»
تبعت هذا مبارزة حامية بالسيوف قاتل فيها هوك وبيتر بشجاعة، وفي النهاية انقض هوك لينال من بيتر بخطافه الحديدي، لكن الأخير انحنى وانقض عليه بسيفه مخترقًا ضلوعه.
حدق هوك في الجرح الذي أُصيب به ذاهلًا. كان الدم الوحيد الذي لا يطيق رؤيته — كما تذكر — هو دمه، فأوقع سيفه.
هنا صاح الصبية: «الآن!» حان الوقت للإجهاز على هوك! واندفعوا لكن بيتر رفع ذراعه مشيرًا لهم بالتوقف.
ثم قال لهوك: التقط سيفك. فالتقطه هوك وسأل بيتر: «من أنت؟ كيف أمكنك أن تهزمني؟ لا يعقل أن تكون مجرد فتى عادي.»
فقال بيتر: «أنا لست فتى عاديًّا، أنا الصبا، أنا المرح، أنا طائر صغير فر لتوه من عشه، وفوق كل هذا أنا فتى عادل.»
فضاقت عينا هوك وقال: «كفى! لنعُدْ إلى القتال!»
وهوى بسيفه بقوة، أي شخص آخر يبارزه كان سيصاب، لكن بيتر انحنى وكأن الرياح تؤمن له بالحماية، فتدفعه إلى المسافة المناسبة بعيدًا عن سيف هوك، هنا وهناك ….
يأس هوك ففر من المعركة ثم عاد بقنبلة يدوية.
وصاح: «ستنفجر هذه السفينة في غضون دقيقتين.»
فما كان من بيتر إلا أن التقط القنبلة وألقاها من على ظهر السفينة.
كره هوك هدوء وشجاعة بيتر. هل يعقل أن بيتر … كان … يتبع أصول اللياقة؟
لم يستطع هوك احتمال التفكير في هذا. دنا الصبية منه لكنه كان لا يراهم تقريبًا؛ فعقله انشغل بالتفكير في أمر آخر؛ في أيامه بالمدرسة عندما علم لأول مرة بأصول اللياقة.
رأى هوك بيتر يتقدم نحوه بسيفه فاستدار ووقف عند حافة السفينة ينظر إلى البحر؛ فوجد التمساح ينتظره.
فركله بيتر ليلقيه من على ظهر السفينة. أدرك هوك وهو يسقط أن بيتر لم يتحر هنا أصول اللياقة فأسعده هذا، ولما شعر بأنه الأسمى، ارتضى بالذهاب إلى التمساح.
بعدما انتهت المعركة، خرجت ويندي من كابينة السفينة بالطابق السفلي، ورقص الصبية حولها وأشاروا لها إلى كل بقعة قاتلوا فيها.
فقالت ويندي: «أجل، أجل. أنتم في غاية الشجاعة. لكن موعد نومكم قد فات. لنذهب إلى حجرات نوم القراصنة — مع أنها غير مرتبة — كي ننال قسطًا من الراحة.»
خلد جميع الصبية إلى النوم عدا بيتر، الذي نام على سطح السفينة بجانب مدفع القراصنة، وجلست ويندي إلى جانبه طوال الوقت، تمسح على رأسه لتحميه من الكوابيس.